في الحادي عشر من يونيو عام 2008، مرت شعلة أولمبياد بكين بأول حديقة وطنية في بر الصين الرئيسي، حديقة بولاتسوه، التي كانت المحطة الثانية لتتابع الشعلة الأولمبية في محافظة شانغري-لا التابعة لولاية دهتشينغ الذاتية الحكم لقومية تسانغ (التبت) بمقاطعة يوننان. احتفل أهل المحافظة بهذا الحدث بالأغاني وبرقصة رهبا لقومية التبت، في حين أكسبت المناظر الجذابة في الحديقة مراسم التتابع عناصر قومية فريدة.

 في مراسم التتابع لفت الانتباه شخص بدا مشغولا في منصة الرئاسة. هذا الشخص لم يكن إلا تشي تشا لا، أمين لجنة الحزب الشيوعي الصيني لولاية دهتشينغ، الذي اقترح قبل ثلاث سنوات فكرة إنشاء حديقة بولاتسوه. تحققت الفكرة، وتجاوز جمال الحديقة خيال الإنسان، فأينما يممت وجهك بها سمعت زقزقة الطيور وتنسمت عطر الزهور، وأمتعت ناظرين بمختلف أنواع وأشكال الشجر.

هنا شانغري-لا، حيث العراقة والسحر والجمال.  

تنمية مستدامة

قبل عشرين عاما، لم يكن يعرف محافظة تشونغديان من الصينيين إلا نفرا قليلا، بيد أن عام 2001 كان حقا علامة فارقة في تاريخ هذه المحافظة، عندما وافق مجلس الدولة الصيني (الحكومة)، على تغيير اسم المحافظة إلى شانغري-لا. منذ ذاك، شهدت المحافظة تغيرات مدهشة، لا تنفصل عن جهود وصمود تشي تشا لا، الذي يحلو له أن يسمي نفسه بالراعي التبتي. ولد تشي تشا لا في مرج جيانتانغ بشانغري-لا. وقد خرج إلى المراعي للعمل وهو في سن العاشرة، ليخفف الأعباء عن كاهل أسرته. ولما بلغ العشرين سنة 1979، شارك في امتحان الوظائف الحكومية لمحافظة تشنغديان، فنجح والتحق بالحكومة. يقول إنه تعلم من خبرة عمله في المراعي دروسا غير موجودة في كتب الدراسة، وهي خبرة تدفعه للعمل طول حياته من أجل تنمية مجتمع منطقة قومية التبت بمقاطعة يوننان.

ولاية دهتشينغ التي تقع في قلب ملتقى ثلاثة أنهار هي جينشا ولانتسانغ ونوجيانغ، وتحتضن الجبال الثلجية الثلاثة؛ ميلي وبايما وبالاقنغتسونغ، ومن التراث الطبيعي العالمي لليونسكو منذ سنة 2003، صارت نموذجا مشرقا للانسجام بين الإنسان والطبيعة، والتناغم بين الأديان والثقافات.

من أجل حماية الموارد الطبيعية والثقافية بدهتشينغ، وضع تشي تشا لا خطة للتنمية الإقليمية تتفق مع الظروف المحلية. وهو أول من طرح ونفذ استراتيجية "التضامن معا لتحقيق التنمية المشتركة" في منطقة شرقي هضبة تشينغهاى التبت، وهي الاستراتيجية التي عززت تضامن واستقرار وتنمية المحافظات المجاورة. يضع السيد تشي التنمية في المقام الأول ويتخذ من البناء الاقتصادي محورا لعمل الحكومة. ومن أجل تحقيق هدف بناء أجمل منطقة تبتية في الصين، يبذل تشي تشا لا مع أبناء الولاية الجهود لتوظيف الموارد السياحية لشانغري-لا، وجعلها ماركة سياحية معروفة في العالم، مع الالتزام الصارم بـمفهوم التنمية العلمية والحرص على إقامة "ولاية ذات بيئة صحية وتعددية ثقافية واقتصاد قوي".

وقد أثنى تشيان شينغ، رئيس تحرير صحيفة((دهتشينغ)) اليومية على السيد تشي تشا بأنه كادر جيد بعيد النظر وواسع الصدر، ويلعب دورا هاما في تحقيق التنمية السريعة لدهتشينغ.

 

أول حديقة وطنية في الصين

أجمل مناظر هضبة دهتشينغ تكون في شهر يونيو، حيث تتفتح الزهور ويزدهر العشب وتغمر أشعة الشمس أرضها، إضافة إلى مشاهد الجبال الممتدة وقطعان الغنم والماشية والأنهار والجداول والبحيرات المصقولة كالمرآة والغابات العذراء التي تناطح أشجارها السحاب، وغيرها من المناظر التي ترتفع ثلاثة آلاف متر عن سطح البحر. إنها الجنة على الأرض.

لعل أبرز مزية للسياحة في دهتشينغ هي "احترام الطبيعة والعودة إليها". هنا تتوفر كافة عناصر التنمية السياحية، الطبيعية والإنسانية. بدأ سنة 2004 تنفيذ خطة إنشاء منطقة شانغري-لا الكبرى للسياحة الإيكولوجية، التي طرحها تشي تشا لا، وكان إنشاء حديقة بولاتسوه خطوة حاسمة في الخطة. من أجل أن ترى خطته النور، ذهب تشي تشا لا مرات إلى الجهات الحكومية في بكين وكونمينغ، عاصمة مقاطعة يوننان، للحصول على الدعم. وبعد عامين من العمل الشاق، وتحديدا في الأول من أغسطس عام 2006، وبعد موافقة الجهات المعنية المركزية والإقليمية، افتتحت حديقة بولاتسوه الوطنية الواقعة في مركز "ملتقى الثلاثة أنهار" والتي تلتزم بمفهوم التنمية المستدامة وحماية النظام الايكولوجي لتحقيق التناغم بين الطبيعة والإنسان، ولتكون نموذجا سياحيا في مقاطعة يوننان.

وقد أوضح تانغ لي تشو، مدير عام شركة إدارة وتنظيم حديقة بولاتسوه، أن الحديقة استقبلت منذ افتتاحها وحتى إبريل هذا العام 830 ألف سائح وحققت دخلا سياحيا قدره 150 مليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 8ر6 يوان). في عام 2007 فقط استقبلت 560 ألف سائح وحققت دخلا سياحيا بلغ 104 ملايين يوان. وقال إن ثمة آفاقا واعدة لتنمية الحديقة، وإنها ستحقق مزيدا من الأرباح. وأضاف: "ما زلت أذكر مشاهد بناء الحديقة، وأمين لجنة الحزب تشي تشا لا، صاحب العطاء الأكبر في هذه العملية، وهو يقوم بنفسه بمسح ميداني للحديقة مشيا على قدميه، سبع مرات. وبفضل جهوده المستمرة ورؤيته البعيدة المدى، تم إنشاء الحديقة في غضون عامين فقط."   

 

ماركة سياحية عالمية

بعد النجاح في تغيير اسم المحافظة إلى شانغري-لا بدعم من الحكومة يركز تشي تشا لا مع زملائه حاليا على إقامة "منطقة شانغري- لا الكبرى للسياحة الإيكولوجية"، وجعل شانغري- لا ماركة معروفة عالميا.

وقد أولت حكومة الولاية في السنوات الأخيرة، اهتماما عاليا بحماية النظام الايكولوجي، فأقامت أول منظمة لحماية البيئة على مستوى المحافظة في المناطق التي يقطنها أبناء التبت، وأغلقت ثمانية مصانع تبث الدخان الأسود، ونجحت في السيطرة على تلوث أكياس البلاستيك منذ عام 2001 ووفرت الحماية لمنطقة "ملتقى الثلاثة أنهار" عن طريق التنمية المستدامة.

أوضح تشي تشا لا أنه لا وجود لماركة شانغري-لا السياحية، ولا حتى تنمية محافظة دهتشينغ دون بيئة ايكولوجية جيدة، فالنظام الإيكولوجي هو أساس التنمية. وقال إن الحكومة وهي تطور قطاع السياحة، يجب أن تهتم بحماية وبناء البيئة وتتمسك بالتنمية المستدامة. وقال: "القطاع السياحي صار صناعة رئيسية جديدة في دهتشينغ، وبرغم بطء تقدم قطاع السياحة لدينا بالمقارنة مع المناطق المجاورة، لم ولن نغير استراتيجيتنا. عدد السياح قليل ولكن الربح كبير، ونحن نفضل التنمية البطيئة نسبيا على ارتكاب الأخطاء."

الحذر الذي يلتزم به تشي تشا لا ينبع من حبه لشانغري-لا، كونها منطقة ثروات نفسية وفريدة من نوعها في الصين والعالم. وفقا لخطة الحكومة المحلية تضم منطقة شانغري-لا الكبرى للسياحة الإيكولوجية، جبال ميلي وبايما وبالاقنغتسونغ الثلجية، ومضيق هوتياو ومضيق شانغري-لا وحديقة تاتشنغديان الوطنية لحماية السعدان الذهبي وغيرها من المناظر الجذابة بالمنطقة. وستركز حكومة الولاية في السنوات المقبلة على بناء البنية الأساسية السياحية وجذب الاستثمارات السياحية وإقامة مركز ترفيه دولي، من أجل جعل منطقة شانغري-لا الكبرى للسياحة الإيكولوجية ذات شهرة عالمية.

 

حياة أفضل

أهل التبت ينطقون شانغري-لا، "شيانغبالا"، أي "الشمس والقمر في القلب"، ويعتقد أبناء قومية هان أن معناها هو"الجنة على الأرض"، بينما يحسبها الغربيون"جنة عدن".

في ميدان سيفانغجيه ببلدة دوكهتسونغ القديمة يتجمع أهل شانغري-لا والسياح من أنحاء العالم، حيث تتشابك أيديهم ويشكلون دائرة ويرقصون معا الرقصات القومية على أنغام الموسيقى المحلية، وتتسع الدائرة بانضمام مزيد من الناس إليها، سعداء مبتهجين.

يقول قونغ تشو دون تشو، صاحب مطعم ديانلاكا، أحد المطاعم الأسرية في دوكهتسونغ: "تشي تشا لا هو فخر أبناء شانغري-لا. وبفضل السياسة الجيدة للحزب الشيوعي الصيني واهتمام الحكومة المحلية بنا، تتحسن حياتنا يوما بعد يوم". هذا المطعم يحقق ربحا صافيا نحو ثلاثمائة ألف يوان سنويا، وهو مبلغ كان حلما في السابق.

دوكهتسونغ بلدة قديمة كانت مهجورة تقريبا في الماضي، ولكن بفضل تنمية قطاع السياحية استعادت جاذبيتها، فأقيمت في شوارعها المقاهي والبارات والمتاجر، وأقبل السياح إليها يتنسمون فيها عبق التاريخ. في عام 2005، فازت بلدة دوكهتسويغ بولاية دهتشينغ بجائزة "أكثر البلدات سحرا من حيث العادات والتقاليد القومية في الصين" في مسابقة لمحطة التلفزيون المركزية الصينية.

يصل عدد المطاعم التي يديرها السكان المحليون في دوكهتسونغ أكثر من عشرة، والتي يديرها الغرباء أكثر من ثلاثين وهناك ما يقرب من 100 شركة تعمل في مجال الترفيه والتسلية.

التقينا في دوكهتسونغ، بريطانيا اسمه ويليام، يعمل في شركة ديكور بالبلدة. قال إنه زار الصين لأول مرة سنة 2001، حيث وقع في غرام الصين والفنون الصينية. في عام 2004، أقام في شانغري-لا ومن يومها لم يرجع إلى بلده. وقال: "أحب الحياة هنا، السماء صافية والمناظر طبيعية والناس طيبون الشيء. البيئة هنا غير ملوثة والحكومة المحلية تؤدي عملها على خير وجه. كل أشياء هنا يحفز على الإبداع الفني."

تحدثنا مع السكان هنا، وعندما تطرق الحديث إلى التغيرات الضخمة في شانغري-لا اليوم، أعرب معظمهم عن تقديرهم المخلص للسيد تشي تشا لا، وقالوا: "هو مرشدنا إلى الحياة السعيدة"، و"هو يؤدي كثير من الأعمال الحقيقية لنا".

لقد تحولت شانغري-لا خلال سنوات محدودة من منطقة فقيرة مغلقة إلى منطقة ساحرة خالية من التلوث والضجيج، فهي حقا جنة على الأرض.