خلال العشرين عاما ونيف المنصرمة تدفق إلى مدن الصين مائتان وعشرة ملايين فلاح، في أكبر حركة تنقل بشري شهدها العالم. هجر هؤلاء الفلاحون مهنة الزراعة التي التصق بها آباؤهم وأجدادهم آلاف السنين، وامتهنوا العمل في قطاعي الصناعة والخدمات. تحولوا من منتجين للمنتجات الزراعية إلى مستهلكين لها.
إن الصورة الديمغرافية للصين مقبلة على تحول كبير، مع ظهور مزيد من الإرهاصات والتوقعات بأن يصل عدد قاطني الحضر في الصين إلى أكثر من نصف السكان بحلول عام 2010، وأن يتحقق مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل، أو كما يسمى بالصينية "شياوكانغ"عام 2020، وعندما يحدث ذلك سيكون مئات الملايين من الفلاحين تحولوا إلى سكان مدن. كل ذلك جعل السعي إلى توفير ضمانات لحماية حقوق ومصالح سكان المستقبل للمدن مهمة ملحة تفرض نفسها على أجندة العمل الحكومي والمجتمعي في الصين.
قد يكون السؤال هو: بماذا يحلم الفلاح الذي تحول إلى عامل في مدينة صينية؟
ثلاثة نواب مثلوا العمال الفلاحين في المؤتمر الوطني لنواب الشعب، في سابقة هي الأولى من نوعها، في مارس هذا العام، جمعوا آراء العمال الفلاحين في مختلف أنحاء الصين، وانتهوا إلى أن القضية الأكثر إلحاحا للعمال الفلاحين هي أن يجري فحص طبي دوري للعمال الفلاحين للوقاية الفعالة من الأمراض المهنية وعلاجها في حينه؛ وأن يتمتع العامل الفلاح المتنقل بالضمان الاجتماعي الذي توفره الدولة، وإقامة آلية لربط الشبكة الوطنية للتأمين الشامل.
جلي إذن أن ما يحلم به العمال الفلاحون هو التمتع بنفس الحقوق التي يتمتع بها سكان المدن وأن يكونوا متساوين معهم.
مقالاتنا الثلاث في هذا العدد، التي تستعرض حياة العمال الفلاحين بالصين، تتعمق في حياتهم الشاقة وتكشف كيف أن هذه المجموعة الضعيفة التي لا تتمتع بالضمان الاجتماعي الأساسي غيرت وجه مدن وأرياف الصين، بل ووصلت منتجاتهم إلى أنحاء العالم. كل هذا يجعلهم جديرين بالمساواة في الحقوق مع أهل المدن، إن لم يكن أكثر.