ã

زيارة من نوع خاص

"الفن والحياة المعاصرة في الصين"

دكتور محمد نعمان جلال

الدكتور نعمان جلال (الثاني من اليسار بالصف الأول) في حفل افتتاح الدورة الثالثة لبينالي بكين، يوليو 2008

لوحة مشاركة في بينالي بكين 2008

تمثل الصين حضارة فريدة في نوعها، فهي عريقة تاريخيا، متنوعة الفكر فلسفيا وهي حديثة اقتصاديا وتكنولوجيا ومتوسطة الحداثة سياسيا واجتماعيا. زيارة الصين هذه المرة استهدفت التعرف على بعد جديد ومختلف بالنسبة لي، وهو التعرف على ما فيها وما حولها من فنون من خلال حضور المهرجان الثالث لبينالي الفنون في بكين والذي عقد من 8-10 يوليو 2008 والذي واكب وارتبط بالدورة الأولمبية في الصين. ما هي الملامح العامة لهذه الزيارة؟ الواقع أن الزيارة مليئة بالأحداث والوقائع التي تعكس الطبيعة المتغيرة للصين المعاصرة، ولكن يمكن تلخيص بعض الملامح العامة في النقاط التالية:

الأولى: اهتمام الصين بالبعد العالمي للحضارة. فالصين تقليديا ركزت على نفسها والانكفاء الداخلي، وأطلقت على نفسها اسم "المملكة الوسطى"، وماعداها فهم من البرابرة ولذلك أنشأت سور الصين العظيم الذي حماها من الغزاة الأجانب، ولكنه لم يحل دون انتشار إشعاعها الحضاري على المناطق المجاورة أو اختراق تجارتها من خلال  طريقي الحرير البري والبحري إلى الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا ثم أوروبا. اليوم يحدث تغير بالغ الأهمية وهو الاهتمام في الصين، ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا، بالعالم الخارجي، فالتقدم والتنمية الصناعية والتكنولوجية في الصين المعاصرة تعتمد على درجة ارتباطها ومن ثم انفتاحها على العالم الخارجي. إنها أصبحت تتحدث عن العولمة باعتبارها تيارا لا يقاوم ومن الضروري عدم إضاعة الوقت في مقاومته، وأنه من الأفضل الانضمام لهذا التيار للاستفادة مما به من مزايا. بالطبع تتوقف الاستفادة على مدى قوة الدولة ومتانة اقتصادها واستعدادها العسكري وقبولها الاجتماعي، وهذا ينعكس بالتأكيد على سلوك الصين الدولي وبخاصة في القضايا التي تطرح على الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن وغيرهما من المحافل الدولية.

الثانية: أن الانفتاح الصيني على العالم الخارجي تعزز بحصول الصين على شرف استضافة دورة الألعاب الأولمبية، ومع إقامتها للمهرجان الدولي للفنون وتركيز المهرجان على الروح الأولمبية والارتباط  بين الرياضة والفن والثقافة والاقتصاد والسياسة. وقد شارك في البينالي الثالث للفنون الشعبية فنانون (الرسم، النحت، التصوير، والخط) من حوالي 71 دولة بلغ عدد أعمالهم الفنية 700 عمل فني متنوع وحضر المهرجان 400 فنان وتنوعت القضايا الفكرية التي عبرت عنها تلك الأعمال؛ من الزلزال وآثاره في الصين إلى معاناة البشر، إلى ارتباط الفن بالحياة والعمران والرياضة ومفاهيم التسامح والحوار وقيم المحبة وإخاء وقيم العمل  والتعاون والنجاح والنصر. وعكس هذا التنوع مفاهيم التناغم والانسجام والتأكيد على شعار "عالم واحد، حلم واحد" في بينالي بكين الثاني 2006 وركز على الألوان والأولمبياد في بينالي بكين الثالث 2008. وإقامة هذا البينالي بعد تجربة جديدة في الانفتاح على الثقافات الخارجية، والتعلم منها والتفاعل معها.

الثالثة: أكد عدد من المتحدثين من الفنانين الصينيين والأجانب، خاصة الأوروبيين مع رفضهم مفهوم "الموت" الذي عبر عنه عدد من المفكرين الأوربيين والأمريكيين في القرن العشرين، مثل مفهوم نيتشه حول "موت الإله" ومفهوم مماثل "موت الفن"، ومفهوم "نهاية التاريخ" وما شابه ذلك من المصطلحات. وأكد هؤلاء على عدد من المفاهيم الفلسفية والأدبية والفنية وفي مقدمتها مفاهيم تجدد الحياة وتجدد القيم وتطور أوجه وصور التعبير عنها، وهي صور وأساليب وطرق فنية متجددة ولكن القيم والمشاعر والعواطف الإنسانية ثابتة ولن تنتهي إلا بانتهاء البشر لأن الفن هو انعكاس لقلب ومشاعر وأحاسيس الإنسان وهذه تتسم بالدينامية والتفاعل المستمر والتجديد المستمر، وبرز مفهوم التنوع في إطار من الوحدة ومقابلة مفهوم الوحدة في إطار التنوع.

الرابعة: برز في الندوة الفكرية التي أقيمت على مدى يوم كامل وشارك فيها فنانون من مختلف الأقاليم، ارتباط الرياضة بمفهوم التنافس كبديل للصراع المسلح والحروب، وارتباط ذلك بقدرات وإمكانيات الأفراد وتفاعلهم مع بعضهم البعض ومع المجتمع. وقد كانت الألعاب الأولمبية هي البديل السلمي للحروب بين المدن الإغريقية ثم تطور في العصر الحديث ليعكس التنافس بين الدول. كما طرح مفهوم ارتباط الفن بالحياة وبالمجتمع وأن الفن لا يمكن أن يعيش بمعزل عن ذلك، سواء في عالم اليوم أو في الماضي عند نشأته في اليونان أو في عصر النهضة حيث التسابق والتنافس بين الولايات والمدن الإيطالية وبين النبلاء والإقطاعيين.

كما برز الفن كأسلوب ومنهج للحوار بين الفنان وذاته وبينه وبين أفراد المجتمع الآخرين وبينه وبين صور حياة المجتمع وتطوره، ومن ثم أصبح الفن يعكس الطابع الإنساني وأيضا ظروف حياة الإنسان والتجمعات. وكما عكس فن القرون الوسطى دور الكنيسة في أوروبا عكس الفن الحديث في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين قضايا العولمة والبيئة والمناخ، فضلا عن قضايا الاشتراكية والرأسمالية والصناعة والعمران والنضال الوطني وحركات التحرر ومقاومة الاستعمار وما بعد الحداثة وما بعد القومية ونحو ذلك من المفاهيم المتجددة. فالفن مثل الحياة لن يموت وإنما هو حقيقة متجددة ومتطورة ويقوم على مفهوم الارتباط والتواصل، وأن يرى الفنان ذاته من خلال رؤيته للعالم أو يرى العالم من خلال ذاته. وهذه عملية لانهائية من التطور وتتأثر الثقافة والفن بأبعاده المختلفة بمحيطاتها وتفاعلها مع اليابسة وباختصار يتأثر الفن وكذلك الثقافة بعاملين أساسيين هما الزمان والمكان، ومن ثم تبرز السمات المشتركة للفنون والقيم والثقافات كما تبرز الخصائص الذاتية، التي يتفرد بها كل مجتمع في مرحلة ما من مراحل تطوره.

       وذهب الفنانون إلى أن العناصر المشتركة أكبر بكثير من العناصر المختلفة ومن الضروري الحفاظ على العنصرين.

الخامسة: أبرز عدد من الفنانين تأثيرا العولمة واقتصاد السوق على الثقافة، حيث المواجهة بين الثقافات القوية والثقافات الضعيفة أو الهشة، ودعوا إلى ضرورة التسامح وسعي كل من المثقفين للاستفادة من الجوانب الإيجابية في الأخرى؛ في الألوان والأساليب والمفاهيم لأنه من الضروري أن يعكس الفن روح التسامح كما أنه من اللازم أن يعكس الحرية الفردية وفي نفس الوقت يعكس الانفتاح على الآخر وعدم الانغلاق على الذات. لأن الفن يعني اللون ولا يمكن أن يظل اللون يغرد بمفرده بل لابد أن يدخل في حوار وتفاعل مع غيره من الألوان، وهكذا يعيش العالم المعاصر في إطار من التعاضد أو الاعتمار المتبادل لكي يصبح للحياة معنى وللوجود كيان والذات هوية، ويسود نوع من التوازن بين كافة المكونات في الحياة وفي الثقافة بل وفي ذات الإنسان بين نزعاته ومشاعره الروحية واحتياجاته المادية.

السادسة: كان التواجد الفني المصري واضحا، بمشاركة 6 فنانين مصريين( 5 من الشباب وفتاة) تبنتهم وزارة الثقافة، كما شاركت فنانة مصرية مقيمة في خارج مصر بعمل لها بمبادرة ذاتية واختيار المهرجان للوحات الفنية المتميزة التي قدمتها، وهي السيدة كوثر الشريف ولقد ثم اختيار لوحاتها ليس فقط للبينالي الثالث في بكين بل وأيضا لمهرجان الفنون الجميلة الذي عقد في أغسطس مواكبة للأولمبياد وكانت هذه سابقة هامة لهذه الفنانة المصرية التي قام فنها على أساس الهواية والخبرة العملية التي اكتسبتها والمعرفة التي حصلتها بذاتها وليس على أساس التعليم الأكاديمي التقليدي. وقد أقامت الفنانة كوثر الشريف عشرات المعارض في مصر والبحرين والصين وباكستان خلال خمسة عشر عاما من ممارستها الفعلية للفن التشكيلي وعرضها العديد من لوحاتها التي تعكس تراث مصر وحضارتها كما تعكس قضايا المجتمع المعاصر وما يتسم به من عنف ومن معاناة المرأة والطفولة وقضايا اجتماعية وسياسية متنوعة.

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn