ã

الصين تحيى تراثها الثقافي بتحويل أعيادها التقليدية إلى عطلات رسمية

عزة الحديدي مديرة مكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط في بكين

سباق قوارب التنين

إشعال الفوانيس في عيد منتصف الخريف

زيارة القبور في عيد تشينغمينغ

بعد جدل تواصل على مدار عام بأكمله، أصدر مجلس الدولة الصيني قرارا بتعديل التقويم السنوي للعطلات الرسمية في الأعياد والمناسبات الوطنية، فيما بدأ تطبيق هذا التقويم الجديد اعتبارا من أول العام الحالي 2008 .

ويحدد التقويم أن إجمالي مدة العطلات الرسمية زاد يوما واحدا، أي ازداد من 10 أيام في الماضي إلى 11 يوما حاليا، وعُدل ترتيب العطلات القديمة لتكون كالآتي: يو م واحد لعطلة عيد رأس السنة الميلادية الجديدة؛ 3 أيام لعيد الربيع الذي عدلت بداية عطلته من اليوم الأول من العيد إلى اليوم قبل اليوم الأول من العيد، يوم واحد لعيد العمال في أول مايو، 3 أيام للعيد الوطني في أول أكتوبر، يوم واحد لكل من عيد تشينغمينغ (الصفاء) وعيد دوانوو (الخمسة المزدوجة) وعيد تشونغتشيو (منتصف الخريف)، إلى جانب نصف يوم لبعض المواطنين في عيد المرأة وعيد الشباب وعيد الجيش؛ ويوم واحد للأطفال في عيد الأطفال في أول يونيو، مع الإبقاء على تقليد تخصيص يومي السبت والأحد كعطلة أسبوعية.

ويستهدف إجراء إضافة العطلات الجديدة للأعياد التقليدية، الحفاظ على العادات الشعبية والتراث الثقافي للأمة الصينية التي يعود تاريخها إلى أكثر من خمسة آلاف عام، فيما تمثل تلك الأعياد التقليدية جزءا محوريا من ذلك التراث وتلك العادات، علما بأن النظام السابق للعطلات الرسمية - والذي بدأ تطبيقه منذ عام 1999 ويعرف باسم الأسابيع الذهبية الثلاثة - لم يكن يشمل سوى عيد تقليدي واحد هو عيد الربيع الى جانب عيد العمال في أول مايو والعيد الوطني في أول أكتوبر.

حول دوافع وأهداف مشروع القرار الصيني بتحويل عدد من الأعياد التقليدية الثلاثة كعطلات رسمية، أوضح رئيس الجمعية الصينية للفلكلور، ليو تشوى لى أن نظام العطلات الحالي لا يتفق مع عادات وتقاليد الشعب الصيني، فيما يبقى ضم الأعياد التقليدية إلى العطلات الرسمية أحد أهم الإجراءات الفاعلة لحماية التراث الثقافي الصيني وترسيخ جوهره في نفوس وعقول الأجيال الجديدة، فلا يطويه النسيان.

وتبعا لما ذكرته مجموعة بحوث تعديل العطلات القانونية الوطنية، فقد أخذت جدلية (الأسابيع الذهبية الثلاثة) في الآونة الأخيرة تفرض نفسها بإلحاح على دوائر صنع القرار في الصين ومؤسسات الرأي والفكر بين مؤيد ومعارض ومستنكر لأن يكون لمواطني الصين هذا العدد الكبير من الإجازات الرسمية في وقت لا تزال فيه الصين دولة نامية وبحاجة ماسة إلى استثمار الوقت والجهد والبشر، فضلا عن ازدياد الشكوى من الظواهر السلبية التي تصاحب عادة تلك الأسابيع في مقدمتها الازدحام الشديد وارتفاع عدد ضحايا الحوادث وتدني مستوى الخدمات العامة وتلوث البيئة وإتلاف المناطق السياحية.

وقد أخذ ذلك الجدل منحى جديدا بعقد مؤتمر وطني - هو الأول من نوعه- خلال مايو العام الماضي لبحث وتقييم فوائد وأضرار تلك الأسابيع الذهبية الثلاثة، حيث انقسم المشاركون فى المؤتمر إلى فريقين، أحدهما رافض لهذه العطلات ويتزعمه وو جينغ ليان، الخبير الاقتصادي الشهير وعضو المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، حيث قال: "باعتباري من جماهير الشعب، أتمنى بدوري وجود المزيد من الإجازات، لكن كخبير إقتصادي ومسئول سياسي أؤكد أن هذا العدد الكبير من الإجازات ليس جيدا بالنسبة للبلاد بأسرها"، داعيا إلى التركيز على بحث ودراسة ما إذا كانت هذه الإجازات تساهم في رفع الاستهلاك، وهو أمر إيجابى أم أنها تأتى على حساب الانتاج، وهو أمر سلبى.

أما تشانغ شى تشين، نائب مدير الإدارة الوطنية الصينية للسياحة، فقد تزعم فريق المؤيدين لاستمرار هذه الإجازات وإضافة المزيد إليها فى الأعياد الصينية التقليدية، داعيا الإدارات الحكومية إلى بحث وتقييم كافة الخيارات المطروحة مقترحا إطالة عطلات الأسابيع الذهبية من خلال ربطها بأعياد تقليدية أخرى.

ودلل تشانغ على صحة رؤيته بكشف النقاب عن سلسلة من الأرقام الاحصائية الهامة تتعلق بالأسابيع الذهبية، حيث يسجل عدد المسافرين الصينيين فى تلك العطللات زيادة 7ر22 % على أساس سنوي، فيما تقفز قيمة الإيرادات السياحية فى هذه العطلات بنسبة  8ر25% على أساس سنوى، وهو ما يعني بحسب رأيه أن عطلات الأسبوع الذهبى تفيد حياة الناس وتعزز الاستهلاك المحلي، الأمر الذي يتفق مع استراتيجية الحكومة المركزية لإعادة توازن الاقتصاد.

وبعد إنتهاء ذلك المؤتمر، رُفعت توصياته إلى مجلس الدولة الصيني الذي عكف على دراستها حتى أصدر مشروع قراره يوم 16 ديسمبر العام الماضي آخذا بعين الاعتبار آراء ومقترحات وتوصيات الخبراء وعموم مواطني الصين قبل تقنينه.

 وفى مقدمة الأعياد التقليدية التى تمت إضافتها إلى التقويم السنوي للعطلات الرسمية يأتى عيد "تشينغمينغ" أو عيد "الصفاء والنقاء" أو "عيد الموتى" أو "عيد كنس القبور" ويوافق عادة الثلث الأول من شهر إبريل الميلادى.

وعيد الموتى هو أحد أعرق الأعياد الصينية، ويرمز إلى سلسلة من أنبل المعاني وأسماها كالوفاء والإخلاص وإنكار الذات إلى حد التضحية بالنفس وعمل الخير والمعروف دونما انتظار لشكر أوجزاء. ويرتبط هذا العيد بأسطورة تحكى عن الإمبراطور جين ون قونغ، الذى اعتلى عرش البلاد قبل 2600 عام (إبان فترة الممالك المتحاربة 770-221 قبل الميلاد). ونتيجة لسلسلة من المؤامرات حيكت ضده تم خلعه عن العرش وأجبر على الذهاب إلى المنفى لمدة 19 عاما أبى أن يرافقه خلالها سوى واحد فقط من أوثق خدامه المقربين ويدعى جيه تسى توى والذى ظل محافظا على ولائه وإخلاصه لملكه طوال سنوات المنفى، فيما وصل إخلاصه الى الحد الذى راح يقطع أجزاء من جسده ويطبخها له بطريقة الشواء على النار عوضا عن اللحم الذى كان مُحرما على الامبراطور تناوله طوال فترة منفاه كنوع من تشديد العقاب عليه، حيث كان يعرف عنه ولعه الشديد بالتهام اللحوم على اختلاف أنواعها.

وبعد نجاح الامبراطور جين فى العودة ظافرا منتصرا إلى عرشه فى بلاد الصين- على نحو لم توضحه الأسطورة- أراد أن يُكرم خادمه الوفي، الذى صاحبه عن طيب خاطر طوال فترة بقائه فى المنفى، فعرض عليه من المناصب الرفيعة والأموال الطائلة والجواهر الثمينة ما لا يعد ولا يحصى. لكن جيه الخادم الورع رفض ذلك باستماته انطلاقا من قناعة راسخة بأن الإنسان لايجوز أن يتقاضى أجرا فى الحياة الدنيا مقابل عمل الخير، باعتبار ذلك هو الأصل وليس الاستثناء، وإنه فعل ذلك فسوف يُحرم حتما من "أجر بوذا" الذى ينتظره فى الحياة الآخره. والفارق بين الأجرين هو ذات الفارق الشاسع بين السماء والأرض وبين المغرب والمشرق!

رفض "جيه" دون تردد مكافأة الامبراطور، لكن- وخوفا من بطشه - هرب مع أمه الى جبل ميانشان، حيث اختارا حياة الزهد والعزلة بعيدا عن الناس والثروة والجاه. غير أن الامبراطور جين الذى ارتأى فى تصرف خادمه جيه إهانة لا تغتفر، راح يبحث عنه فى كل مكان من أرجاء مملكته الفسيحة ونجح فى اقتفاء أثره وأمه إلى جبل ميانشان، ومكث يوما بأكمله يناشده الخروج من مخبأه دون جدوى، فما كان منه إلا أن أشعل النيران ثلاثة أيام بلياليها فى كامل المنطقة المحيطة بالجبل، ظنا منه أن النيران ستجبره على الخروج من مكمنه. لكن ذلك لم يحدث وتحول المكان إلى كتلة من الرماد عُثر فيها لاحقا على جثتي جيه وأمه وقد تفحمتا تماما فيما كانت أيديهما متشابكة ومتشبثة بجذع شجرة صفصاف لم تسلم بدورها من النيران المستعرة.

حزن الامبراطور جين عليهما حزنا شديدا وأقام له ولأمه ضريحا مهيبا عند سفح جبل ميانشان، لايزال موجودا حتى  يومنا هذا. أما الجبل فقد غير الامبراطور إسمه إلى جيه تسى توى، إعلاء ووفاء لذكرى خادمه الوفي كما زرع المنطقة بأسرها بأشجار الصفصاف المعمرة رمزا للبقاء والخلود وأطلق عليها "الأشجار الباكية" وهو الاسم الشائع بين الصينيين اليوم.

فى هذا العيد يتذكر الصينيون بكل التبجيل والتقدير ذلك الرجل الذى رفض بإصرار نيل جزاء المعروف وآثر الموت حرقا، ولذلك يحرصون على ألا يشعلون نارا طيلة ذلك اليوم فلا يوقدون شمعة داخل منازلهم ولا يشعلون موقدا داخل مطابخهم. وفى هذا العيد الحزين ينهمك الرجال فى زراعة أشجار الصفصاف فى شتى أنحاء الصين، خاصة على ضفاف الأنهار أملا فى أن تملأ قطرات دموعها المنسكبة على الدوام - كما يعتقدون- جميع الأنهار الصينية البالغ عددها 1500 نهر، فتفيض مياهها حتى فى مواسم الجفاف، فيما تحرص النساء على وضع أكاليل من أغصان الصفصاف فوق رؤوسهن ويشبكن بها جدائلهن عملا بالمثل الصينى القائل: إن المرأة التى لا تفعل ذلك فى هذا اليوم سرعان ما يزحف الشيب إلى شعرها ويفتضح سر أسرارها، فى إشارة الى سنوات العمر!

وفى هذا العيد يتوجه الملايين فى صمت وخشوع إلى مقابر الأسلاف ويمضون اليوم بأكمله هناك ينخرطون فى البكاء والانتحاب حزنا على رحيل الأحباب وفقدان الأعزاء، ويحملون معهم إلى موتاهم فطائر فول الصويا المحلاة بالسكر حيث يعتقدون أن هذه الفطائر تطرد الأرواح الشريرة الساكنة فى أجساد خمسة حيوانات بعينها هى: العقرب والثعبان وأم أربع وأربعين والسحلية والضفدع، وهى حيوانات يكرهها عموم الصينيين ويتشاءمون منها وغالبا ما يجدونها تعيث فسادا بين القبور تشق سكونها وتقلق راحة ساكنيها.

ومع توالى الأزمنة والعصور، اكتسب عيد الموتى عند الصينيين بعدا إضافيا حيث أصبح عيدا للشهداء سواء أولئك الذين سقطوا جراء سلسلة الحروب الدموية التي خاضتها الصين ضد قوات أجنبية غازية على مدار النصف الأول من القرن الماضى، أو أولئك الذين قتلوا إبان الثورة الثقافية الكبرى التى دارت رحاها طوال الفترة من مايو 1966 إلى أكتوبر عام 1976، أو شهداء قوات الشرطة الذين يسقطون أثناء القيام بوظائفهم فى حماية أمن الوطن والمواطنيين.

       وبالنسبة للعيد التقليدى الثانى الذى تمت إضافته إلى العطلات الرسمية، وهو عيد (دوانوو) أو (عيد التنين) أو(مهرجان سباق قوارب التنين)، أوضح  السيد ليو أن تاريخه يعود إلى أكثر من ألفي عام، ويقع في اليوم الخامس من الشهر الخامس وفقا للتقويم القمرى الصيني (يوافق عادة شهر يونيو الميلادي) ويرتبط بحيوان التنين - أسطورة الصين الخالدة ورمز الأمة الواحدة- كما يرتبط باسم الشاعر تشيوى يوان، وهو شاعر وطني عظيم الشأن والمكانة فى قلوب الصينيين. عاش فى فترة الممالك المتحاربة قبل أكثر من 2300 عام، حيث كان وزيرا فى عهد الملك تشو، وظل مهموما بأحوال الأمة الصينية حيث عكست جميع قصائده مدى سخطه على فساد الطبقه الأرستقراطية الحاكمة، ودعوته إلى تطبيق إصلاحات سياسية وإعمال حكم القانون بالعدل والمساواة وقصر تعيين موظفي الحكومة والبلاد على أولئك الذين يتمتعون بالكفاءة العالية والخبرة الواسعة والسمعة الطيبة. والأهم من ذلك شجاعته فى مطالبة الأباطرة والملوك بنبذ خلافاتهم وتوحيد صفوف الأمة تحت راية واحدة وتركيز الجهود على توطيد علاقات الصين بدول العالم الأخرى.

وقد قوبلت مواقف الشاعر تشيوى يوان- التقدمية قياسا بالمفاهيم السائدة آنذاك- بمعارضة شديدة من جانب قوى الفساد الممثلة فى أعوان الملك تشو وزوجته الأثيرة لديه الملكة "تشنغ"، ونجحوا فى إقناع الملك بإقالته من منصبه وبنفيه إلى خارج العاصمة ليمضي أكثر من عشرين عاما هائما متجولا فى شتى أنحاء الصين، حيث أبدع خلال تلك الفترة مجموعة من أروع قصائده أشهرها "الشكوى" و"سؤال السماء" و"الأغاني التسع" تمثل الكنز الحقيقي للتراث الثقافى الصيني.

وفى عام 278 قبل الميلاد سقطت ممتلكة تشو فى أيدي الأعداء بسبب تمزقها وتشتتها فهرع الشاعر تشيوى إلى نهر (ميلو) الذى يعبر مقاطعة هونان جنوبي الصين وأغرق نفسه فيه، بعد أن ربط قدميه بحجر ثقيل حيث آثر الموت على أن يعيش ويرى هواجسه التى طالما حذر منها وقد أصبحت حقيقة. وعندما علم الناس بما أقدم عليه- وقد كانوا يعشقونه ويقدرون تفانيه وإخلاصه لمثله العليا- اندفعوا الى مسرح الحادث فى نهر (ميلو) وراحوا يجذفون القوارب فى محاولة مستميتة للعثور على جثمانه الذى غاص فى أعماق النهر، كما راحوا يلقوون بكرات الأرز والبيض في النهر حتى لا يأكله السمك، وأمضوا ساعات طويلة يسكبون الخمر في النهر لتسكر الحيوانات فلا تؤذيه. ومنذاك التاريخ "اليوم الخامس من الشهر الخامس حسب التقويم القمرى الصيني" ظهر تقليد سباق قوارب التنين وشرب خمر شيونغهوانغ وتناول طعام "تسونغتسي" الذى يصنع من الأرز اللزج ويلف بأوراق القصب والخيط الملون ويطهى على نار وقودها من خشب الخيزران، وبمرور الوقت أصبح يُحشى بعجين العناب أو اللحم الطازج أو صفار البيض.

والماء فى عيد قوارب التنين هو أكثر الأشياء قدسية، حيث تبقى جميع مظاهر وطقوس الاحتفال بالعيد منقوصة حتى يحين موعد حلول ركوب قوارب التنين- خلال الفترة الممتدة من بعد الظهر إلى ما قبل الغروب- والتجذيف بها فى الأنهار. عندئذ تبلغ طقوس الاحتفال بالعيد ذروتها وتبدو الصين من أقصاها إلى أدناها وقد تحولت إلى قوارب تسبح فى الأنهار ويردد راكبوها الدعوات والابتهالات للتنين السماوي ليسكب مياهه المقدسة من الأعالي حتى تمتزج بمياه الأرض فتحل البركة على عموم البشر إذا ما هم شربوها أو استحموا بها أو سبحوا فيها أو رووا حقولهم بها.

وإذا كانت تلك القوارب تأخذ شكل حيوان التنين، فإنها لا تخلو من اسم تشيوى يوان، الشاعر الصيني الخالد محفورا على أحد جانبي القارب، إاتفالا بذكراه واعترافا بأنه كان أول من دعا إلى اعتناق فكرة التوحيد- وهى ذات الفكرة التى يجسدها حيوان التنين الأسطورى- كعقيدة للحفاظ على دولة الصين الكبرى ككيان قابل للبقاء والنماء والارتقاء، لكنه رحل قبل أن يتحقق حلمه مودعا إياه فى مياه النهر. .فارتوى..وعاش ..وعاشت معه الصين الأم.

واليوم أصبح سباق قوارب التنين نوعا من الرياضات المائية التى تجمع بين التقاليد والعادات الشعبية والروح الرياضية الحديثة، وانتشر فى العديد من دول الجوار الآسيوى، واعتبارا من عام 1980 تم إدراج سباق قوارب التنين ضمن المهرجان الرياضي الوطني الصيني السنوي، حيث يحصل القارب الفائز على "كأس تشيوي".

أما العيد التقليدى الثالث الذى تمت إضافته إلى العطلات الرسمية فهو عيد تشونغتشيو، بمسمياته المختلفة (عيد البدر) أو (عيد القمر المكتمل) أو (عيد منتصف الخريف) أو (عيد إلتئام الشمل) والذى يوافق طبقا للتقويم الصينى يوم الخامس عشر من الشهر الثامن من السنة القمرية الصينية (يوافق عادة شهر سبتمبر الميلادي).

ويرى الصينيون أن القمر فى هذه الليلة يكون أكثر إشراقا واكتمالا وبهاء منه فى أي ليلة أخرى. ووفقا لعقيدتهم فإن البدر على هذه الصورة يعد فألا حسنا يؤذن باجتماع شمل الأسرة والأحبة بعد طول فراق ومن هنا جاءت تسميته بعيد الالتئام الشمل. كما أن فصل الخريف حسب التقويم الصينى يضم ثلاثة أشهر هى 7 و8 و9 ويوم الخامس عشر من الشهر الثامن يعنى أنه منتصف فصل الخريف ومن هنا جاءت تسميته بعيد منتصف الخريف. 

الجميع فى هذه الليلة يخرجون إلى الساحات المفتوحة والمتنزهات العامة يصوبون أنظارهم نحو القمر ساعات طويلة، يناجون همسا بالأشعار المدونة فى كتب التراث ويمارسون طقوسا أشبه ما تكون بالصلوات ويقدمون له القرابين وقد غمرتهم مشاعر السكينة والطمأنينة بأن البدر حتما سيلبى لهم يوما ما حلمهم المنشود بالتئام الشمل بعد طول فراق .ذلك المعنى اكتسب بمرور الزمان بعدا إضافيا سياسيا حيث أصبح يتمحور حول فكرة رئيسية أسمى وأعم تتمثل فى لم شمل مواطنى البر الرئيسى مع أهلهم وأقرانهم على الجانب الآخر من المضيق داخل جزيرة تايوان. وهو ما أضفى على هذا العيد طابعا وطنيا زاد من أهميته لدى الصينيين قياسا بالأعياد الأخرى.

وكغيره من الأعياد الصينية يرتبط عيد القمر بأسطورة رواها  السيد ليو، بالقول إنه كانت هناك عشرة شموس تسطع فى السماء فى آن واحد تشع ضوءا مبهرا وحرارة شديدة كألسنة لهيب النيران حتى أن مياه البحار والمحيطات كانت تغلي من شدة الحرارة والجبال تتصدع والأرض تتشقق والنباتات تحترق، ولم يجد الناس ملجأ يفرون إليه من ذلك الجحيم المستعر سوى التفافهم حول ملكهم القوي، هو يى، وقد كان معروفا بمهارته فى رمي السهام وتمكن بقوته الخارقة من إسقاط تسعة من تلك الشموس فيما ترك الشمس العاشرة حتى لا تتحول الحياة على كوكب الأرض إلى ظلام دامس.

وفرح القمر بهذا الانجاز العظيم الذى أعاد له هيبته فى السماء، كما فرح الشعب بأسره لنجاته من هلاك كان محدقا به. بالمقابل كان الملك هو يى أكثر الجميع تعاسة، حيث خارت قواه بعد المجهود المضني الذى بذله فى إسقاط الشموس التسع واعتلت صحته وأصبح على شفا الموت، الأمر الذى حوله إلى طاغية وانغمس فى معاقرة الشراب ومعاشرة النساء وقتل الأبرياء.

وخوفا من الموت وطمعا فى الخلود، سارع الملك هو يى إلى قصر الإمبراطورة الخالدة أعلى جبل كونلون، لتمنحه إكسير الخلود الذى لا يملكه سواها. وقد كان له ما أراد وأعطاه بدوره إلى زوجته الملكة تشانغ أ، لتخبئه معها خاصة وقد علم أن مجموعة من خصومه تعتزم قتله.

وفى يوم الخامس عشر من الشهر الثامن من التقويم الصيني نجح أحد صبيان الملك ويدعى فنغ منغ فى قتله! وكاد يكرر جريمته مع تشانغ أ لولا أن سارعت وبتلعت زجاجة (إكسير الخلود)، لتجد الرياح تدغدغ قدميها وذراعيها وتحملها وتطير بها إلى السماء حتى وصلت إلى القمر وأودعتها قصرا مهجورا.

 فى ذلك القصر التقت الملكة تشانغ أ بشيخ عجوز طاعن فى السن، حيث أبلغها بأن الإمبراطورة الخالدة هى التى أمرت بإرسالها إلى القمر، وناولها فأسا لتقطع به شجرة (سنط العنبر) التى كانت قد نبتت للتو فى باحة قصر القمر. وتنفيذا للأوامر راحت تشانغ أ تضرب الشجرة بالفأس لكنها كلما أحدثت شقا يعود ويلتئم فى الحال بمجرد أن تسحب الفأس، وهكذا كُتب عليها البقاء هناك والانكباب على ضرب الشجرة بالفأس مرة تلو الأخرى. وعندما ستنتهى الملكة من تلك المهمة الشاقه ستأذن الامبراطورة الخالدة بإعادتها الى الأرض، ولأنها لم تنته بعد، لم تعد حتى اليوم، وبانتظار عودتها ليس أمام الشعب الصينى سوى الدعاء للقمر لأن يحفظها سالمة آمنة حتى تعود ويلتئم الشمل من جديد. ولشدة تلهفهم على عودة ملكتهم المحبوبة، أطلقوا اسمها على أول مسبار صينى فى رحلته التاريخية إلى القمر يوم 24 أكتوبر الماضي.

وتحظى المرأة بمكانة فريدة فى ذلك العيد ربما لا تحظى بمثلها طوال أيام السنة، ذلك أن الامبراطورة الخالدة التى تمتلك إكسير الخلود هى أنثى، والملكة تشانغ أ الغائبة الحاضرة- كما يلقبونها- هى أنثى، والقمر وفقا للعقيدة الصينية يعتبر رمزا للأنوثة فى أبهى صورها، بالنظر إلى أنه أصغر حجما من الشمس وأضعف ضوءا وأقل نصيبا من السماء، من حيث الفترة الزمنية التى يسطع فيها قياسا بالشمس رمز الذكورة.

كذلك يحظى كل شيء مستدير فى هذا اليوم باحترام خاص (تشبها بالبدر مكتمل الدائرة)، فالموائد مستديرة والفواكه الرئيسية هى البطيخ والرمان والبرتقال، والخضار الأساسى هو القلقاس والكعكة الشهيرة (يويه بينغ) المحشوة بجوز الهند والبندق والعجوة والخضروات المتبلة المخلوطة بلحم الخنزير والمطهوة على البخار. لابد أن تكون مستديرة كما لابد من وضعها وسط المائدة،

فيما تتناثر على حواف الموائد أزهار (سنط العنبر) برائحتها الأخاذة وألوانها المبهجة وقد بلغت أوج نموها فى عيد منتصف الخريف.

وخلافا للأعياد الصينية الأخرى- على كثرتها - فإن عيد القمر يكاد يكون الوحيد الذى تحتقل به القوميات الصينية الست والخمسون رغم التباين الكبير فى العقيدة واللغة والثقافة والعادات والتقاليد، ذلك أن الحلم المنشود بإلتئام الشمل يوحدهم  جميعا فى هذا اليوم، وهنا تحديدا تتجلى أروع معاني ذلك العيد.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn