أشهر ثلاثة أبراج في الصين هي تنغوانغ وهوانغخه ويويانغ. مدينة نانتشانغ تحتضن أحد تلك الأبراج، ألا وهو تنغوانغ الذي زاره كثير من الأدباء والمفكرين وقالوا فيه نثرا وشعرا.

قبل 80 سنة قاد شو ان لاي وتشو ده "ثورة أول أغسطس" في مدينة نانتشانغ، التي دشنت حرب المقاومة التي شنها الحزب الشيوعي الصيني ضد حزب الكومينتانغ، ومنذ ذاك نالت نانتشانغ لقب مدينة الأبطال.

بحلول القرن الحادي والعشرين، بدأت مدينة نانتشانغ تنهض مع سياسات الإصلاح والانفتاح في ظروف العولمة.

هنا ارتفع علم الجيش الصيني

نانتشانغ، وهي عاصمة مقاطعة جيانغشي، تقع في المجاري السفلى لنهر قانجيانغ، بسهل بحيرة بويانغ. بالقرب من دلتا نهر اليانغتسي ودلتا نهر تشوجيانغ (اللؤلؤة) ومقاطعة فوجيان. هذه المدينة التي يلتقي فيها خطان رئيسيان للسكة الحديد في الصين، ويوجد بها نهر قانجيانغ وبحيرة بويانغ المرتبطين بنهر اليانغتسيـ تتمتع بمواصلات برية ومائية وجوية سهلة.

تاريخ مدينة نانتشانغ عريق، يرجع إلى 2200 سنة، فيها أكثر من 50 موقعا أثريا. تقع المنطقة السياحية لبرج تنغوانغ في ملتقى نهري قانجيانغ وفوخه. بنى برج تنغوانغ في زمن أسرة تانغ (618 – 907م)، وتعكس بواباته ونوافذه  وهيئته السمات المعمارية لذلك العصر، فهو حقا رمز للثقافة الصينية العريقة.

حديقة مقصورة روتسى الواقعة بجانب البحيرة الغربية داخل مدينة نانتشانغ، أقيمت إحياء لذكرى شيوي رو تسي، الأديب المشهور في أسرة هان الشرقية (25 – 220م). بنيت منصة روتسي في زمن أسرة تانغ الجنوبية (937 – 976م) ثم بنيت مقصورة روتسي في فترة أسرة تشينغ (1616 – 1911م). تتميز حديقة مقصورة روتسي حاليا بالمناظر الجميلة والبيئة الأنيقة، فهي مكان هادئ نادر وسط ضجيج المدينة.

ومن الآثار الأخرى في مدينة نانتشانغ بئر هونغيادان ومتحف الرسامين الثمانية ومعبد يومين وقصر وانشو ومقصورة قوانأو الخ.

لقد جعلت "ثورة أول أغسطس" نانتشانغ "المكان الذي ارتفع فيه علم الجيش الصيني"، وذاعت شهرتها في أنحاء الصين بأنها "مدينة الأبطال". في نانتشانغ حاليا، يحمل كثير من الأماكن والبنايات اسم "أول أغسطس"، فهناك "ميدان أول أغسطس" و"شارع أول أغسطس" و"جسر أول أغسطس" و"قصر أول أغسطس" و"ملعب أول أغسطس" و"مدرسة أول أغسطس" ومتحف "ثورة أول أغسطس" الخ. الناس هنا يحبون هذا الاسم، الذي ولد في نانغتشانغ قبل 80 سنة، ويفخر به أبناؤها أيما فخر.

 

بهاء بين النهر والجبل

الماء والخضرة هما روح المدينة، أي مدينة.

وكما يقول يوي شين رونغ، الأمين العام للجنة الجزب في مدينة نانتشانغ وعضو اللجنة الدائمة للحزب لمقاطعة جيانغشي: "نحن في حاجة إلى الجبل الذهبي والجبل الفضي، ونحتاج إلى الجبل الأخضر والمياه النظيفة أيضا، والجبل الأخضر والمياه النظيفة اليوم سيصبحان الجبل الذهبي والجبل الفضي غدا". هذا الرأي الذي يردده أيضا هو شيان رئيس مدينة نانتشانغ، يُطرح دائما بين رجال الأعمال وبين عامة الشعب، إيمانا بأن نهضة مدينة نانتشانغ في وسط الصين تحتاج إلى التنمية الاقتصادية وحماية البيئة في ذات الوقت.

موارد الماء وافرة في مدينة نانتشانغ، إذ يمر بها نهر قانجيانغ، تاركا كثيرا من البحيرات في المدينة. في نانتشانغ أربع بحيرات داخلية وأربع بحيرات خارجية، فكأنها مدينة بين البحيرات أو بحيرات داخل مدينة. ويحيط جبل أخضر بالمدينة فيمنحها الهواء النقي والماء النظيف.

قبل بضع سنوات واجهت أنهار وبحيرات نانتشانغ مخاطر التلوث وكثافة ترسب الطين في الأنهار والبحيرات. منذ عام 2001 تم رفع 1450 ألف متر مكعب من الطين من بحيرة تشينغشان ومنع صرف الماء الملوث إليها. وحيث أن نهر يويداي يربط الأربع بحيرات الداخلية والأربع بحيرات الخارجية والنهرين (نهر قانجيانغ ونهر فوخه)، استثمرت حكومة نانتشانغ 45 مليون دولار أمريكي لتحسين قناة النهر وتخضير شاطئي النهر وبنت أربع حدائق وستة مواقع تشجيرعلى شاطئي النهر، فصار النهر سلسلة من اللؤلؤة تحيط مدينة نانتشانغ.

بالإضافة إلى مشروع حماية البيئة، بدأت الحكومة مشروع البناء. منذ عام 2003 بدأت الحكومة تحسين 477 شارعا في المدينة وبناء مساكن لحل مشكلة إسكان الأسر الفقيرة، وحسنت ظروف سكن 2000 أسرة فقيرة، واستثمرت 171 مليون دولار أمريكي لتحسين شبكة الصرف الصحي والمياه.

ومن أجل الإسراع بتنمية مدينة نانتشانغ قامت حكومة المدينة في بناء حي جديد هو حي هونغقوتان، الذي نقلت إليه مكاتب الهيئات الحكومية، وأصبح حي هونغقوتان المركز التجاري الجديد للمدينة، وهكذا تشكلت مدينتان على ضفتي نهر قانجيانغ. نانتشانغ اليوم لا تحكى قصص الثورة فحسب، بل صارت حاضرة هامة ذات مركز تجاري ومنطقة تنمية اقتصادية ومنطقة تنمية للتكنولوجيا العالية والجديدة في وسط الصين.

 

بيئة استثمار أفضل، رجال أعمال أكثر

في ربيع عام 2001، وضعت حكومة نانتشانغ هدفها وهو بناء المدينة وتحسين الإدارة من أجل جعل نانتشانغ مدينة حدائقية حديثة ذات بيئة أنيقة. كانت المشكلة أن نانتشانغ لم تلحق بقطار التنمية في المرحلة الأولية لانتهاج الصين سياسة الإصلاح والانفتاح، فلم يكن بها قاعدة اقتصادية جيدة. وكما قال هو شيان، رئيس مدينة نانتشانغ "على نانتشانغ أن تطور الصناعة الثانية والاقتصاد المفتوح لتنهض وسط الصين بسرعة، وعليها أن تسير على طريق تصنيع جديد ذي خصائص صينية".

مدينة نانتشانغ مدينة صناعية، تحتل قيمة الإنتاج الصناعي 95% من إجمالي إنتاج نانتشانغ. في هذه المدينة ولدت أول طائرة وأول جرار وأول موتور وأول صاروخ للدفع البحري بالصين. الآن توجد فيها صناعة السيارات وصناعة المعلومات الإلكترونية وصناعة الأدوية التقليدية الصينية وصناعة النسيج وصناعة المواد الجديدة وغيرها من أكثر من 30 صناعة. ويعتقد هو شيان، رئيس المدينة، أن قاعدة الصناعة الموجودة لا تكفى لتطوير الصناعة الجديدة، ويرى أن على مدينة نانتشانغ أن تندمج في العولمة الاقتصادية وأن تمدد السلسلة الصناعية وتزيد حجم قاعدة الصناعة. ويرى أن تدعم حكومة نانتشانغ مجموعة من المؤسسات الكبيرة مثل شركة جيانغلينغ للسيارات وشركة نانفي لماكينات النسيج وشركتي جيانغتشونغ وويرن للأدوية الخ، وهكذا يمكن لمدينة نانتشانغ أن تنهض وتحقق الثراء.

من أجل تنمية الاقتصاد والاندماج في مسيرة العولمة وجذب رجال الأعمال للاستثمار في نانتشانغ، تحسن المدينة بيئة الاستثمار بها. نانتشانغ ليست مدينة ساحلية أو حدودية، وهذا يفرض عليها أن تحل مشكلة النقل. تهتم مدينة نانتشانغ بتطوير السكك الحديدية، فتربط السكة الحديد بنهر اليانغتسي ونهر تشوجيانغ ونهر مينجيانغ وتفتح طرق المواصلات إلى الموانئ في مدن شنمن وشنتشن ونينغبوه، الساحلية، وتسهل الإجراءات الجمركية، بحيث يصبح الأمر وكأن تلك الموانئ موجودة في مدينة نانتشانغ، وتيسر الحكومة نقل البضائع بسرعة وسهولة للشركات في مدينة نانتشانغ.

بناء الحدائق الصناعية هو الأسلوب الرئيسي لتنمية الاقتصاد المفتوح. منطقة تنمية التكنولوجيا العالية والجديدة في نانتشانغ منطقة تنمية على المستوى الوطني. خلال الخمس عشرة سنة منذ إنشائها، تشكلت بها أربع صناعات رئيسية هي المعلومات الالكترونية والبرمجيات والماكينات الدقيقة والأدوية البيولوجية والمواد الجديدة. ومنطقة التنمية الاقتصادية في نانتشانغ منطقة تنمية هامة بها أربع صناعات رئيسية، هي صناعة الأجهزة الكهربائية المنزلية وصناعة المعلومات الإلكترونية وصناعة السيارات وصناعة صهر معادن الأتربة النادرة، وتبلغ قيمتها الإجمالية أكثر من مليار دولار أمريكي، بالإضافة إليها توجد الصناعات الميكانيكية والأغذية والأدوية والصناعة الخفيفة الخ.

تبذل حكومة نانتشانغ قصارى جهدها لتحسين بيئة الاستثمار وتقديم خدمات أكثر للمؤسسات والشركات، فهذه الحكومة تحظى بتأييد وتفهم جماهير الشعب وتنال التقدير من المؤسسات والشركات الصينية والأجنبية. ويعتقد بعض مسئولي المؤسسات أن الخدمات التي تقدمها حكومة نانتشانغ أفضل من الخدمات التي تقدمها الحكومات في المدن الساحلية.

في الثامن عشر من يناير 2008، صدرت الصين الأتوبيس بايلوجيا، المصنوع في مدينة نانتشانغ، إلى الولايات المتحدة وأستراليا. هذا الأتوبيس ذو الماركة الصينية حقوق ملكيته الفكرية صينية ويصدر إلى  الدول المتقدمة. سيتم هذا العام تصدير 400 أوتوبيس، قمتها 72 مليون دولار أمريكي.

يوي شين رونغ، سكرتير عام مدينة نانتشانغ، قال: إذا حققت مدينة نانتشانغ نموا اقتصاديا بمعدل 20% سنويا، لن تحقق  النهوض، فنهضة مدينة نانتشانغ تعتمد على سياسات الانفتاح على الخارج.

يأتي نانتشانغ حاليا شركات أجنبية كبيرة ورجال أعمال، كما تأتيها أيضا مؤسسات صينية كبيرة. الآن يوجد بها أكثر من عشرين مؤسسة من بين أقوى خمسمائة شركة في العالم، وأكثر من مائتي مؤسسة صينية منها Microsoft Ford وغيرها من شركات السيارات وصنع الورق والمكيف والنسيج والمواد الجديدة، تدفع هذه المؤسسات نمو اقتصاد مدينة نانتشانغ بقوة سنة بعد سنة.

نانتشانغ مدينة الأبطال، تحافظ على قوتها وتواصل تنويع نشاطتها.