لا ريب أن نمو الاقتصاد الصيني بمعدلات عالية يتيح للمستهلك الصيني خيارات أكثر عند شراء المنتجات المحلية. ومع ارتفاع تكلفة المعيشة في الحضر الصيني، بات الصينيون أكثر نضجا وعقلانية في استهلاكهم، أضحوا يستكشفون سبلا جديدة للحصول على الكثير ودفع القليل. في هذا الإطار، بزغت ظاهرة الشراء الجماعي، التي تستند إلى مبدأ تجاري معروف، وهو أن سعر الجملة يقل عن سعر البيع بالتجزئة. وقد أنشأ الدعاة لهذا التوجه الجديد في الشراء مواقع خاصة على شبكة الإنترنت لكل حي سكني، فيزيد عدد أعضاء فرق الشراء الجماعي يوما بعد يوم.

 

لماذا تدفع أكثر إذا كان ممكنا أن تدفع أقل؟

تسلم شياو يانغ مفتاح بيته الجديد قبل فترة وشرع يؤسسه ويجهزه. أراد تركيب عدة أجهزة تكيف هواء في بيته، ولكنه فوجئ بأن أسعار المكيفات مازالت على ما كانت عليه في الصيف القائظ، وأن التخفيضات التي تقدمها بعض المتاجر ليست كما توقع.

اكتشف شياو يانغ أن المشكلة التي يواجهها هي نفس مشكلة ملاك الوحدات السكنية الأخرى في حيه الجديد. دعا شياو يانغ جيرانه إلى اجتماع واقترح عليهم تشكيل فريق شراء ينوب عنهم في مساومة متجر داتشونغ للأجهزة الكهربائية المنزلية، لعلهم يحصلون على نسبة تخفيض ترضيهم كونهم يشترون بالجملة، وليس بالقطاعي. لكن المتجر المتخصص في البيع بالتجزئة رفض العرض، فما كان من شياو يانغ وجيرانه إلا أن توجهوا إلى وكيل لأجهزة تكييف بماركة (Gree)، واستطاعوا أن يحصلوا على خصم 15% بشرط أن لا يقل عدد الأجهزة عن 30 مكيفا، وهو شرط هين بالنسبة لألف أسرة تقطن الحي المعني.

شياو يانغ، الذي عبر عن رضاه التام عن سعر المكيفات، اشترى تقريبا كافة الأجهزة الكهربائية وأثاث بيته الجديد بهذه الطريقة. وهو، كونه عضو فريق الشراء للحي، يقوم بمهمة المساومة منفردا أحيانا، وضمن الفريق أحيانا أخرى. ويفخر شياو يانغ بأنه من خلال الشراء الجماعي استطاع أن يحصل على خصم 50% على البورسلين في بيته و30% على بعض قطع الأثاث.

الشراء الجماعي أسلوب جديد يقوم على جمع المال وتجميع الأفكار، وهو تطبيق عملي للمثل الصيني القديم، "الكثرة تغلب الذكاء". يقول شياو يانغ: "لا أحد في العالم يمكن أن يستوعب كل شيء، وبالمثل لا يوجد مستهلك يعرف كل ما يشتريه جيدا، ولا مفر أن تفوته بعض الأشياء التي ينبغي أن ينتبه لها عند الشراء. في الشراء الجماعي تكون أخطاء فريق الشراء أقل". عندما تسلم بيته الجديد، لم يكن شياو يانغ يعلم شيئا عن الديكورات والأثاث، بعد التعرف على جيرانه الجدد عن طريق الإنترنت ومشاركتهم في فريق الشراء والنجاح في عدة صفقات، أصبح شياو يانغ خبيرا في التسوق. استفاد الجميع من مزايا الشراء الجماعي، ليس فقط في مجال الأسعار، وإنما في صياغة وكيفية تنفيذ العقود التي أبرموها مع شركة أعمال الديكور، فتجنبوا المنازعات الكثيرة حول جودة الديكور بعد انتهاء العمل. خبرة شياو يانغ في الشراء الجماعي في مجال الديكورات والأثاث جعلته يستطيع أن ينظم فريق شراء جماعي مع جيرانه في مجالات أخرى.

كان من نتائج حمى شراء العقارات في الصين التي بدأت قبل عدة سنوات، أن أسلوب الشراء الجماعي ظهر في قطاع مواد الديكور أولا، فهو أكبر قطاع للشراء الجماعي، ثم امتد إلى مجالات مختلفة مثل الأثاث والأجهزة الكهربائية ومستحضرات التجميل والملابس والسيارات بل والعقارات.

ليو هواي جيون، وهو موظف بشركة مملوكة للدولة، قال: "بالنسبة لشخص مثلي مشغول في عمله، ولا يجد وقتا للتجول في الأسواق، الشراء الجماعي أسلوب ممتاز، ليس فقط لأنه يوفر النقود، بل الوقت أيضا". في أبريل عام 2007، شارك ليو في عملية التفاوض على سعر مواد الديكور التي نظمها موقع house.focus.cn، حيث تفاوض أعضاء فريق الشراء مع الموردين وجها لوجه، وبذلك تجنبوا مشاكل ومتاعب الوسطاء، واشترى ليو كل مواد الديكور لبيته في دفعة واحدة. قال ليو: "ليس لدي وقت للتجول في سوق بعد سوق لمقارنة الأسعار، أشكر موقع الإنترنت الخاص على هذا العمل الذي وفر لنا تسهيلات كثيرة، حيث جاء كثير من موردي مواد الديكور من ماركات مختلفة وقدموا لنا أسعارا معقولة". بعد هذه العملية، غير ليو نظرته للشراء الجماعي كأسلوب للشباب فقط، وأصبح متحمسا لنشر هذا الأسلوب بين أصدقائه.

 

ربح قليل ولكن المبيعات هائلة

المستهلك ليس المستفيد الوحيد من أسلوب الشراء الجماعي، وإنما الشركات أيضا. وقد أعلنت شركة فنغمي لإنتاج أثاث المطبخ عن دعمها لهذا الأسلوب. وجهة نظر مسئولو شركة فنغمي التي يقع مقرها الرئيسي في شانغهاى، هي أن الشركة لا تستطيع تحمل التكاليف الباهظة لافتتاح منافذ بيع لها في العاصمة بكين، ومن ثم فإنها تحتاج إلى طريقة تسويق مبتكرة تمكنها من منافسة شركات بكين. انطلاقا من هذه الرؤية، وقعت الشركة اتفاق تعاون مع موقع wzcbd.com للتجارة الإلكترونية على الإنترنت المتخصص في الشراء الجماعي. يتميز هذا الموقع بأنه يقدم للمستهلكين معلومات عن نشاطات الشراء الجماعي الجديدة وملاحظات خبراء الموقع حول البضائع. حسب الاتفاق، تدفع فنغمي ألفي يوان (الدولار الأمريكي يساوي 7,3 يوان) فقط سنويا للموقع لينشر إعلانات لها من حين إلى آخر لدعوة فرق الشراء الجماعي لزيارة الشركة. بالنسبة للمستهلك، عليه فقط أن يسجل اسمه في الموقع حتى يحصل على رقم خاص به للاشتراك في فريق الشراء.

السيد تشانغ، مدير مكتب شركة فنغمي ببكين قال: "ليس لدينا في بكين سوى منفذين للبيع، لأن معظم صفقاتنا تتم من خلال الشراء الجماعي على شبكة الإنترنت." عندما تفوز الشركة بطلب توريد من فريق شراء جماعي لأحد الأحياء السكنية الجديدة، يكون الطلب على الأقل عشرات المجموعات من أثاث المطبخ، أحيانا يتجاوز مائة مجموعة. قال تشانغ: "برغم أننا نبيع لفريق الشراء الجماعي بأسعار تقل 40% عن أسعار البيع بالمفرق، نحقق ربحا، بسبب ضخامة حجم المبيعات وتوفير الشركة لتكلفة الوسطاء وإيجار منافذ البيع والتسويق وتكلفة النقل بين أماكن مختلفة، كون معظم أعضاء فريق الشراء يأتون من نفس الحي السكني."

في ظل المنافسة الشديدة، ومن أجل الحفاظ على الحصة في السوق، تسعى مختلف الشركات إلى جذب زبائن أكثر. توظف شركة فنغمي متخصصين في التسويق على شبكة الإنترنت، يوجهون عبر منتديات المواقع الإلكترونية للعقارات والأحياء السكنية دعوات إلى سكان الأحياء لإقامة فرق شراء. وهناك شركات أخرى، كبيرة وصغيرة، لأثاث المطبخ، تسعى عبر الإنترنت لجذب فرق الشراء الجماعي.

جيانغ شيويه، متخصصة في التسويق عبر الإنترنت لشركة داخه للديكور، مهمتها هي عمل قائمة بأسماء الأحياء السكنية الجديدة في المدينة والبحث عن الزبائن المحتملين بها عبر منتديات الأحياء على شبكة الإنترنت. عن عملها قالت: "غالبا، نقدم خصما 20% عندما يتجاوز عدد أعضاء فريق الشراء 10 أفراد، لكن في بعض الأحيان نقدم خصما أكثر من 20% لكي نتفوق على الشركات الأخرى، فقد بات المستهلكون اليوم أكثر نضجا وعقلانية، إذ يقارنون أسعار ونوعية البضائع بدقة قبل أن ينظموا الشراء الجماعي". بالإضافة إلى إدارة نشاطات الشراء الجماعي والتفاوض حول الأسعار مع زبائنها في شبكة الإنترنت، تتعرف السيدة جيانغ شيويه على أصدقاء جدد عبر الإنترنت على أمل أن يصبحوا زبائن عندها يوما ما.

 

الإنترنت حافز للشراء الجماعي

موقع wzcbd.com، الذي تأسس سنة 2003، متخصص في الشراء الجماعي، ويعتبر أكبر موقع من نوعه في الصين. تطور الموقع بسرعة حيث ارتفعت القيمة السنوية لمبيعاته من 6.67 ملايين دولار أمريكي سنة 2004 إلى 30 مليون دولار أمريكي سنة 2006، في نفس الوقت ازداد عدد البائعين الأفراد والمتاجر المسجلة في الموقع إلى ألف بائع ومتجر وزاد عدد المستهلكين أيضا. السيدة شيوي يون يون، شاركت في فريق شراء في مارس العام الماضي لأول مرة وسافرت مع 500 عضو تعرفت عليهم عبر wzcbd.com إلى متجر شيانغخه للأثاث في مقاطعة خبي، واشترت الأريكة التي كانت تريدها بخصم 30% من سعر البيع بالتجزئة. بعد ذلك بشهرين، انضمت شيوي إلى فريق شراء جماعي آخر.

وفود الشراء التي ينظمها موقع wzcbd.com تضم مئات المستهلكين، وأحيانا يزيد عدد أعضاء الوفد عن ألف فرد. تشاو يونغ جيون، المدير التنفيذي لشركة موقع wzcbd.com، معروف لدى مستخدمي الإنترنت باسمه الذي يوقعه كزائر عادي للموقع، قال "إن حماسة مستخدمي موقعنا تدل على الاحتياجات الهائلة الكامنة في قطاع الشراء الجماعي لأثاث المنازل"، ونحن لا نكسب من مستخدمي موقعنا يوانا واحدا، بالعكس، نقدم لهم تسهيلات في الشراء مثل توفير أوتوبيسات خاصة تنقلهم إلى المتاجر المختلفة وتقديم الوجبات مجانا لهم ومساعدتهم في التفاوض على السعر مع التجار، وذلك من أجل تطوير قطاع الشراء الجماعي في الصين ليكون أكبر حجما وأكثر تخصصا".

 تضع معظم مواقع الإنترنت المتخصصة في الشراء الجماعي إعلانات فرق الشراء الجماعي في صفحتها الرئيسية، ويمكن لمستخدم الموقع أن يسجل اسمه من خلال الاتصال بالهاتف أو على الإنترنت. ثم يقوم الموقع بجمع البائع والمشترين معا كي يتفاوضوا حول السعر، مقابل الحصول على نسبة من المبيعات التي يحققها البائع، إضافة إلى ما تحصل عليه مقابل الخدمة والإعلانات ورسوم العضوية الدائمة للتجار.

يعتقد تشاو يونغ جيون أن أسلوب الشراء الجماعي يحقق فائدة لكل من البائع والمشتري، فالبائع يظفر بصفقات كبيرة دون أن يتحمل نفقات تسويق وإيجار وأيدي عاملة، بينما يدفع المشتري سعرا أقل في السلعة التي يريدها. وعلى هذا يرى أن أسلوب الشراء الجماعي هو تيار العصر، إذ يتزايد عدد الباعة والمنتجين الذين يشاركون في هذا الأسلوب، حيث تبيع الشركات المسجلة لدى WZCBD.com 30% من إجمالي مبيعاتها في الصين عبر هذا الموقع. وربما لهذا السبب بدأ اثنان من أكبر متاجر الأثاث المنزلي هما بي آند كيو B & Q وهوم ديبوت Home Depot تقديم بطاقات خصم لسكان الأحياء السكنية الجديدة.

أعضاء فرق الشراء الجماعي ليسوا من الشباب فقط، وإنما من بينهم متوسطو العمر ومسنون. حسب إحصاء موقع WZCBD.com، يمثل متوسطو العمر والمسنون (بين 40 و65 سنة) 30% من مستخدمي هذا الموقع الذين يشاركون في فرق الشراء. وتحتل مواد البناء بأنواعها المختلفة 60% من إجمالي السلع التي تباع بهذا الأسلوب، وتتراوح نسبة الخصم بين 10% - 50%. قالت لين لي، المتحمسة لأسلوب الشراء الجماعي: " إن شبكة الإنترنت ومواقع الشراء الجماعي الخاصة مكنت المستهلكين الأفراد من التجمع معا وتنظيم فرق للتفاوض على السعر مع المتاجر الكبيرة".