ã

الصينيون يقرءون عيون الأدب العالمي

لو رو تساي

ترجمات للآداب العالمية الكلاسيكية في معرض للكتب ببكين

إقبال من الشباب على ترجمات الأدب العالمي

ترجمة ((هاري بوتر 7)) في شانغهاي

 

ترجمة عيون الأدب العالمي ليست تيارا جديدا في الصين، فقد أنجز الأديب لين شو(1852-1924)، ترجمة رواية ((الكونت دي مونت كريستو)) للأديب الفرنسي ألكسندر دوما سنة 1900 لتكون أول ترجمة صينية للآداب الغربية. وقد بلغ عدد الأعمال التي ترجمها لين شو 222، منها 160 رواية لأدباء أوربيين كبار مثل تشارلز ديكنز وويليام شكسبير. المدهش أن لين شو لم يكن يعرف اللغة الإنجليزية، وإنما كان يستعين بشخص يترجم له شفويا ثم يصوغ هو هذه الترجمة تحريريا.

على مدى عشر سنوات بعد تأسيس الصين الجديدة سنة 1949، كانت الأعمال الأدبية السوفيتية والأمريكية الجنوبية هي الأكثر رواجا في الصين، وظل الوضع على هذا الحال حتى سنة 1978 عندما انتهجت الصين سياسة الإصلاح والانفتاح، فبدأ دخول الأعمال الأدبية من مختلف أنحاء العالم إلى الصين. وحاليا يشهد نشر وتوزيع الترجمات الصينية للآداب العالمية ازدهارا غير مسبوق، إذ تعرض المكتبات ومعارض الكتب عددا هائلا من طبعات مختلفة للأعمال الأدبية العالمية المشهورة الصادرة عن دور نشر حكومية وخاصة، بل أن السوق الصينية تجذب عددا متزايدا من الناشرين الأجانب.

 

بنغوين للكتب في الصين

في أغسطس عام 2006، وقعت دار النشر البريطانية بنغوين اتفاقا مع مجموعة تشونغتشينغ الصينية للنشر للتعاون في نشر مجموعة ترجمات صينية للآداب العالمية بعنوان "سلسلة بنغوين للآداب العالمية الكلاسيكية". تشتمل الدفعة الأولى منها على عشر روايات مثل ((جين إير)) للبريطانية شارلوت بروتني و((آلام الفتى فارتر)) للشاعر الألماني يوهان فولفغانغ فون غوته. وقد بلغ عدد الأعمال التي نشرتها تلك السلسلة حتى بداية عام 2008، أكثر من ثلاثين رواية.

لقد وجدت دار بنغوين سوقا هائلة في الصين، ووضعت خطة بعيدة المدى تضمن لها إقامة صورة طيبة لماركة بنغوين في الصين، وترجمة الآداب العالمية إلى الصينية. وتعتزم الدار بعد نشر الدفعة الأولى نشر ثلاثين عملا خلال الخمس سنوات المقبلة، والتحول تدريجيا من الأعمال الكلاسيكية إلى الأدب المعاصر.

الحقيقة، أن السوق الصينية حتى قبل دخول بنغوين، كان بها وفرة من الكتب العالمية، فرفوف متاجر الكتب في بكين تعرض كثيرا من الروايات العالمية التي نشرتها دار الآداب الشعبية للنشر ودار شانغهاى للنشر ودار ييلين للنشر، منها ((الأحمر والأسود)) لستندال و((أحدب نوتردام)) لفيكتور هوغو، وانضمت إلى سوق نشر الأعمال العالمية مؤسسات صغيرة ومتوسطة كثيرة.

عن أسباب اهتمام دور النشر الصينية بنشر الأعمال العالمية، قال ليو بينغ يوان، مساعد رئيس تحرير مؤسسة يوتيان هانفنغ للكتب، التابعة لدار تونغشين للنشر: "أولا، أن مدة حق الطبع للآداب الكلاسيكية قد انتهت، ثانيا، أن ترجمات معظم هذه الكتب جاهزة، ثالثا، أن القراء الصينيين يقبلون على الآداب الكلاسيكية العالمية بشكل عام ودائم."

رواية ((كيف سقي الفولاذ)) للكاتب السوفيتي نيكولاي أوستروفسكي خير دليل على ولع الصينيين بالآداب العالمية، فقد نشرت هذه الرواية في الصين عشرة ملايين نسخة بطبعاتها المختلفة. وقد تجاوزت مبيعات عدد غير قليل من الروايات العالمية مليون نسخة في الصين، وتلقى أعمال أدب الطفل العالمية إقبالا كبيرا لدى الصغار وتحقق ربحا لا بأس به. والجدير بالذكر أن الناشرين، من القطاع الحكومي أو الخاص، يولون أهمية كبيرة لأعمال أدب الطفل، فشركة ليو بينغ يوان التي كانت أصلا قسم كتب الأطفال بدار تونغشين، تنشر ((حكايات الأطفال لهانز كريستيان أندرسن)) و((حكايات يعسوب)) و((ألف ليلة وليلة)) و((حول العالم في ثمانين يوما)) الخ. منذ عام 2004، طبعت مؤسسة يوتيان هانفنغ أكثر من مائة ألف نسخة ملونة لكل من تلك الكتب، بل وصل الرقم لبعضها ثلاثمائة ألف نسخة، وهو رقم فلكي لدور النشر الصغيرة والمتوسطة الحجم ويحقق لها أرباحا جيدة.

في تلك السوق المزدحمة، كيف تميز بنغوين نفسها عن دور النشر الصينية؟ تركز الدار على تصميم أغلفة الكتب، وتستعرض في هوامش الأغلفة مزايا كتب بنغوين، مثل براعة المترجمين ووفرة الملاحظات وتقديم سيرة الكاتب الخ.

 

القديمة أفضل؟

تكتظ أرفف مكتبة الفتاة تساو شياو بينغ، بسلاسل روايات عالمية مشهورة، فطالبة السنة الثانية بالمرحلة الثانوية تحرص على الاحتفاظ بثلاث ترجمات مختلفة على الأقل لكل رواية تنشرها دور النشر المختلفة. بعد مقارنة دقيقة للترجمات المختلفة لنفس الرواية، لاحظت تساو شياو بينغ أنه باستثناء السعر والغلاف، تكاد تكون كل ترجمة مطابقة للأخرى مع وجود اختلافات بسيطة في عدد قليل من العبارات، فعبارة "الشهر التالي" في رواية معينة تُرجمت في إصدار آخر "الشهر المقبل". لهذا تتساءل الشابة الصغيرة عما إذا كان قيام دور نشر مختلفة بالترجمة المتكررة لذات الرواية هو إهدار للوقت والموارد؟

بالنسبة للناشرين، تكرار الترجمة مهمة ميسورة، وكما قال أحدهم: "نشر الآداب العالمية الكلاسيكية استثمار قليل عائده أضعاف، فهو لا يكلف إلا الورق والحبر والترجمة، أما حقوق التأليف والنشر والطبع فلا وجود لها. وانتحال الترجمة الجاهزة ممارسة شائعة في أوساط قطاع النشر بالصين، فطالما أن الترجمة القديمة موجودة، فلماذا تعاد ترجمة نفس الرواية مرة ثانية؟"

لقد نشرت عشرون طبعة صينية من روايات مشهورة مثل ((الكونت دي مونت كريستو)) و((كبرياء وهوى)) بل نشرت سبعون ترجمة صينية لرواية ((الأحمر والأسود)).

والدة الآنسة تساو شياو بينغ، وهي سيدة في الأربعينات من عمرها، كانت في شبابها تحب الأدب، وقد أتاح لها انتهاج الصين سياسة الانفتاح والإصلاح وهي طالبة بالمرحلة الثانوية الفرصة لقراءة الآداب العالمية. وهي قالت إنها تأثرت كثيرا عندما قرأت ((كيف سقي الفولاذ))، وما زالت تحفظ عن ظهر قلب بعض فقرات من الرواية. أضافت: "في ذلك الوقت، كان المترجمون بارعين في اللغتين الصينية والإنجليزية، ولهذا الترجمات القديمة أفضل من الترجمات الجديدة التي كثرت هذه الأيام". السيد ليو بينغ يوان يؤيد هذا الرأي، بقوله: "اليوم، ما زال معظم القراء يعتبرون الترجمات القديمة للروايات العالمية التي نشرتها دار الآداب الشعبية أفضل الترجمات. الحقيقة أن هذه الدار مازال بها فريق من المترجمين الأقوياء، لكن اقتصاد السوق قد يؤدي إلى تآكل تفوق دور النشر القديمة في الترجمة عاجلا أو آجل". رغم ذلك، يرى ليو أن نشر ترجمات جديدة للروايات الكلاسيكية ما زال عملا أساسيا لدور النشر الصينية، وأن تكرار وإعادة الترجمة سوف يستمر، لأن كل شيء تحدده احتياجات السوق.

 

 

الجوائز الدولية وترويج الكتب

نهم الصينيين لقراءة الأدب لا يقتصر على الأعمال الكلاسيكية وإنما يشمل الأعمال المعاصرة أيضا، فبمجرد أن أعلنت الأكاديمية السويدية في أكتوبر العام الماضي فوز الروائية البريطانية دوريس ليسينغ بجائزة نوبل للآداب 2007 قرر قو آي بين، رئيس دار ييلين للنشر بمدينة نانجين، زيادة عدد النسخ المطبوعة لترجمة روايتها ((الكراسة الذهبية))، والاتصال بمكتب وكالة بكين لمؤسسة بيغ آبل لحقوق التأليف والنشر، مالكة حقوق الطبع لروايتي دوريس ((مغامرات مارا ودانيان)) و((غناء العشب البري))، لشراء حقوق طبعهما ونشرهما. لم تكن دار ييلين وحدها هي التي سعت للحصول على حقوق نشر أعمال دوريس وإنما العديد من دور النشر الصينية الأخرى.

قبل فوز دوريس بالجائزة، طبعت دار ييلين ستة آلاف نسخة لترجمة روايتها ((الكراسة الذهبية))، لكنها لم تحقق مبيعات جيدة، ومن ثم لم تعد طباعتها. بيد أنه بعد أيام من فوز الكاتبة بجائزة نوبل للأدب، بدأت دار ييلين تطبعها مرة ثانية، وأضافت على الغلاف جملة تقول: "مؤلفة هذه الرواية دوريس ليسينغ، حائزة على جائزة نوبل في الأدب عام 2007 "، هذه الجملة جعلت الرواية تحقق مبيعات كبيرة.

في عام 2004 كان فوز الكاتبة النمساوية الفريدي يالدينيك بجائزة نوبل للآداب، السبب في بيع مائة ألف نسخة من ترجمة روايتها ((معلمة البيانو)) في بر الصين الرئيسي. وبعد فوز الكاتب التركي أورهان باموك بجائزة نوبل للآداب حققت ترجمة روايته ((اسمي أحمر)) مبيعات وصلت ثلاثمائة ألف نسخة في الصين، ولا تزال في صدارة قائمة الكتب الأكثر مبيعا.

نشر أعمال دوريس جزء من خطة دار ييلين، فبعد أن نشرت الدار "سلسلة الروايات الكلاسيكية العالمية" عام 1995، بدأت تشتري حقوق الطبع للمؤلفات المعاصرة، ونشرت منها حتى الآن ما يقارب ثلاثمائة عمل، تشمل جميع مؤلفات دوريس التي تتراوح تكلفة حق التأليف لكل كتاب منها بين 1000 و1200 دولار أمريكي. الآن، تطرح دار ييلين في السوق الصينية "سلسلة أحدث الكتب وأكثرها مبيعا في العالم"، التي تتميز بسرعة الترجمة والنشر بعد وقت قصير من نشر الطبعة الأصلية.

دار الآداب الشعبية هي الأخرى تنظم فريق خبراء من الأوساط الأدبية كل سنة لتقييم الروايات الأوروبية والأمريكية اللاتينية التي تنشر في ذات السنة، لاختيار ستة أعمال لجائزة "أفضل الروايات العالمية للقرن الحادي والعشرين" التي تمنحها الدار، ثم تقوم بترجمتها وطبعها ونشرها في الصين. وقد نشرت حتى الآن ثلاثين عملا تحقق مبيعات جيدة. كل ذلك دليل على أن روائع الأدب العالمي قادرة على تجاوز قيود اللغة والثقافة، وكما قال الكاتب الألماني كريستوف بيتر، الحائز على هذه الجائزة في عام 2003: "المسافة بين الثقافتين أقصر من ما نتصور."

تعليقا على هذا الوضع قال ليو كاي هوا، مدير قسم الكتب العالمية بدار الآداب الشعبية للنشر: "الزيادة السريعة في المبيعات تعكس إقبال الصينيين على المؤلفات العالمية، من جهة أخرى ازدهار سوق النشر يجعل المنافسة ضارية. لذا، تفرض السوق على الناشرين الصينيين متابعة الكتب الرائجة في العالم وترجمتها ونشرها بسرعة".

حسب الإحصاء، خلال الفترة بين 1978و1990 تم نشر 28500 ترجمة صينية جديدة لمؤلفات عالمية، وخلال فترة من 1995 إلى الآن، زاد هذا الرقم إلى مائة ألف ترجمة، بمتوسط حوالي عشرة آلاف ترجمة سنويا.

بالإضافة إلى الآداب، تستورد الصين كتب التعليم والعلوم أيضا. في عام 2005، استوردت الصين 9737 مؤلفا عالميا، 73% منها في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية، و20,1% روايات. برغم نسبتها القليلة تحتل الروايات صدارة قائمة الكتب الأكثر مبيعا دائما، فقد بلغت مبيعات ترجمة سلسلة روايات ((هاري بوتر)) عشرة ملايين نسخة في الصين، وبلغت أرباحها ثلاثين مليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 7,1 يوانات)، وبلغت مبيعات رواية ((من الذي حرك قطعة الجبن الخاص بي؟)) للدكتور سبنسر جونسون ثلاثة ملايين وستمائة ألف نسخة.

الآداب العالمية، كلاسيكية أو معاصرة، صارت جزءا هاما لقطاع النشر في الصين. ومع ظهور ترجمات مختلفة بعد سياسة الإصلاح والانفتاح، تجتذب آداب وأفكار وثقافات الدول الأخرى القارئ الصيني الذي صار أكثر نضوجا وعقلانية، ووفرت له ترجمات المؤلفات العالمية متعة القراءة.

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn