ã

دور أكبر للترجمة في التبادل الثقافي

هوانغ يو يي

المنتدى الرابع للمترجمين الآسيويين عقد في بكين، نوفمبر 2004

ميريام لي، نائبة رئيس الاتحاد الدولي للمترجمين تطلع على الترجمات الصينية لسلسلة ((هاري بوتر))

في 5 إبريل عام 2007، وقع بيتر كراوتسشكي، رئيس الاتحاد الدولي للمترجمين وليو شي ليانغ، رئيس الجمعية الصينية للمترجمين اتفاق التعاون للدورة الثامنة عشرة للمؤتمر العالمي للترجمة.

 

الترجمة، كونها جسر تعاون وتبادل بين الشعوب والثقافات واللغات المختلفة، سبيل لا غنى عنه لنشر الثقافة. والترجمة ذاتها نتيجة، وشرط في آن، لانتشار الثقافة. وهي كذلك تعبير ملموس لمستوى علاقات الدولة الخارجية وبيئتها الإنسانية. في شهر أغسطس، وبينما تستضيف العاصمة بكين الدورة التاسعة والعشرين للألعاب الأولمبية ستحتضن مدينة شانغهاي نخبة متميزة من مترجمي العالم في الدورة الثامنة عشرة للمؤتمر العالمي للاتحاد الدولي للمترجمين الذي يعقد في آسيا لأول مرة.

 

مسرح للتنوع الثقافي

عقدت سبع عشرة دورة للمؤتمر العالمي للاتحاد الدولي للمترجمين. وقد انضمت الجمعية الصينية للمترجمين إلى الاتحاد سنة 1987، وبرغم أن فترة عضويتها ليست طويلة، نجحت  الصين في الحصول على شرف استضافة الدورة الثامنة عشرة للمؤتمر العالمي للاتحاد الدولي للمترجمين. وقد انتُخب مترجمان صينيان أعضاء بمجلس الاتحاد الدولي للمترجمين المكون من 17 عضوا، وقد أصبح واحد من هذين المترجمين نائبا لرئيس الاتحاد، لأول مرة في تاريخ الاتحاد يشغل صيني هذا المنصب. وكما قال رئيس الاتحاد الدولي للمترجمين بيتر كراوتسشكي، في تهنئته للصين باستضافة المؤتمر: "اختار المندوبون الحاضرون بالإجماع الصين مكانا لعقد المؤتمر العالمي الثامن عشر. هذا يعني أن للصين دورا حاسما في تاريخ الاتحاد الدولي للمترجمين وفي تطوير قضية الترجمة في العالم." 

الموضوع الرئيسي للدورة الثامنة عشرة للمؤتمر العالمي للاتحاد الدولي للمترجمين هو "الترجمة والتنوع الثقافي"، والتأكيد على أهمية التنوع الثقافي في ظل العولمة، وتأكيد الدور المهم الذي تلعبه الترجمة في دفع تطور حضارة البشرية والتمازج الثقافي. يبلغ عدد اللغات المستخدمة في العالم حاليا حوالي 6800، ثلثها لغات مكتوبة. الصين، وهي أكثر دول العالم سكانا، بها 73 لغة، منها اللغة الصينية المستخدمة في ربوع البلاد وتشتمل على سبع لهجات محلية رئيسية وأكثر من مائة لهجة فرعية. التنوع اللغوي والثقافي يثري حياتنا، فاللغات والثقافة ثروة مشتركة للبشر جميعا لا ينبغي أن نهملها أو نتركها. في زمن العولمة، يلعب المترجمون دورا هاما في حماية هذا التنوع الثقافي.

تلقى الدورة الثامنة عشرة لمؤتمر للاتحاد الدولي للمترجمين اهتماما عالميا كبيرا، وستكون دورة غير مسبوقة في تاريخ الاتحاد من حيث المحتوى والشكل والحجم. سيحضر أكثر من ألف مندوب من أكثر من 70 دولة ومنطقة من قارات العالم. سيلقي مسؤولون من الأجهزة المعنية بالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومن الأوساط الثقافية الأكاديمية الصينية والأجنبية كلمات في المؤتمر الذي يستمر أربعة أيام، وتعقد في إطاره حوالي مائة ندوة لموضوعات خاصة مثل الترجمة والثقافة والتعليم والاقتصاد والدبلوماسية وإدارة الصناعات والتكنولوجيا الحديثة الخ؛ ويقام خلال فترة المؤتمر معرض كبير للترجمة العالمية.

 

تاريخ الترجمة في الصين.. شاهد على تقدم وانفتاح المجتمع

بفضل الترجمة، تعايش الناس من مختلف الشعوب وقامت بينهم تبادلات وتمازجت الثقافات البشرية. الترجمة هي نتائج للتبادل بين الشعوب المختلفة، ودورها الأساسي هو إزالة حواجز اللغة والكتابة بين الناس والإسهام في التعامل والتبادل بين المجتمعات والمناطق المختلفة والدول ذات الخلفيات الثقافية المختلفة، فهي إلهام لأفكار ورؤى جديدة تشكل قوة دافعة لإصلاح وتقدم المجتمعات.

بلغت حركة الترجمة في الصين ذروتها ثلاث مرات: الأولى هي ترجمة الأسفار البوذية في الفترة الممتدة من أسرة هان الشرقية إلى أسرة سونغ (25 – 1279م)؛ الثانية هي ترجمة المؤلفات العلمية في بداية القرن السابع عشر، والثالثة هي ترجمة الكتب الغربية في الفترة الممتدة من حرب الأفيون حتى حركة 4 مايو (1840 – 1919م). خلال تلك الفترات قادت الترجمة حركة التبادل الفكري بين الصين والعالم.

ومنذ أن انتهجت الصين سياسة الإصلاح الاقتصادي والانفتاح على العالم الخارجي، دخلت الترجمة قمتها الرابعة، بدرجة غير مسبوقة في تاريخ الترجمة بالصين، من حيث المحتوى والشكل والحجم. لم تعد الترجمة مجرد وسيلة تقتصر على الشئون الخارجية والأعمال الأدبية والمؤلفات النظرية، وإنما توغلت في مجالات السياسة والاقتصاد والدبلوماسية والثقافة والتكنولوجيا والشئون العسكرية، فصارت جسرا للتبادل بين الصين والعالم.

في عام 1982، تأسست الجمعية الصينية للمترجمين  TACكمنظمة اجتماعية على مستوى الدولة. منذ إنشائها، تتولى مهمة تنظيم وإرشاد حركة الترجمة في الصين وتطويرها وتوحيد إدارة مهنة الترجمة. ونستطيع أن نرى بوضوح حاليا أن الترجمة صارت مهنة تخصصية، وأن أعمال الترجمة، كجزء من صناعة الخدمات الجديدة، تتطور يوما بعد يوم. حسب الإحصاءات غير المكاملة، يتجاوز عدد الأجهزة العاملة بالترجمة في الصين ثلاثة آلاف، وحتى نهاية عام 2007، بلغ حجم سوق خدمات الترجمة في الصين حوالي 30 مليار يوان (الدولار الأمريكي يساوي 6,9 يوان). وأدرجت الترجمة في مناهج التعليم العالي كفرع علمي مستقل وتطورت دراسة الترجمة من وسيلة إضافية لتعلم اللغات الأجنبية إلى تعليم اختصاصي لإعداد المترجمين الاحترافيين، ويوما بعد يوم تزداد نضوج الترجمة العلمية. لقد تطورت الترجمة من الترجمة التحريرية والشفوية في مجال الشؤون خارجية إلى الترجمة الفورية والترجمة البصرية والترجمة المذيلة الخ. لقد أدى استخدام التكنولوجيا الجديدة إلى تحطيم أسلوب الترجمة التقليدي المتبع منذ آلاف السنين، كما أن الترجمة باستخدام الآلات أو الترجمة بمساعدة أجهزة الترجمة مجال يتطور بسرعة.

ولا عجب أن المرء، حاليا، يستطيع في بقاع عديدة من العالم مطالعة وكالة أنباء شينخوا بلغات مختلفة يوميا، وقراءة صحيفة تشينا ديلي باللغة الإنجليزية، ومشاهدة برامج التلفزيون الصيني المركزي  باللغات الإنجليزية والفرنسية والأسبانية، وسماع برامج إذاعة الصين الدولية بثلاث وأربعين لغة. ومع تطور الإنترنت تنشر شبكات إنترنت صينية عديدة منها شبكة صحيفة الشعب اليومية وشبكة شينخوا وشبكة إذاعة الصين الدولية الأخبار حول الصين للعالم بعشرات اللغات. في المجموعة الصينية للنشر الدولي مئات من المتخصصين في الترجمة و25 لغة، وتنشر كتبا سياسية واقتصادية وثقافية خارج الصين. وتصدر أكثر من عشرين مجلة توزع في أكثر من 190 دولة ومنطقة خارج الصين، منها ((بيجينغ ريفيو)) الأسبوعية  و((الصين اليوم)) و((الصين المصورة)) و((الصين الشعبية)) الشهرية. فقد ظلت المجموعة تحتل مكانة متقدمة في حجم إصدار الكتب بالصين على مدى سنوات عديدة.

لا غرو أن نمو الاقتصاد الصيني بمعدلات سريعة يدفع نمو صناعة الترجمة بصورة جيدة. وبعد انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية واستضافة بكين لأولمبياد 2008 وإقامة المعرض العالمي (الإكسبو) 2010 في شانغهاي، سيرتفع حجم صناعة الترجمة في الصين كثيرا.

ونشير هنا إلى ما قاله أحد العاملين باللجنة المنظمة لأولمبياد ببكين، من أن اللجنة تحتاج خلال فترة أولمبياد 2008 أكثر من مائة مترجم محترف وترجمة أكثر من سبعة آلاف خبر صحفي إلى لغات متعددة، وتحتاج المؤتمرات الصحفية الرسمية ومراسم منح الجوائز أكثر من 150 مترجما شفويا بأكثر من 140 لغة.

 

آفاق كبيرة للتعاون الدولي

 مازالت صناعة الترجمة الصينية في مراحلها الأولى، فهي لم تنضج نضوجا تماما. كثير من شركات الترجمة في الصين تضع عينها على السوق الداخلية فقط وتفتقر إلى التبادل والتعاون مع الخارج، ولهذا فإن سوق الترجمة بالصين تعوزها الأنظمة والقوانين، ولكن المؤكد أيضا أن المؤسسات الأجنبية يمكن أن تجد لنفسها آفاق تطور هائلة في هذه السوق المتنامية.

ومن الملاحظ أيضا أنه مقارنة مع فيض الكتب الأجنبية التي تتدفق إلى الصين، عدد قليل من الكتب الصينية يأخذه طريقه إلى الخارج، وهذا أمر يجعل الأجانب لا يعرفون جيدا الصين. السبب الرئيسي لذلك هو قلة الكفاءات الصينية القادرة على ترجمة اللغة الصينية إلى اللغات الأجنبية.

قبل القرن العشرين انتشرت المؤلفات الصينية الكلاسيكية إلى الخارج بفضل المبشرين الذين جاءوا من الدول الأجنبية. ترجم المبعوثون اليابانيون إلى الصين في أسرة تانغ (618 – 907م)، كثيرا من المؤلفات الصينية القديمة إلى اللغة اليابانية. وترجم المبشر الإيطالي ماتيو ريتشي أربعة كتب هي (رسالة العلم الكبير، رسالة المحجة الوسطى، كتاب الحوار، كتاب منفوشيوس) إلى اللاتينية في أسرة مينغ (1368 – 1644م)، ثم ترجمها المبشر البريطاني جيمس لقه إلى الإنجليزية في أسرة تشينغ (1616 –1911م). وترجم الشاعر الأمريكي أرزا بوند قصائد أسرة تانغ إلى الإنجليزية. أما عدد الصينيين الذين ترجموا الكتب الصينية إلى لغات أجنبية مثل الأديبين المشهورين قو هونغ مينغ ولين يوي تانغ فقليل للغاية.

منذ تأسيس الصين الجديدة عام 1949، وعلى نحو خاص بعد انتهاج سياسة الإصلاح والانفتاح، نهض المترجمون الصينيون بترجمة عدد كبير من الكتب الصينية القديمة والحديثة إلى اللغات الأجنبية، ومنها ((حوليات كنفوشيوس)) و((كتاب الأخلاق للاو تسي)) و((حلم القصور الحمراء)) و((قصص الممالك الثلاث)) و((أبطال على شاطئ البحيرة)) وشعر تانغ وقصائد سونغ الخ. وتشمل مبادرات الترويج الأخيرة "الثقافة والحضارة الصينية" و"المفاهيم الرئيسية في الفلسفة الصينية". وكلاهما مشروعان كبيران لـ"التسويق الدولي للكتب الصينية في الخارج"، يشتملان على الكتابات الصينية الكلاسيكية والمعاصرة.

حسب بيانات ومعلومات المصلحة الصينية العامة للنشر، يعادل حجم ما تصدره الصين من كتب 10% فقط من حجم وارداتها من الكتب الأجنبية إلى الصين، وهذا يعني أن هناك حاجة كبيرة للمترجمين الذين يترجمون اللغة الصينية إلى اللغات الأجنبية. لذلك، يطلب الناشرون الصينيون من الطرف الأجنبي الذي يتعاون معهم ليس فقط شراء الكتب الجاهزة وإنما أيضا تقديم خدمات التحرير والتنقيح للمخطوطات الأصلية كي تتناسب مع أذواق القراء الأجانب.

ما زال التدريب على الترجمة في الصين يقف بعيدا خلف الطلب عليه، فمعظم مدارس ومعاهد الترجمة تفتقر إلى المواد الدراسية للترجمة في المجالات التخصصية، مثل ترجمة الوثائق القانونية والطبية والمصطلحات التقنية الخ. الآن لا يوجد فرع للترجمة القانونية والتجارية إلا في جامعة اللغات الأجنبية والتجارة الخارجية بقوانغدونغ. وهناك نماذج ناجحة للتدريب، مثل الدورات الصيفية للترجمة التي تقام بالتعاون بين الجمعية الصينية للمترجمين ومعهد مونتيري للترجمة، والمركز الصيني الأوروبي للمترجمين الكبار ببكين للتدريب على الترجمة الشفوية، المقام بالتعاون بين جامعة التجارة الخارجية ببكين وإدارة الترجمة الشفوية للاتحاد الأوروبي.

يتزايد عدد الشركات الأجنبية العاملة في الصين وهذا يزيد الحاجة إلى الترجمة من اللغات الأجنبية إلى اللغة الصينية، وربما لهذا السبب تبحث كثير شركات الترجمة الأجنبية عن شركاء تعاون في الصين، وشبكة الإنترنت تجعل هذا التعاون العابر للدول ممكنا.

إن ثقافات الشعوب والدول المختلفة هي التي تشكل التنوع الثقافي العالمي وامتزاج الثقافات  ينتج أنماطا ثقافية جديدة تدفع تقدم البشرية، وفي هذا يتحمل المترجمون مهمة ثقيلة ومسئولية عظيمة.

* هوانغ يو يي، نائب رئيس وأمين عام الجمعية الصينية للمترجمين، نائب رئيس المجموعة الصينية للنشر الدولي  

     
 

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn