ã

في قلب الصين

بيلي بيلي يقدم الثقافة الأفريقية على طبق لحم نعام

حسين إسماعيل

أشغال فنية أفريقية معروضة في المطعم

شيوي بوه، مدير شركة بيلي بيلي الثقافية

فرقة فنية أفريقية بالمطعم

 

عندما ولجنا الباب- الزملاء من ((الصين اليوم)) وأنا- شعرت بشي من الخجل، فالمفترض أنني، كواحد من أبناء القارة السمراء، أعرف الكثير عن أفريقيا وأكون الدليل الذي يشرح للآخرين مغزى ومعنى كل صورة وقطعة فنية ولون واسم هنا. والحقيقية أنني كنت أظن أنني أعلم عن قارتي الكثير، بيد أنني اكتشفت، بعد جولة قصيرة في ذلك المكان الأفريقي، أن جُل ما أعرفه له علاقة بالسياسة والرياضة أكثر من أي شيء آخر؛ السياسة تعلمتها في الجامعة والرياضة، وتحديدا كرة القدم، تجري مجرى الدم في عروقنا الأفريقية، من كأس الأمم التي اختتمت نسختها السادسة والعشرين في غانا شهر فبراير، إلى بطولات الأندية.

في مطعم بيلي بيلي، الذي ينتحي جانبا قصيا إلى حد ما في عاصمة الصين، الثقافة هي الملكة المتوجة والفلكلور هو السيد. في أروقة هذه البناية المكونة من طابقين وتطل على بحيرة صغيرة في  حارة البارات السوبر (شنغبا لو) بشارع السيدات (نيورن جيه) في حي تشاويانغ، لا يخالطك أدنى شك في أنك إما في غابات أفريقيا وأدغالها أو في متحف طبيعي لقارة يعرف الصينيون عنها القليل، برغم ما تبثه أجهزة الإعلام الصينية يوميا عن العلاقات المتينة بين الصين وأفريقيا، فعندما كانت تلفازات العالم وصحفه تتابع كأس الأمم الأفريقية الأخيرة لم تلتفت أجهزة الإعلام الصينية لهذا الحدث، اللهم إلا بث نتيجة البطولة في نهايتها، فما بالك بالاهتمام بالثقافة الأفريقية. لهذا السبب تحديدا فإن بيلي بيلي، الذي يعني اسمه حرفيا باللغة السواحلية "الفلفل الحار" ويشير عموما إلى التوابل الحارة الأفريقية، يحمل مغزى خاصا، فهو لا يقدم فقط طعاما أفريقيا خالصا، وإنما يشيع أجواء ثقافية أفريقية خالصة تأخذك إلى أعماق القارة السمراء، فالموسيقى التي تتردد أصداؤها هنا والوجوه التي تعزف وتغني، واللوحات والأعمال الفنية التي تغطي الحوائط وتنتصب في الأركان، كلها توفر بيئة أفريقية خالصة ذات نكهة ثقافية حارة.

في بيلي بيلي، أيضا، تتجسد الوحدة الأفريقية، فهذا الطباخ من القرن الأفريقي، وذلك الآخر من شمال أفريقيا، والموسيقى والغناء يتولاهما شابان من تنزانيا، وتنتمي الأطعمة التي يقدمها المطعم إلى بلدان أفريقية مثل كينيا وتنزانيا وجيبوتي والصومال، والأطعمة المميزة هي الكسكسى واللحم المشوي، وكلها أطعمة إسلامية خالية من الخنزير، أما الزبائن فنصفهم تقريبا من أفريقيا يرسم اختلاط بشرتهم السمراء بأبناء الجنس الأصفر لوحة بديعة للتمازج الثقافي والوجداني بين أبناء منطقتين تفصل بينهما بحار وعادات وتقاليد وعقائد، ولكن يجمعهما ود ومحبة وتفاهم يضرب بجذوره في أعماق التاريخ.

هذا الود والتفاهم هو ذاته الذي يقف وراء بيلي بيلي، فالمطعم الأفريقي الأشهر في بكين يتبع لشركة أم تعمل في ثلاثة مجالات على رأسها إنتاج الدواء، وقد طورت علاجا ناجعا لمرض الملاريا الذي يلتهم ثلاثة ملايين أفريقي كل سنة، ويزهق حياة طفل أفريقي كل أربعين ثانية. الدواء الذي قامت مجموعة هولي كوتك holley-cotec   الصينية للأدوية  ببحثه وإنتاجه دخل السوق الأفريقية بالفعل وأحد الأهداف التي افتتح من أجلها بيلي بيلي، كما قال شيوي بوه، نائب مدير holley-cotec، مدير مطعم بيلي بيلي الذي يتولى أيضا منصب مدير شركة بيلي بيلي الثقافية، هو أن يكون ملتقى للدبلوماسيين الأفارقة وكبار زوار الصين من القارة السمراء بحيث يمكن الترويج للعقار الطبي الصيني بينهم. المجال الثاني لهولي كوتك هو الثقافة، وتحديدا تخطيط وإقامة الفعاليات الثقافية، ولا شك أن بيلي بيلي في حد ذاته مشروع ثقافي أكثر منه مطعم تجاري. بل إن بيلي بيلي ظل فترة غير قصيرة بعد افتتاحه لا يحقق ربحا من عمله التجاري وإن كان هذا الوضع قد تغير وصار المطعم في الفترة الأخيرة يحقق ربحا.

شركة بيلي بيلي الثقافية تعمل في أربعة مجالات هي: مطعم بيلي بيلي، تصميم شعارات logo للشركات، الاستشارات السياحية وتنظيم الأفواج السياحية وأخيرا تقديم عروض فنية تستهدف الأجانب وفي خارج الصين.

مدير بيلي بيلي الذي يتخذ لنفسه اسما أجنبيا هو فرانسوا، كان دبلوماسيا سابقا بوزارة الخارجية الصينية وعمل في كينيا لفترة ولكنه اختار العمل التجاري مفضلا إياه على الدبلوماسية. وعن ذلك يقول شيوي بوه: "عملتُ في وزارة الخارجية 17 عاما، لكن مع مرور الزمن، انخفض حماسي للعمل في الوزارة، ووجدتُ أن مستقبلي في وزارة الخارجية غير واعد ومن الصعب جدا أن أترقى إلى مرتبة أعلى كأن أصبح سفيرا مثلا، فاستقلت وأنا على درجة سكرتير أول. بعد استقالتي وعملي في هذه الشركة، شعرتُ بأن العمل هنا يختلف تماما عن العمل في وزارة الخارجية. ووجدتُ آفاقا واسعة وفرصا جديدة وتجدد حماسي للعمل.

يعتقد شيوي بوه  أن الصينيين سوف يقبلون على الأطعمة الأفريقية تدريجيا، فبرغم المسافة البعيدة بين الصين وأفريقيا، إلا أنه مع ارتفاع مستوى معيشة الصينيين وقدراتهم الشرائية، أصبحت القارة الأفريقية ذات جاذبية عالية لدى الصينيين لأنها قارة غريبة بالنسبة لهم، ولكن  واقع الحال الآن هو أن الزبون الصيني الذي يأتي إلى المطعم مرة لا يكررها ثانية، لأن الاختلاف كبير بين الطعام الصيني، الكثير الخضراوات والطعام الأفريقي، الكثير اللحوم. 

وأوضح شيوي بوه أن هدف فتح هذا المطعم ليس فقط إدخال الأطعمة الإفريقية، وإنما زيادة التبادل بين الشركة الأم التي تبعها بيلي بيلي والدبلوماسيين الأجانب وخلق بيئة للتعاون والحوار بين الشركة والحكومات الأجنبية، من أجل تسويق الأدوية التي تنتجها الشركة إلى القارة الأفريقية وخاصة عقار COTECXIN لمكافحة الملاريا، وهو ابتكار صيني خالص خلال فترة الحرب الأمريكية الفيتنامية، إذ طورت الصين هذا الدواء وقدمته مساعدة لفيتنام. والآن يسوق هذا الدواء في أكثر من ثلاثين دولة أفريقية، وبسعر معقول. ونجحت الشركة أيضا في بحث وتطوير دواء آخر اسمه cotefu وهو نوع جديد من الأدوية لعلاج الملاريا، ووقعت الشركة اتفاقات تسويق له مع أكثر من عشر دول أفريقية.  

مطعم بيلي بيلي يعرفه تقريبا كل أفريقي في عاصمة الصين، كما أن له شهرة خاصة بين الدبلوماسيين الأفارقة في بكين، حيث يقيمون فيه العديد من النشاطات، ومنها الحفل الخيري السنوي لزوجات السفراء الأفارقة وحفلات الاستقبال بمناسبة الأعياد الوطنية.

يحيي أمسيات المطعم كل ليلة تقريبا المغنيان التنزانيان إيمانويل منغوتو ودانييل مغونغا، وهما يغنيان باللغة السواحلية والإنجليزية ويعزفان الموسيقى العربية أيضا. وقد قال شيوي بوه إن وجود هذين المطربين يساعد في الترويج للمطعم، بل إنه يخطط لتأسيس فرقة فنية أفريقية في الصين، استفادة من وجود عدد كبير من الفنانين الأفارقة يعملون في الصين بصورة غير شرعية، ومن ثم فإن تأسيس هذه الفرقة سيتيح لهم فرصة العمل والتطور، خاصة مع ولع الصينيين بالفنون الأفريقية، حسب رأيه.

الذراع السياحي للشركة له مكاتب في كينيا وتنزانيا وأوغندا تتولى توفير التيسيرات للسياح، مثل الحصول على التأشيرة السياحية والإجراءات الأخرى. وتستعد الشركة لتنظيم أفواج سياحية صينية إلى أفريقيا في المستقبل.

بيلي بيلي يقدم وجبة أفريقية متكاملة من لحم النعام الكيني إلى المانجو الاستوائية والأناناس الأفريقي إلى الموسيقى المميزة للقارة السمراء. كما أن بيلي بيلي متحف يعرض الأشغال اليدوية الأفريقية والفنون الأفريقية. فهنا أنت تتعاطى الثقافة الأفريقية على طبق من لحم النعام، الأفريقي طبعا.

husseinismail@yahoo.com

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn