ã

دور الحضارتين العربية والصينية في مواجهة تحديات العولمة

د. محمد نعمان جلال

د. محمد نعمان جلال
مستشار الدراسات الإستراتيجية والدولية وحوار الحضارات
 بمركز البحرين
للدراسات والبحوث   

 تقوم العولمة، في أبسط معانيها، على نشر عدد من المبادئ الأساسية في ميادين السياسة والاقتصاد والثقافة وتسعى إلى إيجاد نمط واحد مشترك بين الشعوب والدول. والعولمة بهذا المعنى تواجه أربعة أنواع من التحديات:

الأول: تحدي الدول الغربية ذات الحضارة العريقة نسبياً أو ما يطلق عليها أوروبا القديمة، التي مع مشاركتها الولايات المتحدة في عدة أهداف وسياسات وانتمائها إلى ما يسمى بالحضارة المسيحية اليهودية والفكر الرأسمالي والتجربة الديمقراطية على النهج الغربي، تشعر بأن تراثها وحضارتها منذ عصر النهضة ليس من السهل التفريط فيه أو التخلي عنه تحت تأثير الحضارة الأمريكية الحديثة. 

الثاني: تحدي الدول النامية في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وإلى حد ما آسيا، فهذه الدول لها طموحاتها القومية والوطنية ولها أيضاً مشاكلها وممارساتها السياسية التي ليس من السهل على الولايات المتحدة فرض إرادتها عليها.

الثالث: تحدي حضارة الصين الجديدة، وهو في المرحلة الأولى تحد إيديولوجي استراتيجي، وفي المرحلة الثانية تحد استراتيجي اقتصادي. في المرحلة الأولى تأييد حركات التحرر الأفروآسيوية، وفي الثانية المنافسة على الموارد وخاصة الطاقة وعلى الأسواق وعلى رؤوس الأموال.

الرابع: تحدى الحضارة العربية والإسلامية.

 

العولمة وأثرها على الحضارة العربية الإسلامية

يرتبط تحدي العولمة بالنسبة للحضارة العربية الإسلامية بثلاثة مظاهر:

 الأول: الرفض الشعبي وإلى حد ما الرسمي لقبول دولة إسرائيل في المنطقة، والتي هي بالنسبة للولايات المتحدة هدف رئيسي وهام وذو أولوية في سياستها الخارجية.

الثاني: تحدي الهيمنة الثقافية الأمريكية نتيجة التراث الثقافي الإسلامي الذي يرفض الخضوع للهيمنة الثقافية الغربية. 

الثالث: تحدي الإمكانات المحتملة من استغلال الموارد الطبيعية في المنطقة وفي مقدمتها النفط والغاز الطبيعي وما ينتج عنهما من رؤوس أموال من شأنها إحداث نقلة نوعية في المنطقة يمكن أن يكون لها مردود في قوة سياسية إذا توافرت النوايا الحسنة والإدارة السليمة والإرادة الصادقة.

والتحليل العلمي الموضوعي للموقف الأمريكي خاصة والغربي بوجه عام بالنسبة للعرب والمسلمين يظهر أنه يدور حول خمسة مفاهيم هي:

الأول: رفض الإسلام كعقيدة وكحضارة. 

الثاني: رفض وجود العرب ككيان سياسي قومي، ولهذا طرحت فكرة الشرق الأوسط الكبير لتمييع الهوية العربية، كما تسرب مصطلح المنطقة العربية (ككيان جغرافي) بدلاً من مصطلح الأمة العربية ككيان ثقافي سياسي حضاري.

الثالث: رفض بناء قوة اقتصادية أو عسكرية مشتركة. ويعتمد هذا الرفض على إثارة الشكوك بين الدول العربية بعضها البعض، وعلى مخاطر بناء صناعة عسكرية أو تطور تكنولوجي نووي، ورفض بيع سلاح متقدم أو نقل تكنولوجيا متقدمة للدول العربية.

الرابع: السعي لتفكيك الدول العربية القائمة إلى دويلات ولعل المخططات في العراق والسودان أكثر النماذج وضوحاً.

الخامس: السعي لإضعاف الثقافة العربية من خلال ثلاثة مظاهر أولها: الدعوة لتغيير مناهج اللغة العربية والدين الإسلامي والتاريخ؛ ثانيها: إدخال العلوم الحديثة وهو مظهر جيد ولكن التركيز فيه على صياغة العقل العربي بين الشباب بما يضعف هويتهم؛ وثالثها: السعي للتشكيك في التراث والثقافة العربية والإسلامية بصفتها ثقافة متخلفة ورجعية، وضد المرأة، وضد حقوق الإنسان، وضد الديمقراطية، وتنتمي للعصور الوسطى، وتقوم على كراهية الآخر وعدم قبوله.

 

 الصين والعولمة

نفس المنهج الذي يتبع مع الدول العربية يتبع مع الصين التي تُكّون بذاتها عملاقاً ضخماً أكثر خطورة على أمريكا والغرب من الدول العربية وذلك لعدة اعتبارات:

الأول: أنها كيان سياسي موحد في دولة مركزية وليس من السهل تفكيكه. ومن ثم فإن الأسلوب المتبع مع الصين هو حفز مناطق الأطراف في الدولة لإثارة المشاكل.

الثاني: أن الصين بعقيدتها السياسية الشيوعية، وعقليتها البرجماتية، ونخبها السياسية تعمل على تطوير ذاتها بمنطق براجماتي يقوم على التعايش وليس التصادم، يحافظ على المبدأ، ولكنه يستخدم الزمن لصالحه للحفاظ على كيانه التاريخي الموحد، وأخيراً يستخدم المرونة الفكرية والسياسية في التقدم بأفكار تستوعب القوى التي يمكن أن تكون معارضة.

الثالث: أن الصين في عهد الإصلاح والانفتاح اتجهت لاستيعاب العولمة الاقتصادية بصورة شبه تامة وعملت بصبر للانضمام لمنظمة التجارة العالمية وقبول معظم شروطها، وطورت الصين صناعاتها الوطنية فزاد إنتاجها وأصبحت القوة الثالثة عالمياً في مجال الاقتصاد. 

هذه المظاهر الثلاثة للقوة الحديثة التي أنتجتها الصين (العسكرية، التكنولوجية والاقتصادية) جعلتها في مصاف القوى العالمية الرئيسية مما جعلها لاعباً رئيساً، وأضعف من قدرات الغرب في التشكيك في سياساتها أو الافتئات على حقوقها. 

ولكن السؤال الذي نطرحه هل الصين في مأمن من سلبيات العولمة ومن السياسات الغربية التي تسعى لإضعافها وتفكيكها؟

لا شك أن التحليل العلمي والشواهد الظاهرة تؤكد أنها ليست في مأمن تام. وأن العرب والصينيين في بوتقة واحدة فيما يتعلق بالآثار السلبية للعولمة، وإن كان العرب في أدنى قاع البوتقة، والصين في السطح الأعلى من البوتقة، ولكن إذا ثقبنا البوتقة فسوف يغرق الجميع، وتتحطم البوتقة وينهار البنيان في كلا المنطقتين العربية والصينية.

 

 قواسم مشتركة وتصورات مستقبلية

برغم بعض الاختلافات بين واقع العالم المعاصر وبين طموحاتنا، وبين الحضارتين العربية والصينية، نقول إن ثمة قواسم مشتركة مرتبطة بتحدي العولمة، ومن ثم فإن ذلك يحتاج لمواقف مشتركة سواء ما كان قائماً أو ما ينبغي أن نعمل من أجله. فالعولمة تقوم على الهيمنة ومن مصلحة العرب والصين مقاومة سياسة الهيمنة والقطبية الأحادية والدعوة لتعدد الأقطاب، فهذا سوف يتيح هامشا أكبر للحركة لدى العرب بوجه خاص. والدعوة للديمقراطية على المستوى الوطني لابد أن تتكامل مع الدعوة للديمقراطية على المستوى العالمي، أي ديمقراطية النظام الدولي وفي مقدمته الأمم المتحدة وضرورة تمثيل القوى غير الممثلة في مجلس الأمن، ومن بينها الحضارة العربية والإسلامية. إن العولمة تعني التطور الاقتصادي والاستفادة من مزايا السوق الكبيرة في الصناعة ومن التكنولوجيا الحديثة، ومن مصلحة العرب والصين العمل على تعزيز حرية التجارة ومعارضة السياسات الحمائية وسياسات الكتل الاقتصادية المغلقة لأنها ستؤدي إلى حروب اقتصادية طاحنة. والعولمة السياسية والثقافية ينبغي أن تدعو إلى احترام الاختيار الحر للشعوب لحكوماتها ونظمها السياسية دون تدخل أجنبي وهذا مهم للدول العربية والصين، وأن تدعو إلى حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وهذه ربما نقطة ضعف لدى العرب والصين، ولابد من العمل من أجل تعزيزها.  ولكن من ناحية أخرى ينبغي معارضة تسييس حقوق الإنسان واستخدامها للضغط على الشعوب والتدخل في شؤونها الداخلية.  كما ينبغي العمل على معارضة الكيل بمكيالين في قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية. والعولمة في المجال الاقتصادي تسعى للحرية الاقتصادية ولكن ينبغي ألا تكون فقط حرية السيطرة على مقدرات وثروات الشعوب النامية، ولكن من الضروري في نفس الوقت السماح بحرية الحصول على المعرفة العلمية والتكنولوجيا.  هذه المعرفة تمثل تراثاً مشتركاً للإنسانية لأنها حصيلة تراث معارف الشعوب والحضارات القديمة عبر الزمن.  فالحضارة الأوروبية استفادت من الحضارة الإسلامية والتي استفادت بدورها من حضارات اليونان والفرس، وهكذا.

إن مواجهة العولمة بأسلوب منطقي وفعال تكون بتبني مزيد من العولمة. والإدارة الجادة للعولمة تعني عدم تجاهلها وعدم معارضتها وإنما نقدها وتطوير النظم في الصين والدول العربية سياسياً واقتصادياً وثقافياً بما يعكس حقائق العالم المعاصر. 

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn