ã

الريف بعد أن هجره أهله

لي يا هونغ

فلاح وحفيدته يمران أمام شعار "بناء الريف جديد" بقرية شويوجياوان

أمين لجنة الحزب بالقرية وانغ لي رون

فو تشيان شيو، سافر زوجها إلى بكين للعمل، ولا تراه إلا مرة واحدة في السنة.

في قرية شيويجياوان، لفت انتباهنا الهدوء الشديد الذي يخيم على القرية التي لم نر فيها ظل شاب، ولم نلمح غير بعض المسنين أمام البيوت، يتجاذبون أطراف الحديث مع بعضهم البعض. وعندما سألنا أمين لجنة الحزب بالقرية وانغ لي رون، عن ذلك قال: "سافر الشباب إلى المدن للعمل."

تتبع شيويجياوان محافظة قوانشان في مقاطعة خنان، تبعد نحو ألف  كم عن بكين. في عام 2007 خرج منها أكثر من ألف فرد، أي نصف سكانها، إلى المدن للعمل، يعود كل منهم بسبعة أو ثمانية آلاف يوان إلى القرية في عيد الربيع كل سنة.

 

الحياة تحسنت

قال وانغ لي رون، البالغ من العمر 59 سنة، إن متوسط نصيب الفرد من الحقول الزراعية في القرية 6ر0 مو (المو يساوي 666 مترا مربعا)، ويبلغ متوسط الدخل السنوي للفرد ألف يوان. قبل عام 1990 كانت الدولة تقدم لهم معونة 180 ألف كغم من الحبوب الغذائية سنويا. في السنوات الأخيرة سافر كثير من سكان القرية إلى المدن الأخرى للعمل ولكسب المال، فتحسنت ظروف الحياة في القرية.

وطالب أحد مسؤولي محافظة قوانغشان بتشجيع تصدير العمالة الريفية إلى المدن، فالفلاحون لا يرسلون المال فقظ لقراهم، وعنما يعودون إليها بالتكنولوجيا والأفكار والمفاهيم المتقدمة.

حول التغيرات في القرية قال وانغ لي رون، وهو يشير إلى البيوت الجديدة بالقرية: "انظر، كم بيتا جديدا!" وقال فو تاي جيانغ الذي بنى بيتا جديدا: "تكلف بناء هذا البيت 200 ألف يوان، لم يكن ممكنا أن نفكر في بناء بيت جديد قبل عشر سنوات!"

ابن فو تاي جيانغ الذي ذهب إلى بكين كعامل لهدم البيوت القديمة، صار مقاولا صغيرا متخصصا في هدم البنايات القديمة، ويحقق دخلا سنويا نحو مائة ألف يوان. العمال الفلاحون الذين يعملون بالمدن، ويقدر عددهم بمائتي مليون، يرسلون دخولهم إلى قراهم، لتحسين حياة أسرهم. في غرفة نوم فو تاي جيانغ ببيته الجديد سرير كبير وفي صالة البيت جهاز تلفاز وثلاجة جديدة. قال إنه يعيش مع حفيدتيه في هذا البيت الكبير، ولا يزال يجمع الحطب الذي يطهو به الطعام، وتكاليف حياته اليومية لم تتغير عما كانت قبل خمس سنوات، الطعام لا يزال بسيطا.

في هذه القرية اسم يعرفه ويجله الجميع، ألا وهو شيوي ماو هاي، الذي صارت قصة تحوله من عامل فلاح إلى واحد من الأثرياء حافزا للخروج من القرية إلى المدن. في عام 1980، رحل شيوي ماو هاي ابن الثامنة عشرة من العمر إلى بكين ولا يحمل في جيبه غير سبعة عشر يوانا، حيث انضم إلى فرق مقاولات هدم البنايات القديمة. بعد سنوات من العمل الشاق أنشأ شركة وكان عمره 35 سنة، وبلغت قيمة ممتلكاته مائة مليون يوان. لكن شيوي ماو هاي استثناء في قريته، فليس كل من سافروا إلى بكين وقوانغتشو وشانغهاي، صاروا من أصحاب الملايين، فالغالبية العظمى منهم يعملون في هدم البنايات القديمة وصناعة المنسوجات وزراعة الخضراوات، بأجر يومي 50-60 يوانا.

السيدة فو فنغ لان، من قرية شيويجياوان، تقول إن أبناء القرية الذين يعملون خارجها يكدون في أعمالهم ويرجعون إلى بيوتهم مرة واحدة في السنة في عيد الربيع فقط، لذلك تنصح أحفادها دائما بالاجتهاد في دراستهم حتى لا يكون مصيرهم مثل آبائهم، لكنها تعترف بأن دخل ابنها في المدينة أكثر من خمسة أضعاف دخله في القرية.

 

التأثير في الاقتصاد المحلي

بعد سفر معظم شباب شيويجياوان إلى المدن لم يبق في القرية غير المسنين والأطفال. قبل سنتين انتخب الشاب شيوي شين بينغ رئيسا للقرية، لكنه استقال بعد سنة. يعيش شيوي شين بينغ حياة ميسورة منذ أن سافر إلى المدينة للعمل، ويتمنى أبناء القرية اختيار شخص قادر على وراغب في خدمتهم وقيادتهم إلى حياة أكثر. وانغ لي رون قال معلقا على استقالة شيوي شين بينغ: "الدخل السنوي لعضو لجنة القرية خمسة آلاف يوان، وهو أقل كثيرا من دخله من العمل بالمدينة."

هجرة الشباب إلى المدينة أدت إلى نقص الأيدي العاملة في القرية. قالت فو فنغ لان: "نملك حوالي ربع هكتار من الحقول الزراعية، في كل من موسمي الزراعة والحصاد، لابد أن أستأجر بعض الفلاحين لمساعدتي. كثير من الفلاحين ذهبوا إلى المدن، وهناك لا تأمين اجتماعي ولا معاشات لهم، ولهذا فإن الأراضي الزراعية تبقى الضمان الوحيد لهم في شيخوختهم بعد أن يعودوا إلى قراهم.

محافظة قوانغشان مشهورة بإنتاج شاي شينيانغ. في موسم قطف أوراق الشاي يستأجر أهل القرية النساء والمسنين من القرى المجاورة لمساعدتهم.

لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن العمال الفلاحين غيروا ملامح قراهم. يبلغ عدد سكان محافظة قوانغشان التي تتبعها قرية شيويجياوان 800 ألف، كان متوسط الدخل السنوي للفرد بها وصل إلى أكثر من ثلاثة آلاف يوان في عام 2007. يعمل 220 ألف فلاح منها في مدن خارجها حققوا لقراهم دخلا بلغ 7ر1 مليار يوان عام 2007. وقد عززت الحكومة المحلية دعمها للفلاحين العائدين لإقامة المشروعات، وأقامت صندوقا للتنمية الصناعية للعمال الفلاحين.

وفقا لتقرير عمل حكومة محافظة قوانغشان لعام 2007 بلغ إجمالي استثمارات العمال الفلاحين العائدين في المحافظة مليار يوان منذ عشر سنوات، ووفروا 32 ألف  فرصة عمل. المشروعات التي يقيمها العمال الفلاحون في قراهم توفر اختيارات متنوعة للفلاحين الذين يريدون السفر للعمل بالمدن، إذ يمكنهم العمل في المشروعات القائمة بالقرى القريبة منهم، وبراتب أعلى.

في العام قبل الماضي، تبرع شيوي ماو هاي وآخرون بأكثر من خمسمائة ألف يوان لبناء مدرسة ابتدائية ومقر للجنة الحزب بالقرية وخزان مياه جديد للقرية. قال وانغ لي رون: "الأموال التي يرسلها العمال الفلاحون إلي القرية صارت مصدرا رئيسيا للدخل المحلي. يعمل كثير منهم في المصانع الحديثة والفنادق الفاخرة، وقد جمع بعضهم رأسمالا يكفي لإقامة شركات صغيرة". وقال: "لابد أن نعترف بأن الحياة تحسنت كثيرا عن الماضي، بناء بيت جديد يحتاج 60-70 ألف يوان. لكن الناس أصبحوا يهتمون بالمال كثيرا، حتى الأشقاء عندما يقومون بعمل مشترك يهتمون أكثر بتوزيع المال عليهم".

 

الحب البعيد

من أجل العمل في المدينة لابد من تحمل الوحدة ولوعة فراق أفراد الأسرة. الفلاحة فو تشيان شيو  تعمل في الحقل كل يوم تقريبا. يعيش زوجها يان ناي شون بعيدا عنها طوال السنة ولا تشكو. عمر زوجها 52 سنة، سافر إلى بكين للعمل منذ نحو عشر سنوات. قالت فو تشيان شيو: "أهتم بأخبار بكين وأتابع النشرة الجوية لها عندما أشاهد التلفزيون يوميا".

يفصل بين قرية فو تشيان شيو ومدينة بكين ألف كم، وترى هذه الزوجة زوجها مرة واحدة في العام، وتحديدا في عيد الربيع. يمر نهارها سريعا، لانشغالها بالعمل في البيت والحقل ولكن الليل يمر متثاقلا، ولا سلوى أو تسلية لها غير جهاز تلفزيون سبع عشرة بوصة، تفتحه في الساعة السادسة مساء كل يوم، وتشاهد أي برنامج. قالت: "ما دام هناك صوت، يكون البرنامج جيدا." اشترى زوجها تليفونا نقالا لها ليتصل بها أو تتصل به مرة كل أسبوع.

تخرج ابنهما في الجامعة العام الماضي. قالت: "كنا نكد ونشقى ليتعلم ابننا في الجامعة. الدراسة أهم شيء بالنسبة لنا. في المستقبل، لابد للفلاح الذي يرغب العمل بالمدينة أن يكون ذا مستوى تعليمي معين ". كان التعليم في الصين قديما الوسيلة للتخلص من الفقر وارتقاء السلم الاجتماعي، فمنذ تطبيق نظام الامتحان الإمبراطوري في فترة أسرتي سوي وتانغ (581-907)، كان كثير من الفلاحين يرون أن التحاق أي واحد بالجامعة يعني انه أصبح من سكان المدينة.

في أسرة أخرى في القرية، تعيش تلميذة الصف السادس الابتدائي فو هوي شيانغ مع جدتها. على جدار صالة البيت لصقت الطفلة شهادة "التلميذ الممتاز في الأخلاق والدراسة والرياضة البدنية" التي حصلتها عليها هذه السنة. وهي تريد أن تبلغ والديهما اللذين يعملان في بكين بنتائجها الممتازة. عندما تحدثت عن والديها اللذين لا تراهما إلا في عيد الربيع كل سنة، اغرورقت عيناها بالدموع.

يشير تقرير بعنوان "أحوال الأطفال الباقين في الريف" صادر عن اتحاد المرأة لعموم الصين، إلى أن الريف الصيني به 58 مليون طفل يعمل آباؤهم وأمهاتهم في المدن.

تطبق الصين نظام التسجيل المدني، وهو نظام يفرق بين سكان المدينة وسكان الريف، وهو نظام لعب دورا هاما في الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي، لكن الثمن الذي يدفعه العمال الفلاحون بسببه باهظ. قال وانغ لي رون: "يطبق في الريف نظام التعليم الإلزامي، يتعلم الأطفال مجانا. إذا تعلموا في المدينة يدفعون نفقات الدراسة كاملة".

من أجل أن لا يسير الأبناء على نفس درب الأجداد والآباء، يهجر الفلاحون قراهم كي يضمنوا حياة أفضل للأجيال الجديدة.

 

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn