ã

الأكل ثقافة وعلاقات عامة

لو رو تساي

الفتيات يفضلن الأطعمة اللذيذة

تناول الطعام معا يشيع السعادة

 

كان الصينيون قبل فترة ليست بعيدة يحيون بعضهم بعبارة "هل أكلتَ؟ قد لا تسمع هذه العبارة حاليا في المكاتب، ولكنها مازالت موجودة  في الشوارع بين الجيران. وهي بدون شك تجسد المكانة الهامة التي يحتلها الطعام في حياة الصيني.

لم تجد كاتبة صينية وصفا لافتتان الصينيين بالطعام أفضل من تشبيه نظرة الرجل الصيني إلى طبق الطعام بنظرة الرجل الغربي للمرأة الجميلة. والحقيقة أن وصف الصينيين للمرأة لا يخلو من تقاطعات مع الطعام، فهم يقولون في وصف الحسناء إنها "تؤكل". وكان أقصى ما يبغيه الرجل الصيني في المرأة، حسب المفاهيم التقليدية، أن تحسن استقبال الناس، وأن تجيد طهي الطعام.

 

ثقافة الأكل

والدة السيدة كونغ فان ينغ، التي بدأت الاستعداد  لوجبة عشية عيد الربيع مبكرا، أكدت أن طبق "وانتسي" (كرات اللحم المفروم) لا بد أن يكون حاضرا .

"وانتسي"، من الضرورات على مائدة عشية عيد الصينيين الأكبر، وبرغم أن كونغ فان ينغ اعترفت بأنها لا تحبه، فإن هذا لا يمنع أن تطهيه في العيد انصياعا لرغبة أمها. "وانتسي"، لا يخلو من دلالات رمزية، فشكله يرمز إلى "جمع الشمل والكمال" في مفهوم الصينيين، ولعل هذا هو سبب إقبال الصينيين، في وجبات جمع شمل الأسرة، على الأطعمة الكروية، مثل "سيشي وانتسي" (أربعة وانتسي كبيرة) بشمالي الصين و"تانغيوان" (كرات الرز اللزج) في جنوبي الصين.

كثير من الأطعمة والأطباق الصينية لها دلالات رمزية، فنطق "السمك" يشبه نطق كلمة "الفيض" في اللغة الصينية، ومن ثم فهو يرمز إلى رخاء العيش وزيادة المال سنة بعد أخرى. لذلك يحرص الصينيون أن يكون السمك ضمن قائمة مأكولات وجبة عشية العيد. والشعرية، التي لا يضاهي طولها طعام صيني آخر ترمز للعمر المديد، ولذلك فإنها تكون حاضرة، جنبا إلى جنب، مع التورته عند الاحتفال بعيد ميلاد الفرد، وتكون مسك الختام لحفل عيد ميلاده.

في الأيام العادية، لا يهتم الصينيون بماذا يأكلون، وإنما بأجواء مائدة الطعام وجلوس أفراد الأسرة معا للاستمتاع بالسعادة الأسرية.

قبل فترة عرض التلفزيون الصيني مسلسلا بعنوان "حماية السعادة"، يتناول قصة عجوزين لديهما خمسة من الأبناء تزوجوا جميعا واستقلوا بحياتهم. أحيانا يعد العجوزان وليمة فاخرة ولا أحد من الأبناء المشغولين يعود إلى البيت القديم ليأكل معهما، فما كان من الأب العجوز إلا أن تظاهر بالمرض وطلب من الأبناء العودة إلى بيتهم القديم وأن تتولى زوجة كل منهم إعداد وجبة العشاء بالتناوب. رغم المعارضة وسوء الفهم، فإن تناول الطعام معا جعل مشاعر أفراد الأسرة أكثر اقترابا وحميمية.

هذا المسلسل، الذي يصور المشاعر الأسرية على المائدة، يعبر عن مفهوم صيني أصيل يتلخص في عبارة "الأكل من طبق واحد"، الذي يعني التقارب العاطفي. لذلك مع أن هيئات ومنظمات أهلية وحكومية حاولت تعميم أسلوب تناول الطعام الفردي، بأن يكون لكل فرد طبق يأكل منه وحده، مازال الصينيون يفضلون تناول الطعام جماعيا من طبق واحد. نجح أسلوب التناول الفردي إلى حد ما خلال وبعد وباء الالتهاب الرئوي الحاد عام 2003، ولكن بعد زوال الخطر، عاد الصينيون مرة أخرى إلى "القدر الواحد".

تناول الطعام ليس مجرد استمتاع بنكهة ومذاق الأكل، وإنما مناسبة تمتزج فيها المشاعر الأسرية والصداقة والحب. وعندما تقع فتاة في حب شاب، تحاول أن تتعلم طهي بعض الأطعمة اللذيذة، ربما اقتناعا بمقولة أن الطريق إلى قلب الرجل يمر بمعدته. ومن الدلالات الرمزية للطعام في الصين، أنه إذا دعت امرأة رجلا لتذوق ما طهته بنفسها، فإن ذلك يعني أنها تكن له مشاعر طيبة.

المائدة الصينية لا تكون هادئة، فالآكلون يتحدثون بصوت مرتفع ومبتهج. ولكن خلف هذا الضجيج والأصوات كثير من آداب تناول الطعام.

السيدة كونغ فان ينغ تنتمي لشاندونغ؛ المقاطعة التي ولد وعاش فيها كونفوشيوس، وقد شبت على ثقافة وآداب المائدة التي تقضي بأن يحتل رب الأسرة المكان الرئيسي على المائدة، ومن بعده الأم ثم الآخرون حسب الأجيال بحيث يكون أصغرهم الأقرب إلى الباب. وكونفوشيوس أوصى، قبل أكثر من ألفين وخمسمائة سنة، بضرورة الدقة في اختيار الأطعمة وطهيها، فلابد من اختيار المواد الممتازة وتقطيعها وإعدادها بعناية. وقد نصح كونفوشيوس بعدم تناول اللحم إذا قطع بشكل غير جيد لأنه بذلك يشوه أشكال الحيوانات الأصلية؛ وعدم تناول أطباق لم توضع بانتظام على المائدة.

في الولائم الرسمية، تتبع نفس الآداب والقواعد وإن كان العاملون في المطعم هم الذين يتولون المهمة. وينبغي أن يجلس المضيف على رأس الطاولة، وقد يجلس "مساعد المضيف" مقابله لمعاونته في الاهتمام بالضيوف. قد تكون هناك فروق بين منطقة وأخرى في تلك الرسميات، ولكن حقيقة أن "الضيف يفعل ما يشاء المضيف"، تبقى ثابتة.

برغم أن تقديم وجبة عشية عيد الربيع أصبح خدمة متميزة لمعظم المطاعم في الصين، لا يزال تناول هذه الوجبة في البيت اختيار معظم الأسر الصينية اليوم.

الضيافة فن وعلم

يعمل زوج السيدة كونغ في شركة أوراق مالية أجنبية، ويحضر الحفلات الأسرية لمديره الأجنبي، مثل الكريسماس وعيد ميلاد المدير. وعندما يذهب إلى هذه الحفلات دائما يحمل معه هدية بسيطة، زجاجة نبيذ أو بطاقة تهنئة. وذلك أمر لا يروق أبدا لوالد زوجته الذي يرى أن الواجب هو أن يدعو المرؤوس رئيسه إلى تناول الطعام ليقرب المشاعر بينهما، والعكس قليل، ويعتقد أن الفرد عندما يزور رئيسه ينبغي أن تكون الهدايا قيمة، وليست هدايا عادية.

في الضيافة، يهتم  الصينيون بالأبهة وماء الوجه، ومازال كثير منهم  لا يفهم أسلوب الضيافة الغربي، الذي يقتصر على إكرام الضيف بالسلطة وشريحة لحم فحسب، فعندما استضاف بيل غيتس، رئيس مايكروسوفت، في بيته رئيس الصين هو جين تاو في إبريل 2006، كانت الوجبة مكونة من سلطة الدجاج الحبشي المدخن مع البندق والفجل والتفاح. ثم لحم فيليه بقري مع البصل والهليون وحساء الكرفس والبقدونس المُحلَى؛ سمك الهلبوت والقريدس مع الخضراوات والبطاطس والطماطم المدخنة المنقوعة في زيت الزيتون، وكان الحلو كعكة الرواند مع الزبد البني واللوز. وعندما نشرت بعض الصحف هذه القائمة، كان رأي كثير من الصينيين أن بيل غيتس، الثري جدا، كان ينبغي أن يكون أكثر كرما.

المسألة لها علاقة بالفروق الثقافية، فالصينيون يرون أن احترام الضيف يتجسد في المأدبة العامرة التي تقام له، والتي لابد أن تكون أكثر فخامة من الوجبة العادية للأسرة. ينطبق هذا على استضافة الأقارب والأصدقاء والشركاء. ولهذا السبب اقترضت والدة السيدة كونغ المال لشراء الخمر واللحوم لتضييف أقارب لهم قادمين مكان بعيد، في فترة كانت أسرتها في ظروف اقتصادية صعبة.

أصبح علم الضيافة ذا أهمية عظيمة في قطاع التجارة. فإذا أكل المعنيون بانبساط جيدا، لا يكون ثمة شيء مستحيلا. فلا عجب إذن أن تتكلف وجبة لعدد قليل من الأفراد عشرة آلاف يوان (1350 دولارا أمريكيا). على المائدة، تتجاوز المعاني "الأكل" وإشباع البطن، فالمهم هو اختيار إظهار "الذوق"، ولهذا فإن ارتفاع مستوى المأدبة يجعل الضيوف يشعرون بارتفاع مستوى اهتمامنا بالتعاون، ومن ثم يسهل الوصول إلى الاتفاق.

و"مأدبة العلاقات العامة" تعتبر جزءا هاما من أساليب التسويق والدعاية في الصين، وتشمل ميزانية الشركات بند "الضيافة"، فمازال كثيرون يؤمنون بأن إكرام الضيوف ضروري لإقامة العلاقات الطيبة مع الآخرين.

مأدبة السيد الرئيس

عندما تُرزق أسرة بمولود جديد، توزع البيض الأحمر على الأقارب والأصدقاء والزملاء، ثم تقيم مأدبة مرور شهر، ثم عام، على ولادة الطفل، وعندما يكبر تقام له مأدبة الزفاف.

وعندما يتلقى الصيني دعوة على طعام من صديق أو قريب، فإن ذلك تعبير عن الاهتمام بالمدعو، الذي ينبغي أن يلبي الدعوة حاملا معه هدية جيدة. وقد تطورت الهدايا من هذا النوع عبر العصور، فقد كانت هدية مأدبة الزفاف قبل عشرات السنين وجه لحاف أو طست غسيل، ولكنها اليوم "هونغباو" (مظروف النقود الأحمر).

السيدة كونغ بعد أن أقامت حفل زفافها في بكين، أقامت حفلا آخر في مسقط رأسها بشاندونغ لإتاحة الفرصة لأقاربها وأصدقائها ليردوا الجميل، الذي هو الهدايا، التي قدمتها أسرتها لهم في الماضي. والنظام المعمول به، كما أوضحت أم كونغ، هو: "عندما تقيم الأسر الأخرى  حفلات زفاف، نحضرها ونقدم لهم هدايا أغلى من تلك التي قدموها إلينا".

      يبلغ متوسط ما تنفقه الأسرة الصينية على الهدايا للأقارب والأصدقاء في مناسبات الزواج وإنجاب المولود وعيد الميلاد والمناسبات الأخرى أكثر من ألف يوان، وهذه العادة منتشرة في الريف أيضا، حيث يزيد إنفاق الأسرة على مائة يوان، فهي بند يحتل نسبة كبيرة في ميزانية الأسرة الريفية.

وعندما تحضر مناسبة سعيدة لأسرة رئيسك في العمل، يكون "هونغباو" أضخم، والسبب ببساطة، هو أنه إذا ثبت اسمك في ذهن رئيسك يفتح لك باب الفرص والتسهيلات. ولهذا فإن "تكلفة" حضور مأدبة بيت الرئيس أعلى من حضور مآدب الأصدقاء والأقارب.

حسب استطلاع أجراه أساتذة وطلاب كلية الإدارة الاقتصادية في جامعة خبي للاقتصاد والتجارة، في ثلاث جامعات، يدعو أكثر من 90% من الطلاب الذين شملهم الاستطلاع زملاءهم وأصدقاءهم  إلى تناول الطعام، وتتراوح تكلفة الدعوة الواحدة بين 50 و300 يوان، بل وتصل ألف يوان أحيانا. وإذا اختير طالب ككادر أو حصل على منحة دراسية فإنه يقيم مأدبة للزملاء والأصدقاء، وإلا اتُهم بإهمال علاقة الصداقة والشذوذ عن المألوف.

هذه العلاقات التي يساء استخدامها حاليا، باتت مثل فقاعات تتضخم. البعض يلتقون في مناسبة، حيث يأكلون ويشربون ويتبادلون أرقام الهاتف وعنوان MSN على المائدة، بعد انصرافهم لا يتصل أي منهم بالآخر. والأكثر، هناك من يبحث عن طريق الإنترنت عن من يشاركه الطعام في مطعم، حتى لا يشعر بالوحشة، على أن يتقاسم الجميع التكلفة. البعض قال إن هذا الأسلوب يتيح التمتع بمزيد من الطعام الطيب بتكلفة قليلة وقال آخرون إن ذلك يتيح فرصة للتعرف على مزيد من الأصدقاء، ولكن الحقيقة هي أن فتور العلاقات الإنسانية في حياتنا هو السبب، وغير ذلك مجرد حجج.

    

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn