في ظل العولمة الاقتصادية، هناك علاقة تفاعلية بين تنمية الاقتصاد الإقليمي والتنمية الحضرية، إذ يكمل كل منهما الآخر. وتكون التنمية الحضرية من ثمار تنمية الاقتصاد الإقليمي، كما أن نهوض التجمعات الحضرية يشكل أجواء إيجابية لتنمية الصناعات فيها مما يساعد على تنمية الاقتصاد الإقليمي. كانت هذه هي خلاصة تجربة الدول الغربية التي سبقت الدول الأخرى في عملية التصنيع والتحول الحضري، وهي تجربة مهمة للصين التي تحث الخطى على طريق التحول الحضري.
لقد حققت الصين في العقدين الماضيين منجزات عظيمة في مجال تنمية الدوائر الصناعية الكبيرة. في تسعينات القرن الماضي، تشكلت في الصين ثلاث دوائر صناعية، هي دائرة دلتا نهر اليانغتسي ودائرة دلتا نهر اللؤلؤ (تشوجيانغ) ودائرة جينغ جين تانغ (بكين- تيانجين- تانغشان) التي تتجمع فيها المدن الكبيرة. لعبت هذه الدوائر دورا هاما في مسيرة إصلاح مسار التصنيع بالصين، واعتبرها الاقتصاديون القوى الثلاث الرئيسية التي تدفع تنمية الاقتصاد القومي. في القرن الجديد، تشكلت في الصين أربع مناطق صناعية جديدة، هي دائرة تشنغ- يوي (تشنغدو وتشونغتشينغ) ودائرة تشانغ - تشو- تان (تشانغشا وتشوتشو وشيانغتان) ومجموعة المدن الصغيرة في وسط الصين وحزام لياوتشونغ الاقتصادي. في نفس الوقت، وبالاستفادة من خبرات الصين في إقامة المناطق الصناعية، أقيم في مقاطعة هيلونغجيانغ ممر ها- دا- تشي الصناعي، المكون من مدن هاربين وداتشينغ وتشيتشيهار. وقد شهد هذا الممر في السنوات الأخيرة ازدهارا لأول مرة وصار يؤدي وظائفه الحقيقية في التنمية الاقتصادية تدريجيا.
في أكتوبر 2006، سعي السيد لي تشان شو، نائب رئيس مقاطعة هيلونغجيانغ حينذاك ورئيس المقاطعة حاليا، إلى تنفيذ خطة إنهاض المنطقة الصناعية القديمة بشمال شرقي الصين. وكان من أهم الخطوات في هذا الصدد إنشاء ممر ها- دا- تشي الصناعي. بعد مرور سنة ونصف، تطور هذا الممر الصناعي إلى أكبر منطقة اقتصادية في المقاطعة من حيث القوة الاقتصادية والقوة الصناعية والشهرة ومدى التأثير وعدد المتخصصين في العلوم والتكنولوجيا. عن سبب الانتعاش السريع الذي شهده هذا الممر وخطة عمله في المستقبل، أجرت ((الصين اليوم)) حوارا مع لي تشان شو، شمل محاور كثيرة، منها ترتيب الاقتصادات الإقليمية بالمقاطعة وأساليب إبراز تفوقات الممر وإصلاح الهيكل الاقتصادي.
قال رئيس المقاطعة لي تشان شو: "أول مهمة هي تحسين وترتيب الاقتصادات الإقليمية وتنميتها بشكل متناسق ومتوافق. وهذا جزء هام من تقرير عمل الحكومة لعام 2007 الذي قمت بإعداده، وقال إن حكومة المقاطعة ولجنة الحزب بالمقاطعة، تعملان في عام 2008، من أجل تحقيق التنمية بشكل متناسق ومتوافق.
وأشار السيد لي إلى أن هيلونغجيانغ مقاطعة كبيرة من حيث الموارد الطبيعية، لكن التنمية الاقتصادية فيها تواجه ثلاث مشكلات: الأولى، كثرة عدد المؤسسات الوطنية القديمة في المقاطعة وإصلاح تلك المؤسسات مهمة صعبة؛ الثانية، أن المقاطعة تجاور روسيا، لكنها لم تستغل هذا التفوق في تنمية التجارة الحدودية؛ والثالثة، تحويل مدن المقاطعة من مدن تعتمد على الموارد الطبيعية إلى مدن للعلوم والتكنولوجيا العالية عمل شاق. انتهجت حكومة المقاطعة سياسة تطوير المؤسسات الوطنية القديمة بالاعتماد على الموارد الطبيعية ولكن هذه الطريقة لم تكن كافية، وعلى الحكومة أن تجد سبلا أخرى لإصلاح الهيكل الاقتصادي حتى تحقق زيادة سريعة. وأوضح رئيس المقاطعة أن الوسيلة الفعالة لتنمية الاقتصادات الإقليمية بشكل علمي هي تقسيم المقاطعة إلى عدة مناطق ذات وظائف مختلفة حسب الظروف الطبيعية، من أجل تعزيز تجمع المؤسسات الإنتاجية المتشابهة في مكان واحد، مما سيساهم في إنشاء تجمعات صناعية متكاملة ذات وظائف شاملة ويدفع التنمية المستديمة والمتناسقة.
انطلاقا من هذه الفكرة، حددت حكومة مقاطعة هيلونغجيانغ أربعة أقاليم اقتصادية خاصة، هي ممر ها- دا- تشي لتنمية الاقتصاد الإنتاجي، وهو ممر يربط بين هاربين وداتشينغ وتشيتشيهار، وقاعدة لإنتاج الكيمياء الكهربائية بشرقي المقاطعة، بحيث تتخذ من جيشي وخهقانغ وشوانغياشان وتشيتايخه وغيرها من المدن ذات الموارد الطبيعية الوافرة مركزا لها، وخطوط الحزام الصناعي المفتوح نحو الخارج التي تشمل مودانجيانغ وجياموسي وهيخه وغيرها من المدن الحدودية، ومنطقة جبل داتشينغ آنلينغ لتنمية الاقتصاد الأيكولوجي.
ممر ها- دا- تشي الصناعي الذي أقيم في عام 2005، هو أقدم هذه الأقاليم الأربعة من حيث الإنشاء. اليوم، وبعد ثلاث سنوات من إنشائه وصلت مساحته 76 كيلومترا مربعا، وأقيم به 260 مشروعا إنتاجيا و260 مشروعا آخر تحت الإنشاء باستثمارات 38 مليار يوان (الدولار الأمريكي يساوي 6،9 يوانات)، يحقق هذا الممر 70% من إجمالي القيمة الإنتاجية للمقاطعة.
حول منجزات هذا الممر قال رئيس المقاطعة: "هذا الممر على خريطة الصين يشبه التنين. في الواقع هو تنين صيني اقتصادي طائر بالفعل. تتميز هاربين وداتشينغ وتشيتشيهار بتفوقات مختلفة في مجالات النقل والموقع الجغرافي والمتخصصين الأكفاء. إن مشاركة هذه المدن الثلاث في التعاون والإنتاج سويا ستظهر حيوية قوية غير مسبوقة. هذا الممر هو أكبر منطقة في المقاطعة من حيث القوة الاقتصادية ومستوى التصنيع والمساحة وعدد الأكفاء. نجاحه يدل على صواب قول إن القوة الإجمالية تجاوز القوة الفردية."
نجاح إنشاء ممر ها- دا- تشي الصناعي يعتبر إنجازا عظيما، لكن في نفس الوقت هناك مشاكل ملحة وعوائق تعرقل تطوير الممر تتمثل في الوقت الحالي في أربع مشاكل: أولا، أن حقوق استخدام المؤسسات للأرض محدودة، حيث أن حقوق ملكية الأرض غير واضحة؛ ثانيا، ترتيب الهياكل الصناعية يحتاج إلى تخطيط دقيق؛ ثالثا، محدودية مصادر التمويل؛ رابعا، قلة الدعم الحكومي. سبب هذه المشاكل هو قيود النظام والمفاهيم القديمة وعدم تطبيق بعض الحكومات المحلية سياسة الإصلاح المتناسق للهيكل الاقتصادي بمعنى حقيقي.
كما أوضح رئيس المقاطعة أن لجنة الحزب لمقاطعة هيلونغجيانغ وحكومة المقاطعة وضعتا خطة إنشاء ممر ها- دا- تشي الصناعي. في البداية، تم تخطيط وظيفته ليكون منطقة كثيفة الاقتصاد سريعة النمو، تقام فيها مؤسسات متعددة الوظائف بشكل منسجم ومن قطاعات مختلفة، ليتطور هذا الممر إلى منطقة اقتصادية ذات أربع تفوقات، هي نظام جديد وتكنولوجيا عالية وطبيعة ايكولوجية ومنتجات موجهة للتصدير، وليكون منطقة مركزية لتنفيذ مشروع "إعادة تحديث القاعدة الصناعية القديمة بشمال شرقي الصين" ونموذجا حيا لتحقيق هدف الدولة ببناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل.
إن الأجهزة القيادية والحكومات المحلية على مختلف مستوياتها بالمقاطعة مطالبة باتخاذ وسائل متعددة ومرنة لإبراز التفوقات النسبية والاستغلال التام للمزايا الذاتية، وإحياء المؤسسات الإنتاجية القديمة مع الاهتمام بالمؤسسات الجديدة، من أجل رفع القدرة الكاملة لاقتصاد المقاطعة.
