كان مساء السادس من سبتمبر ليلة تحقيق الحلم وليلة الفرح، فقد افتتحت في الإستاد الوطني دورة أولمبياد بكين 2008 للمعاقين. التقى أكثر من أربعة آلاف لاعب معاق من 147 دولة ومنطقة في بكين حيث تشاطروا فكرة "عالم واحد وحلم واحد".
العرض الفني الذي قدمه 420 معاقا بعنوان "تحليق مع الحلم" أبرز العنوان الرئيسي لأولمبياد المعاقين: " تجاوز الذات، الاندماج، السعادة المشتركة ". حلق طائر الشمس الذي يرمز إلى النور والدفء فوق "عش الطيور" ونهض المطرب الكفيف يانغ هاي تاو فرفع ستار المشهد الأول للعرض الفني: "رحلة الفضاء". وخلال حواره مع طائر الشمس، أزاح المغني الستار عن رحلة إيمانه بأن " هناك أحلاما في الحياة" وتحدث عن الأماني الطيبة في قلبه --- التطلع إلى حقيقة الحياة واكتشافها والشعور بها من أعماق المحيط الغامضة والأرض والسماء.
في المشهد الثاني: "رحلة الزمن"، جاءت لي يويه، الطفلة البالغة من العمر 11 عاما، والتي كانت تدرس الباليه ثم فقدت إحدى ساقيها في زلزال سيتشوان المروع، إلى وسط المسرح، فبرغم الكارثة التي حلت بها لم تتخل عن حلم الباليه، وأدت الطفلة على كرسي متحرك مع مائة فتاة صماء رقصة بعنوان "خطوات الرقص الأبدية" تعبيرا عن طموح المعاقين بتجاوز الذات.
وبعد ذلك جاءت الرقصة الثانية مع " رحلة الزمن " التي جاء إيقاعها بنغمة تفاؤل حينما بدأ عازف بيانو الكفيف جين يوان هوي العزف على خلفية مشهد تصويري رائع لتغير الفصول أبرز زهور الدراق وزهور اللوتس وحقول القمح الذهبية.
في المشهد الختامي: "رحلة الحياة"، دخل ألفا طفل المسرح على هيئة الضفادع والنوارس والعجول، والبط ، راقصين رقصة كارتونية تفيض بهجة، رمزا لتجمع الكائنات الحية في الكون وتمتعها معا بأوقات طيبة.
ومع 750 زوجا من الأيادي الرشيقة خفيفة الحركة، عرض 750 مؤديا مشهدا مثيرا لمجموعة من طيور النوء المحلقة والبجع والنوارس فوق سطح البحر الأزرق، محاكاة لشعار "التحليق مع الحلم".
في الدقيقة التاسعة والخمسين للساعة الثانية والعشرين، تسلم الشعلة المتابع السابع هو بين، الفائز بذهبية القفز المرتفع لأولمبياد المعاقين ثلاث مرات متتالية، وتحت أنظار المتفرجين تسلق الحبل على كرسي متحرك حتى وصل ارتفاع 39 مترا لتشغيل برج شعلة أولمبياد بكين للمعاقين، ففجر اللهب الأولمبي المقدس الحماسة في قلوب المتفرجين وأشاع الفرحة في أرجاء "عش الطيور". وأبرزت مراسم الإشعال الفريدة روح الكفاح بجلد في سبيل التقدم، وتجاوز الذات والسعي للأحلام وعدم التخلي عنها.
هدف أولمبياد المعاقين هو إبراز الطبيعة البشرية، وإثارة حماسة المشاركة والتناغم والحب. وتعد المشاركة في الألعاب الرياضية وسيلة هامة لانخراط المعاقين في المجتمع، كما أن الفوز في المسابقات الرياضية يساعدهم على بناء صورة إيجابية لأنفسهم ووضع أسس متينة لتطوير موقفهم من الحياة.
يقول أحد المعاقين إن المشاركة في الألعاب الرياضية تجعله أكثر ثقة بنفسه، لأنه يكتشف قدرته في الاعتماد على النفس والثقة بالنفس، وينبغي أن يكون مسؤولا عن نفسه بغض النظر عن الفوز أو الخسارة، كما أنه يتذوق فرحة النجاح عند الفوز ويشعر بأنه يستطيع أن يفعل ذلك دون أن يمنعه شيء.
ويمكن القول إن الألعاب الرياضية ترشد المعاقين إلى طريق الثقة في الحياة، أما الألعاب الأولمبية للمعاقين فتوفر للمعاق فرصة لإظهار الثقة بالنفس واحترام الذات.
وفي الوقت نفسه المشاركة في الألعاب الرياضية حق أساسي للمعاقين، ووسيلة هامة لاستعادة عافيتهم. منذ عام 1984 شاركت الصين في سبع دورات لألعاب أولمبياد المعاقين، التي تقام كل أربع سنوات.
أقيمت بالصين في السنوات الأخيرة 6200 دورة ومسابقة ألعاب رياضية للمعاقين. ويعزز المهرجان الوطني للألعاب الرياضية للمعاقين تطور القضية الصحية للمعاقين، مما يجعل الألعاب الرياضية للمعاقين في الصين أكثر نظامية ومعيارية ودولية.
تشارك الصين بمبادرة في تبادلات ومسابقات الألعاب الرياضية العالمية للمعاقين، ومنذ عام 1982 شاركت في ست دورات للألعاب الرياضية الصيفية للمعاقين ومسابقات الجوائز العالمية المختلفة.
وحسب خطة الحكومة، ستوفر الصين بحلول عام 2015 خدمات إعادة التأهيل أو استعادة الصحة لكل المعاقين، علما بأن الصين بها حاليا 19000 وحدة إعادة التأهيل أو استعادة الصحة للمعاقين، وقدمت خدمات إعادة تأهيل لـنحو 13 مليونا و300 ألف فرد. ويعتبر مركز إدارة الألعاب الأولمبية الصينية للمعاقين وحدة شاملة لإعادة تأهيل المعاقين، تضم التمارين والدراسات العلمية والنقاهة والطعام والسكن، وتبلغ مساحتها الأرضية 238235 مترا مربعا.
وكما قال السيد ليو تشي، رئيس اللجنة المنظمة لأولمبياد بكين، إن نجاح إقامة أولمبياد بكين 2008 للمعاقين سيدفع تطور قضية المعاقين في الصين، وقد اهتمت اللجنة المنظمة لهذه دورة بإنشاء مرافق خالية من العوائق، ونبذل جهودنا لبناء المجتمع المتناغم. خلال السنوات الأخيرة تم تزويد بكين، كونها المدينة المضيفة للأولمبياد، بمرافق خالية من العوائق في المترو والمطار ومحطات القطار، ورفعت المدينة نوعية الخدمات للمعاقين. وكما قال نائب الرئيس التنفيذي للجنة المنظمة لأولمبياد بكين تانغ شياو تشيوان: "أولمبياد المعاقين جعلت بكين مدينة كوزموبوليتانية أكثر تناغما وتقاربا".
يتجاوز عدد المعاقين في الصين، شاملا إعاقات السمع والنطق والإعاقات البدنية والعقلية والنفسية، 80 مليون فرد، أي 6% من إجمالي عدد سكان البلاد. وتعتقد حكومة الصين أن حماية حقوق المعاقين حق أساسي من حقوق الإنسان. كما يجب حماية حق المعاق مثل المواطن العادي، في التمتع المشترك بنتائج التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وفقا لإحصاء غير كامل، يوجد في الصين أكثر من 50 تشريعا يتعلق بالحماية القانونية للمعاقين. وقبل وقت غير بعيد أصدرت الصين قانونا وطنيا يجرم احتقار المعاقين.
و أقامت الصين نظاما تعليميا خاصا لمواطنيها من ذوي الاحتياجات الخاصة، يشمل التعليم الأساسي والتدريب المهني والتعليم العالي وتعليم البالغين . حتى عام 2007، أنشأت الصين 1667 وحدة تعليمية تقدم الخدمات للمكفوفين والصم والمعاقين عقليا.
الهدف النهائي لكافة الإجراءات التي تتخذها حكومة الصين هو أن يتمتع المعاقون بحقوقهم في التوظيف والضمان الاجتماعي والسياسي، وكذلك رفع مستوى معيشتهم. ومن هذه الناحية يمكن أن نقول إن أولمبياد المعاقين جاءت للعالم بفرصة لتعزيز فهم ومعرفة قضية المعاقين.
لمعلوماتك:
في عام 1948، في يوم افتتاح أولمبياد لندن الصيفية أقيمت مباريات لمصابين من الجنود البريطانيين في الحرب العالمية الثانية. في عام 1952 أقيم أول مهرجان رياضي دولي للمعاقين، كان بمثابة التمهيد لأولمبياد المعاقين. في عام 1960، بعد الأولمبياد الصيفية، جاء إلى روما 400 لاعب معاق من 23 دولة أوروبية وأمريكية، وأقيمت الدورة الأولى للألعاب الرياضية العالمية للمعاقين. وفي أولمبياد بكين للمعاقين 2008، شارك في المباريات 4032 لاعبا من 147 دولة ومنطقة.