من قرية فقيرة غافية على ضفة اليانغتسي لا يزيد عدد أهلها عن خمسين أسرة، إلى مدينة صناعية ترصعها جبال خضراء وبحيرة صافية، رحلة عمرها خمسون سنة قطعتها ماآنشان، التي كانت مضرب المثل في التلوث الصناعي قبل عشرين عاما، وصارت اليوم نموذجا لمكان إقامة البشر.

مدينة وثلاثة "وجوه"

في ماآنشان، التي يعني اسمها حرفيا جبل سرج الخيل، تنتصب صخور تسايشي على ضفة نهر اليانغتسي مشكلة مع جبل تسويلوه صورة رائعة، يزيد من رونقها البحيرات والحدائق العديدة المتناثرة في أرجاء المدينة، التي تفخر بأنها الأولى في وسط الصين الحائزة على لقب"المدينة النموذجية لحماية البيئة".

كانت البداية في خمسينات القرن العشرين، عندما أنيطت مهمة تنمية صناعة الحديد والصلب الصينية بمدينة صناعية جديدة في شرقي مقاطعة آنهوي. بعد سنين عديدة، تحول مصنع الحديد والصلب في ماآنشان إلى شركة متعددة الأعمال، وواحدة من أقوى عشر مؤسسات للحديد والصلب في الصين. في عام 2007، بلغ إنتاج الشركة من الصلب 15 مليون طن، مما يجعل ماآنشان جديرة حقا بلقب "مدينة الحديد والصلب".

صناعة الحديد والصلب لها وجه آخر، مكسو بالغبار والدخان والأتربة والأمطار الحمضية، ولم تكن ماآنشان استثناء من ظاهرة التلوث البيئي لمدن الحديد والصلب، إلى أن أدرك أبناؤها استحالة تحقيق التنمية الاقتصادية على حساب البيئة. بعد ذلك، أصبح إصلاح الهيكل الصناعي ومعالجة التلوث البيئي والاقتصاد في استهلاك الطاقة موضوعات رئيسية على أجندة تخطيط المدينة.

شهد كثير من أبناء ماآنشان كيف تحولت بحيرة يويشان الصافية إلى بحيرة ملوثة مياهها عكرة ورائحتها كريهة، وكيف عادت البحيرة من جديد إلى صفائها ونقائها. لقد اعتبرت حكومة المدينة معالجة بحيرة يويشان الملوثة المهمة الأولى لها، ومن هنا خصصت 160 مليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 85ر6 يوانات) سنة 2001 لتنفيذ مشروع سحب المياه من نهر اليانغتسي إلى بحيرة يويشان. وفي عام 2004، خصصت 116 مليون يوان لتنفيذ مشروع المعالجة الشاملة لبحيرة يويشان، بحجز الشوائب وتنظيف الغرين وتبديل المياه.

ومن أجل تحويل هذه المدينة الصناعية إلى مدينة خضراء مناسبة لحياة الإنسان، وضعت الحكومة خطة لجعل ماآنشان"مدينة حدائق مطلة على نهر اليانغتسي".

بدأت الخطة مع بداية القرن الجديد، بأن رصدت حكومة المدينة أكثر من 20 مليار يوان لمعالجة التلوث البيئي والإصلاح التكنولوجي الشامل على مراحل، وتضمن ذلك تنفيذ عشرة مشروعات كبرى لمعالجة التلوث البيئي ومنع نشاطات 15 قطاعا صناعيا صغيرا، ووضعت معايير للانبعاثات للشركات الكبرى التي تلوث البيئة، ونقلت أكثر من 20 مصنعا من داخل المدينة إلى المناطق والمجمعات الصناعية لحل مشكلة النفايات والضجيج داخل المدينة، وبذلك أنجزت مهمة التنمية الاقتصادية الخضراء. في عام 2006، زاد الناتج المحلي الإجمالي للمدينة بنسبة 16%، وعلى الرغم من ذلك، انخفض حجم استهلاك الطاقة لكل عشرة آلاف يوان من الناتج الإجمالي المحلي بنسبة قدرها 7ر4%، وانخفض حجم انبعاث الملوثات الرئيسية بنسبة قدرها 2%.

 

مدينة ثقافية تقرض الشعر

مدينة الصحة الوطنية، مدينة الحدائق الوطنية، المدينة النموذجية الوطنية لحماية البيئة، و نموذج البيئة المعيشية الصينية، جائزة دبي الدولية لنموذج تحسين البيئة المعيشية المتفوق، والمدينة الصينية النموذجية المتفوقة في معالجة البيئة المائية، ألقاب وجوائز وأنواط بيئية ترصع عنق ماآنشان، في السنوات الأخيرة، وهي جميعها تعكس التقدم الثقافي الذي حققته المدينة.

والحقيقة أن ماآنشان كانت المقصد المفضل لعدد كبير من النبلاء والوجهاء قديما لقضاء خريف العمر. وقد أحب الشاعر العظيم، عمدة مدينة شيوانتشنغ من أسرة تشي الجنوبية، شيه تياو، جبل تشينغشان في ماآنشان، فبنى دارا جنوبي الجبل وسمى هذا المكان "مدينة بين الجبل والنهر". وأحب الشاعر لي باي قراءة شعر شيه تياو عن الجبال والأنهار، وقال عنه: "عمدة شيوانتشنغ شيه أبدع الشعر طوال حياته"، وتمنى لي باي الإقامة قرب جبل تشينغشان للتعلم من شيه تياو. وأخيرا، أبدع لي باي أكثر من 50 قصيدة رائعة عن مناظر ماآنشان الجميلة، وأمضى بقية حياته فيها. من أجل إحياء ذكرى لي باي، قررت حكومة ماآنشان اعتبارا من عام 1989، إقامة مهرجان دولي لإلقاء الشعر. المهرجان الذي يقام في خريف كل سنة يجمع نخبة من محبي الشعر من داخل الصين وخارجها.

أمين لجنة الحزب بماآنشان، دينغ هاي، لا يرى في الشعر عملا أدبيا وثقافيا فحسب، وإنما نوع من قوة الإنتاج أيضا؛ فمن خلال تعلم الشعر وإلقائه وإبداعه، وعى أبناء ماآنشان أهمية الجبال والأنهار بالمدينة وأدركوا مغزى أن تكون ماآنشان مدينة ثقافية، وفقا للرؤية التي طرحتها حكومتها المحلية.

من المعلوم أن بناء المدينة الشاملة وسيلة هامة لرفع مستوى الإدارة للمدينة. وقد أدرك قادة لجنة الحزب والحكومة المحلية بمدينة ماآنشان تدريجيا أن أعمال بناء المدينة الحديثة لا تقتصر على تحسين البيئة، وإنما تشمل دفع بناء الثقافة ورفع المستوى الثقافي للسكان. وبعد سنوات من التجارب التي خاضتها لجنة الحزب والحكومة المحلية بالمدينة، تشكل تدريجيا نظام فعال لبناء الثقافة، يركز على بناء مدينة حديثة ووضع الإنسان في المقام الأول والاهتمام بحياة الناس والعمل على رفع مستواهم، ودفع التنمية الإنسانية الشاملة التخطيط الموحد للبناء في المدينة والريف ودفع بناء الثقافة الروحية إلى الريف مع رفع الدرجة الثقافية للمدينة، العمل على البناء حسب الخصائص وإظهار تفوق المدينة في الموارد والتميز في البناء.

ومن المعلوم أيضا أن أي عملية بناء ثقافي لكي تنجح لابد أن تكون لصيقة ومتفاعلة مع اهتمامات المواطنين. في هذا الإطار، ومن أجل رفع مستوى معيشة أبناء المدينة والارتقاء بمؤشر السعادة لهم، أصبحت مظلة الضمان الاجتماعي الشاملة في المدينة والبلدات تغطي كافة المواطنين تدريجيا في بداية القرن الجديد. وبلغت نسبة تغطية التأمين ضد الشيخوخة والبطالة والضمان الطبي في المدينة والبلدات أكثر من 98%، وبلغت تغطية التأمين ضد إصابة العمل 81% والتأمين على المواليد 76%، كما تشكلت شبكة ضمان طبي لكل سكان المدينة.

 

مدينة جديدة

ماآنشان هي مدينة البحيرة والتسعة جبال. أما البحيرة فهي يويشان التي توفر للسكان مكانا للاسترخاء والاستجمام وتعد مكيفا بيئيا للمدينة. حديقة يويشان وحديقة جياشان وغيرهما من حدائق المدينة مفتوحة مجانا ليستمتع الناس هنا بالمناظر الخضراء الرائعة ويتحقق التناغم بين الإنسان والطبيعة.

الزيادة السكانية بمعدلات عالية، مشكلة واجهتها ما آنشان خلال الخمسين سنة الماضية، فظلت مسألة تخطيط المدينة والحاجة إلى توسيع المدينة وتطويرها بشكل علمي قضية ملحة.

في سنة 1978، كانت مساحة أحياء المدينة 30 كيلومترا مربعا، وحتى سنة 1998، كانت المساحة تزيد بمعدل 2- 3 كم مربع سنويا. مع بداية القرن الحادي والعشرين، ومن أجل مواجهة اشتداد التنافس الاقتصادي الإقليمي والتنمية السريعة للمدن المجاورة، وضعت لجنة الحزب والحكومة المحلية بمدينة ماآنشان هدف "بناء مدينة حديثة مساحة أحيائها أكثر من مائة كيلومتر مربع وعدد سكان أحيائها أكثر من مليون نسمة في غضون 10 أو 15 سنة"، فكان ذلك إرهاصا بدخول عملية بناء المدينة إلى مرحلة جديدة.

وفقا لخطة "بناء مدينة ماآنشان الجديدة"، بدأت الحكومة المحلية وضع خطة شاملة جديدة لبناء المدينة، تشمل تخطيطا مفصلا لبناء منطقة جديدة مساحتها الإجمالية 28 كيلومترا مربعا.

من أجل تعزيز إدارة تخطيط بناء المدينة، أدخلت لجنة الحزب والحكومة المحلية بالمدينة إصلاحات وتعديلات على وظائف الدوائر الحكومية، وأقامتا لجنة للتخطيط تابعة لحكومة المدينة مباشرة، وتقوم اللجنة بأعمالها برئاسة قادة حكومة المدينة. أما لجنة المدينة للإنشاء والتعمير، فتركز على تعزيز الرقابة على مشروعات الإنشاء والتعمير وتشجير الحدائق وقطاع العقارات، وتعزيز الإدارة لبناء المدينة، من أجل إقامة مشروعات متفوقة وتوفير الخدمات الإنسانية ومعايرة الإدارة الطويلة المدى ورفع مستوى الإدارة بشكل علمي. وفي السنوات الأخيرة، بذلت حكومة المدينة أقصى جهودها في بناء شبكة الطرق الرئيسية في داخل أحياء المدينة، وبناء عديد من المناطق التجارية والاقتصادية، وتجميل المناظر الخضراء قرب بحيرة يويشان، وتحسين بيئة المعيشة للأحياء، وتحسين نظام الصرف الصحي لكل المدينة.

مياه صافية، سماء زرقاء، شوارع واسعة، بنايات حديثة، ملامح منتظمة. هذه هي صورة ماآنشان التي يتسابق المستثمرون من داخل المدينة وخارجها إلى إقامة المشروعات فيها.