ã

ذكريات متطوع مسلم في الأولمبياد الخاص

ما يونغ

مع تيموثي شريفير، رئيس اللجنة الدولية للألعاب الأولمبية الخاصة

مع بعثة أفغانستان في افتتاح الدورة

 

بفضل من الله، وحيث أنني مسلم من قويمة هوي وأجيد اللغة الأردية والعربية والإنجليزية وأمضيت ثماني سنوات في باكستان للدراسة، إضافة إلى حقيقة أنني موظف في الدائرة الحكومية المعنية بالشئون القومية والدينية، تم اختياري للعمل مع اللجنة المنظمة لدورة الأولمبياد الخاص التي استضافتها شانغهاي من الثامن والعشرين من سبتمبر إلى الحادي عشر من أكتوبر العام الماضي. وكانت مهمتي هي تقديم الاستشارات والملاحظات للفنادق المضيفة بشأن خدمات الأطعمة والمشروبات الإسلامية، وأيضا تم تكليفي بمهمة مسئول الاتصال للبعثة الأفغانية. خلال نحو أسبوعين بذلت أقصى جهودي في خدمة المسلمين، وشعرتُ بروح الأولمبياد الخاص المتمثلة في "التضامن والتناغم والتسامح"، وخاصة الحب بين المسلمين.

المسلمون اخوة

أفغانستان دولة إسلامية فقيرة، ما زال شعبها يئن تحت وطأة الحرب والنزاعات، لذا، شعرتُ بجسامة مهمتي. في يوم 27 سبتمبر 2007، ذهبت، مع آخرين من اللجنة المنظمة، إلى مطار شانغهاى الدولي لاستقبال البعثة الأفغانية. توقعت أن أرى رياضيين متأنقين يرتدون ملابس جميلة، ولكنني شاهدت أطفالا تتراوح أعمارهم بين 12 و18 عاما بملابس متواضعة، فصدمنا المشهد. كان واضحا أن الظروف المعيشية لهم ليست جيدة، وهذا ما أكده رئيس البعثة الأفغانية الذي قال: بسبب الصعوبات المالية لن يحقق أعضاء فريق كرة القدم أملهم بالمشاركة في الأولمبياد الخاص، حيث لم يحضر الفرق معنا". شعرت بالتعاطف معهم والشفقة عليهم، وعليه عقدت عزمي أن أقدم أفضل خدماتي لهذه البعثة لأجعل كل فرد فيها يشعر بحب وتضامن الشعب الصيني مع ذوي الاحتياجات الخاصة الأفغان.

كان من المفروض أن يكون عدد أعضاء البعثة الأفغانية 28 فردا، ولكن لم يحضر سوى تسعة لاعبين وثلاثة مدربين وإداريين. في صالة وصول الأمتعة بمطار شانغهاى، لم يعثر مدرب كرة اليد على أمتعته فانتابه القلق. حاولت أن أطمئنه واتصلت بمسئول مكتب الاستقبال للجنة المنظمة كي يساعدنا، وحسب تعليماته، قمتُ أولا بمساعدة أفراد البعثة في عملية التسجيل لدى اللجنة المنظمة ثم نقلهم إلى الفندق ومعاونة المعاقين بالبعثة في الوصول إلى غرفهم. انتهى العمل هذا اليوم في الساعة التاسعة ونصف مساء، فسارعت بالاتصال بمسئولي اللجنة المنظمة في الفندق، فقرروا شراء لوازم يومية وملابس بديلة للمدرب الذي فقد متاعه. زال قلق الرجل وراح يكيل الشكر لنا على ما نقدمه لهم من تسهيلات، وقال إنه من هذا الحادث شعر بدفء الحياة في الأسرة الأولمبية الكبيرة. في اليوم السابق لحفل الافتتاح، وبعد جهود من جميع الأطراف، عثر على متاعه، فقال لي رئيس البعثة إنه ممتن للغاية لرعاية الحكومة الصينية لبعثته.

من أجل تعميق الحب والمشاعر الطيبة بين الشعب الصيني وذوي الاحتياجات الخاصة من أنحاء العالم، نظمت اللجنة المنظمة خلال أيام الدورة جولات عديدة لبعثات الدول إلى الأحياء السكنية في شانغهاي، وكان حي تيانموشي في شرق المدينة هو المنوط باستقبال البعثة الأفغانية. أعد مكتب إدارة الحي خلال أيام الدورة برامج ممتازة للوفد تضمنت نشاطات شعبية مختلفة من أجل تحسين حالتهم البدنية والنفسية، وجولات إلى المزارات المشهورة بشانغهاى، منها كورنيش شانغهاى الخارجي وشارع شيجي وبرج لؤلؤة الشرق التلفزيوني الذي يعد رمزا للمدينة ومدارس الحي ومعهد تأهيل الأطفال المعاقين ذهنيا بالإضافة إلى بيوت عادية في الحي.

بالإضافة إلى متلازمة داون DownSyndrome، الحرب هي السبب الرئيسي لإعاقة ذوي الاحتياجات الخاصة الأفغان، ومنهم طفلة عمرها تسعة أعوام، اسمها زهور، فقدت سمعها عندما انفجرت قنبلة في بيت أسرتها فمات كل أفراد الأسرة ونجت هي بأعجوبة. وسبب إعاقة بعضهم هو إصابة الرأس بشظايا القذائف، أو المعاناة من التوحد الذي ينتج عن فقدان الأهل. من أجل توفير الدعم النفسي لأفراد الوفد الأفغاني حرصت على تقديم أفضل خدمة لهم مستفيدا من قدراتي اللغوية، وعلمتُ موظفي قسم الاستقبال بمكتب الحي العادات والتقاليد الأفغانية والآداب وقواعد التعامل الإسلامية، وعلمتهم بعض الكلمات والجمل باللغات الإنجليزية والعربية والفارسية المفيدة لهم لإزالة حاجز اللغة بينهم وبين المسلمين الأفغان، مما يعمق العواطف بيننا.

من أجل إشعارهم بحب ورعاية الشعب الصيني، سعى كل فرد في مكتب حي تيانموشي لتقديم أفضل التيسيرات لهم فكانوا يستكشفون سبلا جديدة للخدمات كل يوم. أعدت الأسر المضيفة لأعضاء البعثة جياوتسي (كرات العجين المحشوة) المقلية بالزيت، باعتبار أن مسلمي شرق آسيا يحبون المأكولات الزيتية، وقد أحب الأفغان فعلا جياوتسي. وقدم أصدقاء صينيون لهم هدايا صنعوها بأنفسهم مثل الرسوم الصينية التقليدية والأشغال اليدوية والزهور الحريرية، فسر لذلك اللاعبون كثيرا. في يوم الافتتاح، ارتدى اللاعبون الأفغان ملابسهم الوطنية الجميلة ذات الألوان المتعددة، لكن بعض تلك الملابس لم يكن جيدا أو غير نظيف، لدرجة أن خيط بعضها كان مهترئا، فأسرع المتطوعون الصينيون بإعادة خياطتها وكيها، فدخل اللاعبون حفل الافتتاح بملابس نظيفة، وبقلوب مفعمة بالسرور والسعادة ووجوه تعلوها الابتسامة. صوّر المتطوعون حفل الافتتاح وأعدوا ألبوم صور للحفل وقدموه هدية تذكارية للبعثة. قال رئيس البعثة لرئيس مكتب حي تيانموشي: "خدماتكم لنا رائعة ومتنوعة، وقد تركت اللحظات الجميلة التي قضيناها معكم انطباعا لن يمحى من ذاكرتنا. عندما نعود إلى بلادنا، سنبلغ أهلنا بحماسة وكرم ضيافة الشعب الصيني لنا."

جهود شاقة

لقد بذل المتطوعون الصينيون جهودا شاقة في أعمال الاستقبال، برغم أن هؤلاء المتطوعين طلاب جامعات من مواليد الثمانينات وكل منهم وحيد أسرته، تخلصوا من التدليل وعملوا بجد وأمانة من أجل خدمة الأولمبياد الخاص. أثناء المباريات، كان لعاب اللاعب أمير خان يسيل بدون توقف، فكان المتطوع المخصص يمسح له لعابه بدون كلل أو تأفف. كان المتطوعون يرشدون بصبر اللاعبين عندما يتقلب مزاجهم أثناء المباريات، وعندما كانوا يخسرون في مباراة كنت أواسيهم وأشجعهم على الأداء الجيد في المباراة التالية. كان بعض اللاعبين، عندما يتقلب مزاجهم بسبب اشتياقهم إلى أهلهم يقرصونني لدرجة مؤلمة، لكني ثابرت على الألم، وعندما كان يفوز لاعب منهم في مباراة ويضمني إلى صدره، كنت أشعر بنواياهم الطيبة وبراءتهم. مع نهاية الدورة، تشكلت صداقة عميقة بيني وبين أعضاء الوفد الأفغاني.

أثناء الدورة، عانى اللاعب خليل من إسهال حاد فأخذناه إلى المستشفى حيث شخص الطبيب مرضه بأنه التهاب معوي حاد. تعاطى خليل الأدوية وأخذ حقنة وبعدها تحسنت حالته كثيرا وعاد إلى الإستاد، حيث فاز بذهبية سباق العدو 200 متر. قال مدرب خليل: "الحمد لله، العلاج في الصين فعال وسريع، لو حدث ذلك في بلادي لم يكن ممكنا أن يشفى بهذه السرعة، وكنا خسرنا هذه الميدالية الذهبية، فأشكر أصدقاءنا الصينيين على عنايتهم".

كان تيموثي شريفير، رئيس اللجنة الدولية للألعاب الأولمبية الخاصة، يهتم ويعتني بجميع المعاقين بشكل عام وبعثة أفغانستان خاصة. في يوم الافتتاح، قام شريفير بزيارة لبعثة أفغانستان في الملعب، واطمأن بصبر وحنان على الأحوال المعيشة لأعضاء البعثة في شانغهاى، وقدم للاعبة الأفغانية زهور ميدالية كان يحتفظ بها لنفسه، كهدية تذكارية، والتقط صورة جماعية تذكارية مع الوفد، وفي اليوم التالي أصدر تعليماته بمنح كل لاعب أفغاني حذاء رياضيا.

عشية مغادرة بعثة أفغانستان للصين، كنتُ مع شخص آخر نساعد البعثة في ترتيب الأمتعة والاستعداد لتوديعهم بالمطار في اليوم التالي، حيث لصقنا على كل حقيبة ورقة باسم صاحبها. وفي الحفل الصغير الذي أقمناه لتوديعهم قال رئيس البعثة متأثرا: "أشكركم على الخدمات الرائعة، سأخبر رئيس أفغانستان بما قدمه الشعب الصيني من مساهمات كبيرة لقضية الأولمبياد الخاص، وعن ود وكرم ضيافة الصينيين". قبل مغادرتهم، قدمتُ لكل فرد منهم مشطا صينيا صناعة يدوية وإبريق شاي مصنوعا من الرمل الصيني البنفسجي، تعبيرا عن مشاعري تجاههم.

خدمة المسلمين والعرب

بعد انتهاء مهمتي مع البعثة الأفغانية، وبينما أنا في طريقي إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة، اتصل بي مكتب قيادة مسئولي الاتصال وطلب مني التوجه فورا إلى الفندق الذي تقيم به البعثة الليبية حيث توجد مشكلة هناك. بعد وصولي الفندق عرفت أن أعضاء البعثة الليبية اشتروا بعض الأطعمة الإسلامية الجاهزة وحملوها إلى الفندق، وحيث أن أنظمة الفندق لا تسمح بدخول أطعمة من الخارج، ولما كان مسئول اتصال البعثة غير مسلم فإنه لم يفهم لماذا يصر الليبيون على إحضار هذا الطعام. بعد أن تحدثت مع رئيس البعثة، عرفت منه أن ذلك اليوم هو عيد الفطر في ليبيا، ولهذا فإن أعضاء البعثة اشتروا الكعك والمشروبات للاحتفال بالعيد. اقترحتُ على إدارة الفندق أن تخصص غرفة لهم وتقدم لهم الكعك والفواكه والمشروبات للاحتفال بالعيد، وقد تم ذلك بسرعة وقبل أعضاء الوفد الليبي ودعوني لمشاركتهم احتفالهم بالعيد. تضمن الحفل تلاوة القرآن الكريم، فشعرت بجو إسلامي خاص لعيد الفطر. في اليوم التالي، وتلبية لطلب البعثة، رافقتهم في نزهة في حديقة يويوان بوسط شانغهاى وجولة تسوق رائعة. كان رئيس مكتب قيادة مسئولي الاتصال قلقا على سلامة أعضاء البعثة ولم يشعر بالطمأنينة حتى رأى الجميع قد عادوا إلى الفندق بسلامة وسعادة، فكلفني بمرافقة البعثة الليبية في الأيام المتبقية، فقبلت المهمة لأنني لا أعتبر مساعدة المسلم لأخيه تفضلا بل واجب، وأفتخر بخدمة أخوتي المسلمين.

استغرقت الدورة خمسة عشر يوما فقط، لكنها تركت في ذاكرتي انطباعا عميقا. لا أفتخر بأنني كنت مسئول اتصال فحسب، بل أكثر بخدمتي لذوي الاحتياجات الخاصة، ومنهم المسلمون. انتهت الدورة بنجاح، من جهة أخرى، كان هناك شيء مؤسف لم ننتبه له، وهو عدم اقتناع أعضاء بعثتي سلطنة عمان وبروناي بأطعمة الفنادق المضيفة، بل رفضوا ذات مرة تناولها. كما أن أعضاء بعثة أفغانستان ألمحوا أيضا إلى عدم تعودهم على المأكولات الصينية. حسب خبرة السنوات التي أمضيتها في البلدان الإسلامية، تختلف احتياجات المسلمين من دولة ومنطقة إلى أخرى، ولا تتوفر في مدينة شانغهاى المطاعم والفنادق المناسبة لهم. لذا على شانغهاى أن تطور قدرتها على استقبال الأصدقاء من الخارج في مجال الأطعمة حتى تقدم لهم خدمة أفضل، طالما أنها تنضم إلى صفوف المدن الكبرى عالميا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn