بعد شتاء طويل غير عادي في عام 2008، عاد الربيع، بكل ما يعني في اللغة الصينية، إلى وانفنغلين، تلك الغابة التي تضم آلاف القمم الجبلية في محافظة شياووتون بمدينة شينغيي، حاضرة منطقة تشيانشينان الذاتية الحكم لقوميتي مياو وبويي في مقاطعة قويتشو. تشتهر وانفنغلين بعجائبها الجبلية الرائعة وأبنائها من الأعراق المختلفة الذين يعيشون في تناغم وانسجام، وفوق هذا وذاك، تنميتها السياحية السريعة. في السنوات الأخيرة، صارت وانفنغلين التي ينتمي 60% من سكانها لقوميتي مياو وبويي، منطقة سياحية على مستوى الدولة، ونموذجا لتنمية السياحية الريفية في الصين.

شياووتون محافظة هادئة نظيفة تخلو شوارعها من القمامة. يحتفظ أبناؤها بعاداتهم وتقاليدهم الأصلية، فينأى زائرها بنفسه عن ضجيج المدن ويستمتع بالعجائب الجبلية والعادات الأصيلة لأبناء الأقليات العرقية، خاصة من قوميتي مياو وبويي.

عجائب الطبيعة

استغرقت رحلتنا من محافظة شياووتون إلى جبال وانفنغلين نحو أربع ساعات بالسيارة. تصل مساحة وانفنغلين أكثر من ألفي كم مربع ضمن حدود مدينة شينغيي. عندما دخلنا المنطقة السياحية الرئيسية في وانفنغلين، أدهشنا العدد الضخم من القمم الجبلية بها، والتي تربض باتجاه السماء كصفوف من الجنود، وعلى جوارها بيوت أهل القرية التي تمتد منها خيوط دخان المطابخ مشكلة مع مجموعة الجبال صورة أنيقة رائعة متناغمة.

عرض المنطقة الجبلية بوانفنغلين يتراوح بين 30-50 كم، وطولها 200 كم، حيث تمتد من هضبة تشيبنغ التي ترتفع 2000 متر عن مستوى سطح البحر إلى الضفة الغربية لبحيرة وانفنغ والضفة الشرقية لنهر هوانغني اللتين ترتفعان 700 متر عن مستوى سطح البحر على شكل مروحي. تبدأ وانفنغلين من بوقانغ شرقا، وتمتد إلى منطقة قوانغشي الذاتية الحكم جنوبا، وتصل من الغرب سانجيانغكو، ملتقى مقاطعات يوننان وقويتشو ومنطقة قوانغشي ، وتواجه جبال وومنغ شمالا.

تختلف كل قمة جبلية عن الأخرى من حيث الشكل والمظهر والتكوين الجيولوجي، بعضها يلقب بأسماء الحيوان أو الإنسان وغير ذلك، فمن بينها جبل جيانغجيونفنغ الذي يشبه الجنرال، وجبل لاوينغيان الذي يشبه الصقر، وجبل شياننيويفنغ الذي يشبه الحورية، وجبل بيتيانمن الذي يشبه البوابة. أشهر نقطة سياحية بها هي جبل شيفنغلين وجبل دونغفنغلين وجبل بيفنغلين. إضافة إلى الأنهار والبحيرات والمغارات الجبلية المتنوعة هناك الزهور المتعددة الألوان والأشجار العالية. كل هذه المناظر الطبيعية تشكل لوحة طبيعية هائلة غنية بالعجائب. هذه المناظر الطبيعية تتغير مع تغير الطقس، ففي كل موسم تراها في صورة مختلفة. تنقسم القمم الجبلية إلى خمسة أشكال جيولوجية، فمنها قمم على شكل الصفوف وأخرى على شكل السيف، والتنين، والأرهات والطوابق.

وانفنغلين أشهر منظر طبيعي في شياووتون، ومعروفة بكثرة الجبال العالية، التي تشبه الغابة إذا رأيتها من بعيد، وهناك كثير من الحكايات الشعبية حول سبب تكوينها. أثبتت دراسات الجيولوجيين أنها تكونت بسبب حركة القشرة الأرضية قبل زمن بعيد. حظيت وانفنغلين بتقدير وإعجاب أباطرة الصين في مختلف العصور بسبب جمالها وتاريخها العريق ومناظرها الفريدة. كما أثنى عليها جغرافي أسرة مينغ (1368-1644)، المشهور شيوى شيا كه، بقوله "في العالم جبال لا تعد ولا تحصى ولكن وانفنغلين فيها غابة من القمم الجبلية".

 

تطور سريع للسياحة الريفية

تقع شياووتون في وسط حديقة شينغيي الجيولوجية، وهي حديقة على مستوى الدولة، تبعد عن مدينة شينغيي حوالي أربع ساعات بالسيارة. أعلى قمة بها هي جبل شيفنغلين. شياووتون معروفة بأنها "صومعة الحبوب في شينغيي"، إذ يعيش ويزرع فيها أبناء عشرات القوميات  منذ أجيال عديدة، منهم أبناء قوميات مياو وبويي وهان الخ، ومعظم سكانها ينتمون لقومية بويي.

بالإضافة إلى مناظرها الفريدة، شياووتون أيضا غنية بالتراث الثقافي. على سبيل المثال، يوجد في مزرعة ليوشي بها 13 بيتا مبنيا على طراز الدار الرباعية، وهي أكبر مزرعة في نوعها بالصين، وجسر تانجياتشياو، المبني في أسرة تشينغ (1616-1911)، ومتحف عادات الزواج للأقليات القومية بقويتشو. وأنجبت شياووتون لوانغ ون هوا، نصير الدكتور صون يات صن، مؤسس جمهورية الصين (1912-1949).

تقع قرية ناهوي في عمق الغابات الجبلية، وهي نقطة سياحية أخرى لشياووتون  تستحق الزيارة. في عام 2002، كان متوسط الدخل الصافي للفرد نحو ألف يوان (الدولار الأمريكي يساوي 7 يوان)، ولكن مع تطور السياحة الريفية، تضاعف دخل سكانها أكثر من عشر مرات. كما قال أحد الفلاحين بها: "لدينا غابات جبلية جميلة ودور ريفية بأسلوب قومية بويي وغيرها من الموارد السياحية، كما قدمت الحكومة المحلية لنا الطاولات والكراسي وأدوات المائدة والمعقمات وغيرها من المستلزمات الضرورية لاستضافة السياح في بيوتنا، ومنذ ذلك الوقت، تدفق السياح إلينا وتحسن مستوى معيشتنا".

قال تشن تشي شننغ، صاحب بيت تحول إلى نزل سياحي، أو كما يسمونه هناك "نزل السعادة للفلاحين" في ناهوي، إن أسرته كانت تعيش على الزراعة وكان هو يعمل سائق لنقل البضائع، وكان دخل الأسرة نحو ألف يوان سنويا. ولكن بعد أن فتح "نزل السعادة" وغيره من المشروعات السياحية، وصل دخل أسرته إلى أكثر من مائة ألف يوان سنويا.

نجاح تشن أثار تأثيرا عميقا بين سكان شياووتون، فاتبع خطاه كثير من الفلاحين. عندما أقيمت الحديقة الجيولوجية الوطنية بها عام 2004، أتيحت فرصة نادرة لتنمية السياحة المحلية، فارتفع العائد السنوي للسياحة بها من 470 ألف يوان عام 2004 إلى مليون و500 ألف يوان عام 2005، ثم وصل ثلاثة ملايين يوان عام 2006. في عام 2007، قفز إلى خمسة ملايين يوان.

وفي الثامن من فبراير عام 2005، استقبلت قرية ناهوي ضيفا خاصا - الرئيس الصيني هو جين تاو- الذي حث على التنمية الريفية بها والحرص على مواردها الطبيعية وتراثها الثقافي لتحقيق التنمية المستدامة. الآن، وبعد مضي ثلاث سنوات، ما زالت تعلق صورة جولة السيد الرئيس تزين مدخل القرية، كما قال شيه تشون، أمين لجنة الحزب بشياووتون، "نريد أن يتذكر كل عضو في  القرية توصية الرئيس هو جين تاو، ويبذل كل جهوده لتعزيز التنمية الريفية وحماية البيئة وبناء قرية متناغمة."

تنمية السياحة بالأسلوب المناسب

شهدت قرية ناهوي تنمية سريعة في السنوات العشر الأخيرة، بفضل اختيار أسلوب التنمية المناسب لها، كما قال شيه تشون، الذي أضاف أنه حين تولي منصبه قبل عشر سنوات، كان قطاع الزراعة المحلية بها يواجهه مشكلة "زيادة حجم الحبوب دون أن يزيد دخل الفرد". ناقش شيه سكان القرية من أجل البحث عن سبيل صائب لتنمية القرية، وقد وافق معظمهم على تنمية السياحة بها، ثقة منهم بمزايا القرية المتمثلة في وفرة الموارد السياحية وتنوع عادات وتقاليد أبناء الأقليات القومية.

في ذلك الوقت، لم يكن أي فرد في القرية يعرف كيفية التحول من الزراعة إلى السياحة. في عام 2002، أصدرت الحكومة سلسلة من السياسات التفضيلية من أجل تنمية السياحة الزراعية والسياحة الصناعية بالأرياف. بفضل هذه السياسات، تمكنت قرية ناهوي من تنفيذ برامج بناء الطرق لزيارة القمم الجبلية وتحسين ظروف المواصلات والبنية الأساسية، فشهدت تقدما في الإدارة وتطورا في الخدمات المحلية وزاد دخل سكانها.

قال شيه إن الحكومة المحلية ستولي في السنوات المقبلة اهتماما بالغا لتطوير صناعات تعبر عن القوميات المحلية، ولتنمية السياحة على المستوى الدولي ولنشر فكرة السياحة الريفية في الصين. ومن المتوقع أن يصل عائد السياحة الشاملة بها 40 مليون يوان بحلول عام 2010، بزيادة 30% سنويا. وهو على يقين من أن مستوى معيشة لسكانها سيتحسن، كما ستتاح للسياح الفرصة لمعايشة عجائب الطبيعة في وانفنغلين.