التعليم في الصغر كالنقش على الحجر
من أجل توارث ثقافة قوميتهم والحفاظ عليها، حرص أسلاف قومية هوي المسلمة على أن يتعلم أطفالهم العلوم الإسلامية التقليدية، ووضعوا تربية وتعليم الأجيال الجديدة منهم في مكانة هامة من حياتهم.
يرجع تاريخ التعليم الديني الذاتي لقومية هوي إلى فترة أسرتي تانغ وسونغ (618-1279م)، حيث كان تعليم الأطفال داخل الأسرة ركنا هاما من حياة المسلمين. ولم يظهر مكان عام لتعليم الأطفال المسلمين ثقافتهم ودينهم حتى فترة أسرة مينغ(1368-1644م)، حيث ظهر في تلك الفترة ما اصطلح على تسميته بالتعليم المسجدي الذي جمع بين أسلوب التعليم الديني الذي كانت تستخدمه الدول العربية والإسلامية وأسلوب التعليم الصيني التقليدي للأطفال في المدارس الخاصة، وهو أسلوب تعليمي وتربوي إسلامي ذو خصائص صينية استند إلى ميزة تجمع المسلمين دائما في مكان واحد وانتشارهم في كافة أنحاء الصين. هذا الأسلوب الذي يتخذ من المسجد مكانا للتعليم ومن الإمام معلما، أهم مواده الدراسية هي تفسير القرآن الكريم والحديث الشريف والفقه وعلم التوحيد واللغة العربية وقواعدها. وكان المسجد يوفر لطالب العلم الإقامة والطعام والدراسة مجانا، من أجل تشجيع المسلمين على إرسال أطفالهم إلى المسجد للدراسة. وكان هذا الأسلوب التعليمي يلبي احتياجات المسلمين في تعليم أطفالهم ويحظى بإقبال من كافة المسلمين ووفر ضمانة هامة لبقاء الثقافة الإسلامية في الصين حتى يومنا هذا.
ومن الأمور الجديرة بالملاحظة، اهتمام أبناء قومية هوي بتعليم أطفالهم منذ الصغر، ذلك أن "الأطفال أحباب الله"، وقد دعا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى تعليم الصغار والاهتمام بهم. وبإرشاد من هذه التعاليم يثق المسلم الصيني بأن الطفولة هي أفضل وقت لتلقي العلم، وأن تعليم الطفل يضمن تنشئة إنسان طيب النفس وتشكيل أسرة منسجمة وإنشاء مجتمع مستقر.
يتلقى أطفال قومية هوي التعليم منذ خروجهم إلى الحياة، فبعد ولادة الطفل يقوم والداه بغسله ويدعوان إماما لتلاوة القرآن في أذنه والدعاء له، فيكون أول ما يسمعه هو كلام الله، ثم إعطاء المولود اسما دينيا، يكون عادة من أسماء الأنبياء والصالحين. وحسب تقاليد مسلمي قومية هوي، بعد مرور أربع سنوات وأربعة شهور وأربعة أيام على ولادة الطفل، يقيم له أهله ما يسمى بالصينية "ينغشيويه"، وهو ما يعني أن الطفل قد بلغ سن تلقي التعليم، فيبدأ أبواه تعليمه العلوم الإسلامية الأساسية في البيت.
حسب كتاب ((المعلومات العامة لتعليم قومية هوي)) الذي ألفه تشاو تشن وو، كان التعليم المسجدي في الصين، عند ظهوره، يهدف إلى تعليم الأطفال والشباب المعارف والعلوم الإسلامية الأساسية، التي تشمل العقيدة وأركان الإسلام والحروف والقواعد الأساسية للغة العربية. لم تكن المدرسة الابتدائية المسجدية صارمة، فقد كان الطفل يختار الصف الذي يدرس به حسب مستواه، ويجوز له أن يترك الصف الذي لا يرغبه.
لقد شكلت قومية هوي خلال السبعمائة سنة الماضية تقاليد رائعة في مجال تعليم وتربية الأطفال، من أهمها احترام المعلمين والتبرع للمدارس، فقد كان إنشاء المدارس الإسلامية في الصين يعتمد إلى حد كبير على التبرعات الخيرية. وكان المسجد يجمع من حين لآخر هبات وتبرعات أهل الخير من المسلمين ويقدمها لمن يحتاجها من طلاب العلم.
لقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقًا إلى الجنة". كما قال: "من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم". وبهذه الروح الإسلامية، هناك إجماع بين المسلمين في العصر الجديد على أن التبرع لقضية التعليم ومساعدة الطلاب الفقراء واجب لا يمكن التنصل منه، ولهذا كثيرا ما يتبرع رجال الأعمال المسلمون للطلاب الفقراء شكرا لنعم الله عليهم.
رياض الأطفال في شمال غربي الصين
تطوير التعليم في رياض الأطفال لا يهدف فقط تطوير مجتمع قومية هوي، بل المساهمة في التنمية المستدامة للوطن أيضا. في السنوات الأخيرة، شهد التعليم في رياض الأطفال بشمال غربي الصين تطورا مدهشا، ففي مقاطعة شنشي على سبيل المثال، أنشئت عشرون روضة أطفال كبيرة حديثة لأبناء قومية هوي منذ عام 1980 بتبرعات من رجال الأعمال من قومية هوي. وفي ولاية لينشيا الذاتية الحكم لقومية هوي بمقاطعة قانسو، التي يقطنها حاليا 197 ألف نسمة، نصفهم من قومية هوي، بلغ عدد رياض الأطفال 27 روضة يتعلم فيها 4450 طفلا، منهم 2300 طفل من قومية هوي، وهذا يعني أن 85% من الأطفال المسلمين يتلقون التعليم قبل دخولهم المدرسة الابتدائية. روضة هانجياسي التي تأسست قبل خمسين عاما، وكان عدد الأطفال بها في البداية عشرات فقط، صارت حاليا روضة حديثة مساحتها 2137 مترا مربعا، ومزودة بأنواع كثيرة من لعب الأطفال وأجهزة الأطفال والآلات الموسيقية وأجهزة التدريس الأخرى، وبها ستة صفوف يدرس بها 200 طفل ويعمل فيها سبع معلمات.
من أجل تحسين رياض الأطفال في شمال غربي الصين، يسعى القائمون عليها إلى جمع التبرعات وتعبئة الجهود الاجتماعية لهذا الهدف.
في مدينة شيآن عاصمة مقاطعة شنشي، يتحدث الناس عن ما شيو لان، مديرة روضة مينتسو (القومية)، فقد ذهبت هذه السيدة المسلمة إلى كل مكان لجمع التبرعات لروضتها. أنشئت روضة مينتسو عام 1991، بدعوة من المغفور لها السيدة تشن ون قوانغ، مديرة مسجد جيهفانغ للنساء، وكان عمرها آنذاك 94 سنة. ساهم 12 شخصا في تطوير التعليم بهذه الروضة بتبرعات منهم قدرها خمسة آلاف دولار أمريكي. بنيت هذه الروضة على الموقع السابق لمدرسة شيآن الابتدائية، وسُميت في البداية روضة هويهوي، وكانت موادها الرئيسية العلوم الإسلامية واللغتان الصينية والعربية. بجهود العاملين فيها، صارت نموذجا لرياض الأطفال في المقاطعة، في عام 1994، سميت رسميا روضة مينتسو للأطفال بمقاطعة شنشي، وكتب رئيس المقاطعة تشنغ آن دونغ بخط يده اسم الروضة على اللوحة المعلقة على بوابتها الرئيسية. خلال البضع عشرة سنة الماضية، وبفضل حسن قيادة ما شيو لان وروح الكفاح في بناء الروضة، تشكل فيها فريق من المعلمين المجتهدين ذوي الكفاءة العالية في التدريس. اليوم، تطورت روضة مينتسو من روضة تفتقر إلى التمويل والأجهزة التدريسية إلى روضة حديثة ذات مناظر جميلة تبلغ مساحتها ألفي متر مربع ويدرس فيها 300 طفل بعد أن كانوا 7 أطفال فقط.
روضة دونغجياوتشانغ للأطفال بمدينة لينشيا، عاصمة ولاية لينشيا الذاتية الحكم بقومية هوي، نموذج رائع آخر، فقد تحولت مساحتها الواسعة إلى بستان فيه أشجار الخوخ و المشمش والعنب وغيرها من النباتات التي تم تشكيلها في صورة رائعة على نحو يشيع البهجة في نفوس الصغار ويمنحهم سعادة الحياة في بيئة مثالية. وقد أوضحت المعلمات في هذه الروضة أن توفر الخضرة يفيد الصحة البدنية والعقلية والنفسية للطفل. وتقوم الروضة بتعليم الأطفال طريقة الزراعة في الربيع وتمكنهم من التمتع بسعادة الحصاد في الخريف.
مع زيادة عدد رياض أطفال المسلمين بشمال غربي الصين، ومن أجل توفير بيئة حياة رائعة ومريحة لهم، ارتفع مستوى رياض الأطفال كثيرا من حيث الأجهزة والبنية الأساسية، وزادت المخصصات المالية لها أضعافا. ما يدعو للإعجاب حقا هو أن بعض الرياض الخاصة التي تواجه ظروفا مالية صعبة، يلجأ القائمون عليها إلى تصنيع لعب متوسطة الحجم بأيديهم ليستمتع بها الأطفال.
ما يحدث في شمال غربي الصين ليس فقط زيادة في عدد وحجم رياض الأطفال وإنما أيضا السعي إلى رفع جودة التدريس. لهذا الغرض، أنشأت كل المقاطعات هيئات مختصة لإدارة معلمي الأطفال والدراسة والبحث العلمي لطرق التدريس والتربية في رياض الأطفال. كما يهتم مدراء رياض الأطفال بدراسة وبحث تطوير رياض الأطفال لكي تجسد وتبرز خصائص قومية هوي. في روضة الأطفال رقم 1 بمنطقة نينغشيا الذاتية الحكم لقومية هوي، اهتم مؤسسوها منذ البداية بإبراز خصائص قومية هوي، حيث قسمت الروضة إلى قسمين، واحد لأبناء قومية هان وآخر لأبناء قومية هوي، وتم تخصيص حجرات الدرس لكل منهما بطرازين مختلفين، ويحرص المعلمون على تعريف الأطفال منذ دخولهم الروضة بالمعلومات التي تهم وتخص قوميتهم. في قسم أبناء هوي، افتتحت سنة 1990 مادة الرقص لقومية هوي، وهي مادة حظيت بتقدير وثناء كبيرين في الصين وصارت معروفة في جميع رياض الأطفال الصينية. في بعض رياض الأطفال ذات الظروف المتواضعة في البلدات الصغيرة، تقام دورات تدريبية لرفع مستوى المعلمين، وفي بعض رياض الأطفال في المدن الكبيرة، توجد معلومات إضافية حول العلوم والتكنولوجيا.
لقد شهد تعليم الأطفال المسلمين في السنوات الأخيرة حيوية جديدة. وبرغم وجود بون شاسع بين مستوى تطور التعليم لأبناء قومية هوي وبين مستوى التعليم في الصين، نحن على ثقة بأن تعليم أبناء قومية هوي سيشهد إنجازات كبيرة، بفضل روحهم وتقاليدهم الطيبة التي تحث على احترام التعليم والاهتمام به، واستجابة لاحتياجات تطوير قومية هوي نفسها.