لو صادف وصولك إلى الصين فترة رأس السنة الميلادية الجديدة، لا بد أن يلفت انتباهك الزحام، غير المعهود في الأيام الأخرى، أما دور السينما التي تعرض في الأيام الأخيرة من العام القديم وبدايات العام الجديد ما يسمى بأفلام رأس السنة. ومشاهدة أفلام رأس السنة صارت عادة بين الصينيين. الحديث عن هذه النوعية من الأفلام لا بد أن يتطرق إلى اسم فنغ شياو قنغ، حامل لقب مخرج أفلام رأس السنة.

 

ما قبل الإخراج

فنغ شياو قانغ المولود في بكين سنة 1958، ولع بالفن والأدب منذ نعومة أظفاره، وبعد أن أنهى دراسته بالمرحلة الثانوية التحق بالفرقة الفنية للمنطقة العسكرية ببكين، كمصمم مسرحي. في عام 1985، انتقل إلى مركز الفنون بمحطة تلفزيون بكين، وفي تلك الفترة صمم ديكورات  مسلسلات تلفزيونية مشهورة منها ((شرطي في ملابس عادية))، ((الأحراش الكبيرة)) و((العودة بالنصر في منتصف الليل)).

دخل فنغ شياو قانغ عالم السينما لأول مرة سنة 1991، عندما كتب السيناريو لفيلم ((الهيام غير المتوقع))، اُرشح لجائزة أفضل كاتب سيناريو في الدورة الحادية عشرة لمهرجان الديك الذهبي السينمائي الصيني فازدادت ثقته وبدأ إبداعه في مجال السينما.

المسلسل التلفزيوني ((قصص من مجلس التحرير)) الذي كتب السيناريو له فنغ شياو قانغ هو أول مسلسل تلفزيوني كوميدي صيني. كان الصينيون ينتظرون كل يوم بشغف بعد العشاء هذا المسلسل الذي عرفوا من خلاله فنغ شياو قانغ وأحبوا روحه المرحة.

 

منبّه قلب سوق السينما

قبل إخراجه لفيلم ((وداعا حبي)) سنة 1994، لم يكن فنغ شياو قانغ مخرجا حقيقيا. لم يكن لهذا الفيلم صدى كبير عند المشاهدين، ففي بداية تسعينات القرن الماضي، واجهت صناعة السينما الصينية وقتا عصيبا نتيجة الهجمة الشرسة من أفلام هوليود على السوق الصينية وشيوع قرصنة الأقراص المدمجة للأفلام وارتفاع أسعار دخول دور السينما.

في فترة ما قبل التسعينات، كانت مشاهدة الأفلام نشاطا ثقافيا هاما للصينيين، وكانت أعداد يرتادون دور السينما هائلة. ولكن بحلول نهاية الثمانينات، تراجع عدد جمهور السينما بحدة، بل إن هناك من الصينيين من لم يدخلوا دور السينما طوال سنوات فخسرت شركات الإنتاج السينمائي الصينية لعدة سنوات متعاقبة.

فيلم ((مصنع الأحلام))، الذي عرض يوم 24 ديسمبر عام 1997، كان بمثابة منبّه القلب لسوق الأفلام الصينية. هذا الفيلم الذي يحكي، بطريقة كوميدية، قصصا حول تطلعات الصينيين وأحزانهم، لقي إقبالا كبيرا وفتح الآفاق لأفلام رأس السنة في برّ الصين الرئيسي.

بعد ذلك واظب فنغ شياو قانغ على تقليد إخراج فيلم لرأس السنة سنويا، وحققت أفلامه إيرادات شباك عالية.

 

أفلام فنغ تكسب

سعى كثير من المخرجين، ومنهم تشانغ يي مو، إلى محاكاة الأسلوب الكوميدي لأفلام رأس السنة لفنغ شياو قانغ، ولكن أحدا لم يستطع أن يبز فنغ في هذا المجال، وإيرادات الشباك خير دليل، ففي العاشر من يناير عام 2001، بلغ إجمالي دخل الشباك لخمسة أفلام لمخرجين آخرين عرضت في نفس وقت عرض فيلم فنغ شياو قنغ، 2ر3 مليون يوان، أقل من ثلث دخل فيلم فنغ شياو قنغ.

ويشير استطلاع للرأي إلى أن معظم هواة أفلام رأس السنة يفضلون الأفلام التي يخرجها فنغ شياو قنغ، التي أصبحت من معالم الأفلام الروائية بالصين.

 

ليست مجرد كوميديا ونجوم

يعتقد عدد كبير من هواة السينما أن أفلام فنغ شياو قنغ الكوميدية تحقق نجاحا لأن موضوعاتها قريبة من حياة الناس، ولذا فهي تلمس أوتار قلوب المشاهدين. ولكن البعض يعزو نجاح أفلام رأس السنة لفنغ إلى الكوميديا وحشد النجوم بها، بل إن هناك من يشكك في قدراته الإخراجية ويتهم أفلامه بأنها تضحي بالفكر من أجل التسلية. والحقيقة أن أفلام فنغ التي حققت نجاحا كبيرا، لعب أدوار البطولة فيها نجوم مشاهير، ففي ((جنازة الطلقة الكبيرة)) لعب دور البطل نجم الكوميديا المشهور قه يو، وفي ((عالم بدون لصوص))، لعب دور البطل نجم هونغ كونغ اندي لاو، ودور البطلة النجمة التايوانية رني ليو، وفي فيلم ((المأدبة)) لعبت البطولة النجمة تشانغ تسى يى.

غير أن فيلمه الجديد ((الاجتماع))، الذي عرض في أواخر عام 2007 وأوائل عام 2008أثبت للمشاهد الصيني قدرة هذا المخرج، فأسلوب إخراج ((الاجتماع)) يختلف عن الأسلوب الكوميدي لأفلام فنغ شياو قانغ الأخرى، كما أنه أول فيلم له موضوعه الحرب بطاقم تمثيل لا يضم أي نجم. يروي ((الاجتماع)) ،الذي تكلف 80 مليون يوان، قصة جندي يريد التعرف على رفاقه الذين ماتوا خلال الحرب الأهلية الصينية بين الحزب الشيوعي الصيني وحزب الكومينتانغ. ويلعب ممثلون وممثلات مغمورون جميع الأدوار الرئيسية في الفيلم. خلال عرض هذا الفيلم في دور السينما، سالت دموع بعض المشاهدين، وكما قال أحدهم: "كنت أعتقد أن أفلام فنغ تضحكنا فقط، ولكن هذا الفيلم أبكاني، وأنا أنتظر على شوق فيلمه الجديد في السنة القادمة!"