ã

المساجد في شانغهاي

جين هونغ وي

مسجد شياوتاويوان

مسجد سونغجيانغ

مسجد سونغجيانغ

 

برغم أن تشييد بيوت الله في مدينة شانغهاي لم يتوقف منذ تأسيسها قبل سبعمائة سنة ونيف، مرورا بعهود أسر يوان ومينغ وتشينغ(1279-1911 م) الإمبراطورية. لم يبق منها اليوم إلا ستة مساجد، كل منها له سماته الخاصة التي تعبر عن العصر الذي بني فيه، ونستعرض هنا أربعة مساجد منها حسب الترتيب الزمني لتشييدها.

 

مسجد سونغجيانغ، واجهة الثقافتين الصينية والعربية

كانت سونغجيانغ بلدة ذات موقع استراتيجي هام في الدفاع البحري في عهد أسرة يوان، وقد جاءها ولي مسلم اسمه ناصر الدين في عهد تشيتشنغ (1368-1341م). كان ناصر الدين مسلما مخلصا أتى معه عدد كبير من المسلمين، منهم موظفون في الهيئات العسكرية والحكومية، ومنهم مزارعون وحرفيون. وقد بنت حكومة أسرة يوان مسجدا في سونغجيانغ، فعاش أولئك المسلمون هناك مطمئنين. هذا المسجد هو مسجد سونغجيانغ الذي مازال قائما حتى يومنا هذا.

مسجد سونغجيانغ، أقدم مجموعة بنايات إسلامية في شانغهاي، يجمع بين سمات العمارة الصينية الكلاسيكية وملامح العمارة العربية الإسلامية. يقع هذا المسجد في شارع قانغبنغهانغ من بلدة سونغجيانغ. وتشتمل مبانيه على قاعة صلاة ومئذنة وميضأة وقاعة للدراسة والدعوة. وقد جرى ترميم هذا المسجد وتوسيع بنائه أربع مرات حسب ما جاء في السجلات التاريخية؛ سنة 1391 وسنة 1582 وسنة 1677 وسنة 1821.

على العتبة العليا لبوابة المسجد مقطعان منقوش عليهما عبارة: "تشي جيان" (بناية إمبراطورية). وتواجه قاعة الصلاة برج مشاهدة الهلال القائم شرقها، وهو ذو أفاريز مرفوعة. وتظلل فناء المسجد أشجار ناضرة، ويسوده هدوء يبعث الطمأنينة والسكون في النفس. إذا دخلت إلى الفناء نزولا على درجات السلم الجرانيتية تحت أقدام البرج، تجد نفسك أمام قاعة الصلاة العريقة عبر الفناء. القاعة ذات واجهات عريضة، وتتكون من ثلاث بنايات متراصة، بها عدد من الألواح الخشبية المزخرفة بالحواشي المنقوشة جيدا. وفي صدر كل منها كتابات صينية مموهة بالذهب خطتها شخصيات مرموقة. بالإضافة إلى ذلك تتزين جدرانها بالكتابات العربية المموهة بالذهب، وهي تشكل زخارف متألقة، تعكس لوذعية الحرفيين القدامى.

وتشير الكتابات المنقوشة على النصب الحجري المقام سنة 1677 إلى أن المسلمين هنا، بمبادرة من ساي ين تشانغ، قاموا بترميم المسجد بما تبرعوا به من مال. وتشير الكتابات المنقوشة على النصب الحجري المقام سنة 1821 إلى أن القائد العسكري المسلم ما جين، دعا إلى جمع التبرعات من المسلمين لترميم المسجد دون أن يسمح بإنفاقها في أغراض أخرى، فشارك المسلمون هناك في حملة التبرعات بحماسة ما بعدها حماسة تلبية لدعوة ذلك القائد العسكري المسلم. وانتهى بهم الأمر إلى تجديد ملامح المسجد تماما.

في فترة جمهورية الصين (1912-1949) كان مسجد سونغجيانغ آيلا للسقوط. ومن أجل حماية الآثار التاريخية رصدت الحكومة الصينية مخصصات مالية سنة 1955 لترميمه، مما أعاده إلى الصورة التي كان عليها. وخلال فترة "الثورة الثقافية" تعرض المسجد، شأن كل البنايات الدينية، للتخريب والتدمير، ولم تجدد ملامحه إلا بعد ترميمه مرة أخرى سنة 1980. وقد أدرج هذا المسجد القديم في قائمة الآثار التاريخية المحمية في بلدية شانغهاي.

 

مسجد فويولو، طراز صيني خالص

بعد إنشاء ميناء تجاري في شانغهاي سنة 1843، انتقل إليها كثير من المسلمين سعيا وراء الرزق، وبفضل ازدهار اقتصاد شانغهاي صار بعضهم من التجار الأثرياء، فأنشئوا عددا كبيرا من المساجد بالقرب من مساكنهم.

مسجد فويولو الذي يقع في شارع فويولو بوسط المدينة وهو شارع يقطنه كثير من المسلمين، بني عام 1870، وكان اسمه بيسي (المسجد الشمالي)، وكان يصلي فيه المسلمون المقيمون في الشوارع المجاورة، وكان مركز نشاطات المسلمين، بالإضافة إلى إقامة الصلاة، كانت فيه النشاطات الدينية الروتينية المختلفة، فبعد ولادة الطفل في أسرة مسلمة يذهب أهله إلى المسجد للأذان في أذن المولود، كي يسمع "الله أكبر" في الأيام الأولى لقدومه إلى الدنيا، ثم يختار له الإمام اسما إسلاميا. المسجد أيضا هو محور الجنازة للمسلمين، فطبقا للتقاليد المتبعة في المجتمعات الإسلامية المحلية لا بد لأهل المحتضر من استدعاء إمام مسجد فويولو ليجلس بمحاذاة فراشه ليلقنه الشهادة بصوت مسموع لئلا ينسى ذكر الله سبحانه. ويتولى المسجد كذلك الإشراف على عقد القران، ويعتبر ذلك من تقاليد مسلمي شانغهاي التي يتمسك بها أغلبيتهم حتى بعد تطبيق نظام تسجيل الزواج الرسمي. المهمة الأخرى للمسجد، وحيث أن مسلمي شانغهاي لا يأكلون لحوم البقر والغنم والدجاج والبط إلا بعد ذبحها على الطريقة الإسلامية، فإن مسجد فويولو يتولى هذه المهمة، فإما يحدد أشخاصا بعينهم يتولون الذبح أو يكلف بعض العاملين به لهذه المهمة.

ويقال إن مسجد فويولو بني بتبرعات من المسلمين. في عام 1863، من أجل أداء الشعائر الدينية، استأجر مسلم جاء من مدينة نانجينغ غرفتين صغيرتين ليصلي فيهما المسلمون، بعد ست سنوات، باقتراح شيوخ مسلمين، جمع السكان المسلمون تبرعات قدرها 2700 عملة فضية واشتروا الأرض وبنوا قاعة للصلاة سميت حينذاك مسجد تشوانتشنجيه، وهو البنية الأولى لمسجد فويولو، في 1876، جمع المسلمون 4000 عملة فضية لتوسيع أرض المسجد وبعد عشر سنوات جمعوا عشرة آلاف عملة فضية لتوسيع المسجد بتشييد بناية ثالثة، فتم بناء المسجد كاملا.

لمسجد فويولو تاريخ مجيد، ففي عام 1899 أنشئت فيه مدرسة ووبن الابتدائية، وهي أول مدرسة لأطفال المسلمين، في عام 1909 أنشئت فيه منظمة التجمعات الإسلامية في شانغهاى، وهي أول منظمة إسلامية في شانغهاي، وفي عام 1911، بادر المسلمون المحليون بتشكيل قوى شعبية مسلحة لمقاومة حكومة أسرة تشينغ الفاسدة، وكان مسجد فويولو قاعدة لها. وقد تولى إدارة هذا المسجد عدد من مشاهير الشخصيات الإسلامية، منهم الشيخ دا بو شنغ، وهو من أشهر أربعة الأئمة في تاريخ الصين المعاصر، والأستاذ ما جين بنغ، الذي درس في جامعة الأزهر وعمل أستاذا للغة العربية في جامعة بكين.

مسجد فويولو مبني على الطراز الصيني التقليدي، البناية الرئيسية فيه دار رباعية مكونة من ثلاث قاعات، الوسطى تستخدم للصلاة، والأخريان للاجتماع والتدريس ومراسم الجنازة وعقد القران. باستثناء اللافتة المزخرفة بالكتابات المنقوشة من آيات القرآن التي تعلق فوق الباب الأمامي، لا توجد أي بناية على الطراز الإسلامي أو العربي بالمسجد.

 

مسجد شياوتاويوان، درة العمارة في شانغهاى

يقع مسجد شياوتاويوان في شارع خنان الجنوبي بشانغهاي، وقد سمي هذا المسجد بهذا الاسم لوقوعه في مكان كان بستان خوخ، حيث المناظر الطبيعية جميلة، فعبارة شياوتاويوان في اللغة الصينية تعنى حديقة شجر الخوخ، بنى المسجد في عام 1917، بتبرعات مالية بلغت مائتين ألف عملة فضية من التجار المسلمين المحليين الذين حققوا الثراء من أعمالهم التجارية. بمرور الزمن، توارت الحديقة وظل المسجد شامخا. توجد لوحتان خشبيتان على الباب الأمامي، تحمل إحداهما عبارة "إن الدين عند الله الإسلام" مكتوبة بالنقش النافر. وعلى اللوحة الأخرى المموهة بالذهب كتب الرقم "1343" وهو عام 1343 الهجري، أي عام 1925 ميلادي الذي شهدت عملية ترميم للمسجد.

تتكون العمارة الرئيسية لمسجد شياوتاويوان من بنايتين متلاصقتين على الطراز الإسلامي التقليدي، يظهر بابه الشمالي على شكل مقوس وهو من الحديد، في البناية الأمامية ساحة مربعة مساحتها خمسمائة متر مربع تتسع لخمسمائة، إلى الغرب منها ممر يؤدي إلى الدار الخلفية، وهي مظللة بأشجار الصنوبر والسرو ومزدانة بالأزهار الزاهية الألوان. أما قاعة الصلاة فتتكون من ثلاثة طوابق، الأول قاعة واسعة، عوارضها ودعاماتها مزخرفة بنقوش مزركشة تثير الدهشة بألوانها المتألقة. مقصورة المحراب المميزة بفنون العمارة العربية ذات سقف غائر وخالية من العوارض، وتعلو عقدة المحراب والعارضة الرئيسية لقاعة الصلاة نقوش بديعة لآيات قرآنية مخطوطة بالذهب المموه، وكلها تضفي على القاعة جمالا لا مثيل له. والطابقان الثاني والثالث فيهما غرفة عرض لتاريخ المسجد وغرفة عرض لطبعات مختلفة من ترجمة معاني القرآن وحجرة الدرس وغرفة الاستقبال وميضأة الخ.

المسجد مبني بالخرسانة المسلحة، وهذا أمر نادر بين البنايات الإسلامية التي بنيت في ذلك الوقت. بعد مرور تسعين عاما ما زال المسجد ثابتا، ويقول المهندسون إنه يتحمل أربع شاحنات يتجاوز وزن كل منها ثمانية أطنان، وقد أدرج هذا المسجد في قائمة أفضل البنايات المعمارية في شانغهاي.

في فترة جمهورية الصين (1912-1949)، كانت شانغهاي محطة ترانزيت تستقبل المسلمين القادمين من مقاطعات شنشي وقانسو ونينغشيا وتشينغهاي وشينجيانغ في طريقهم إلى مكة للحج عبر الطريق البحري. كان هؤلاء يتجمعون في مسجد شياوتاويوان أولا.

في عام 1929، رأى الشيخ دا بو شنغ والشيخ ها ده تشنغ، بعد جولة قاما بها في عدد من الدول الإسلامية، أن التعليم المسجدي في شانغهاى له نواقص كثيرة، ودعا الرجلان إلى تجديده لإعداد العلماء النابغين في علوم الدين وذوي المعارف الاجتماعية، وأشارا إلى أن الحل هو تأسيس المدارس الدينية النظامية، فافتتحا مدرسة شانغهاي الإسلامية للمعلمين التي اتخذت من مسجد شياوتاويوان مقرا لها، وكان يدرّس فيها علماء وأئمة مشهورون صينيون وأجانب، وقد أعدت دفعة كبيرة من الأئمة الشباب المتفوقين، واختير الستة منهم لإكمال دراستهم في جامعة الأزهر، فأصبحوا علماء إسلاميين مشهورين في الصين، منهم الأستاذ محمد مكين ما جيان.

بعد تأسيس الصين الجديدة سنة 1949، أولت حكومة الصين اهتماما كبيرا لتنفيذ السياسات الجديدة إزاء الأديان، ورغم الأزمة المالية التي شهدت الصين الجديدة في بداية تأسيسها، ترأس تشن يي، عمدة شانغهاى حينذاك، بنفسه جولة تفقدية إلى مسجد شياوتاويوان لرعاية هذا المسجد ورؤية الأئمة القائمين فيه والدعوة إلى السياسات الجديدة. وخلال نصف القرن الماضي استقبل المسجد أعدادا كبيرة من الزوار الأجانب، فقد أصبح نافذة هامة لتعريف العالم بسياسة حرية الاعتقاد في الصين، وقد نشرت جريدة الأهرام المصرية سنة 1994 مقالا خاصا حول هذا المسجد.

 

مسجد هوشي، عناصر إسلامية حديثة

بنى مسجد هوشي بشانغهاي في شارع شيكانغ في عام 1928 بتبرعات من المواطنين، بنايته الأولى شملت ثلاث غرف للصلاة تتسع لمائة مصل، وأعيد بناؤه وتوسيعه في عام 1992 بتمويل من حكومة شانغهاى، ليصبح أجمل مسجد في شانغهاي، زادت مساحته ثلاثة أضعاف ويبدو المسجد الجديد على طراز حديث، حيث الباب المقوس والقبة الخضراء والممر المسقوف والساحة ذات النافورة وقاعة الصلاة المكونة من طابقين. يبلغ ارتفاع المئذنة 25 مترا، وتوجد بجانب قاعة الصلاة ميضأتان للرجال وللحريم، وقاعة تدريس وحجرة درس وغرفة استقبال، كما أنشئت فوق قاعة الصلاة ستة قباب على كل منها هلال. يتجسد جمال مسجد هوشي في الألوان المجسمة والترتيب المناسب والخطوط اللائقة، وهو يعتبر أول بناية إسلامية حديثة في شانغهاي. في مراسم تدشين البناء في عام 1992، تناقل المسلمون المحليون الخبر متأثرين وقالوا: "ما أجمل مسجد هوشي، لم نكن نحلم بأن يصل جماله إلى هذه الدرجة."

 

يشهد اقتصاد شانغهاي ازدهارا في القرن الجديد، ويتدفق المسلمون، الصينيون والأجانب، إليها بغرض التجارة ودراسة السوق أو الدراسة الأكاديمية. يقع مسجد هوشي بالبوابة الغربية للمدينة، وفي الشارع الذي أمام المسجد، تباع فيه مأكولات إسلامية مثل الكباب المشوي وشرائح البقر المشوية والمنسف وحساء العدس الخ. يصل عدد زوار المسجد في وقت الذروة ألف مسلم، بينما يتسع المسجد لثلاثمائة مصل فقط، فيصبح المسجد مزدحما. من أجل حل مشكلة الازدحام، وضعت حكومة شانغهاي والجمعية الإسلامية بشانغهاي خطة لنقل مسجد هوشي إلى مكان أوسع وإعادة بنائه. من المتوقع، أن يظهر هذا المسجد بصورة أجمل وأحدث في المستقبل القريب.

يعود تاريخ المساجد في شانغهاي إلى فترة أسرة يوان، خلال السبعمائة سنة الماضية تطورت المساجد في شانغهاي، وحافظت على خصائصها من حيث الطراز المعماري والأسلوب الفني. هذه المساجد هي خير شاهد على تمازج العناصر العالمية والصينية في شانغهاي. ولكن هذه المدينة الساحلية لا بد أن تولي اهتماما أكبر للمساجد في المستقبل، وفي هذا الصدد ثمة ثلاثة مقترحات:

الأول، في عام 2010 ستستضيف شانغهاي المعرض العالمي، من المتوقع أن يزورها عدد هائل من مسلمي العالم، ولا تتوفر في شانغهاي الآن مساجد كافية لسد حاجاتهم الدينية، على حكومة شانغهاي والجمعية الإسلامية بشانغهاي انتهاز هذه الفرصة لإنشاء عدة مساجد متوسطة الحجم تغطي كل مناطق شانغهاي.

الثاني، معظم مساجد شانغهاي بني بتبرعات من المسلمين المحليين الذين كانوا يشاركون في تصميم وبناء المسجد، الأمر الذي يجسد روح التعاون للمسلمين الصينيين وثبات عقيدتهم وإرادتهم القوية، ونحن نقترح على الجهات المعنية أن تستطلع آراء المسلمين المحليين عند وضع خطط وتصميمات بناء مساجد جديدة.

الثالث، لا يعد المسجد مكانا للنشاطات الدينية فحسب، بل نافذة هامة طويلة المدى لتوعية بالسياسة الصينية لحرية الاعتقاد الديني. يجب إقامة بنايات إضافية في مساجد شانغهاي المختلفة، حسب ظروفها الخاصة، لتكون معارض للثقافة الإسلامية ومطاعم إسلامية ودكاكين للمستلزمات الإٍسلامية، من أجل توفير التسهيلات لزوار المساجد وإطلاعهم على الثقافة الإسلامية في شانغهاي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn