مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، ورحلة المليار تبدأ بيوان. قد يكون هذا هو ما دار في ذهن لو يان، الطالب بمعهد خبي  للتربية البدنية، عندما اشترى عدة أسهم في البورصة بأربعة آلاف يوان، زادت قيمتها خمسمائة يوان (الدولار الأمريكي يساوي 3ر7 يوان) في أربعة أشهر فقط.  لو يان، حسب كلامه، لم يكن الربح المادي هو هدفه الوحيد من الاستثمار في سوق المال، وإنما الأهم هو اكتساب الخبرة والمعرفة، فالشاب الصيني يعتقد أن جيل والديه يتخذ موقفا متحفظا للغاية من الاستثمار، فقد ظلت والدته تودع مدخرات الأسرة في البنك، ولم تحاول قط تجربة وسيلة استثمار أخرى. ولكن، بعد أن حقق لو يان ربحا من استثماره في البورصة، غيرت الأم رأيها. وينصح لو يان كل الطلاب الجامعيين أن يتعلموا بعض معارف الاستثمار  لوضع أساس لمستقبلهم وللتكيف مع تطور المجتمع بعد تخرجهم. 

حسب استطلاع أجرته شركة ماستركارد إنترناشيونال على عينة من طلبة الجامعة في الصين عام 2007، استثمر 15% من الطلاب الجامعيين في الأسهم، و17% في الصناديق المالية، 3% في التجارة الآجلة، و7% في تجارة العملة، و30% جربوا كل ما سابق. و84% من الطلاب يدرسون في الجامعة مناهج حول كيفية إدارة الأموال، و14% منهم درسوها بالفعل. ومعظم رأس المال الذي يبدأ به الطلاب الاستثمار، يوفرونه من مصروفهم أو من العمل في وقت الفراغ.

 

أسهم وصناديق مالية

دو فنغ، طالب دراسات عليا متخصص في التجارة الدولية في جامعة رنمين (الشعب) ببكين، بدأ مسيرة استثماره في البورصة قبل سنتين. بسبب عدم خبرته وقلة معرفته بالاستثمار خسر عندما اشترى الأسهم لأول مرة، ولكنه لم ييئس بل اجتهد في دراسة علوم الاستثمار وخاصة علوم الاستثمار في الأسهم، ونزل نهر الصفقات فخبر قواعد لعبة استثمار الأسهم وصار يحقق ربحا من معظم أسهمه فزاد رأسماله من مائة ألف يوان إلى مائتي ألف. قال دو فنغ إنه يختار الأسهم التي يستثمر فيها بعد دراسة وتفكير على أساس المعلومات التي يجمعها عن كل شركة يرغب شراء أسهم فيها، بحيث يشتري السهم بسعر منخفض ويبيعه بسعر مرتفع. ويؤكد أن العامل الأهم في شراء الأسهم هو الحذر والتحفظ.

ويعتقد دو فنغ أن المعرفة الحقيقية تأتي من الممارسة الفعلية، وأن التعليم في الجامعة يقتصر على المعارف المالية الأساسية، بدون ممارسة. وقال إن شراء الأسهم منحه فرصة ممتازة لتطبيق العلوم التي درسها في الجامعة ووسع معارفه في مجال الاستثمار المالي. وأشار إلى أن ثلث زملائه في الفصل يستثمرون في الأسهم والصناديق المالية، وأنهم يتبادلون آراءهم وتحليلاتهم حول البورصة، موظفين علومهم المتخصصة والبيانات التي يجمعونها. ويعتقد دو فنغ وزملاؤه أن ما درسوه من معارف سيبقى معهم وسيفيدهم مدى الحياة.

الصناديق المالية خيار استثماري مخاطره أقل من الأسهم، ولهذا يقبل عليه كثير من الطلاب الجامعيين ومنهم الفتى قوه ون جيون، ذو الاثنتين وعشرين سنة. قال قوه إنه برغم انشغاله في الدراسة، أراد  أن يمارس الاستثمار في وقت فراغه القليل، فاستثمر في شراء الصناديق المالية المحددة الأجل، وهو شكل من الاستثمار يشبه الوديعة لأجل في البنوك ولكن عائده أعلى. وأوضح قوه أنه درس بنفسه علوم المالية والاستثمار وهو يتابع سوق الصناديق المالية مرة كل شهر، الأمر الذي يوفر له الوقت. وهو يحقق ربحا بنسبة تتراوح بين 11% و12% سنويا، مما يخفف أعباءه الاقتصادية. ومثل لو بان، الفتى قوه ون جيون لا يهدف من الاستثمار في الصناديق المالية جني الربح فقط وإنما مواكبة العصر واكتساب التجارب والخبرات في  سوق المال.

 

مقاهي ومتاجر إلكترونية

مقهى "عاصفة الشاي" يقدم كثيرا من المشروبات، منها الشاي الأحمر والأخضر والشاي بالحليب. ويحظى هذا المقهى، الواقع بالطابق الأول للمطعم الخامس لجامعة العلوم والهندسة بشانغهاى، بإقبال كبير من الطلاب. لوه هاو، وهو أحد ثلاثة طلاب بكلية الطباعة والتصميم يستأجرون المقهى، قال "في البداية، قمنا بدراسة جادة لسوق الاستهلاك داخل الجامعة، وبعد تقييم قدراتنا المالية، قررنا استئجار المقهى وتشغيله". بلغت تكلفة استخدام المكان وتجهيزه والأجهزة والعاملين تسعين ألف يوان، وقد حصل لوه هاو على أكثر من نصف المبلغ المطلوب منه من والديه، اللذين شجعاه على خوض هذه التجربة ولم يضنا عليه بالخبرة والنصح. يحقق المطعم ربحا شهريا نحو عشرة آلاف يوان شهريا. وهم جميعا سعداء بـتأسيس هذا المشروع وأصبحوا يدركون أهمية التعاون مع الآخرين.

ولأن مخاطر افتتاح مقهى قد تكون عالية، يفضل كثير من طلاب الجامعات افتتاح متاجر إلكترونية، مع الرواج المتزايد للتسوق على الإنترنت. أهم مزايا التجارة الإلكترونية أنها لا تحتاج رأسمالا كبيرا وسهولة الإدارة بالمقارنة مع الأشكال التقليدية للاستثمار، وفتح المتجر الإلكتروني، لا يحتاج إيجار محل ولا ضرائب ولا تكلفة ديكورات. الآنسة لي هوان جيون، الطالبة بالسنة الثانية في جامعة سيتشوان، افتتحت متجرا إلكترونيا قبل أكثر من نصف سنة، وعن تلك التجربة قالت: "في البداية بحثت على الإنترنت عن صور أحدث موضات الملابس ثم وضعتها على موقع متجري الإلكتروني، فإذا طلب زبون أي منها أقوم بشراء الملبس المطلوب. وأوضحت الشابة الجامعية أن هذه الطريقة في التسويق توفر المال ولا تحتاج تخزين بضاعة. وقالت إن ربحها يتراوح بين ألف وخمسة آلاف يوان شهريا، مشيرة إلى أن كثيرا من زملائها وزميلاتها لهم متاجر إلكترونية على مواقع متخصصة مثل "taobao.com "، ebay.com"". وهي أيضا، مثل قوه ولو، ليس هدفها الربح فقط، بل تطبيق ما تدرسه في الجامعة على أرض الواقع من أجل وضع أساس لمستقبلها.

حسب استطلاع أجراه موقع ebay.com""، أربعون في المائة من أصحاب المتاجر الإلكترونية طلبة في الجامعة، يعملون رئيسيا في تسويق الملابس والأحذية ومستحضرات التجميل والملابس النسائية الداخلية.

 

دراسة وعمل

الآنسة قه، وهي طالبة دراسات عليا في جامعة المعلمين ببكين، قالت إنها عندما ترى وتقرأ عن ارتفاع بورصة الأسهم والصناديق المالية في الصين تود أن تخوض هذا المجال، ولكنها تفتقر إلى المال والخبرة، ولهذا اختارت أن تعمل في وظيفة مؤقتة. وبالفعل حصلت على عمل كمترجمة في قاعة المؤتمرات الدولية بفندق تشينا وورلد. تعترف قه بأن الراتب ليس عاليا، ولكنها تقر بالفائدة التي تعود عليها من ممارسة مهارتها اللغوية وزيادة خبرتها. وقالت إنها تقوم أيضا بأعمال ترجمة تحريرية لبعض مكاتب الترجمة، وإن كثيرا من زملائها يعملون في الترجمة أو التدريس الخصوصي.

 

لمعلوماتك

مواكبة مع توجهات العصر، شرعت بعض الجامعات الصينية تدرس مناهج حول الاستثمار لطلابها، ومنها جامعة بكين وجامعة الاقتصاد والتجارة الخارجية ببكين وجامعة المالية المركزية وغيرها، ويكون مقرر إدارة الرأسمال الفردي اختياريا في معظم الحالات، ويحظى في الغالب بإقبال كبير من كافة الطلاب، وليس من طلاب التخصصات المالية فقط.

إن إدارة الرأسمال عملية تستمر طوال الحياة مع طلاب الجامعة، الذين لا يكون لديهم مصدر دخل في البداية، ومن ثم فإن الاستثمار وهم مازالوا طلابا مرحلة أولية تدريبية تسبق التطبيق الفعلي بعد تخرجهم. معظم الطلاب يستثمرون مدفوعين بفضولهم لكل جديد، ولكنهم يفتقرون إلى العلوم المالية والمعرفة العميقة بتوجهات الاقتصاد الكلي للصين. وينصح خبير اقتصادي الطلاب بأن ينصب اهتمامهم على اكتساب المعارف المالية والتجارب الفعلية للاستثمار، وأن لا يكون الربح مبلغ همهم.