سؤال: تدعو الصين إلى إقامة عالم متناغم. ما هي أهمية نظرية "العالم المتناغم"؟
إجابة: شهد العالم خلال القرن العشرين بزوغ وتطور نظريات السياسة الدولية الغربية التي شكلت منظومة متكاملة. لقد أدت النتائج المدمرة للحربين العالميتين الأولى والثانية والمجابهة النووية التي استمرت نحو نصف قرن خلال فترة الحرب الباردة إلى التفكير في أسباب شن الحروب واحتمالات أن يفنى البشر الذين ابتكروا العلوم والتكنولوجيا وحققوا الازدهار العظيم، وكيفية تفادي الحرب والبحث عن سلام دائم.
لم تقدم نظريات السياسة الدولية التي ظهرت خلال القرن العشرين إجابات لمثل تلك الأسئلة.
من منظور الازدهار والابتكار النظري، تكمن أهمية نظرية "العالم المتناغم" التي ابتكرتها الصين، في أن الصين الناهضة أوضحت للعالم لأول مرة نظريتها المنهجية ذات الإطار النظري حول العلاقات الدولية والحرب والسلام ومستقبل البشرية ومصيرها وغير ذلك من القضايا النظرية الهامة.
مقارنة مع الأنظمة المختلفة لنظريات السياسة الدولية الغربية، حققت نظرية "العالم المتناغم" منذ بدايتها ابتكارات واختراقات في عدة مجالات.
أولا، اتخذت نظرية "العالم المتناغم" من "العالم" و"الكرة الأرضية" و"البشرية" وحدة للدراسات، فتجاوزت الأمة والدولة بل والثقافات والحضارات. وتتميز هذه النظرية باتساع مجال، وبعد وسمو الرؤيا، ولا تنطلق أفكارها حول مصير البشرية ومستقبلها، من مصلحة أمة أو دولة أو إقليم أو حضارة معينة، ومن ثم فإنها تتجاوز السلطة والعدو والصديق والمجابهة وغير ذلك.
من منظور المحتوى النظري، تتميز نظرية "العالم المتناغم" بمضمون أوفر وروح عصرية. لقد تناولت نظريات السياسة الدولية الغربية العلاقة الاجتماعية بين الإنسان والإنسان (تشمل العلاقات بين المنظمات والدول)، بينما تتناول نظرية "العالم المتناغم" العلاقة بين الإنسان والطبيعة بالإضافة إلى العلاقة بين الإنسان والإنسان.
تسعى نظرية "العالم المتناغم" إلى تناغم المجتمع الدولي الذي يتجسد في التناغم بين البشر والمنظمات والدول، ويشمل هذا التناغم الحضارات والثقافات المتنوعة وتعايش الأنظمة السياسية والاجتماعية المتنوعة والاعتراف بالتنوع ومعارضة "الأحادية"؛ ومن ناحية أخرى يشمل العالم المتناغم، التناغم بين الإنسان والطبيعة وهذا يشمل مسئولية الإنسان عن البيئة وتحقيق الازدهار والاستقرار والتنمية المستدامة معا الخ. يعتبر إدراج التناغم بين الإنسان والطبيعة ضمن أنظمة نظريات السياسة الدولية إسهاما نظريا آخر قدمته نظرية "العالم المتناغم".
من منظور الموروث الثقافي، الأساس الثقافي والتاريخي لنشأة نظرية "العالم المتناغم" غير مسبوق، لأنها لم تنشأ فقط في القرن الحادي والعشرين الذي تحاول البشرية خلاله تغيير العلاقات غير المتناغمة بينها وبين الطبيعة، بل نشأت في فترة نهوض الأمة الصينية التي يمثل سكانها خمس إجمالي عدد سكان العالم.
بزغت نظرية "العالم المتناغم" من العناصر الرائعة للحضارة الصينية التي يعود تاريخها إلى خمسة آلاف سنة، وجعلت هذه العناصر تواكب العصر وتندمج مع واقع عالم القرن الحادي والعشرين. إن أفكارا مثل "التسامح" و"التفكير في العالم ككل" و"السلام" و"الوحدة بين الطبيعة والإنسان" وغيرها من الأفكار الممتازة في الثقافة الصينية القديمة تتجسد في نظرية "العالم المتناغم" بملامحها الجديدة وبحيويتها المتجددة، مما يجعل نظرية "العالم المتناغم" تكسب عمقا وموروثا تاريخيا وثقافيا ثريا، لا تضاهيها فيه نظريات السياسة الدولية الأخرى.