ã

الفن الصيني المعاصر في ثلاثين عاما

تشانغ شيويه ينغ

طفلان يمران أمام عمل ((الشكل الثاني)) للفنان قن جيان ليان

لوحة ((الأب)) التي أبدعها الفنان لو تشونغ لين سنة 1980

العمل التشكيلي ((التفريغ)) للفنان تشانغ نيان عام 1989

 

يرى معظم متخصصي الفن أن الفن الصيني المعاصر مر بأربع مراحل؛ الأولى من عام 1976 إلى عام 1984؛ الثانية من عام 1985 إلى عام 1989؛ الثالثة هي حقبة التسعينات من القرن الماضي؛ الرابعة من تسعينات القرن الماضي إلى اليوم.

اليقظة

في نهاية سبعينات القرن العشرين خمدت نيران "الثورة الثقافية"، التي كانت مرحلة مهمة في تاريخ الصين الحديث. بعدها انتهجت الصين سياسة الإصلاح والانفتاح، وشرعت تصحح أخطاء الماضي، فطرحت شعار "طلب الحقيقة من الواقع". لا ريب أن هذا الوضع الجديد وفر فرصة جديدة لتطور الصين.

الوضع الجديد في الصين شكل حافزا للفنانين لأن تعبر أعمالهم الفنية عن واقع الحياة، وبمعنى آخر تكون بمثابة مسح يقوم به الفنانون للحياة الواقعية. بيد أن جامعات ومعاهد الفنون الجميلة، في ذلك الوقت، كانت لا تزال تحت السيطرة الصارمة لنزعة الثمانينات الأكاديمية، مما فرض قيودا على فردية وشخصانية الفنانين.

غير أنه مع تواصل مسيرة الإصلاح والانفتاح، راح الفن المعاصر الغربي يطرق أبواب الصين، فأقيم منذ عام 1979 في المعرض الصيني للفنون الجميلة العديد من المعارض للوحات الغربية المعاصرة، وعليه فإن الجمهور الصيني الذي يعرف عددا محدودا من الفنانين السوفيت الشبان والذي اعتاد اللوحات الدعائية في عشرات السنين الماضية، توفرت له رؤية جديدة ومشاهد لم يألفها من قبل.

شرع الفنانون الصينيون يستفيدون في ممارساتهم الفنية من الأسلوب الغربي الحديث، فظهرت أشهر لوحة للرسم الزيتي في تلك الفترة، بعنوان ((الأب)) التي أبدعها الفنان لو تشونغ لين سنة 1980.

تصور "الأب" وجها تغضن بفعل قسوة الحياة ومرارة العيش لرجل يحمل بيديه الخشنتين سلطانية قديمة مملوءة بماء أصفر عكر. وظف الفنان الألوان الطبيعية والرسم من الواقع للفن الفوتوغرافي الأمريكي لتصوير فلاح عجوز عادي معوز، فجاء العمل مناقضا تماما لأسلوب التعبير عن العظمة والسعادة والجمال الذي كان سائدا في فترة الثورة الثقافية.

حول هذه اللوحة ومثيلاتها، قال الناقد الفني لي شيان تينغ: "إن أهم خلفية للمجتمع الصيني كانت الثورة الاجتماعية وتحرير الفكر. بعد أن فتحت الصين أبوابها، واجهنا مشاكل جديدة كثيرة مثل الثروة والفقر، التقدم والتأخر، الجديد والقديم، وكان علينا أن نحرر أفكارنا لنلعب دورا حافزا إيجابيا للتغيرات الاجتماعية والسياسية. وكانت قيمة أعمال الفنانين الشبان أنها انطوت على نقد سياسي واضح ورؤية ثاقبة بعيدة، فقد كان هؤلاء الفنانون في طليعة حملة تحرير الأفكار. لذلك تتميز أعمالهم بروح التمرد والنظرة البعيدة معا".

"معرض شينغ شينغ" للفنون الجميلة الذي أقيم في بكين عام 1979 هو أكثر معرض فني راديكالية وتمردا في تاريخ الفن الصيني في القرن العشرين. في هذا المعرض، وضع أكثر من عشرين فنانا، من تلقاء ذاتهم، أعمالهم التشكيلية على سياج الجانب الشرقي لمعرض الفنون الجميلة ببكين. كان العمل الرمزي لهذا المعرض نحت خشبي بعنوان ((الصامت))، عبارة عن تمثال لإنسان حزين، إحدى عينيه محجوبة، وفمه مغلق، فهو صورة لشخص لا يرى ولا يتكلم.

برغم اختلاف آراء الفنانين حول هذا المعرض، إلا أنه بلا ريب لعب دورا دافعا لتطور الفن الصيني المعاصر. وقد قال الناقد الفني باو باو إن أهم شيء في هذا المعرض أنه أثار يقظة المثقفين الصينيين في التعبير عن نظرية القيم الذاتية.

 

الاختراق

في عام 1985 صارت البيئة الفنية أكثر ليونة، وكان الهدف النهائي للفنانين هو الابتكار وتحطيم كل القيود.

في شهر إبريل ذلك العام، أقيم معرض "شبان سلام العالم"  للفنون الجميلة في بكين، ثم أقامت الحكومة معرض فنون جميلة بعنوان "شباب الصين يتقدم" في مايو، فبدأت أوساط الفن في الصين تنتعش. أما الحدث الأكثر تأثيرا ونطاقا فكان مناقشة فنية ساخنة بدأها طالب الدراسات العليا لي شياو شان في مقال له بعنوان ((آرائي في الرسم الصيني)). بتشجيع من هذه الحرية وروح الابتكار ظهرت على التوالي 90 مجموعة فنية من عام 1985 إلى عام 1987، أقامت 150 فعالية فنية اشترك فيها أكثر من ألفي فنان، من أشهرها "مجموعة الشمال الفنية" و"مجموعة البحوث الفنية لجنوب غربي الصين" في مقاطعة سيتشوان و"دادا شيامن" بمقاطعة فوجيان، شكلت أعمالها الضخمة ومفاهيمها الجديدة موجة فنية للشباب سميت "التيار الجديد 85" في تاريخ الفن الحديث، وهو كان صدمة للتقاليد والمفاهيم والأساليب القديمة.

كانت معارض الفنون الجميلة التي تنظمها الجهات الحكومية تسيطر على "حق الكلام"، وكان "التيار الجديد 85" يعارض هذه الأحادية والاستبداد، ولم تستطع أعمال عدد كبير من الفنانين الشباب اقتحام تلك المعارض، فانتظروا  للحصول على حق الكلام ولأن يعترف المجتمع بأعمالهم على أمل القيام بإصلاح اجتماعي لتحقيق نهضة فنية في الصين. بعد  مرور عشرين سنة على هذا التيار، البعض شبهه بالنهضة الفنية الأوروبية في القرون الوسطى.

في بداية ثمانينات القرن الماضي، كان شيوي بينغ  وغيره من الفنانين الكبار حاليا، خريجين جددا في جامعات الفنون الجميلة، وأصبحوا القوة الرئيسية في"التيار الجديد 85". هم من مواليد الخمسينات، وحصلوا على المعارف الفنية الغربية بسهولة، فأحسوا أن الصين متخلفة عن الدول الأوروبية والأمريكية في الفن، واعتقدوا أن جوهر العلاج لهذا التخلف هو الحرية والشخصية التي يتميز بها الفن الغربي الحديث.

في أول يناير سنة 1988 وقع حادث كان رمزا لواقع البيئة الاجتماعية الصينية في ذلك الوقت، فقد تقرر اعتبارا من ذلك اليوم فتح برج بوابة تيان آن من الذي يرمز للسلطة والتاريخ، أمام الجمهور لأول مرة، فصار هذا المعقل التاريخي والسياسي الذي حرمت الناس من دخوله زمنا طويلا، موقعا سياحيا مفتوحا. الأمر الذي زلزل المفاهيم الاجتماعية، وهيأ بيئة تتيح للفنانين التعبير عن شخصيتهم.

 

الحافة

شهدت الصين اضطرابات اجتماعية عام 1989، قال عنها الناقد الفني لي شيان تينغ: "بعد سنة 1989 خاب أمل المثقفين الصينيين في حل المشاكل الصينية بأسلوب الحداثة الغربي، فشرعوا يرون المشاكل الصينية، وخاصة بيئة حياة الصينيين، انطلاقا من الواقع. كانت بيئة حياتنا في ذلك الوقت مضطربة، حيث حطمت المعايير القديمة، ولم تظهر بعد معايير جديدة. في تلك البيئة  كان كل فرد يواجه عالما معنويا محطما، والكل يشعر بالحيرة. وقد عبر الفن الصيني في بداية وأواسط تسعينات القرن الماضي عن هذه الخلفية".

 معظم الفنانين الذين نهضوا في التسعينات من مواليد حقبة الستينات، وتخرجوا في الجامعات في نهاية الثمانينات، ولهذا فإنهم جاءوا جيلا مختلفا كثيرا عن فناني الفترات السابقة، إذ تركوا المثالية والبطولة التي كانت سائدة في الفن قبل هذه الفترة، وبدءوا يعبرون عن لقطات مجهولة ومملة ومفاجأة بل وسخيفة من الحياة بأسلوب فكاهي. وقد اعتبر ظهور الفن الجماهيري popular art في هذه الفترة رمزا هاما للتحول في تاريخ الفن، أي التحول من اهتمام الفنانين بالفن والأفكار الغربية الحديثة إلى الاهتمام بحياة الصينيين الحقيقية. التعبير عن الأحوال السياسية والاجتماعية بأسلوب ساخر أحد رموز بداية طريق الفن الصيني الحديث.

تماشيا مع هذا التغيير ظهرت قرية للرسامين بجانب حديقة يوان مينغ يوان، التي  كانت أعظم حديقة إمبراطورية في الصين وأحرقتها الجيوش البريطانية والفرنسية الاستعمارية عام 1858. ابتداء من التسعينات، استقال كثير من الفنانين من أعمالهم الحكومية، وانتقلوا إلى تلك القرية لإبداع الرسم، فبلغ عدد الرسامين فيها ذروته عام 1994. هذه الظاهرة كانت مشابهة لما حدث في بعض الدول الغربية، ففي لندن قرية تشيلسي Chelsea ويوجد بها حاليا قرية هوكستون Hoxton الفنية،  وفي نيويورك ازدهرت قرية غرينوتش Greenwich.. التي خرج منها كثير من الفنانين الكبار. ظهر في قرية يوان مينغ يوان الفنية عدد كبير من كبار الفنانين مثل دينغ فانغ وفانغ لي جيون.

عن أيامه في تلك القرية قال الفنان المشهور فانغ لي جيون، إنهم ابتكروا أسلوب النظر بسخرية إلى الحياة، وحظي بالاعتراف في العالم. اشترك فانغ لي جيون في بينالي فينيسيا سنة 1993، ثم أصبح شخصية لغلاف أحد أعداد مجلة ((نيويورك تايمز)). الآن لم يعد فانغ لي جيون يعيش في القرية وإنما يمارس فنه في أستوديو خاص له.

في أواسط وأواخر التسعينات بدأ الفنانون يعرفون كيفية الجمع بين العمل الأكاديمي وممارسة التجارة. عندما ارتفعت أسعار العقارات المجاورة لحديقة يوان مينغ يوان، وازداد عدد السياح الذين يزورون الحديقة، تركها الفنانون. بعد ذلك ظهرت في بكين قرية سونغتشوانغ الفنية ومنطقة 798 الفنية ومنطقة شانغيوان وتجمع بينخه وقرية فيجيا وغيرها من تجمعات الفنانين الذين بدءوا السير على طريق العمل الاحترافي وظهرت فجوة بين الأثرياء منهم والفقراء.

 

الازدهار والظل

عملية الإصلاح والانفتاح في الصين جعلتهم في الغرب يهتمون بالفن الصيني الحديث.

في بداية التسعينات ظهر في سوق الفن الصينية الراكدة، جالري البوابة الحمراء وجالري شيانغقهنا وغيرهما من معارض الفن التي  أقامها أجانب. بعد عشر سنوات من الكد والاجتهاد، حققت تلك المعارض حصادا وافرا مع ارتفاع حرارة جمع الأعمال الفنية والاستثمار فيها بالصين.

ثمة أربع ظواهر تعكس الازدهار السريع للفن الحديث في القرن الحادي والعشرين بالصين: أولا، كثرة المعارض؛ ثانيا، رواج أعمال المعارض الفنية؛ ثالثا، تدفق الرأسمال العالمي والمؤسسي؛ رابعا، ازدهار المزاد.

قبل فترة ليست بعيدة، سجلت أعمال الفن الصيني الحديث أرقام مبيعات قياسية في دار بالي للمزادات، فقد بيعت لوحة "القناع رقم 14" للفنان تسنغ فان تشي بثمانية ملايين وثمانمائة ألف يوان (الدولار الواحد يعادل 1ر7 يوانات)، أي ثمانية أضعاف السعر المتوقع؛ وسجلت"سلسلة المثليين: الرجال" للفنان تشانغ شياو قانغ رقما قياسيا للأعمال الصغيرة، فقد بيعت بمليون وستة وسبعين ألف يوان، ثم حطم عمله الآخر "سلسلة المثليين: النساء" هذا الرقم القياسي، إذ بيعت بمليون وتسعمائة وثمانين ألف يوان. وعرض عمل للفنان ليو يه بعنوان "السفينة القيادية الضخمة" في البداية بمليون ومائتي ألف يوان وبيع بتسعة ملايين وثلاثمائة وخمسين  ألف يوان؛ وبيع عمل للفنان شي تشونغ بعنوان "المناظر اليوم" بست عشرة مليونا وخمسمائة ألف يوان.

لكن ازدهار الفن الصيني الحديث يثير قلق البعض داخل الصين وخارجها. وقد قال مدير متحف مدينة باريس للفن المعاصر: "يثير تطور الفن الصيني الحديث الاهتمام، لكن تحوله إلى تجارة في السوق على نحو يتجاوز الحد المعقول يثير قلقنا أيضا". وقال وانغ يي شان، مدير دار رونغباوتساي للمزادات: "أسعار الأعمال الفنية الصينية تخالف النظام الاقتصادي المعني، وتتجاوز القدرة الاقتصادية لأنجح رجال الأعمال الصينيين، فهي ليست إلا فقاعات."

وثمة قلق يساور الأوساط الفنية الصينية، وقال الفنان الكبير شيوي بينغ: "نعيش الآن في حرية أكثر، ونواجه إغراء أعظم. وفقدنا القدرة على التركيز والاهتمام. أعتقد أن هناك سوء فهم يتمثل في أن الناس يقيسون الحرية بوجود قوة تسيطر عليهم، فيعتقدون أن الحكومة فتحت مجالا واسعا للإبداع الفني، لذلك يعيش الإبداع الفني حرية أكثر. الواقع أن السوق والمصالح التجارية حالت بين الناس وبين مجال التفكير الحر. أعتقد أن السوق، وليست الحكومة، هي التي تؤثر وتقيد حرية الناس في الإبداع".

مذهب الحداثة في الفن الصيني بدأ بالتعلم من ومحاكاة الغرب أثناء تطور الفن الصيني المعاصر، ولكن نظرا لقوة الثقافة الغربية سيطر الفن الغربي على الفن المعاصر الصيني. ومن ناحية أخرى، أصبح موقف الحكومة تجاه الفن المعاصر أكثر ليونة في السنتين الأخيرتين، فتحول الفنان من "طفل مفعم بروح التمرد والاستقلال" إلى "طفل مدلل"، ومن الصعب حاليا أن نعثر في أوساط الفن الصيني المعاصر على فنانين بارزين يعبرون عن الواقع الاجتماعي بروح فنية مستقلة. لذلك نقول إن الفن الصيني المعاصر وصل مرحلة التنظيم وإعادة التفكير في كيفية تطوره. وقد نبه الفنان الكبير شيوي بينغ إلى أن الفنانين الصينيين حاليا يسترجعون تجربة ثمانينات القرن الماضي، الأمر الذي يعني أنهم يعودون إلى نقطة بدء الفن الصيني المعاصر للتفكير في مستقبل هذا الفن.

وقال البروفيسور قاو مينغ لو، الذي يعمل بالتدريس ويقوم بتنظيم معارض للوحات في الولايات المتحدة حاليا: "من الضروري أن نبحث عن الروح الثقافية الإنسانية. أحلم بأن يكون الفن الصيني المعاصر ليس مجرد معروضات وبضائع وإنما يكون مجالا يؤثر إيجابيا في الثقافة الصينية والعالمية مثل العلوم والأديان والفلسفة".

  

 

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn