سياسة الصين تجاه دارفور تتفق مع القانون والمبادئ الأخلاقية

رن شياو أستاذ بمعهد الدراسات الدولية، جامعة فودان بشانغهاي

صورة لوصول الدفعة الأولى من قوات حفظ السلام الصينية إلى دارفور

خريطة لولايات دارفور الثلاث

الممثل الصيني الخاص لقضية دارفور، ليو قوي جين (اليمين) في زيارة لدارفور

قرر مجلس وزراء خارجية دول الجامعة العربية في العاشر من سبتمبر هذا العام تشكيل لجنة عربية تضم مصر والسعودية والجزائر وليبيا وسورية وقطر برئاسة رئيس وزراء قطر وأمين عام الجامعة ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، لتولي ترتيب محادثات سلام بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة في دارفور. وقد جاء هذا القرار بعد قرار اتهام المحكمة الجنائية الدولية للرئيس السوداني عمر البشير بارتكاب جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية في دارفور، وهو القرار الذي أثار، ومازال يثير، جدلا بشأن قضيتي القانون الدولي والأخلاقيات الدولية.

بالنسبة للصين، تواجه دبلوماسيتها، شاملة صناعة السياسة وفلسفة شئونها الخارجية، تحديات جديدة بعد أن حصدت إنجازات هائلة وحققت تغيرات ملحوظة داخليا وخارجيا، خلال الثلاثين سنة من الإصلاح والانفتاح.

تنبع أفكار وممارسات الدبلوماسية الصينية رئيسيا من الاعتبارات التالية:

أولا، الأعراف المقبولة عالميا ومعايير وأعراف العلاقات الدولية التي تشكل أساس النظام العالمي؛

ثانيا، إرث التفكير والثقافة الصينيين التقليديين مثل الشهامة التي يجسدها قول كونفوشيوس: "لا تفعل بالآخرين ما لا تحب أن يفعلوه بك"؛

ثالثا، انعكاسات الإهانة التاريخية التي عانت منها الأمة الصينية بسبب الغزو الإمبريالي لأراضيها منذ حربي الأفيون (1839 –1842، و1865 –1860 على التوالي)؛

رابعا، تلخيص الممارسات الدبلوماسية منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، وبخاصة منذ انتهاج سياسة الإصلاح والانفتاح.

لقد شكلت الصين، خلال مسيرة الإصلاح داخليا والانفتاح خارجيا، مبادئها الأخلاقية بالجمع بين الأعراف التي تمارس عالميا مع غاياتها الخاصة. تلك المبادئ الصينية الخصائص التي تتسق على نطاق واسع مع الأعراف الأخلاقية هي أعمدة الدبلوماسية الصينية.

تمثل قصية دارفور بدون شك تحديا للدبلوماسية الصينية. هذه القضية، باختصار، أزمة إنسانية فجرها شح الماء والموارد الأخرى. وقد أدى النزاع الطويل الأمد بين الحكومة السودانية وميليشيات التمرد في دارفور إلى تشريد عدد كبير من الناس.

وحيث أن أسباب الوضع الراهن قد تكون معقدة للغاية، نحن هنا نناقش كيف يجب أن تتعامل الدول الأخرى مع الوضع إذا اتبعت المبادئ الأخلاقية وقامت بأفعال وفقا لذلك.

عندما طلب لويس مورينو أوكامبو، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية من المحكمة إصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس البشير، فإن قرار الاتهام يقتضي مناقشة واسعة حول القانون الدولي، ولكن قد يكون مناسبا البدء بالعواقب التي يجلبها هذا القرار.

ثمة شك قليل بأن حقوق الإنسان للناس- بمنطقة دارفور في هذه الحالة- يجب احترامها وحمايتها أولا، فالروح الإنسانية تحتل قمة الأولويات. بيد أن حقوق الإنسان ليست شيئا مجردا، وإنما يجب أن تنعكس في وقائع ويتمتع بها الناس، ومن ثم فإن الخطوة الهامة الأولى هي تلبية الاحتياجات الأساسية للناس، من مسكن وطعام وتوفير الأمان لهم بعيدا عن المخاطر. بدون هذا تصبح مناقشة أي شيء لا قيمة لها.

على هذا، ينبغي أن نركز على تقديم جهود بناءة للمساعدة في استعادة السلام في منطقة دارفور كي لا تظل الحرب تهدد حياة الناس. ومن هنا فإن اتهام المحكمة الجنائية الدولية يقودنا إلى لاشيء وإنما إلى الاتجاه المعاكس في وقت يتحسن فيه الوضع بالفعل هناك.

على النقيض من ذلك، مقترحات وأفعال الصين، الدبلوماسية وغير الدبلوماسية، في التعامل مع هذه القضية، تتفق مع المبادئ الأخلاقية. موقف الصين القائم على المبادئ انعكس في الاعتبارات التالية:

أولا، الإقناع الدبلوماسي. الإقناع بصبر وليس ممارسة الضغوط هو ما يجسد دائما أسلوب الدبلوماسية الصينية. لقد قامت الصين بعمل كثير لإقناع الحكومة السودانية في السنوات الأخيرة، ونذكر هنا مثالين: في أوائل نوفمبر 2006 عندما عقدت قمة منتدى التعاون الصيني- الأفريقي في بكين قال الرئيس هو جين تاو للرئيس السوداني الزائر عمر البشير إن قضية دارفور صارت حرجة عقب تبني مجلس الأمن القرار 1706، وإن الصين تأمل أن يستطيع السودان تعزيز الحوار والتشاور مع كافة الأطراف لتحقيق استقرار الوضع في الإقليم وتحسين الظروف الإنسانية. وقد قبل البشير في النهاية نشر قوات مشتركة من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في منطقة دارفور. وفي فبراير العام الماضي، اقترح هو جين تاو أربعة مبادئ لحل القضية، وذلك خلال زيارته للسودان ضمن جولة له في عدد من دول أفريقيا. المبادئ هي: احترام سيادة السودان ووحدة أراضيه؛ الحوار والتشاور على قدم المساواة والسبل السلمية لحل المشاكل؛ أن يلعب الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة دورا بناء؛ استقرار الوضع المحلي وتحسين ظروف المعيشة للسكان المحليين.

إن الضرورة الأولى هي تحقيق وقف شامل لإطلاق النار والإسراع بمفاوضات سياسية، لا تتضمن الفصائل غير الموقعة على اتفاق سلام دارفور. هذه المقترحات تلبي وتوازن بين المصالح المختلفة؛ ثانيا، تقديم معونة عملية للمحليين، وقد سلمت الصين خمس دفعات من المساعدات لمنطقة دارفور بقيمة إجمالية 11 مليون دولار أمريكي. الأكثر أن الصين قدمت قرضا قيمته 50 مليون دولار أمريكي للمنطقة للمساعدة في إنشاء مرافق المياه المحلية التي يجري فيها العمل حاليا، وساهمت بمبلغ نصف مليار دولار أمريكي لصندوق الأمم المتحدة للائتمان الذي تأسس خصيصا في سبتمبر العام الماضي لتمويل جهود الوساطة لدفع العملية السياسية لقضية دارفور؛ ثالثا، التوصل إلى اتفاق بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، وحكومة السودان حول نشر قوات مختلطة من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور، وقد ساهمت الصين بقوات حفظ سلام قوامها 315 مهندسا، وكانت أول دولة غير أفريقية ترسل قوات حفظ سلام إلى هناك؛ رابعا، الانخراط في الدبلوماسية المتعددة الأطراف وتوضيح الموقف للمجتمع الدولي.

لقد بذلت الصين جهودا كبيرة في هذا الصدد، ومن ذلك أنها أرسلت مساعد وزير الخارجية تشاي جون كمبعوث من الحكومة السودانية، لزيارة السودان ومنطقة دارفور بها والإطلاع على الوضع هناك. كما تم تعيين سفير الصين السابق لدى جنوب أفريقيا ليو قوي جين ممثلا خاصا لقضية دارفور. والحقيقة أن ليو زار السودان أربع مرات وناقش القضية مع الأطراف المعنية في مناسبات عديدة.

كل الأدلة السابقة تشهد بتوافق دبلوماسية الصين تجاه دارفور مع المبادئ الأخلاقية. إنه لتخفيف، وفي النهاية حل، الأزمة الإنسانية في منطقة دارفور، يجب اتخاذ أعمال بناءة وإجراءات قوية مع الالتزام بالمبادئ الأخلاقية.

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn