ã

رحلة البحث عن لذيذ الطعام

تشانغ شيوي ينغ

مع تغيير نمط الحياة يعيد الصينيون اكتشاف معنى "الطعام اللذيذ"

طبق "الكركند الصغير" الحار انتشر في بكين قبل سنتين

في مطعم هوجيا في منطقة دونغهوامن ببكين، إطارات السيارات القديمة طاولات طعام

 

ما لذ وطاب في إمبراطورية الطعام

الطريق إلى معرفة الصين، يمر بالمعدة، فقد كان "الطبق الصيني" هو الكتاب الذي عرف منه أجانب كثر الثقافة الصينية. ومع الزيادة المتواصلة في أعداد الصينيين الذين يسافرون ويقيمون خارج الصين، تنتشر الأطعمة الصينية في العالم أكثر.

بيد أن المرء يدرك، بعد أن تطأ قدماه أرض الصين، أن قائمة الطعام الصينية ليست فقط تلك الأطباق القليلة التي تذوقها أو سمع عنها، وأن طرق الطهي في الصين متنوعة تنوعا لا حصر له. وعلى أي حال فإن المطابخ الصينية الثمانية، برغم ما شهدته من ابتكارات واندماجات، مازال  لكل منه سمته وخصائصه المميزة. ويلحظ زائر الصين أن "تناول الطعام" تجاوز معناه الأصلي كوسيلة لملء المعدة، فقد صارت الولائم في مناسبات الزفاف وأعياد الميلاد واللقاء وغيرها مظهرا أساسيا في العلاقات الاجتماعية.

 

تناول الطعام عند الصينيين سعادة كبيرة، ولا عجب أن يكون حجم أعمال قطاع الأطعمة والمشروبات في الصين  22ر1 تريليون يوان (الدولار الأمريكي الواحد يعادل نحو 3ر7 يوانات) عام 2007، الذي زاد خلاله حجم سوق قطاع الأطعمة ضعفين عن العام السابق له. بيد أن الأطعمة اللذيذة بالنسبة لعدد متزايد من الصينيين ليست هي الأطعمة التقليدية، فتغير أسلوب الحياة يفرض عليهم إعادة اكتشاف معنى "الأطعمة اللذيذة".

 

غرائب الطعام

تشهد المدن الصينية الكبيرة، منذ خمس سنوات، أطباقا جديدة سنويا وتلقى الأطعمة الحارة إقبالا عظيما في الفترة الأخيرة، فالفلفل الحار الذي كان مفضلا لدى أبناء المناطق الرطبة والباردة ببر الصين الرئيسي فقط ، صار من ضرورات المائدة الصينية. وظهرت أطباق "الكركند الصغير الحار" و"السمك المسلوق مع الفلفل" و"القدر الحار"، ورغم أنها ذات علاقة بمطبخ سيتشوان، فإن الآكلين الذين يعنيهم مذاق الطعام ونكهته، يعتقدون أنها تجمع موادا وتوابل وأساليب طهي من دول ومناطق عديدة، إذ يسود الصين حاليا تيار جديد في تناول الطعام لا يهتم بانتماء ولا أسلوب الطهي.

والأطباق الحديثة السائدة حاليا في الصين قد تكون ذات نكهة أجنبية، أو تتميز بالأذواق الأصيلة لمناطق نائية أو غير معروفة في الصين، وقد تنتمي إلى أسرة صينية معينة أومجهولة الهوية. وهي تنافس المطابخ الثمانية التقليدية في السوق وتحظى بإقبال وبخاصة بين الشبان.

إلى جانب الاهتمام بابتكار أسماء لافتة للأكلات الجديدة، هناك اهتمام متزايد ببيئة المطاعم.

أمام مطعم "الكومونة الشعبية" بمدينة قوانغتشو، تستقبل فتاة جميلة مرتدية اللباس العسكري الصيني القديم (كان الشباب الصينيون يفضلون هذا الزي في ستينات القرن العشرين) الضيوف مرددة بصوت عال: "مرحبا أيها الرفاق"، مستخدمة التعبير الذي نادرا ما يستخدمه الصينيون حاليا. وعلى جدار المطعم صور لماركس وإنجلز وماو تسي تونغ ولينين وستالين، بينما تعلق إعلانات لستينات القرن الماضي على أعمدة المطعم والجدران الجانبية. وعلى عوارض السقف كتبت عبارات: "الاعتماد على الذات، الكفاح المرير" و"تحقيق السعادة بأيدينا"، في محاكاة  للكومونة الشعبية التي انتشرت في الريف الصيني من خمسينات إلى سبعينات القرن الماضي، وهي أجواء تعيد زبائن المطعم إلى عصر ماو تسي تونغ.

مدير هذا المطعم، وو هاو، أوضح أن العمل في قطاع المطاعم يحتاج أساليب جاذبة، مشيرا إلى أن الهدف من اختيار هذا الاسم هو جعل كبار السن يشعرون بالعودة إلى أيامهم الماضية، وليشعر الشباب بأنهم دخلوا عالما غريبا.

نفس الحال في مدينة شيامن بمقاطعة فوجيان، حيث فتح وانغ تسونغ تشاو الذي يحترم رجال السيف كثيرا مطعم "فنغ بوه تشوانغ"، يشبه من الخارج المطعم الصيني في العصور القديمة، ويرتدي العاملون فيه لباس ممارسي فنون القتال، بينما تعزف موسيقى بعض أفلام حول فنون القتال في جنبات المطعم، وتحمل قاعات المطعم أسماء مدارس الووشو مثل "وودانغ" و"هواشان" و"شاولين" الخ، الأمر الذي يجعل المطعم مفعما بأجواء عالم الصعاليك وممارسي فنون القتال. قد علق على ذلك أحد زبائن المطعم بالقول: عندما نجلس هنا كأننا في أستوديو يجري فيه تصوير فيلم حول فنون القتال. رغم أن المطعم يقدم مأكولات ذات نكهة عادية جدا، فإنه مكتظ بالزبائن دائما.

مع عودة ثقافة العاصمة الإمبراطورية إلى بكين، تكثر المطاعم ذات الملامح القديمة. في زقاق بقلب المدينة مطعم صغير لا توجد له لافتة. يبدو من الخارج بيتا أنيقا مبنيا بالطوب الرصاصي، مثل دور أفراد الطبقة الوسطى في نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين. في داخل هذه الدار فناء مسقوفا بمادة شفافة، إطارات النوافذ والأبواب مطلية باللون الأرجواني الذي كان مفضلا عند الأثرياء قديما، تعلق بعض الفوانيس الحمراء التقليدية على الأشجار. المطعم مقسم إلى ثلاث قاعات، اللونان الرئيسيان فيها هما الأصفر والأحمر، وتعزف فيها موسيقى أوبرا كونتشيوي التقليدية. الذين يقصدون هذا المطعم لا يريدون تذوق الطعام فقط، بل الاستمتاع بهذا التراث الثقافي العريق.

   

الأطعمة التقليدية

لولا اختلاف الآراء لبارت السلع؛ فذواقة الأطعمة التقليدية لا ترضيهم المأكولات الحديثة، ويتهمونها بمخالفة النظام والتعقيد المبالغ في عملية الطهي. وكما أوضح كبير الطهاة في مطعم "يهشانغهاي" (ليل شانغهاي)، "تناول الطعام" لم يكن هو الغرض الرئيسي للصينيين، إذ أنهم كانوا يهتمون بثقافة الطعام، و"الطعام الأصيل" هو أحد معايير النوعية.

ولكن هيهات أن تجد طعاما أصيلا في زمن العولمة، فالتوطين حل محل الأصالة. فمن أجل جذب مزيد من الزبائن، تحاول المطاعم أن تتكيف مع أذواق أبناء المكان، وبمعنى آخر، تتوطن. وحاليا هناك من يقسم الطعام، إلى صنفين رئيسيين؛ التقليدي والحديث.

في شأن الاستمتاع بالأطعمة التقليدية اللذيذة، البكينيون في وضع أفضل من غيرهم، فمنذ خمسينات القرن الماضي، بدأت مختلف المقاطعات والمدن، بل وبعض المحافظات تفتح مكاتب لها في بكين، حتى توفر لأهلها الذين يأتون إلى عاصمة البلاد دفء الموطن؛ من لهجة الكلام إلى طبق الطعام. ويكون الطهاة في المطاعم الملحقة بتلك المكاتب في الغالب أفضل الطهاة في مناطقهم، التي تأتي منها أيضا المواد الرئيسية المستخدمة في الطبخ. وهكذا يصبح أفضل مكان لمعرفة ثقافة تلك المناطق هو مطاعم مكاتبها في بكين، وأشهرها مطعم مكتب مقاطعة سيتشوان الذي يتميز بالسعر الرخيص ووفرة الطعام وتقديم كافة أطعمة سيتشيوان المشهورة.

 

الوليمة الفاخرة في أزمة

تغيرت عادات الطعام عند الصينيين؛ فمع سرعة إيقاع الحياة، يزداد معدل تناول الوجبات خارج البيت، وبخاصة بين الشباب، ويزداد الإقبال على الأطعمة الجاهزة والسريعة التحضير.

تشن قانغ، وهو موظف عمره 33 سنة، قال: "صار تناول الطعام شيئا شكليا على نحو متزايد بالنسبة لي، فأنا دائما أتحدث مع الآخرين أثناء تناول الطعام ولا اهتم أو اهتم قليلا بما أتناوله". وحسب استطلاع  للرأي حول عادات الطهي وتناول الطعام للمرأة العاملة أجراه قسم الغذاء بجامعة شانغهاي للمواصلات، يقل الطهي في البيت تدريجيا ففي بكين وشانغهاي وقوانغتشو تطبخ 48% من النساء العاملات في بيوتهن. والمرأة العاملة في بكين  تطهي في بيتها أكثر من نظيرتها في شانغهاي وقوانغتشو. وتوضح تساي مي تشين، التي قادت هذا الاستطلاع: "كثير من النساء يردن الهروب من عملية الطبخ المعقدة والمتعبة في البيت."

لهذا تتآكل، في الصين، وظيفة طهي الطعام كرباط يجمع أفراد الأسرة ويحقق تواصل المشاعر بين أفراده، ويقل وقت تناول أفراد الأسرة الطعام معا، وهذا جانب من أزمة الطعام، والأخطر أن ثقة الصينيين بسلامة الأطعمة حاليا مزعزعة.

علماء وأخصائيو التغذية هم أول من أطلق النار على الأطعمة، في ظاهرة أثارت استغراب وو يان، رئيسة قسم الحسابات في شركة، إذ قالت: "فجأة ظهر هذا الفيض لعلماء ومتخصصي التغذية، ليقولوا لنا أن تناول الطعام ليس بهذه البساطة. في السابق، قالوا إن البيض مفيد، واليوم يقولون إن صفار البيض يضر الصحة ويرفع نسبة الكولسترول؛ قالوا سابقا إن البقول مفيدة، واليوم ينصحون بالقول التي لم تعالج بعد؛ بل ونصح بعضهم بتناول الموز بقشره، وبعد أيام، أكد بحث آخر أن هذا الرأي غير علمي. حقا لا أعرف ما ينبغي تصديقه".

من ناحية أخرى، يثير تلوث البيئة واستخدام المبيدات والالتهاب الرئوي الحاد  وجنون البقر وأنفلونزا الطيور هلع الناس.

لكن، وبرغم كل شيء، الاهتمام بالصحة والجمال يزداد، فالصينيين الذين يرتفع مستوى معيشتهم باتوا يهتمون بأطعمتهم أكثر.

لقد ذهب، بدون رجعة، العصر الذي كان فيه الصينيون يضعون الطعام في قائمة الكماليات أيام خمسينات وستينات القرن الماضي. الصينيون حاليا يتناقشون حول صنع الأطعمة اللذيذة، وتكثر برامج التلفزة والكتب والأبواب في الصحف ومواقع الإنترنت المعنية بالطعام.

قالت وو يان: "لا أزال أتذكر وجبة عيد الربيع الفاخرة مع والدي في طفولتي. في ذلك الوقت كانت وجبة عيد الربيع هي وجبة الصينيين الفاخرة على مدار العام، وهي فاخرة لأنها تشتمل على اللحم والخضراوات،وليس الملفوف الصيني والفجل اللذين كنا نأكلهما يوميا، أما السمك والجمبري والأطعمة البحرية الموجودة على الموائد اليوم، فلم نكن نقدر على شرائها".

وقال تشن قانغ: "أحيانا أدخل المطبخ لطهي وجبة كمواساة نفسي؛ أو أخرج مع معارفي لاختيار مطعم مميز لتناول وجبة فيه، في مثل هذا الوقت أنا مرتاح جدا."

وقد واحد من عشاق الطعام:" الطعام اللذيذ يرتبط بالثقافة، وبالتاريخ أيضا."

 

الجغرافيا تحدد أذواق الصينيين

في الصين عبارة واحدة تلخص أذواق الصينيين في الطعام: "الحلو في الجنوب، المالح في الشمال، الحار في الشرق، والحامض في الغرب". تتركز الأطعمة الجنوبية ذات النكهة الحلوة في أطباق مطبخ سو، أحد المطابخ الثمانية المشهورة بالصين. السكر لا غنى عنه في أطباق سو. أبناء سوتشو وووشي وشانغهاي مشهورون بحب الطعام الحلو. والأطعمة المالحة كثيرة في مقاطعة شاندونغ، وتسمى دائما بأطباق "لو"، وهو الاسم المختصر لشاندونغ، مطبخ لو أحد المطابخ الثمانية المشهورة بالصين. أبناء مقاطعات هونان وهوبي وقويتشو وسيتشوان وأبناء القومية الكورية بشمال شرقي الصين يحبون الطعام الحار، فينتشر في الصين قول: أبناء قويتشو لا يخشون الطعم الحار، والطعام الحار لا يخشاه أبناء هونان، وأبناء سيتشوان يخشون أن لا يكون الطعام حارا. وربما لهذا السبب يسمي الصينيون فتيات سيتشوان "الفتاة الحارة" (لا مي تسي). يفضل أبناء شانشي الخل كثيرا، ولهذا فإنهم يتصدرون عشاق "الطعم الحامض في الغرب" فهم يجرعون ثلاث جرعات من الخل لفتح الشهية، قبل كل وجبة. أبناء شانشي وخنان وشنشي يحبون الأطعمة الحامضة.

 

المطابخ الثمانية

يقصد بالمطبخ فنون الطهي التي تشكلت عبر تاريخ طويل في الصين، متأثرة بالظروف المناخية والجغرافية والتاريخية وبالمنتجات المحلية، وتعترف بها مناطق الصين الأخرى. ولكل مطبخ منها أساليب طبخ متنوعة، وأكثرها تأثيرا وشيوعا ثمانية مطابخ هي: لو (شاندونغ)، تشوان (سيتشوان)، يويه (قوانغدونغ)، مين (فوجيان)، سو (جيانغسو)، تشه (تشجيانغ)، شيانغ (هونان)، هوي (آنهوي).

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn