ã

"براثن التمدد الصيني"!

استفسار وتوضيح

حسين إسماعيل

الدورة السادسة لمجلس إدارة غرف الصناعة والتجارة الصينية- العربية، أكتوبر 2007 في بكين

زيادة متواصلة في عدد التجار الذين يزورون معرض قوانغتشو

في منتصف يناير هذا العام تلقيت على بريدي الإلكتروني رسالة رقيقة من صديق لم أعرفه من قبل، وقد يعفيني القارئ من ذكر اسمه، فأنا لم أستأذنه في ذلك. قال الصديق:" أنا باحث وكاتب من السعودية، أكتب في صحيفة الوقت البحرينية بشكل أسبوعي، وأنا كاتب مقال شهري مستجد في مجلة النيوزويك- الطبعة العربية. قرأت بعض النصوص الهامة في مدونتكم الرائعة (على مقهى في الشارع الصيني)، وهي تعكس تجربتكم وخبرتكم العميقة في المشهد الصيني".

وقال الصديق إنه يعد لكتابة مقاله القادم  حول الصين، وطلب مني الإجابة عن سؤال محدد:

            يعتقد البعض أن "إغواء" الصين الحالي بنموها ومكانتها المؤثرة اليوم في العالم وتمددها، سوف يشكل كابحاً لنمو الوعي العالمي لمفاهيم حقوق الإنسان وترسيخ الحريات وسيادة نموذج ملهم للحكومات المستبدة في العالم الثالث.

      وسألني: هل تتفقون مع الرأي الذي يقول إن عدم وقوع الدول الخليجية وشعوبها في براثن التمدد الصيني الاقتصادي- السياسي الهائل، خلافاً لدول أفريقية كثيرة وجدت الصين لها موطئ قدم فيها، هو عامل غير مباشر شكل سياجاً لحمايتها وهيأ لشعوبها فرصة للتعرض لعصف رياح القيم الغربية، حتى أن فريق البيت الأبيض حدد العاصمة الإماراتية أبو ظبي لإلقاء الخطاب الرئيسي لبوش في زيارته ((للشرق الأوسط في يناير))، لكون الإمارات مثالاً يحتذى في التسامح والانفتاح والسعي  لإيجاد أرضية ديمقراطية؟

   وقد رددت على الصديق الكاتب والباحث، منوها إلى تخصصي الدراسي الذي يعني أنني باحث سياسي قبل أن أكون صحفيا، وأشرت إلى الفترة الطويلة نسبيا، التي أمضيتها في الصين، وقلت له: "إنني، كأي دارس علوم سياسية بالوطن العربي في ثمانينات القرن الماضي، لم أكن أعرف عن الصين واحدا على مائة مما درست عن النظم السياسية الغربية، لأسباب أنت تعلمها."

واستطردت قائلا، للإجابة عن سؤالك، اسمح لي أن أبدأ من الجزء الثاني؛

أنت تسأل: إن عدم وقوع الدول الخليجية وشعوبها في براثن التمدد الصيني الاقتصادي -السياسي الهائل– خلافاً لدول أفريقية كثيرة وجدت الصين لها موطئ قدم فيها - هو عامل غير مباشر شكل سياجاً لحمايتها وهيأ لشعوبها فرصة للتعرض لعصف رياح القيم الغربية؟

أولا، لا أتفق مع وصف "براثن التمدد الصيني"، فالصين ليس لها براثن، وإنما مصالح اقتصادية تحقق النفع المتبادل، والصين ليس لها أطماع جيوسياسية، ولا تسعى إلى "تصيين" ((مقابل تغريب)) ثقافات الآخرين، وإن كان هذا لا يعني أنها لا تسعى إلى نشر ثقافتها، فالصين مثلا لا تطالب السلطات في بلادك أو بلادي بتغيير مناهج التعليم، والصين لا يعنيها إن كانت المرأة في بلادك أو بلادي تلبس الشادور أو البكيني، وفي عبارة واحدة، الصين ليس لها أطماع استعمارية، سواء استعمار اقتصادي أو سياسي أو ثقافي أو علمي.

 ثانيا، ليس صحيحا أن "عدم وقوع الدول الخليجية وشعوبها في براثن التمدد الصيني الاقتصادي -السياسي الهائل" هو عامل غير مباشر شكل سياجاً لحمايتها وهيأ لشعوبها فرصة للتعرض لعصف رياح القيم الغربية، لسبب بسيط هو أن "التمدد" الصيني موجود في دول الخليج، فعدد الصينيين في دول الخليج يفوق عدد الغربيين (مع استبعاد القوات الغربية المرابطة في قواعد عسكرية هناك)، ولأن حجم التبادل الاقتصادي بين الصين ودول الخليج ينمو بمعدلات تفوق معدل نمو حجم التبادل بين دول الخليج وأي دولة أخرى بالعالم. ماذا يعني هذا؟ يعني أن الصين موجودة، وستكون موجودة أكثر في حياة كل فرد بالعالم نتيجة صعودها الاقتصادي، وقد يأتي يوم تجد نفسك تقود سيارة صينية وتلبس دشداشة صينية وتشاهد تلفازا صينيا وتجلس في مطعم صيني. إذن لماذا تعرضت وتتعرض شعوب الخليج، وكل الشعوب العربية لما وصفته أنت بعصف القيم الغربية؟ الإجابة موجودة في ((أولا))، فالصين غير معنية بتغييرك ولا بتبديل ثقافتك، بينما يسعى الآخرون، بل يحاربون، من أجل ذلك.

ثالثا، تقول ((يعتقد البعض أن "إغواء" الصين الحالي بنموها ومكانتها المؤثرة اليوم في العالم وتمددها، سوف يشكل كابحاً لنمو الوعي العالمي لمفاهيم حقوق الإنسان وترسيخ الحريات وسيادة نموذج ملهم للحكومات المستبدة في العالم الثالث)).

لا أنكر أن الصين قدمت نموذجا فريدا وغريبا على الباحثين السياسيين في شأن التنمية الاقتصادية والسياسية، فقد كان المتفق عليه "تقليديا" في علم السياسة أن التنمية الاقتصادية تقود أو تتزامن مع التنمية السياسية، ولكن ما حدث في الصين هو تنمية اقتصادية بمعدلات بالغة السرعة، ورافقتها تنمية اجتماعية بمعدلات عالية أيضا، ولكن التنمية السياسية ظلت أبطأ كثيرا من التنمية الاقتصادية والاجتماعية.  هذا لا يعني أن الصين لم ((تتحول)) سياسيا، فما حدث خلال الثلاثين عاما الفائتة منذ تبني ما يسميه الصينيون سياسة الإصلاح والانفتاح، لافت حقا، ولعلك تعلم أن الصينيين تخلوا عن  تقليد "الخلود في المنصب"، إذ لا يسمح لمسئول بشغل منصب لأكثر من فترتين، ويشغل عدد متزايد من الشباب مناصب قيادية، ويشغل تكنوقراط من غير أعضاء الحزب الشيوعي مناصب وزارية (يوجد منهم ثلاثة حاليا في الحكومة). ((يوجد دراسة قيمة في هذا الشأن بعنوان "التحول الديمقراطي في الصين" نال عنها الباحث أحمد جمال درجة الماجستير في العلوم السياسة سنة 2002 بجامعة القاهرة)).

أما عن "كبح الصين لنمو الوعي العالمي لمفاهيم حقوق الإنسان وترسيخ الحريات"، فكما أسلفت، الصين لا تسعى لفرض نموذج معين على الآخرين، مفهوم الصين لحقوق الإنسان (وهو مرتبط بالثقافة والفلسفة الصينية ويحتاج شرحا مطولا) يتفق مع المفهوم العربي الإسلامي، فمع الاعتراف بعالمية حقوق الإنسان، لابد من التأكيد على الخصوصية الثقافية، ولا بد من أخذ مستوى النمو الاقتصادي والاجتماعي في الاعتبار، والصينيون، لأسباب تاريخية وفكرية يضعون حق الإنسان في الطعام واللباس في مرتبة أسبق من حقه في الكلام.

في النهاية، لقد شاهدت وسمعت خطاب بوش في أبو ظبي، وأعجبني تعليق مراسل بي بي سي الذي تابع الزيارة والذي أوضح أن قراءة الشارع العربي للخطاب مخالفة لما أراد الرئيس الأمريكي. الخطاب ملئ بالمتناقضات، تكلم بوش عن إيمانه بالحل السلمي للمنازعات والخلافات (إسرائيل فلسطين نموذجا)، ولكنه اختار السلاح بدلا عن الحوار في العراق واختار المواجهة مع إيران، تحدث عن الديمقراطية وامتدح محمود عباس الذي اختاره الفلسطينيون وكال الاتهامات لحماس برغم أن حماس هي التي اختارها الفلسطينيون أيضا.

كل هذا لا يعني، ولا ينبغي أن يعني الارتماء في أحضان الصين، وإنما الاقتراب منها والتعامل معها ومعرفتها أكثر، لأنه سيأتي يوم نقول فيه ((لا بد من بكين ولو طال السفر)).

إلى هنا انتهت رسالتي

وأضيف إلى ما سبق، أن الأسئلة التي سعى الكاتب جادا إلى محاولة العثور على إجابات موضوعية لها، تكشف عن توجهات إعلامية لم تكن معهودة على الساحة العربية من قبل، يمكن رصدها في ما يلي:-

أولا، هذه ليست هي المرة الأولى التي يسعى كاتب أو باحث عربي إلى التحقق من مصادر مختلفة لما يكتب عن الصين، وهذا يعني أن الإعلام العربي والكتاب والمحللين والباحثين العرب يخرجون من إسار الهيمنة الإعلامية الغربية في ما يتعلق بالصين، ويسعون إلى تحليل موضوعي للشأن الصيني الداخلي والخارجي، ويعود الفضل في ذلك، ضمن عوامل عديدة، إلى حرص عدد متزايد من أجهزة الإعلام العربية على أن يكون لها وجود في الصين، فوكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية، ووكالة الأنباء المغربية ووكالة بترا الأردنية وقناة الجزيرة لها مكاتب في بكين، كما أن أجهزة الإعلام الصينية الموجهة للمنطقة العربية تحظى باهتمام متزايد، من جانب المسئولين الصينيين ومن جانب المتلقين العرب؛

ثانيا، أن ما تثيره أجهزة الإعلام الغربية من شكوك ومخاوف إزاء توجهات الصين وسياستها الخارجية، والزعم بأن الصين "تتمدد" خارج حدودها على نحو يهدد الآخرين والترويج لما يسمى بالاستعمار الصيني الجديد لأفريقيا، كل هذا يخلق حالة من البلبلة لدى المراقب والكاتب والمحلل السياسي العربي، الذي تراكمت لديه، لأسباب تاريخية، قناعة ثابتة لم تتزعزع إلا قبل سنوات قليلة، بتصديق ما تقوله أجهزة الإعلام الغربية، ومازلت أتذكر أنه عندما كان شخص في بلدي يريد أن يؤكد صدق الخبر، فقط يقول إنه سمعه في بي بي سي أو مونت كارلو أو صوت أمريكا. غير أن هذه الهيمنة الإعلامية الغربية راحت تتآكل مع ظهور الفضائيات العربية وخاصة المستقلة والتي أتاحت للمشاهد العربي تنوعا واسعا في الرؤى؛

ثالثا، أن هناك من الكتاب العرب من لا يزال يتحسس أنامله عندما يكتب عن الصين، ظنا أن الصين في القرن الحادي والعشرين هي الصين التي كانت في ستينات وسبعينات القرن الماضي، واعتقادا بأن النظام السياسي الصيني جامد لا يتغير، وهو أمر غير صحيح، فدستور البلاد تم تعديله أكثر من مرة للتعامل مع المستجدات الداخلية والخارجية، ودستور الحزب الشيوعي الحاكم نفسه تم تعديله في المؤتمر الوطني السابع عشر للحزب العام الماضي، ويكفي أن نشير إلى أن كلمة "الدين" دخلت دستور الحزب الشيوعي لأول مرة؛

رابعا، أن الثقافة والتاريخ والجغرافية والفكر والفلسفة الصينية، تدعو إلى الاعتقاد بأن الصين لن تسعى إلى الهيمنة، سياسيا أو اقتصاديا أو ثقافيا، ومن ثم فإن المخاوف مما وصفه الكاتب بأنه "براثن  التمدد الصيني" غير مبررة، فكما أسلفت، الصين لها مصالح مشتركة ومتبادلة، مع العرب وغيرهم، أما البراثن، وهي مخالب السبع التي ينقض بها على فريسته، فأبعد ما تكون عن الصين.    

husseinismail@yahoo.com 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn