يقول الصينيون إن الجار القريب أفضل من القريب البعيد. لكن الجدران الأسمنتية في الأبراج السكنية الحديثة تفصل الناس عن بعضهم، لدرجة أن سكان العمارة الواحدة لا يعرفون بعضهم بعضا. في الفترة الأخيرة ظهر أسلوب جديد للتواصل بين الجيران- منتدى الإنترنت للتجمع السكني الذي يلعب دورا متزايد الأهمية في علاقات الجيران.
جيران من ثلاثة أجيال
السيدة قوه البالغة من العمر 52 سنة، على المعاش، عاشت منذ طفولتها في ثلاثة بيوت، فجربت علاقات جيرة متنوعة. ولدت ونشأت في دار كبيرة بشارع جياوداوكو في حي دونغتشنغ ببكين. كان يسكن الدار ثماني أسر، تعيش في وئام كأنها أسرة واحدة، فإذا أصاب مكروه أسرة منها، تداعت لها سائر الأسر بالمشورة والحل. كانت العلاقة بينهم حميمة لدرجة أنهم كانوا يتناولون بعض وجباتهم معا. كان إذا خرج أحدهم من بيته، يخبر جيرانه فقط ويترك الباب دون إغلاق. وكما قالت السيدة قوه، كان الوضع الأمني جيدا ولم يكن في استطاعة غريب أن يدخل الدار ويهرب منها بعيدا عن عيون سكانها.
بعد زواجها انتقلت السيدة قوه عام 1995 إلى عمارة عالية في تجمع داوشيانغيوان السكني بحي هايديان. كانت السيدة قوه تشترك في النشاطات الثقافية والفنية التي تنظمها اللجنة السكانية للتجمع، ولكن لم يكن هناك تواصل كثير بينها وبين جيرانها من سكان العمارة. عن تلك الأيام قالت: "كنت أشعر بنوع من الوحدة، فالعلاقة بين أفراد العشرين أسرة التي تقيم بالعمارة مقتصرة على تبادل التحية عند اللقاء، ففقدت مشاعر الألفة والدفء بين الجيران."
خرجت السيدة قوه إلى التقاعد في يونيو 2006، وانتقلت إلى بيت جديد بمنطقة هويلونغقوان السكنية، في الضاحية الشمالية لبكين، والتي تعتبر أكبر مشروع للمساكن الاقتصادية في بكين، يبلغ إجمالي مساحتها 34 كم مربعا، وهي مقسمة إلى 42 تجمعا سكنيا، يقيم فيها أكثر من 200 ألف شخص.
في البداية شعرت السيدة قوه بالوحدة والكآبة لأنها لم تكن تعرف أحدا في هذه المنطقة الجديدة، فنصحها ابنها أن تتصفح موقع منطقة هويلونغقوان على الإنترنت. عملت بنصيحة ولدها، فعثرت على ما تصبو إليه، وصارت "رئيسة" لأكثر من عشرين هاو للثقافة والفن وبدأت تنظم عروض غناء لهم في الأعياد.
انضم ابنها إلى منتدى إنترنت منطقة هويلونغقوان، ومن خلال نشر الأخبار تعرف على شباب آخرين في المنطقة، حيث يتبادلون الآراء حول ديكورات البيت وخبرات الحياة، وينظمون لقاءات لتناول الطعام معا أو الغناء الجماعي أو لعب كرة القدم. تصف السيدة قوه هذه الحالة بقولها: "هذا الشعور يختلف عن شعوري بعلاقات الجيرة في طفولتي، لكنها متناغمة أيضا، وأسلوب التواصل الحالي أكثر حداثة وسهولة، يمكن تبادل الآراء بصورة صادقة مع مزيد من الجيران وفي أقصر وقت."
زيارة الجيران على الإنترنت
السيدة يان ني سو البالغة من العمر 35 سنة وتعمل في شركة لتكنولوجيا المعلومات بمنطقة تشونغقوانتسون ببكين، تعيش مع زوجها منذ سنة 2000 في شقة بمنطقة هويلونغقوان. تتصفح يان ني سو موقع التجمع السكني على الإنترنت يوم السبت عادة، حيث تجد فيه خريطة المنطقة وعليها مواقع المحلات التجارية وصالونات التجميل، وأخبار الشراء الجماعي وإشعارات حول نشاطات التجمع ونصائح حول شئون الحياة وانتقادات للظواهر السيئة في التجمع وغيرها من الأخبار ذات العلاقة بالسكان، وهي أخبار يتم تحديثها يوميا.
لقد أصبح منتدى الإنترنت للمنطقة السكنية "ميناء" يتبادل فيه السكان والجيران التحية والعناية في وقت الفراغ. إذا نشر أحد السكان خبرا على موقع الإنترنت لهويلونغقوان يقول إنه مصاب بالزكام، تأتيه على الفور،عبر الموقع، عشرات الوصفات الشعبية؛ إذا قال أحدهم إنه يشعر بالحزن لأنه سيتناول عشاؤه، أو عشاءها، وحيدا، سيجد من يعبر عن رغبته في تناول العشاء معه، أو معها. وإذا شكا أحدهم من خلاف بينه وبين زوجته، انهالت عليه، أو عليها، النصائح لحل المشكلة الأسرية. في الثامن من يناير 2008، بلغ عدد المسجلين على موقع هويلونغقوان 240 ألفا، نشروا أكثر من 31ر1 مليون رأي منذ إقامته عام 2000.
هذا النمط من التواصل الاجتماعي تصفه السيدة يان ني سو بأنه "علاقة وثيقة مع وجود مسافة معقولة. الحياة ليست مثل الحياة في الدار الكبيرة التي تقيم فيها أسر كثيرة، ويلتقي أفرادها يوميا ويعرفون كل ما يحدث خلف أبواب كل أسرة". سكان هذا التجمع لا يضطرون إلى "التعامل الإجباري" الذي يقتضيه عدم وجود مسافة بين الجيران، بل يتمتعون بالسعادة التي تحققها علاقات الجيرة.
في التجمع السكني القديم، كان إذا طرق زائر باب بيتك، مد جارك عنقه ليرى زائرك. مع سرعة خطى التحول الحضري، حلت المساكن التجارية محل مساكن وحدات العمل والدور الكبيرة التقليدية، وقد تقيم في عمارة لا يعرفك أحد من سكانها، وقد يبقى سكان العمارة الواحدة سنوات لا يعرفون بعضهم بعضا، لدرجة أنه إذا سرق لص أثاث بيتك ظن الجيران أنك تنتقل إلى بيت جديد. السيدة يان تعترف بأن"المساكن تتحسن، ولكن المسافة النفسية بين الناس تتباعد، وتفتر العلاقات بين الناس على نحو متزايد. لكن ظهور مواقع التجمعات السكنية ومنتديات الإنترنت للتجمعات السكنية يغير هذا النمط من علاقات الجيرة".
السيد لي هاو، زوج السيدة يان، يرى هذا النمط الجديد من العلاقات من زاوية أخرى: "نحن مشغولون في أعمالنا وليس لدينا وقت لتبادل الزيارات مع الجيران، لكن منتدى التجمع يتيح لنا، ونحن في بيوتنا، تبادل الآراء مع الجيران، وقد نستخدم برامج مثل QQ أو MSN لتبادل الآراء مع الجيران الذين تربطنا بهم علاقات أوثق".
وقال لي هاو: "إن بيتنا بعد أن نغلق بابه يصبح منفصلا تماما عن البيوت الأخرى، ولكن عبر موقع الإنترنت للتجمع السكني نستطيع التواصل مع الجيران، ومناقشة أمور مثل تنظيم رحلة سياحية أو القيام بالشراء الجماعي.."
تحالف وليس رابطة
في بكين ومدن الصين الأخرى، لم تعد مواقع الإنترنت للتجمعات السكنية مجرد وسيلة هامة للتواصل بين الجيران، بل صارت تحالفات هامة لحماية حقوقهم ومصالحهم.
من خلال منتدى الإنترنت لتجمعهم، عبر سكان تجمع فوليتشنغ السكني عن عدم رضاهم بديكورات بيوتهم، ونظموا وفدا من السكان للتفاوض مع شركة التنمية العقارية التي نفذت مشروع التجمع. بفضل الجهود الجماعية، وبعد جولات من المفاوضات، قامت الشركة بإصلاح ديكور النوافذ من جديد وأعفت السكان من تكاليف الخدمة العقارية لمدة شهر.
قال وانغ تشاو، نائب مدير لجنة إدارة تجمع تشانغتشينغ هوايوان بمدينة ووهان في مقاطعة هوبي إنه حسب أسلوب إدارة التجمع السكني التقليدي، كانت هناك ثلاث قنوات يعبر من خلالها السكان عن آرائهم، : لجنة السكان ومكتب إدارة العقارات ولجنة أصحاب البيوت في التجمع السكني. حاليا، هناك قناة أخرى هي الإنترنت.
في يونيو 2007 شكا أحد سكان هذا التجمع عبر موقع الإنترنت، من أن طرق المشاة داخل التجمع ليست مستوية. بعد الاطلاع على الشكوى، نقلتها لجنة إدارة العقارات إلى شركة التنمية العقارية، فقامت الشركة بترميم الطرق فورا. قال وانغ تشاو إن تصفح موقع التجمع جزء من أعمالهم اليومية.
في باب "موضوعات عقارية" على موقع تجمع تشانغتشينغ هوايوان، كلما طرح رأي أو خبر، استجاب على الفور مكتب إدارة العقارات. قال أحد سكان التجمع: في الماضي، عندما كنت أذهب إلى لجنة السكان أو مكتب إدارة العقارات لأشكو من عطل في بيتي، كان الحل يستغرق يومين في الظروف العادية. حاليا بعد أن تنشر المشكلة على الموقع يدخل العمال بيتك للإصلاح في مدة ساعتين على الأكثر".