يكشف صعود درجات السلم الحجري لجالري البوابة الحمراء عن بانوراما بكينية مثالية. يقع الجالري في برج دونغبيانمن، وهو بناية من عصر أسرة مينغ تشمخ بين البقايا المتكسرة لسور مدينة بكين. برج المراقبة، مثل معقل محاصر لماضي المدينة الإمبراطوري، تطوقه خطوط السكة الحديد والطريق الدائري الثاني ببكين، وتطل عليه من بعد المكاتب الفولاذية الزجاجية للحي التجاري المركزي. إنه لمن المناسب أن تضم هذه القلعة القديمة المحاطة بتلك الوفرة من التنمية الحديثة، معرضا فنيا ظل طويلا معقلا ثقافيا من نوعية معاصرة أكثر.

على مدى سبع عشرة سنة، يعرض جالري البوابة الحمراء الفن الصيني المعاصر. إن قصة البوابة الحمراء ومديره الأسترالي براين واليس، هي قصة صعود حركة الفن المعاصر في الصين؛ من ممارسة سرية غير مسموح بها إلى صناعة مرئية إبداعية معروفة دوليا.

الأيام الأولى

عندما انتقل براين واليس إلى بكين في أواسط ثمانينات القرن الماضي، وجد مشهدا فنيا وليدا، بدون أي دعم مؤسسي تماما، ولكنه متعطش لفرصة للتعبير عن نفسه. كتب مدافعا عن تلك القترة في ((برج المراقبة))، وهو كتاب صدر بمناسبة الاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة عشرة للبوابة الحمراء سنة 2006: "كان الفنانون الشبان يدورون في أرجاء بكين بشرائح من أعمالهم، أو بالأعمال نفسها مطوية تحت أذرعهم على أمل التواصل مع الناس المهتمين بفنهم. كان يعرضون أعمالهم على أرائك الأجانب أو يأخذون الفضوليين إلى بيوتهم الضئيلة".

صادق الأسترالي الشاب العديد من هؤلاء الفنانين وبسرعة انخرط في الدور التنظيمي الذي كان مقدرا له أن يلعبه خلال العشرين عاما التالية. قال: "لم يكن ثمة دعم رسمي، ولا معارض فنية. كان معظم تلك المعارض ينظمها الفنانون أنفسهم، وعليه فكرت مع أصدقائي الفنانين، لماذا لا نأخذ هذا الفن إلى مستوى أعلى، ونرسل دعوات مناسبة ونقيم حفلات كوكتيل للافتتاحات؟ هذا ما بدأت أعمله".

في عام 1990 سجل براين واليس اسمه لدراسة دورة لمدة سنة حول  تاريخ الفن في معهد بكين المركزي للفنون الجميلة. هذه الخبرة ساعدته في فهم ما كان يراه. وكما قال: "وضعت هذه الخبرة كل شيء في منظوري، من خلال توفير رؤية شاملة لي لتاريخ الفن الصيني، الذي يرجع تاريخه إلى خمسة آلاف عام. وفرت لي تقديما جيدا للفن الصيني في وقت قصير للغاية".

مع اقتراب نهاية الدورة، واجه براين اختيارا، فمع نفاد أمواله وعدم وجود وظيفة كان عليه أن يعود إلى عالم البيزينس الذي جاء منه، أو أن يفعل شيئا جديدا. مستفيدا من خبرته في المعهد، وكذا من أصدقائه ومعارفه، شرع يفكر مليا في افتتاح معرض فني- جالري.

دخول البوابة الحمراء

افتتحت أبواب البوابة الحمراء في يوليو 1991 بمعرض لأعمال خمسة فنانين صينيين. كان عدد المعارض الفنية في ذلك الوقت يعد على أصابع اليد الواحدة. بيد أن براين قام بأول عملية بيع في يوم افتتاح البوابة الحمراء. غير أن إدارة معرض في تسعينات القرن الماضي كانت منجما ماليا صعبا. حتى وقت قريب، في عام 2001، لم يكن في مقدور براين، ماليا، أن يطبع كتالوجا للذكرى السنوية العاشرة للبوابة الحمراء، وهو أمر يصعب تصديقه حاليا مع وصول أسعار القطع الفنية الصينية إلى أرقام فلكية في السوق الدولية.

إن الاهتمام الدولي المتنامي بالفن الصيني المعاصر تطور في تقاطع مع الزيادة الرهيبة في أعداد المعارض الفنية في بكين وشانغهاي والمدن الصينية الأخرى. وشهدت السنوات الأخيرة أيضا صعود "المناطق الفنية"، وهي عبارة عن مجمعات للمعارض والاستوديوهات والورش والمقاهي والمطاعم. افتتح جالري البوابة الحمراء فرعا ثانيا له في أشهر تلك المناطق الفنية، وهي "798" ببكين، في ديسمبر 2005.

قال براين: "حتى قبل أربع سنوات كان يوجد ثلاثة معارض فقط تقوم فعلا بعمل شيء في بكين وواحد في شانغهاي، ثم وصل السوق الكبير وتزامن مع 798 ومورغان شان لو (أكبر منطقة فنية في شانغهاي). ثم الاهتمام الهائل من الخارج، الذي يتزايد بسرعة وثبات لفترة طويلة، وبعض الاهتمام المحلي أيضا. كل هذا انطلق معا. كانت كمية الأموال المتداولة كبيرة واستفاد كثير من الفنانين من ذلك، فمنهم من رفع أسعار أعمالهم ومنهم من صار تجاريا أكثر، ومن بينهم بعض كبار الفنانين على ساحة الفن المعاصر. على الرغم من شيوع التوجهات التجارية، ثمة ما يشجع براين ومن ذلك النمو في بنية معارض الفن وبيوت المزادات والذي ترافق مع تدفق رأس المال. وهو أيضا متأثر بحقيقة أن الفنانين أنفسهم هم الذين يدفعون رئيسيا إنشاء المناطق الفنية مثل 798. وهو يعتقد أن كل هذه التطورات "ضرورية حتما لنضوج الفن وجعل الفنانين أكثر وعيا بممارستهم".

خلال زوبعة السنوات القليلة الماضية، ظل براين مخلصا لمبرر وجوده الأصلي. وقد شكلت علاقاته الشخصية مع الفنانين في البوابة الحمراء فلسفة الجالري وتشغيله منذ افتتاحه. وعن ذلك قال: "نحن مختلفون عن بعض المعارض الفنية الأخرى، فنحن نقيم معرضا بعد معرض لفنانين جدد. أما تلك المعارض فترفع عددا هائلا من الفنانين، ولكن كم من العمل يمكنها أن تقوم به لكل واحد بعد المعرض الأول، من يعلم؟"

المقر

التزام براين الطويل المدى باحتضان الفن الصيني ينعكس في برنامج جالري البوابة الحمراء، الذي أتى بمائة وخمسين فنانا وعالما أجنبيا إلى الصين. الأكثر أهمية، أنه منذ منتصف هذا العقد من الزمان كان جاليري البوابة الحمراء اللاعب الرئيسي في إحضار أكثر من عشرة فنانين صينيين إقليميين إلى بكين، قدم لهم المكان والمعاش فازدهر العديد منهم في العاصمة.

براين قال: "معظمهم أقاموا وأنشئوا استوديوهاتهم الخاصة، وبدأت علاقتهم بالسوق تنطلق. وأعتقد أن أحد أفضل الأمثلة تشو ون لينغ من شيامن. كان معروفا إلى حد ما ولكن منذ أن وصل إلى بكين صار فنانا ناجحا، تجاريا ومن خلال المعارض وبرامج المتاحف".

من البدايات المتواضعة للعرض في باصات الغرباء إلى مبيعات بأرقام قياسية في بيوت المزادات الكبرى بالعالم، تطور الفن الصيني المعاصر إلى زخم لا يتوقف. بيد أنه قبل سنوات من توجه التركيز الدولي نحو بكين وقبل تكون الثروة في عالم الفن، كان ثمة أسترالي، مسلحا بلا شيء أكثر من حفنة من الأصدقاء المبدعين، انطلق ليوفر ملاذا للفن الصيني المعاصر. إن البقاء الظافر للبوابة الحمراء شهادة ليس فقط لجودة الأعمال الصينية وإنما أيضا لالتزام براين بحلمه الأصيل.