يقول قو بينغ فو، رئيس قسم الرياضة البدنية بالجمعية الصينية لهواة المقتنيات: "البضائع الأولمبية جديرة بالاقتناء، إذ ترتفع أسعارها مع مرور الزمن، فسعر الميدالية التذكارية لدورة أثينا 2004 حاليا تضاعف عشر مرات، ويباع الطابع التذكاري لدورة سيول 1988 بمائتي دولار أمريكي." وأوضح أن المتاجر المرخص لها من لجنة بكين المنظمة للأولمبياد تبيع خمسة آلاف نوع من التذكارات الأولمبية، من القلم الذي يباع بدولار واحد إلى الأشغال الذهبية التي يبلغ ثمنها سبعين ألف دولار أمريكي.
من عادات الصينيين شراء البضائع النادرة وتقديمها هدايا إلى الآخرين، خاصة في فترة عيد الربيع. ولهذا فإن التذكارات الأولمبية تعد اختيارا مناسبا لأنها تبرز ذوق وكرم من يقدمها هدية، إضافة إلى قيمة اقتنائها. في يوم افتتاحه، وصلت مبيعات المتجر الرئيسي للبضائع الأولمبية لدورة بكين في شارع وانغفوجينغ، مائة ألف دولار أمريكي، ومنذ ذلك اليوم أصبح هذا المتجر مقصدا يحرص زوار بكين على زيارته. حسب أحد العاملين به، اللعب القماشية لعرائس السعادة الخمس، تمائم دورة بكين الأولمبية، هي البضاعة الأكثر جذبا للزبائن، كما أن النموذج الذهبي لإستاد عش الطيور يباع جيدا أيضا رغم سعره الباهظ.
التذكارات استثمار
السيد تو يويه مينغ، من هواة جمع المقتنيات المشهورين في بكين، يعلق على نافذة بيته الحلقات الأولمبية الخمس منسوجة بأسلوب العقدة الصينية. يجمع تو الطوابع التذكارية للأولمبياد منذ خمسة وعشرين عاما، ويحفظها في صندوقين كبيرين. يتذكر تو قصة وتاريخ كل طابع يقتنيه. ولم يستطع تو استكمال مجموعته من كافة الطوابع التذكارية الأولمبية إلا بعد شراء المجموعة الثانية من الطوابع التذكارية لدورة بكين من سوق لهواة الجمع ودفع فيها عشرة دولارات أمريكية، علما بأن سعرها الأصلي في مكاتب البريد كان دولارا واحدا.
تو يويه مينغ قال: "انتظر الصينيون قرنا كاملا لاستضافة الألعاب الأولمبية"، ففي عام 1908، عندما أقامت جمعية شباب مدينة تيانجين مهرجانا لألعاب القوى في جامعة نانكاي، كُتبت ثلاث أسئلة على جدران الملعب: متى تستطيع الصين أن ترسل لاعبا للمشاركة في الألعاب الأولمبية؟ متى تستطيع الصين أن ترسل وفدا إلى الألعاب الأولمبية؟ ومتى تستطيع الصين أن تتقدم إلى اللجنة الأولمبية الدولية لاستضافة الأولمبياد؟ يرى تو أن هذا الحادث كان خطوة الصين الأولى على الطريق نحو الأولمبياد، ولهذا يضع تو قصاصات الصحف حول هذا المهرجان في الصفحة الأولى من ألبوم طوابع له بعنوان "قرن الأولمبياد"، وقال: "هذه أول مرة عبر فيها الصينيون عن أملهم لاستضافة الألعاب الأولمبية."
في مساء الثالث عشر من يوليو عام 2001، عندما أُعلن عن فوز بكين باستضافة الألعاب الأولمبية، سهر تو يويه مينغ طوال الليل، وقبل إعلان اللجنة الأولمبية الدولية فوز بكين، توجه سيرا إلى ميدان تيان آن من حاملا كاميرا التصوير في يده، لتصوير ملامح وجوه الصينيين بعد إعلان النبأ. وعن تلك اللحظة قال تو: "توقفت شرطية كانت تقود سيارة، وصاحت: "فازت بكين!" ولوحت بيدها متأثرة. انتشر الخبر في ميدان تيان آن من بسرعة، فراح الناس، برغم أنهم لا يعرفون بعضهم بعضا، يتبادلون التحية ويتصافحون احتفالا بفوز بكين، ونفد ما لدى الباعة من أعلام الصين الورقية الصغيرة واحتشدت الشوارع بالصينيين يلوحون بالعلم الوطني من سياراتهم. اليوم، وبعد مرور أكثر من ست سنوات على ذلك، لا شك أن تو يحرص كثيرا على هذه الطوابع واللحظات المحفورة في ذاكرته، قال: "هذه الطوابع ثروة عمري، كلما أراها تعيدني إلى الماضي."
تو يويه مينغ ليس حالة فريدة، فحسب قو بينغ فو، وصل عدد هواة جمع التذكارات الأولمبية في الصين عشرة ملايين. تنقسم التذكارات إلى أنواع ومستويات مختلفة تلائم فئات متفاوتة من المستهلكين، وكل التذكارات الأولمبية، وليس الطوابع وحدها، تجسد مغزى الألعاب الأولمبية وتتزايد قيمتها بمرور الزمن. هناك أنواع كثيرة من التذكارات توزع مجانا في يوم طرحها بالأسواق، مثلا في يوم إعلان اللجنة الأولمبية الدولية فوز بكين باستضافة أولمبياد 2008، أصدرت جريدة رنمين (الشعب) اليومية، الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الصيني، ملحقا خاصا مجانيا حول هذا الموضوع. رغم توزيع عدد كبير منه، احتفظ به عدد قليل من الناس، لهذا يصل سعره اليوم في السوق 15 دولارا أمريكيا.
وقال قو: " يشتري هواة الجمع التذكارات الأولمبية من أجل الاستثمار. ومقارنة مع البورصة المالية، الاستثمار في البضائع الأولمبية مخاطره أقل وربحه أكبر، وربما لهذا السبب سحب كثير من المستثمرين أموالهم من البورصة لاستثمارها في التذكارات". في 20 سبتمبر عام 2006، أصدر بنك الشعب الصيني عملات ذهبية تذكارية للألعاب الأولمبية، قيمة الواحدة 1200 دولار أمريكي. اليوم وصل سعرها 2000 دولار، وأكد قو أن السعر سيستمر في الارتفاع.
عرائس سعادة مقلدة
حماسة الصينيين للأولمبياد تجعل تقليد البضائع الأولمبية تجارة رائعة. فالسلع المقلدة للمنتجات الأولمبية الأصلية، برغم عدم حصولها على ترخيص من اللجنة المنظمة لأولمبياد بكين، تباع بمحطات الأوتوبيسات في شارع وانغفوجينغ، بل وأمام المتاجر المرخص لها من اللجنة المنظمة والتي تبيع المنتجات الأصلية، ينتشر الباعة المتجولون يروجون لسلعهم المقلدة، ومن بينهم بائعة كانت تروج وتبيع تمائم أولمبياد بكين التي تسمى فو وا، أي عرائس السعادة، رأيناها تتحدث بإنجليزية بسيطة مع زبائن أجانب لإغرائهم بشراء عرائس السعادة، وعندما سألناها عن دخلها من هذا العمل، قالت: "لا بأس به".
إعلانات تمائم الأولمبياد وحقوق ملكيتها الفكرية تراها في كل مكان ببكين؛ في الأسواق الشعبية والمطاعم ومحطات المترو وفي الأتوبيسات العامة، والهدف من ذلك هو حماية حقوق الملكية الفكرية للتمائم الأولمبية. في بكين يوجد نظام كامل لحماية حقوق الملكية الفكرية والعلامات التجارية. منذ عام 2006، قامت مصلحة بكين للتجارة والصناعة بالتحقيق في 89 قضية تزييف للعلامات الأولمبية، بالإضافة إلى ذلك كشف جمرك بكين قضية انتهاك لحقوق الملكية الفكرية للعلامات الأولمبية. رغم الجهود الحكومية، الفارق بين أسعار المنتجات الأصلية والمقلدة ملحوظ، فعرائس السعادة تباع في المتاجر المرخص لها بدولارين في حين لا يتجاوز سعرها عند الباعة المتجولين نصف دولار.
مع اقتراب موعد الدورة الأولمبية، يتزايد حب وحماسة الصينيين للتذكارات الأولمبية، ويقبلون على شرائها، سواء من المتاجر المرخصة أو من البائعين المتجولين، ولكن الحقيقة هي أن المنتجات الأصلية هي التي ستكون بضائع نادرة في المستقبل لدى هواة جمع البضائع الأولمبية.