ã

إبليز وأيبولاق

حب يتجاوز الأعراق

ما جين قوه

إبليز وزوجته وأيبولاق بعد نجاح العملية

أيبولاق تغادر المستشفى بعد الشفاء

أيبولاق تخرج من المستشفى

كان الضباب ينقشع رويدا رويدا تحت دفء الشمس ونورها صبيحة الثالث والعشرين من سبتمبر سنة سبع وتسعين وتسعمائة وألف. وكان إبليز (النطق الويغوري لاسم عيد العزيز)، قد غادر بيته في قرية إنواتي بمحافظة باتشو التابعة لبلدة سير يويا في منطقة شينجيانغ، متوجها إلى حقله. سمع الرجل المسن صوت بكاء يخرج من بين الأعشاب والحشائش على حافة الطريق، فتوقف واستدار نحو مصدر الصوت فإذا به أمام قماط أحمر في داخله رضيعة، كان من الواضح أنها حديثة الولادة. حمل الرجل الرضيعة إلى قسم الشرطة وأبلغ عن الحادثة.

في اليوم التالي، جاء شخص وأعرب عن رغبته في تبنى الطفلة وأخذها، لكنه بعد ساعات قليلة أعادها إلى إبليز، إذ اكتشف أن المسكينة ليس لها فتحة شرج ولا تستطيع التبرز، وقد انتفخ بطنها لهذا السبب. حملها إبليز إلى مستشفى المحافظة، على أمل أن يجد علاجا لها، مهما كانت التكلفة. أثبت التشخيص أن البنت مصابة بتشوه خلقي في فتحة الشرج، وأنها تحتاج إلى عملية جراحية، بيد أنه لا يمكن إجراء مثل هذه الجراحة في تلك المستشفى الريفية المتواضعة الإمكانيات، وكحل مؤقت، قام الأطباء بتركيب أنبوب داخل بطنها لصرف الفضلات. نجحت هذه العملية إلى حد ما ولكن كان لابد من تدليك بطن الطفلة لإخراج الفضلات من أمعائها.

في طريق عودته إلى البيت، من المستشفى، أخذ إبليز يفكر في أمر هذه الرضيعة التي لا تشبه في شيء أبناء الويغور الذين ينتمي لهم إبليز، وفي النهاية اهتدي إلى قرار تبني الرضيعة، وأسماها باسم ويغوري جميل هو أيبولاق، الذي يعني ضوء القمر على النبع، فالقمر عند الويغوريين رمز للصفاء والنبل.

كان على العجوز الويغوري أن يحمل الطفلة إلى المستشفى كل ثلاثة أيام لصرف الفضلات عن طريق الأنبوب، وهذا كلفه في السنة الأولى ثلاثة آلاف يوان (الدولار الأمريكي يساوي 7,2 يوان).

المشكلة الأخرى التي واجهت الويغوري الطيب القلب، هي ضعف بنية الرضيعة، إذ لم يكن وزنها يتجاوز كيلوجرامين، ومن ثم تحتاج أكلا صلبا، بيد أنه بسبب مرضها لم يكن ممكنا إطعامها غير الحليب، ولم يفلح أطباء المستشفيات على مستوى البلدية والمحافظة في التوصل إلى طريقة أخرى لتغذيتها. لجأ إبليز إلى الطب الشعبي، وبالفعل عثر على وصفة عبارة عن خلطة من مسحوق الجوز ودهن لية الغنم، تناولتها أيبولاق، فتحسنت حالتها بشكل ملحوظ.

العملية الجراحية التي تحتاجها أيبولاق، لتركيب فتحة شرج اصطناعية، تجريها مستشفى مدينة آكسو بشينجيانغ بتكلفة ثلاثة آلاف يوان. لتدبير هذا المبلغ راح إبليز وزوجته يقتصدان من قوتهما ولباسهما، برغم عسر الظروف، إذ لا يتعدى الدخل السنوي للفرد في قريتهما سبعمائة يوان. تشاور الرجل مع زوجته، واتخذا قرارا بعدم ذبح أي من الأغنام التي تربيها الأسرة في أي مناسبة، بحيث يحتفظان بالنعاج بهدف التكاثر وبيع الخراف وادخار فلوسها لعلاج الصغيرة أيبولاق. انقضى عامان، وبدأت الطفلة تنطق وتقول "بابا" و"ماما"، وأشاعت السرور والحبور في بيت العم إبليز.

نجحت عملية تركيب الشرج الاصطناعي، ولم تعد ثمة حاجة للأنبوب، بيد أن مشكلة أخرى ظهرت، وهي خروج البراز شبه سائل، وهذا، كما قال الأطباء، يستلزم جراحة أخرى. طمأن الرجل زوجتَه ووعدها بأن العملية الجراحية المطلوبة ستجرى في مستشفى أفضل بمجرد تدبير تكاليفها. لتدبير المال، ترك الرجل الذي جاوز الستين بست سنين، داره في موسم الفراغ الزراعي وذهب إلى البلدة حيث عمل في محلج للقطن، وخلال سنتين استطاع تدبير خمسة آلاف يوان. ما قام به العجوز أثر كثيرا في أهل قريته، فهبوا يتبرعون لعلاج الفتاة الصغيرة، وبالفعل جمعوا ألفا ومائتي يوان. في مستشفى مدينة كاشغار أجريت العملية الجراحية، لكن النتيجة لم تكن على ما يرام، إذا لازال التدليك مطلوبا للمساعدة في خروج الفضلات.

خلال أربع سنوات أجريت ثلاث عمليات جراحية لأيبولاق، تكلفت 11400 يوان، وهو مبلغ كبير بالنسبة للعم إبليز، الذي بدا واضحا أن صحته تتدهور. برغم ذلك، لم يفقد الرجل الأمل، فبمجرد عودتهم من مدينة كاشغار، جمع إبليز أولاده وأعلن أمامهم أنه سيسعى إلى علاج البنت الصغيرة مادام على قيد الحياة، وقال: "إن لم ينجح العلاج في كاشغار، سأذهب إلى أورومتشي، وإن لم ينجح العلاج في أورومتشي سأذهب بها إلى بكين، وإذا وافتني المنية أوصيكم بعلاجها حتى تُشفى".

برغم المعاناة والألم، كانت حياة أيبولاق في تلك الأيام تفيض بالحب والعناية والاهتمام من قبل كل أفراد الأسرة، فهم يأخذونها عندما يذهبون إلى الأسواق، حيث يفضل إبليز حملها على كتفيه. وعندما أقامت في المستشفى، كان يشتري لها ما تحبه من الحلوى والطعام بينما هو يصارع الجوع، ويشتري لها جميل الثياب برغم أنه يتقشف في لباسه. في عام 2004، حان وقت التحاق أيبولاق بالمدرسة الابتدائية، فقرر إبليز أن تدرس في أفضل مدرسة بالبلدة برغم بعدها عن بيته. في كل يوم يوصلها ويعود بها بعربة يجرها حمار، حرص على أن يصنع لها ظليلة تقي البنت أشعة الشمس. ويعامل أفراد أسرة إبليز أيبولاق كأخت لهم من دمهم، يشترون لها الهدايا في الأعياد ويدعونها دائما إلى بيوتهم.

تترعرع أيبولاق بالحب والرعاية، وصارت ذات فطنة تفهم ظروف والديها تماما، فعندما بلغ عمرها ست سنوات، بدأت تساعد والديها في إطعام المواشي وبعض الأعمال المنزلية البسيطة مثل تنظيف البيت وغسل الملابس. وعندما يمنع ظرف والدها من توصيلها إلى المدرسة، تقطع المسافة مشيا لتوفر النقود القليلة التي يعطيها لها الأب لتركب الأتوبيس. ذات مرة قالت أيبولاق لوالدها وهما في طريقهما إلى المدرسة بعربة الحمار: "عندما أكبر، سأشتري لك أجمل عربة خيل في العالم، وأحملك أنت وأمي عليها إلى أورومتشي وبكين وكل أنحاء العالم". كلمات الصغيرة أيبولاق جعلت الدمع يفيض من عيني الرجل.

 

       كلما استحكمت حلقاتها فرجت

على مدى ثماني سنوات لم يشتر إبليز أو زوجته لباسا جديدا، ولم يذبحا شاة واحدة، حتى في عيد الأضحى. وفي كل يوم لا يملان من تدليك بطن الفتاة لمساعدتها في إخراج الفضلات.

بيت إبليز هو أفقر بيوت القرية، فباستثناء السرير ومقعد، لا يوجد به شيء تقريبا. وعندما سئل إبليز عن سبب تبنيه لهذه الطفلة برغم ظروف معيشته الصعبة، قال الشيخ: "تبنيتها لأنها مخلوق مثل أي واحد منا، وطالما تبنيتها، عليَ أن أربيها حتى تبلغ سن الرشد".

انتشرت قصة أيبولاق بين أهل شينجيانغ وأثرت في قلوبهم. في الثاني عشر من فبراير عام 2006 قررت مصلحة شينجيانغ للشئون المدنية تخصيص جزء من عائد صندوق اليانصيب الخيري بشينجيانغ لعلاج أيبولاق، فنزل الخبر بردا وسلاما على أهل قرية إنواتي. استقبلت مستشفى الشعب بمدينة أورومتشي، وهي أفضل مستشفيات منطقة شينجيانغ، أيبولاق وشكلت فريقا من أطباء محليين وأطباء من مستشفى فودان، أفضل مستشفيات شانغهاي، لعلاج الطفلة. وفي الرابع والعشرين من فبراير ذات العام، أجريت لها عملية ثانية لزرع شرج اصطناعي. نجحت العملية وتخلصت الفتاة من معاناتها تماما التي رافقتها تسع سنوات، وزال قلق أبيها الذي بكى بعد نجاح الجراحة وأثنى على الأطباء قائلا: "أشكرهم، فهم لم يعالجوا ابنتي ويخلصوها من ألم الجسد فحسب، بل ضمنوا لها مستقبلا سعيدا".

 

الخير لا يعدم أهله

 انتشرت قصة إبليز وأيبولاق في أرجاء الصين وتأثر بها الجميع وأثنوا على ما فعله هذا الرجل الطيب. في يوليو 2007، قررت مصلحة شينجيانغ للشئون المدنية تخصيص مائة ألف يوان لبناء بيت جديد لأسرة إبليز وشراء مجموعة من الآلات الزراعية، منها جرار ومحراث له.

وقد عبرت فئات المجتمع المختلفة عن احترامها للرجل الطيب، كل بطريقته، فمنذ أن نشرت قصته جريدة رنمين (الشعب) اليومية، تسلم إبليز أكثر من ستمائة رسالة وبعض التبرعات من قراء الجريدة. في رسالة موقعة باسم "متطوع من مدينة شنتشن"، كتب صاحبها: "قصة تبنى إبليز لطفلة من قومية هان جعلتني أشعر بالحب والرعاية بين القوميات ومنها عرفت أن المسلمين الصينيين لهم قلوب طاهرة وروح سامية". وتبرعت شركة حقول نفط تاريم التابعة للمؤسسة الوطنية الصينية للنفط والغاز الطبيعي لأسرة أيبولاق بعشرين ألف يوان كدفعة أولى من المعونة المالية التي رصدتها لتكفل نفقات البنت في حياتها ودراستها، وتعهدت بتحمل كل التكاليف الدراسية لأحفاد أيبولاق الستة. والطبيب لي شوي شيويه بقسم الجراحة في المستشفى الثاني بأورومتشي، وهو من الفريق الذي عالج أيبولاق، تعهد بأن يقدم لها الخدمات الطبية مجانا، وأن يساعدها في مرحلة التعافي من المرض. كما تعهدت المعلمة يانغ بوه من المدرسة الابتدائية التاسعة والمعلمة لي نان من المدرسة الثانية والأربعين بأورومتشي، بتعليمها في غير أوقات الدراسة.

إبليز، الويغوري المسلم وعضو الحزب الشيوعي الصيني، اختير في يوليو عام 2007، من "الشخصيات العشر الأكثر تأثيرا في منطقة شينجيانغ" و"عضوا ممتازا للحزب على مستوى المنطقة".

غير أن الرجل لا يرى أنه فعل شيئا غير عادي، فقد قال: "لم أفعل شيئا إلا الواجب، وذلك بمساعدة الحكومة وكثير من المواطنين، فأشكر حكومة الصين والأخوة من كل القوميات". واقترح إبليز إقامة صندوق خاص لجمع التبرعات من المجتمع الصيني لمساعدة المحتاجين، وبالفعل أقامت جمعية شينجيانغ للأعمال الخيرية صندوقا باسم "صندوق إبليز الخاص"، وترحب بمساهمات ذوي القلوب الطيبة وأهل الخير من داخل الصين وخارجها، ورقم تليفون التبرع هو: 0086-0991-2862167.

وقد أشارت مو جيوان، أمينة الحزب لمصلحة الشئون المدنية بمنطقة شينجيانغ، إلى أن نسبة المعاقين في شينجيانغ أعلى من المقاطعات الصينية الأخرى بسبب قسوة الظروف الطبيعية وسوء الظروف الطبية، لذلك تناشد المصلحة ذوي القلوب الرحيمة والنوايا الطيبة مثل إبليز أن يساعدوا المحتاجين بحبهم وأموالهم كي يصير المجتمع أكثر تناغما.

 

(الصور مقدمة من وانغ جين هو)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn