كان للدول العربية دور في إفشال مسعى تايوان لاكتساب عضوية الأمم المتحدة
نسعى لخلق آلية لانسياب المعلومات والأخبار بين الصين والدول العربية
نتواصل مع السفارات العربية لننقل لها ما يحدث في إطار عمل الجامعة العربية
في هذه المقابلة الخاصة مع ((الصين اليوم)) يستعرض السفير محمد الحسن شبو، رئيس بعثة جامعة الدول العربية في بكين مجالات التعاون الصيني العربي والدور الذي تقوم به بعثة الجامعة في بكين. وإلى تفاصيل الحوار، الذي أجراه الزملاء إسحاق جيا بنغ وفكيهة تشانغ يا مينغ وفاضل سونغ شي جيا.
الصين اليوم: أولا، ما هي أبرز التطورات التي شهدتها العلاقات الصينية العربية في الفترة الأخيرة؟
السفير: علاقة الصين مع العالم العربي بدأت منذ قديم الزمان، فقد كانت هنالك علاقات تجارية وإنسانية وتواصل حضاري منذ مئات السنين عن طريق الحرير البري والبحري، ولم تنقطع هذه الاتصالات أصلا. وفي العهد المعاصر، ومنذ أن تحقق للصين الانتصار في نهاية الأربعينات وأنشئت الدولة، كانت من الدول التي دعمت قضايا التحرر في العالم، وكان لها دور كبير في دعم استقلال وسيادة كثير من دول العالم النامي. وكذلك بادلتها هذه الدول نفس التضامن، وكان من نتائجه أن استرجعت الصين عضويتها في الأمم المتحدة، وأصبحت عضوا دائما في مجلس الأمن، الصين دولة نامية، وتحترم الدول النامية الأخرى، التي بدورها تعتبر الصين دولة نامية، تعاني مثلها مشكلات وتحديات بناء الدولة والتنمية، لذلك فان هنالك مصلحة مشتركة في مواجهة تغول الدول الغربية والغنية التي تريد أن تهيمن على مقدرات وخيرات الدول الصغيرة. من هذا المنطلق، هناك مصلحة مشتركة للصين والدول العربية والدول الصغيرة في أن تتوحد مصالحها وأن تتشارك في دعم قضاياها في مواجهة التحديات الكثيرة التي تواجهها.
وقد ترسخ كل هذا مؤخرا في قيام منتدى التعاون العربي الصيني الذي تُبحث من خلاله مجالات وقضايا كثيرة، بدءا من التشاور السياسي إلى موضوعات التعاون التجاري والاقتصادي والإعلامي والثقافي والتعليمي والبيئة والتعاون على المستوى الشعبي والبرلماني. نبعت فكرة المنتدى من مجلس السفراء العرب في بكين وتجاوبت الصين معها وأيدتها الدول العربية ونشأ المنتدى في عام 2004، وسيعقد الاجتماع الثالث لوزراء الخارجية العرب مع وزير خارجية الصين في مايو هذا العام في المنامة، عاصمة مملكة البحرين. وهنالك كذلك اجتماعات على مستوى كبار المسئولين واجتماعات لرجال الأعمال وعلى مستوى التعاون في مجال الطاقة وكذلك ندوات تتعلق بالحوار الثقافي والحضاري واجتماعات بين جمعيات الصداقة الصينية العربية، والآن نحضّر لندوة بين وسائل الإعلام الصينية والعربية في إبريل ببكين.
الصين اليوم: هل تعتقد أن حجم وقوة العلاقات حاليا يستجيب للتحديات الدولية التي يواجهها الطرفان؟
السفير: قبل إنشاء هذا المنتدى كانت هناك علاقات ممتازة فيما بين الصين وجامعة الدول العربية وقد تم توقيع مذكرة تفاهم في هذا الشأن عام 1999 تم الاتفاق من خلالها على عقد اجتماعات ثنائية دورية بين الأمين العام لجامعة الدول العربية ووزير الخارجية الصيني في نيويورك في سبتمبر كل عام، وفي بكين كلما دعت الحاجة. في المجال السياسي، نحن نرى أن هناك توافقا كبيرا بين المواقف العربية والصينية. وفي هذا المجال نحن نقدر للصين أنها دعمت دائما القضية الفلسطينية وكانت تقف دائما في مواجهة كثير من التحديات والضغوط بل ظلت صامدة في تأييد القضية الفلسطينية ودعم الحقوق الفلسطينية الوطنية. وكذلك القضايا العربية الأخرى، مثل قضية العراق وقضية دارفور، حيث أن هناك توافقا في المواقف بين الصين والدول العربية. وفي المقابل فإن الدول العربية تدعم بقوة الصين الواحدة، وتعتبر ذلك موقفا مبدئيا لا يتزحزح، وفي كثير من الاجتماعات يتم الإعلان عن هذا الموقف العربي من هذه القضية. وقد كان للدول العربية دور في إفشال مسعى تايوان لاكتساب عضوية الأمم المتحدة. وفي المجال الاقتصادي، هناك تطور كبير في معدلات التبادل التجاري بين الصين والدول العربية الذي تضاعف عشرات المرات في السنوات الأخيرة. ولا تكاد توجد دولة عربية ليس بها المنتجات الصينية، وقد تعود الشعب العربي العادي على تلك البضائع المتقنة والرخيصة الثمن. وفيما يتعلق بالبترول، فالصين من كبار المنتجين وكذلك من كبار المستهلكين للبترول وتستورد النفط من كثير من الدول، ومن بينها الدول العربية ولها استثمارات ضخمة في السودان في مجالات البترول. في المجال الثقافي، هناك معاهد كونفوشيوس في عدد من العواصم العربية. كما تقام دوريا ندوة مشتركة للحوار بين الحضارتين وهنالك مشروعات ومقترحات بشأن توثيق العلاقات الثنائية وسبل التعرف على الحضارة الثقافية لكل طرف. وفي هذا الإطار فسينعقد المؤتمر الثاني للصداقة العربية الصينية في شهر أكتوبر من هذا العام في دمشق، حيث تلتقي جمعيات الصداقة العربية الصينية من كافة الدول العربية مع جمعية الصداقة الصينية العربية وفروعها في مختلف أقاليم الصين لبحث وسائل تطوير وتعزيز علاقات الصداقة والتواصل بين الشعوب في الجانبين.
الصين اليوم: تحدثتم عن الجانب الاقتصادي قبل قليل، ولكن على الرغم من زيادة حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية، فإن صادرات البترول العربي تمثل تقريبا كل الصادرات العربية للصين، كيف ترون هذا الوضع؟ كما أن حجم الاستثمار العربي في الصين ما زال قليلا، وكذلك حجم الاستثمار الصيني في الدولة العربية، فما هي الإجراءات التي اتخذها الطرفان لمعالجة هذا الأمر؟
السفير: بالرغم من أن التبادل التجاري كبير إلا أن البترول يمثل كل الصادرات العربية إلى الصين تقريبا، وهذا أسبابه واضحة، أولا أن الدول العربية مازالت في بداية تطورها الصناعي ومازال هناك كثير من المراحل التي يجب أن تُقطع في سبيل التواؤم مع المقاييس الدولية ومقتضيات الجودة والاستخدامات التقنية الحديثة وهذا يتم الآن بشكل سريع في عدد من الدول العربية، ولكن هناك الآن بعض المنتجات العربية مثل الخضراوات والفاكهة والصناعات التقليدية تجد طريقها إلى بعض الأسواق في الصين. هناك إشكاليات قائمة تتعلق بالإجراءات الإدارية والجمركية والصحية ونحن سعينا دائما لبحث هذه الأمور في إطار المنتدى لأن هناك كثيرا من الشكاوى بأن موضوع تبادل المنتجات بين الصين والدول العربية مازال بحاجة إلى بعض البحث، فيما يتعلق بالقوانين والتشريعات والإجراءات المتبعة والموضوعات المتعلقة بالجودة وإجراءات الدخول والتصديقات. هناك صناعات عربية ناشئة بدأت تغزو دولا أوروبية ويمكن أن تصدر إلى الصين كذلك، هذا الموضوع في حاجة إلى الاهتمام به والحرص على تناول مختلف جوانبه.
أما بالنسبة للاستثمارات، فالدول العربية ليست كلها دولا غنية، فعدد الدول الغنية قليل وهي الدول المنتجة للبترول. نحن نسعى لتأكيد أن تحقيق المصالح الاقتصادية العربية الصينية يكمن في زيادة الاستثمارات المشتركة، ولذلك نسعى لأن تستثمر الصين في الدول العربية في مجالات غير البترول. للدول العربية بالفعل استثمارات تصل إلى مليارات الدولارات في الصين، من السعودية والكويت ودولة الإمارات وقطر وعمان، ولكنها في الغالب تتعلق بمجال البترول. وتأتي الآن كثير من الوفود الاقتصادية العربية إلى الصين أغلبها يبحث موضوع الاستثمارات، فالصين لديها فوائض تجارية ومالية كبيرة تسعى لاستثمار جزء منها في الخارج ونتمنى أن يكون للدول العربية نصيب من ذلك.
الصين اليوم: سيعقد منتدى التعاون الصيني العربي في مايو هذا العام على المستوى الوزاري، فما هو الجديد الذي يمكن أن يقدمه هذا المؤتمر لدعم ودفع العلاقات العربية الصينية؟
السفير: المؤتمر الوزاري في إطار المنتدى يجتمع كل سنتين، والاجتماع الأخير عقد في بكين. وهو أولا مجال وفرصة للقاء، فعندما يجتمع 22 وزير خارجية عربيا مع وزير الخارجية الصيني لبحث القضايا التي تهمهم سواء على المستوى العربي أو المستوى الصيني أو المستوى الإقليمي أو الدولي، هذا بحد ذاته نعتبره شيئا مهما. الموضوعات التي ستُناقش موضوعات مهمة فخلال السنتين الماضيتين طرأت كثير من التغيرات في العالم وفي المنطقة وفي الصين، ولذلك تُبحث هذه المسائل كلها في هذا الاجتماع. هناك الكثير من القضايا العربية التي نطلب تأييد الصين فيها وكذلك الصين تطلب تأييد وتضامن الدول العربية مع القضايا التي تهم الصين. هذه الموضوعات ستطرح وتناقش وسيتم من خلال ذلك تنسيق المواقف، وهذا في حد ذاته تقدم كبير في العلاقات عندما تتاح هذه الفرصة كل فترة. هذا بخلاف متابعة ما تم من أنشطة وفعاليات في إطار المنتدى وإقرار توصياتها والتوجيه بتنفيذها.
الصين اليوم: نرجو إطلاعنا على النشاطات والأعمال التي تنهض بها بعثة جامعة الدول العربية في بكين.
السفير: بعثة الجامعة ليست جديدة في الصين، عمرها حوالي 14 سنة، وكان الهدف من إنشائها أن تكون صلة وصل بين الجامعة والصين، لنقل المعلومات ونقل المواقف وأن تكون ممثلة لدى مختلف الجهات الصينية للتباحث حول مختلف القضايا التي فيها مصلحة للجانبين. ونحن لدينا علاقات ممتازة جدا مع وزارة الخارجية، نتواصل معها باستمرار، خاصة في مجال نقل القرارات العربية والبيانات التي تصدر من الجامعة وتصريحات الأمين العام وقرارات مختلف المجالس الوزارية العربية لها، وتصلنا منها المواقف الصينية حول مختلف القضايا الإقليمية والدولية ونقوم بإرسالها إلى الأمانة العامة كما يتم التشاور الدائم حول مختلف القضايا من خلال اللقاءات التي تتم بين البعثة والإدارة المختصة في وزارة الخارجية. ولدينا كذلك علاقات مع أطر أخرى، جمعيات الصداقة ووسائل الإعلام. ما تقوم به البعثة يرتبط في كثير من الأحيان بأنشطة وخطط مجلس السفراء العرب، الذي يضم أربع لجان؛ اقتصادية وثقافية وإعلامية ولجنة لمتابعة المنتدى. هذه اللجان تجتمع وتضع الخطط، التي يقع العبء الأكبر في تنفيذها على بعثة الجامعة. فمثلا لدينا في إطار اللجنة الثقافية برنامج سنوي بعنوان نموذج جامعة الدول العربية يقام في إحدى الجامعات الصينية، وقد أقيمت الدورة الثالثة له في جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية في بكين في نوفمبر عام 2007، وكان موضوعها "التعليم في العالم العربي"، وشارك فيها عدد كبير من طلاب وطالبات أقسام اللغة العربية في جامعة بكين، جامعة الدراسات الأجنبية وجامعة اللغات والمعهد الإسلامي وجامعة الاقتصاد والتجارة الدولية.
الصين اليوم: كيف كانت نتيجة هذا النموذج؟
السفير: نحن نعتبر أنه مفيد جدا كنوع من المعلومات الجديدة للطلاب الذين يتعلمون اللغة العربية وسيعملون بعد التخرج في مجال العلاقات مع الدول العربية. ولذلك فان حصولهم على هذه المعلومات عن الدول العربية سيفيدهم في المستقبل ويعمق معرفتهم بالدول العربية.
الصين اليوم: ما هي أبرز الفعاليات الإعلامية التي قامت بها بعثة جامعة دول العربية في الفترة الأخيرة؟
السفير: عمل البعثة مرتبط في كثير من الأحيان بعمل مجلس السفراء العرب. لدينا خطة إعلامية وخطة ثقافية وخطة اقتصادية، يجيزها مجلس السفراء العرب في بداية كل عام. من الخطط الإعلامية أنه كان هناك لقاء بين الصحفيين الصينيين والسفراء العرب، كنا نحاول أن نشرح المواقف العربية ونناقش ونتحاور حول كثير من القضايا التي تهم الدول العربية والصين مع الصحفيين. في كثير من الأحيان تلعب وسائل الإعلام دورا سلبيا في نقل معلومات مشوهة ومغلوطة وغير صحيحة بسبب نقلها عن وسائط إعلامية غربية دون التحقق من صحتها أو دقتها، لهذا فإن السفراء العرب يحرصون على اللقاء مع الصحفيين لنقل وجهة النظر العربية بشكلها الحقيقي حتى لا يتم أخذها من جهات أخرى، وسوف نناقش في ندوة التعاون الإعلامي المقررة في شهر إبريل كيف يمكن لنا أن نخلق آلية لتنساب المعلومات بين الصين والدول العربية بشكل مباشر. كما تعلمون، كثير من مصادر المعلومات الأجنبية لها أجندات خاصة، مرتبطة بمصالح دولها بما في ذلك تشويه المواقف ونقل معلومات سلبية غير حقيقية. نعرف ما يوجه إلى الصين من اتهامات، ورسم صورة سلبية لها خصوصا والأولمبياد على الأبواب في محاولة لتقويض جهودها لإنجاح هذه الفعالية الكبيرة. في بعض الأحيان يتحدثون عن التلوث في الصين وانتقاد الصناعة الصينية ويشككون في موقف الصين من أزمة دارفور. ومن ناحية أخرى فان معلومات سلبية كثيرة تنشر عن الدول العربية وعن أوضاعها ومواقفها ولذلك من الضروري أن يتم بحث أسلوب نقل الأخبار بشكل مباشر بين أجهزتنا الإعلامية. هناك خطط كثيرة للقاءات مع رؤساء الصحف والأجهزة الإعلامية و CCTV. لدى البعثة مجلة تصدر دوريا اسمها "بيت العرب" نسعى من خلالها أن نقدم معلومات للشعب الصيني عن الدول العربية وشرح مواقفنا من عدد من القضايا الإقليمية والدولية ولدينا كذلك نشرة أسبوعية نرسلها إلى شينخوا وإلى وزارة الخارجية والصحف تتضمن نشاطات ومواقف الجامعة العربية.
الصين اليوم: هل هناك نشاطات أخرى؟
السفير: لدينا تواصل شبه يومي مع السفارات العربية فننقل لها كل ما يحدث في إطار عمل الجامعة العربية، سواء ما يتعلق باجتماعات مجلس الجامعة بمستوياتها المختلفة أو الأجهزة واللجان التي تجتمع في اطار العمل العربي المشترك. كما نطلع السفارات العربية على البيانات التي تصدرها الأمانة العامة في مختلف المناسبات وبشأن مختلف الأحداث وكذلك تصريحات السيد الأمين العام ونشاطاته.
كما يجتمع مجلس السفراء العرب مرة كل شهر في مقر البعثة وهناك اجتماعات استثنائية للمجلس واجتماعات اللجان المختلفة، والبعثة هي التي تعد لهذه الاجتماعات. هناك تعاون وتناغم كامل بين البعثة ومجلس السفراء العرب ولذلك هناك نجاح كبير للأنشطة والفعاليات التي يقوم بها المجلس بالتعاون مع البعثة.