خلال السنوات السبع الماضية، استعدت الصين، حكومة وشعبا، للأولمبياد كونها مناسبة تاريخية للسلام والصداقة والتقدم. وقد أثمرت تلك الاستعدادات نتائج أشاد بها الجميع، ومنها الإعجاب الشديد الذي أبداه الأجانب والصينيون بالملاعب الأولمبية وفي مقدمتها إستاد "عش الطيور" ومجمع "المكعب المائي" للسباحة.
من أجل تيسير المواصلات خلال الدورة الأولمبية، أتمت بكين العديد من خطوط المترو والكثير من خطوط أتوبيسات النقل العام، كما اتخذت إجراءات مرورية مؤقتة ومنها سير السيارات التي تنتهي لوحاتها برقم فردي في يوم ، والتي تنتهي برقم زوجي في اليوم التالي بالتبادل.
وعلى الجانب الأمني، شكلت المدينة جيشا قوامه 1500 مواطن عادي ليكونوا حراسا وأفراد أمن لحماية خطوط الكهرباء ومخارج ومداخل مرافق المواصلات العامة التي تخدم الألعاب، إضافة إلى فرقة دورية خاصة قوامها 400 فرد مهمتها حراسة خطوط التحويل الرئيسية في شبكة كهرباء شمالي الصين والتي تم تصميمها خصيصا لدورة بكين الأولمبية.
استعدادات بكين لفتت انتباه الجميع، وقد أشاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ولي عهد قطر ورئيس اللجنة الأولمبية القطرية بالاستعدادات الصينية، وقال إن بوادر النجاح بدأت بالظهور مبكرا، حتى قبل انطلاق الدورة. وتوقع الشيخ تميم، الذي مثل بلاده في حفل افتتاح أولمبياد بكين، أن لا تؤثر العوامل الجوية على نجاح الدورة ، قائلا إن اللجنة المنظمة تعاملت مع ذلك بإقامة المسابقات في أوقات مناسبة. وقد أصاب الشيخ في توقعه.
بالنسبة للصين، استضافة الأولمبياد لم تكن أبدا لهو أطفال، وإنما كانت مظهرا وعنصرا ثابتا لأحاسيس عديدة للصينيين الذين يشعرون بفخر شديد بإنجازاتهم. وكما أن كل بلد مضيف للأولمبياد يسعى إلى تقديم نفسه للعالم، فإن لدى الصينيين أسبابا وجيهة لمشاعرهم المغالية تجاه أولمبياد بكين، فتلك أول مرة يستضيفون الحدث الرياضي الأكبر في العالم، وقد شهد الصينيون خلال تاريخهم الطويل والثري فترات صعود وهبوط. ولم يبالغ عبد الله حسن، رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية، في التعبير عن إعجابه باستعدادات الصين، بالقول: "كانت أعمال التنظيم رائعة إلى أقصى درجة، حيث لم نجد أية صعوبة في التنقل إلى الإستاد أو العودة إلى الفندق. في داخل الإستاد، هناك لافتات إرشادية واضحة توضح المداخل والمخارج وأرقام المقاعد. ورأيت آلاف المتطوعين، يقدمون خدمات لكافة الموجودين .وأحيي جميع المتطوعين والمشاركين في العرض."
كما وصف حسن صقر، رئيس المجلس الأعلى للرياضة في مصر، حفل الافتتاح بأنه كان أسطوريا جمع بين الحضارة الصينية والتكنولوجيا الحديثة والمفاهيم الأولمبية، وقال إن مراسم الافتتاح كانت مبهرة وتدل على الإمكانيات العالية للصين، وإن الصين دولة كبيرة وعظمى، وإمكانياتها ظهرت تماما من ناحية استخدام التقنيات الفنية العالية، وأضاف حسن صقر أن مراسم افتتاح أولمبياد بكين، بدءا من العرض الفني الخاص بالعد التنازلي إلى عملية إشعال الموقد الأولمبي، كان تنظيمها رائع، وقد عرفت الجميع في كل أنحاء العالم بالتراث الحضاري الصيني باستخدام الملابس والديكور والموسيقى. وأعرب صقر عن إعجابه بالمنشآت الأولمبية في بكين، خاصة مجمع حمامات "المكعب المائي" للسباحة بواجهته الفريدة، والذي استخدمت في تصميمه وبنائه التقنيات العالية على مستوى العالم، وأيضا إستاد "عش الطيور" الذي يعتبر تحفة فنية ومعمارية.
وقد ذكرت محطة ((إن بي سي)) الأمريكية يوم 9 أغسطس أن تغطيتها لحفل افتتاح أولمبياد بكين لعام 2008 حصلت على نسبة مشاهدة فاقت أي دورة أولمبية أقيمت خارج الولايات المتحدة.
لقد كانت أولمبياد بكين أكثر من مجرد منافسات رياضية، بل حملت رسائل عديدة. وقد أبرز هذا المعنى المفكر المصري الكبير الدكتور أنور عبد الملك في مقال له بصحيفة "الأهرام" المصرية، تحت عنوان "عالم واحد، حلم واحد"، حيث قال: "يوم الجمعة 8 أغسطس 2008، في لحظة من التاريخ يشعر الجميع إيجابا أو سلبا بأن العالم يتغير وأننا أمام مرحلة جديدة تماما لم تتحدد معالمها بوضوح حتى الآن، وإن كان الشعور الغالب، الصريح أو الدفين، أنها تشهد صعود الشرق إلي مكانة الصدارة في صياغة تاريخ العالم الجديد.
لقد حرص الصينيون على أن يكون مضيفين رائعين وأن يفوا بالتزاماتهم أمام المجتمع الدولي وأن يؤدوا كل شيء على أفضل نحو في استطاعتهم. استعدوا لبذل جهود أكبر في حالة الضرورة، ولكن دون اعتبار للعواقب. وقد قيل إن النفقات ذات العلاقة بالألعاب الأولمبية بلغت 40 مليار دولار أمريكي، وقد انتاب البعض قلق من أن يعاني الاقتصاد الصيني مما يسمى بتراجع ما بعد الأولمبياد، ولكن المتحدث باسم المصلحة الوطنية للإحصاء نفى ذلك.
وقد أعرب المهندس محمد شاهين، رئيس بعثة مصر الأولمبية، عن إعجابه بالقرية الأولمبية وقال: "إنها أعظم وأكبر قرية في تاريخ الأولمبياد من حيث مرافق الإقامة والإعاشة".
وأشاد حسن مصطفى رئيس الاتحادين المصري و الدولي لكرة اليد، بما وصفه بالتنظيم الرائع لأولمبياد بكين، وقال مصطفى إن ذلك ليس رأيه الشخصي وإنما رأي جميع البعثات المشاركة في الدورة وهو ما لمسه أيضا خلال وجوده في بكين. وعن القرية الأولمبية قال إنها على أعلى مستوى كما أن القاعات والملاعب والتجهيزات المنتشرة في كل أنحاء بكين تؤكد على هذا التنظيم الرائع ومن الصعب المقارنة بين تلك الدورة والدورات السابقة، فهناك أمور جديدة ومتطورة كما كان في آخر الدورات قبل أولمبياد بكين. ووجه مصطفى الشكر إلى الصينيين على هذا الجهد الرائع وأعرب عن أمله في أن تأتي الدورات المقبلة على نفس المستوى من ناحية التنظيم.
لقد بذل رياضيو الصين كل ما في وسعهم للفوز بمزيد من الميداليات، ولكنهم لم يجعلوا من ذلك عبئا عليهم، وقد وضع العداء الصيني ليو شيانغ، صاحب الرقم القياسي العالمي في العدو 110م حواجز، نموذجا طيبا في ذلك عندما سئل عن تحطيم رقمه العالمي وأجاب بابتسامة وهدوء. لقد أدى هذا إلى خلق بيئة مريحة للرياضيين الصينيين دون أن ينال ذلك من همتهم.
لقد تمتعت بكين بشكل عام خلال الدورة بأجواء أمنية مستقرة، برغم وجود تهديدات أمنية تقليدية وغير تقليدية. وقد صرح نائب الرئيس الصيني شي جين بينغ يوم 9 يوليو بأن الأمن أهم عنصر لنجاح دورة بكين الأولمبية. ومن هذا المنطلق كانت قوات الأمن الأولمبية مسؤولة عن الأمن الجوي فوق بكين والمدن الأخرى الشريكة في الاستضافة، الأمن البحري على طول الخط الساحلي لبحر بوهاي، مساعدة الشرطة المحلية في التعامل مع أي هجمات إرهابية نووية أو كيماوية أو بيولوجية وبأي قنابل تقليدية، توفير الاستخبارات الأمنية، تنظيم عمليات الإنقاذ الطارئة والمساعدات الطبية، النقل بالهيلوكبتر، السيطرة على الحدود وإدارتها خلال الألعاب وتأمين استقرار المناطق الحدودية والساحلية.
لقد سعت قوى "استقلال التبت" و"استقلال شينجيانغ"، وقوى معادية أخرى إلى اغتنام هذه الفرصة لإعاقة أولمبياد بكين، ولكنهم فشلوا جميعا، كما فشلت من قبل القوى المعادية للصين من قبل في تشويه أولمبياد بكين من خلال تسييسها. وقد قالت الأميرة الأردنية هيا بنت الحسين، عضو اللجنة الأوليمبية الدولية، ردا على سؤال لقناة ((سي إن إن)) حول أولمبياد بكين: إن حدث هذا العام سيكون ناجحا بكل المقاييس، وإن تأثير الرياضة اعظم من السياسة أو الخطابة.
وقد تعهدت الصين بحرية الصحافة، وخلال جولته بالمركز الصحفي لدورة بكين الأولمبية، أكد لي تشانغ تشون، عضو اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، أن الصين ترحب بالصحفيين من أنحاء العالم بذراعين مفتوحين وعقل مفتوح ومستعدة لتقديم كل شيء ضروري لهم لتغطية الألعاب الأولمبية، دون امتعاض من "التقارير السيئة". وقال رئيس اللجنة الأولمبية الدولية جاك روغ يوم 17 يوليو إن الهيئات الصحفية يمكنها أن تقوم بالتغطية الإخبارية بحرية في الصين خلال الأولمبياد.
شملت مخاوف ما قبل الأولمبياد القلق البيئي، ولهذا الغرض بعثت اللجنة الأولمبية الدولية قبيل الافتتاح بمجموعة من المسؤولين لإلقاء النظرة الأخيرة على الملاعب، وقد غادروا وهم راضون تماما، وقال جاك روغ إن الصينيين حققوا تقدما ملحوظا في حماية البيئة. لقد أبرزت أولمبياد بكين بلا شك الروح الأولمبية واللون الحقيقي للصين، وأضافت فصلا رائعا لسجل البشرية.