الصين
ملتزمة بالمرجعيات
الأساسية
لحل الصراع
العربي الإسرائيلي
أكد السفير سونغ آى قو، مدير عام إدارة غرب آسيا وشمال أفريقيا بوزارة الخارجية الصينية، التزام بلاده الثابت بالمرجعيات الأساسية لحل الصراع العربي الإسرائيلي، واستعرض المسئول الصيني في حوار مع الزميلة عزة الحديدي، مديرة مكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط في بكين، مجمل العلاقات الصينية العربية ومواقف الصين من القضايا العربية. وإلى تفاصيل الحوار.
عزة الحديدي: بعد الاحتفال بالذكرى السنوية الرابعة لتأسيس منتدى التعاون الصيني العربي، كيف تقيمون مسيرة هذا المنتدى؟
سونغ آى قو: إن عصر العولمة أوجد فرصا يتعين استثمارها وتحديات يتعين مواجهتها وهو ما يجعل توثيق التعاون الصيني العربي حتمية لا بديل عنها، خاصة وأن الطرفين ينتميان للدول النامية ويشكلان معا سدس مساحة العالم الجغرافية وربع إجمالي تعداد سكان الأرض ومن ثم يتحملان سويا الدفاع عن الحقوق والمصالح المشروعة للدول النامية.
ولأجل إثراء مضامين العلاقات الصينية العربية، وتوسيع مجالات التعاون ورفع مستواه، وترسيخ روابط الصداقة الصينية العربية في قلب كل صيني وعربي وتناقلها من جيل إلى جيل، أعلن رسميا الرئيس الصيني هو جين تاو عن إقامة ذلك المنتدى يوم 30 يناير 2004 خلال زيارته للمقر الرئيسي لجامعة الدول العربية بالعاصمة المصرية القاهرة، بادئا مرحلة جديدة في مسيرة علاقات الطرفين الصيني والعربي يدخلان بها القرن الجديد. كما طرح الرئيس الصيني أربعة مبادئ لتطوير علاقات ذات نمط جديد بين الطرفين، هي تعزيز العلاقات السياسية على أساس الاحترام المتبادل؛ تكثيف التبادل الاقتصادي والتجاري بهدف تحقيق التنمية المشتركة؛ توسيع التبادلات الثقافية على أساس أن يكون الاقتباس المتبادل مضمونا له وتعزيز التعاون في المحافل الدولية على أن تكون غايته حماية السلام العالمي ودفع التنمية المشتركة للبشرية. وعلى مدار السنوات الأربع من عمر المنتدى جرت جميع المهام المبرمجة له بشكل سلس وتشكل الإطار الأساسي للعلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية. وقد نظم الطرفان على التوالي مؤتمرين على المستوى الوزاري واجتماعات كبار المسؤولين ومؤتمرات رجال الأعمال ومؤتمر حوار الحضارات ومؤتمر للطاقة وندوة حول الفرص الاستثمارية وأخرى حول حماية البيئة، وثالثه حول التنشيط السياحي ومنتدى للتعاون في مجال البتروكيماويات، وأسابيع ثقافية، ومهرجانات فنية، وغيرها من الفعاليات والأنشطة الصينية العربية الهامة التي حققت نتائج مرضية وتركت أصداء إيجابية ودفعت بقوة مسيرة العلاقات الثنائية على شتى المحاور خطوات ملموسة إلى الأمام وعلى نحو يلبى متطلبات وتطلعات الجانبين ويعود بالفائدة على كليهما فيما يواكب تيار العصر الذي يرتكز على التعاون الإقليمي المتعدد الأطراف .
عزة الحديدي: كما تعلمون، التعاون الاقتصادي يشكل أحد الركائز المحورية للعلاقات الصينية العربية، فما هي أهم ملامح هذا التعاون؟
سونغ آى قو: اتخذت العلاقات الاقتصادية مسارا اتسم بالسرعة والشمولية والتعمق حتى أصبح العرب ثامن أكبر شريك تجاري للصين على مستوى العالم وسابع أكبر الأسواق العالمية المستوردة للبضائع الصينية وسابع أكبر الموردين للصين خاصة فيما يتعلق بالنفط الخام ، حيث يعد العالم العربي منطقة هامة للصين في ممارستها لاستراتيجية "تنويع الأسواق" واستراتيجية "التوجه نحو الخارج" .
ولدى المقارنة يتضح الخط البياني التصاعدي لإجمالي حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية، ففي عام 1991 لم يكن أكثر من 42ر2 مليار دولار أمريكي، قفز العام الماضي متخطيا سقف السبعين مليار دولارأمريكي، مع التوقع بأن يتخطى سقف المائة مليار دولار أمريكي بحلول عام 2010 .
ويميل الميزان التجاري لصالح الجانب العربي مشكلا ظاهرة لا تتكرر كثيرا في تجارة الصين الخارجية ويعزى سببها بشكل رئيسي إلى زيادة حجم الواردات الصينية من البلدان العربية من النفط (بما يعادل 6ر41 بالمائة من إجمالي واردات الصين السنوية النفطية) والمنتجات البتروكيماوية والأسمدة، فيما تتمثل الصادرات الصينية للدول العربية أساسا في الآلات والأجهزة الكهربائية والملابس الجاهزة ومنتجات الغزل و النسيج والأحذية الجلدية وإطارات السيارات والحقائب .
كذلك وقع الطرفان عقودا بقيمة 3 مليارات دولار أمريكي و800 مليون دولار أمريكي، فيما قامت الصين بتدريب 900 كادر عربي في مختلف المجالات إيمانا بأن العنصر البشرى هو الركيزة الأساسية وحجر الزاوية في أي مسيرة تنموية. إن آفاق المستقبل لا تزال واسعة وواعدة معززة في ذلك بالميزات التكاملية والطاقات الكامنة والهائلة وأسسها المتينة والقوية التي مكنتها من الصمود أمام كافة المحن والاختبارات والتحديات، فضلا عن الرغبات المشتركة والمصالح طويلة الأمد لكلا الطرفين.
عزة الحديدي: وماذا عن التعاون على الصعيد السياسي؟
سونغ آى قو: يحافظ الطرفان الصيني والعربي على تكثيف المشاورات في الشؤون الدولية مما أسفر عن مواقف مشتركة أو متماثلة في العديد من المسائل الدولية الكبيرة ذات الاهتمام المشترك، كما يعملان سويا لأجل تعزيز السلام والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي لتوفير بيئة صحية تدفع بالتنمية المشتركة لصالح البشرية بأسرها، ويؤيد الطرفان الجهود الدولية العادلة المبذولة في دفع عملية السلام في الشرق الأوسط بناء على قرارات الأمم المتحدة, كما يؤيدان جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية، ويطالبان جميع الدول بضرورة الالتزام بمعاهدتي حظر الانتشار النووي وحظر انتشار أسلحة الدمار الشامل. ويتمسك الجانب العربي وبثبات لا حياد عنه بسياسة الصين الواحدة ويرفض بالمطلق "استقلال تايوان" ويدعم بالكامل مسيرة إعادة توحيد طرفي المضيق.
عزة الحديدي: ما هي أهم أنشطة منتدى التعاون الصيني العربي في عام 2008؟
سونغ آى قو: ستعقد الدورة الثالثة للمنتدى في مملكة البحرين، وهى تكتسب أهمية خاصة حيث ستكون بمثابة فرصة لتقييم تجارب الماضي وتحديد ملامح المستقبل ارتكازا على ثلاثة محاور رئيسية هي: تبادل الآراء حول القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك لتحديد آفاق التعاون المستقبلي خاصة في المجال السياسي؛ بحث السبل والإجراءات الكفيلة بتعزيز التعاون الاقتصادي وتفعيل آليات المنتدى وتحديد المجالات التي يتعين أن تحظى بالأولوية خلال العامين القادمين. وفى إطار أنشطة المنتدى للعام الحالي، استضافت الصين مؤتمرا حول الطاقة خلال شهر يناير الماضي، كما ستنظم ندوة إعلامية خلال شهر إبريل، بينما ستستضيف سورية مؤتمر الصداقة الصيني العربي خلال سبتمبر، إلى جانب عقد ندوة حول الاستثمارات على هامش معرض شيامن بالصين في سبتمبر القادم.
عزة الحديدي: ماذا عن موقف الصين من إعلان مصر وعدد من الدول العربية مؤخرا اعتزامها تنفيذ برامج لتوليد الطاقة النووية للأغراض السلمية المدنية، وهل الصين مستعدة لمساعدة الدول العربية في هذا المجال؟
سونغ آى قو: لكل دوله موقعة على المعاهدة الدولية لحظر الانتشار النووي الحق الكامل في الاستخدام السلمي للطاقة النووية مقابل الالتزام الكامل بمسئولياتها التي تفرضها عليها تلك المعاهدة. والصين مستعدة للتعاون مع الطرف العربي في كافة المجالات.
عزة الحديدي: ما هي رؤيتكم للأوضاع على الساحة الفلسطينية على ضوء التطورات الأخيرة في قطاع غزة؟
سونغ آى قو: الصين ملتزمة بمرجعيات حل الصراع العربي الإسرائيلي المتمثلة في قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، مبدأ الأرض مقابل السلام، مبادرة السلام العربية، خطة خارطة الطريق، خيار التفاوض السياسي الدبلوماسي وليس خيار العنف المسلح، إقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش بسلام جنبا إلى جنب مع الدولة الإسرائيلية. وفي هذا الصد فإن الصين تشيد بالموقف المصري الذي أسهم في تحسين الأوضاع الإنسانية لسكان قطاع غزة. إن أحداث غزة التي طرأت مؤخرا على السطح لا يمكن فصلها عن مجمل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والذي يشكل بدوره جوهر قضية الشرق الأوسط وبدون إيجاد حل له يتعذر تحقيق السلام الدائم والعادل والشامل لتلك القضية المزمنة بالغة التعقيد. إن الصين تشعر بالقلق العميق حيال تصاعد حدة التوتر بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في أعقاب أحداث غزة واستمرار المواجهات المسلحة بينهما، وتدعو الطرفين إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس لإعادة الأوضاع إلى طبيعتها ومن ثم تهيئة الأجواء المناسبة لاستئناف المفاوضات السلمية حول قضايا الوضع النهائي. وعلى المجتمع الدولي وكافة الأطراف المعنية اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لتحسين الأوضاع في قطاع غزة ودعم ومساندة الجهود الرامية إلى إحياء المفاوضات في أقرب وقت ممكن.
عزة الحديدي: ولكن ما هو موقف الصين، العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي، من إخفاق المجلس حتى في استصدار مجرد بيان رئاسي بعد انفجار الأوضاع في غزة كنتيجة مباشرة للحصار الإسرائيلي الخانق؟
سونغ آى قو: يتعين على المنظمات الدولية الاضطلاع بدور أكثر إيجابية في حل الملفات الإقليمية. وقد لعبت الصين دورا حاسما داخل مجلس حقوق الإنسان وكان له أكبر الأثر في تبنى المجلس يوم 24 يناير الماضي قرارا يطالب إسرائيل برفع حصارها المفروض على قطاع غزة ويستنكر الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.
عزة الحديدي: وكيف ترى الصين في قضايا الشرق الأوسط الأخرى؛ العراق ولبنان ودارفور الخ؟
سونغ آى قو: هناك مواقف أساسية تتبناها الصين إزاء مجمل قضايا منطقة الشرق الأوسط تتمثل في: اعتماد السبل الدبلوماسية السلمية كخيار أوحد لحل جميع هذه القضايا؛ تفعيل الدور الريادي والمحوري لمنظمة الأمم المتحدة والالتزام الكامل بكافة قرارات الشرعية الدولية؛ إفساح المجال أمام المنظمات الإقليمية وفى مقدمتها جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي للقيام بدور إيجابي يدفع باتجاه حل هذه القضايا بشكل عادل ودائم.
بخصوص العراق، تدعم الصين جهود الأمم المتحدة والحكومة العراقية لأجل تحقيق المصالحة وتعزيز الاستقرار ومن ثم تحريك عملية إعادة الاعمار، كما تشجع الصين العراق على إقامة علاقات حسن جوار مبنية على الثقة مع جميع دول الجوار. وقد شاركت الصين في اجتماعي وزراء خارجية العراق ودول الجوار، حيث شارك وزير الخارجية الصيني في الاجتماع الأول الذي عقد بشرم الشيخ، بينما شارك نائب وزير الخارجية الصيني في الاجتماع الثاني الذي عقد في اسطنبول. وبالنسبة للبنان، ترى الصين أن الاضطراب الحاصل على الساحة اللبنانية يعرقل وحدة وتنمية ذلك البلد الآسيوي، كما يجلب تأثيرات سلبية على عموم منطقة الشرق الأوسط التي تعج بالأحداث الساخنة والمشتعلة، ونأمل أن يكون بمقدور الأطراف اللبنانية التوصل إلى أرضية توافقية لتسوية جميع مشاكلهم خاصة فيما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي. وترحب الصين بالجهود البناءة التي تبذلها جامعة الدول العربية في هذا الصدد. إن الصين تشارك بقوات ضمن عملية حفظ السلام التي تنفذها الأمم المتحدة في لبنان وقدمت مساعدات إلى لبنان في صورة منح مالية وهبات عينية وقروض بدون فوائد تجاوزت عشرين مليون دولار أمريكي، وهذا يجسد التزام الصين بتقديم أقصى المساعدات الممكنة لدفع مسيرة إعادة إعمار لبنان.
وفيما يتعلق بالسودان، موقف الحكومة الصينية يؤكد على ضرورة الاحترام الكامل لسيادة السودان ووحدة أراضيه، ويتبنى إستراتيجية المسار المزدوج والمتزامن والمتوازي لدفع المفاوضات السياسية ونشر قوات حفظ السلام في دارفور في آن معا ، ويدعم الدور القيادي المحوري الذي تلعبه الآلية ثلاثية الأطراف التي تضم الحكومة السودانية والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة. وقد أثبتت الحقائق أن مثل هذه الاستراتيجية وتلك الآلية هما السبيل الصحيح لحل قضية دارفور وقد حققا بالفعل نتائج هامة، ونطالب المجتمع الدولي بتقديم أقصى المساعدات الممكنة لسرعة تحسين الأوضاع الإنسانية في دارفور.