ã

السور العظيم.. تاريخ طويل وحقائق مثيرة

لو رو تساي

قوس قزح فوق السور

جزء جيانكوه للسور العظيم ببكين

البوابة الوحيدة بالسور العظيم- بوابة داجينغ في مدينة تشانغجياكو

ارتبطت الصين في أذهان الغربيين بالسور العظيم منذ زمن بعيد.

وقع رئيس مجلس الدولة الصيني ون جيا باو  في 11 أكتوبر 2006 مرسوم مجلس الدولة ببدء تنفيذ ((لوائح حماية السور العظيم)) اعتبارا من أول ديسمبر عام 2006. ونتيجة لذلك ازداد اهتمام المواطنين بحماية سور الصين العظيم.

 

وفقا لاستطلاع رأي قامت به البروفيسور فنغ لينغ هوي، نائبة رئيس جامعة رنمين (الشعب) ببكين حول المواقع السياحية الأكثر تفضيلا، جاء السور العظيم على رأس اختيارات 80% من الذين شملهم الاستطلاع، وهم ساسة ورجال أعمال ينتمون إلى أكثر من خمسين بلدا، فالسور العظيم، الذي تعني ترجمته الحرفية عن الصينية السور الطويل، يرتبط في أذهان الصينيين والأجانب بالصين، وربما لهذا نقول دائما "سور الصين العظيم".

سور طويل وعظيم

يوضح دونغ ياو هوي، نائب رئيس جمعية السور العظيم أنه عندما يذكر السور العظيم يفكر المرء فورا في ذلك الجزء من السور الذي يسمى بادالينغ، والحقيقة أن السور الطويل الذي يرجع تاريخ البدء في تشييده إلى ما قبل ألفي سنة  وانتهى بناؤه في أسرة مينغ (1368-1644)، يمتد أكثر من ستة آلاف كم، بينما لا يتجاوز طول جزء بادالينغ ثلاثة كيلومترات وسبعمائة وأربعين مترا. ويجري حاليا تمتين وإصلاح جزء آخر من السور بنفس الطول تقريبا لزيادة المساحة المفتوحة للسياح.

وتشير السجلات التاريخية إلى أن دويلة تشو بجنوب الصين قامت بتشييد سور دفاعي حولها، وقد قامت دويلة تشي والدويلات الأخرى في الشمال بمحاكاة هذه التجربة، وكان ذلك في القرن السابع قبل الميلاد عندما لم تكن الصين دولة موحدة. وبعد أن وحد الإمبراطور تشين شي هوانغ البلاد قام بوصل وتوسيع أسوار دويلات يان وتشاو وتشين في الشمال، فتشكل سور طوله أكثر من خمسة آلاف كم يمتد من محافظة مينشيان بمقاطعة قانسو غربا إلى داخل مقاطعة لياونينغ بشمال شرقي الصين. بعد أكثر من ألفي سنة، ونتيجة لعوامل التعرية والتآكل والحت لم يبق من سور أسرة تشين غير أجزاء في شمال مدينة داتونغ بمقاطعة شنشي وغربي حاضرة محافظة مينشيان بقانسو ومنطقة قويانغ بمنغوليا الداخلية.

بعد أسرة تشين، قام نحو عشر أسر ملكية ببناء أسوار، ولكن أكبر عملية بناء حدثت في فترة أسرة هان وأسرة مينغ، وكان الغرض من ذلك هو التصدي لهجوم القبائل البدوية في الشمال. وتشير الدراسات المسحية إلى أن طول السور في فترة أسرة هان بلغ عشرة آلاف كم، في فترة أسرة مينغ نحو سبعة آلاف كم.

ومعظم أجزاء السور العظيم الموجودة حاليا بنيت في عهد أسرة مينغ قبل أكثر من 600 عام، ويوجد منها في زمام بكين 629 كم، وأشهرها جزء باداليانغ وجزء سيماتاي وجزء موتيانيوي، وكلها في حالة سليمة نسبيا.

قال تشو يو ما، نائب أمين عام جمعية سور الصين العظيم، إن طول أجزاء سور الصين العظيم الباقية اليوم أكثر من ألفي كم، موضحا أن طول الأجزاء التي تختفي وتندثر يوميا من السور أكبر من الأجزاء التي يتم ترميمها وإصلاحها، فالنسبة بين الاثنين مائة إلى واحد.

سور من أجل السلام

قال دونغ ياو هوي: "الاعتقاد السائد هو أن السور بني لأغراض عسكرية، والحقيقة أنه بني من أجل السلام وليس الحرب، ففي معظم فترات التاريخ لم يشهد السور، داخله وخارجه، حروبا كثيرة".

وعن سبب لجوء كثير من الأسرات الملكية لبناء أسوار، كانت تكلفتها البشرية والمادية والمالية هائلة، قال دونغ ياو هوي: "كان هدف بناء السور العظيم هو تنسيق العلاقات بين الاقتصاد البدوي والاقتصاد الزراعي. كانت القبائل في شمال السور تعيش حياة بدوية، بينما كان أبناء هان في سهول الصين الوسطى يعيشون على الزراعة، ومن ثم باتت مزروعاتهم مطمعا لتلك القبائل، فالصدام بين الاقتصاد البدوي والاقتصاد الزراعي كان موجودا دائما في تاريخ الصين. فكان إذا هاجمت مواشي البدو محاصيل الفلاحين وأكلتها، قتلها المزارعون، فما يكون من أصحاب المواشي إلا الانتقام من الفلاحين، وهكذا دواليك، مما جعل الصراع والحرب مصيرا محتوما".

وأوضح دونغ ياو هوي أن المزارعين كانوا يهجرون حقولهم في الشمال وينتقلون إلى الجنوب فرارا من هجوم البدو. وأمام هذا الوضع، لم تجد الحكومات بدا من إرسال قوات لرد القبائل البدوية وحماية الحقول في الشمال. لكن قبائل البدو كانت تعاود هجومها بعد أن ينسحب الجيش. ولكن بعد تشييد السور العظيم توفرت الحماية للاقتصاد الزراعي. أما الجيش الذي كان يدافع عن عملية بناء السور العظيم فبقي في جوانب السور لمواصلة الدفاع عنه، فاستقرت منطقة السهول الوسطى.

ومن النتائج الاقتصادية للسور أنه ساهم في ازدهار التجارة الحدودية.   كان الاقتصاد البدوي اقتصادا أحاديا، يقوم على إنتاج الجلود واللحوم فقط، وكان البدو يحتاجون الأقمشة والأدوات الحديدية وغيرهما من منتجات السهول الوسطى. قبل بناء السور كانوا ينهبون تلك الأشياء دائما، فلم تكن هناك تجارة. بعد بناء السور العظيم، بدأت التجارة الحدودية.

ويذكر التاريخ أن أجزاء قليلة من السور العظيم هي التي شهدت حروبا مسلحة، وكانت في الغالب حروبا لا تطول، ومن ثم لا يجوز اعتبار السور منشأة عسكرية فقط، بل على العكس، كان هدف بناة السور منع وقوع الحروب.

ويوضح تشو يو ما أن السور لم يُبن فوق الجبال من بدايته إلى نهايته، ذلك أنه في بعض الأماكن الشاهقة الارتفاع والخطيرة لم تكن ثمة حاجة لبناء سور، وعليه فإن السور العظيم ليس متصلا، بل يتفرع في بعض المناطق، وهذا يجعل من المستحيل أن يزعم أي شخص أنه زار كل بقاع السور.

السور "الحي" في تاريخ الصين

 في القرى الرابضة بين أحضان سفوح السور العظيم بمقاطعات شانشي وشنشي وقانسو وفي بكين، يقيم كثير من أحفاد بناة السور العظيم والعسكريين الذين رابطوا به.

معظم الذين بنوا السور كان جنودا، ويقال إن عدد العسكر الذين حشدهم الإمبراطور تشين شي هوانغ، مؤسس أسرة تشين، لصد هجمات قبائل شيونغنو، ناف على ثلاثمائة ألف، إضافة إلى نصف مليون من المدنيين والمساجين. وحسب تشو يو ما، جاء البناة من أنحاء الصين، ولهذا انصهرت وتصاهرت ثقافات مختلفة على طول السور. في عام 1971 اكتشفت بمقبرة في إقليم خهلينقور بمنغوليا الداخلية جدارية ترجع لزمن أسرة هان الشرقية، تصور كيفية وصول صاحب المقبرة من مدينة تشانغآن (شيآن حاليا) إلى ثغر جيويونغقوان الواقع على  السور العظيم ثم إلى موقع المقبرة.

وبطبيعة الحال، كانت القوات المرابطة على السور تحتاج  إلى إمدادات وتموين، فتطور نظام الفلاحة/ الجندية، حيث كان الجنود وأهلهم يفلحون الأرض بجوار السور لتوفير الإمدادات الغذائية للقوات المرابطة.

في أيام الهدوء والسلم العادية لم يكن يرابط في كل حصن على السور غير جندي واحد أو اثنين، فإذا لاحظا تحركا هجوميا من الأعداء أشعلا النار في محطة الإنذار حتى تراها القوات المرابطة القريبة، وهكذا من نقطة إنذار إلى أخرى، يتم إبلاغ العاصمة. وكانت عملية الإبلاغ في مسافة خمسمائة كم تستغرق ساعتين.

يعتقد البعض أن السور العظيم ليس إلا حائطا ضخما عاليا، ولكن السور يشتمل على حوائط وثغور وثكنات عسكرية ومخافر ومنصات ومحطات إنذار بالنار ومستودعات للحبوب الغذائية والأسلحة وغيرها من الإنشاءات العسكرية والمعيشية، فهو منشأة للقتال والقيادة والمراقبة والاتصال والتخفي.

ويعتبر جزء بادالينغ أمتن جزء في السور العظيم، والسبب هو أن هذا الجزء شيد للدفاع عن المقابر الإمبراطورية التي تضم أضرحة 13 إمبراطورا من أسرة مينغ،  وتقع جنوب بادالينغ.

مهمة جديدة للسور العظيم

في عام 1952 تقرر فتح جزء بادالينغ من السور أمام السياح، ومنذ ذاك إلى اليوم تجاوز عدد الذين وطأت أقدامهم السور 150 مليونا، من بينهم أكثر من 400رئيس دولة وحكومة.

من الأجزاء التي فتحت أمام السياح أيضا، موتيانيوي وسيماتاي وجيويونغقوان في بكين، وطولها معا يبلغ نحو 30 كم. الجدير بالذكر أن الأجزاء التي لم تفتح للسياحة تستهوي عددا ليس قليلا من السياح، فيصعدونها، وإن كان ذلك ممنوعا حسب((لوائح حماية سور الصين العظيم))، بالنظر إلى هشاشتها وعدم خضوعها لعمليات ترميم وتمتتن.

لا شك أن السياحة تمثل سيفا ذا حدين بالنسبة للمناطق الأثرية، وكما يقول دونغ ياو هوي، إن المكان الأكثر رواجا سياحيا يتمتع بحماية أفضل بفضل الدخل من السياحة الذي يوفر الاعتمادات المالية لحماية المكان، ولذلك يطالب السيد دونغ بفتح مزيد من أجزاء السور العظيم أمام السياح.

ويبدو أن هذا الرأي يلقى قبولا لدى السلطات السياحية في بكين، حيث أعلنت مصلحة السياحة بالعاصمة أن أجزاء السور العظيم في هوانغهواتشنغ وتشينغلونغشيا وشويقوان في طريقها لتصبح مناطق سياحية بعد ترميمها.

كانت مقاطعة قانسو سباقة في حماية السور العظيم، فقد أبرمت حكومة المقاطعة مه فلاح اسمه يانغ يونغ فو عقدا مدته ثلاثين سنة ينص على التزام هذا الفاح بصيانة السور مقابل استخدامه. وقد أنفق الفلاح يانغ 800 ألف يوان على ترميم أجزاء شيقوانشيا للسور العظيم عام 2000. وأضحت منطقة شيقوانشيا للسور العظيم مزارا ثابتا في برامج السياحة لمكاتب السفر المحلية.

ظهر تأثير السور العظيم في العقارات ونشاطات العروض الفنية أيضا. يقع معرض"كومونة تحت سفح السور العظيم" في جزء شويقوان للسور ببكين، وهو معرض ثابت صممه وبناه 12 مصمما آسيويا مشهورا لجمع المتقنيات الخاصة، حصل على عديد من الجوائز المعمارية الكبيرة بمنظره الجميل وأسلوب بنائه المتقدم. تحول اليوم إلى فندق متميز، ومكان نفضله كثير من الشركات المشهورة إقامة الفعاليات الإعلانية فيه.

قال دونغ ياو هوي: "مغزى سور الصين العظيم حاليا يفوق أهميته التاريخية، لأنه أصبح رمزا."

 

لمعلوماتك

 تاريخ بناء سور الصين العظيم

 ابتداء من القرن السابع قبل الميلاد وحتى زمن أسرة مينغ (1368-1644)، بنت أكثر من عشرين دويلة (إمارة) وأسرة إقطاعية أسوارا لها، وتجاوز طول سور كل من أسرة تشين (221-207 ق.م) وأسرة هان (206 ق. م – 220م) وأسرة مينغ 5000 كم.

بأمر من الإمبراطور تشين شي هوانغ، شيد السور العظيم لأسرة تشين على أساس أسوار الدويلات السابقة، وهو يمتد من لينتاو (محافظة ميمشيان، مقاطعة قانسو حاليا) غربا إلى جبل جيهشي بمنطقة لياودونغ (لونغقانغ في كوريا الشمالية حاليا) غربا، بطول أكثر من عشرة آلاف لي (لي وحدة قياس صينية تعادل 500 متر)، ولهذا يسمى السور بالصينية "وان لي تشانغ تشنغ" أي سور العشرة آلاف لي. كان سور أسرة تشين يمتد عبر قانسو ونينغشيا وشنشي وشانشي ومنغوليا الداخلية وخبي ولياونينغ حاليا.

في زمن أسرة هان كان السور أكثر ضخامة من سور أسرة تشن. من أجل الدفاع عن ممر خهشي تسوليانغ، وإلى جانب ترميم السور العظيم لأسرة تشين، أضافت أسرة هان الغربية الجزأين الشرقي والغربي إلى السور القديم. بني الجزء الغربي من دونهوانغ بقانسو إلى شينجيانغ، بينما يمتد الجزء الشرقي من منغوليا الداخلية إلى جبل لانغشان وجبل ينشان وتشيفنغ في مقاطعة لياونينغ. الجزء الكبير من السور العظيم لأسرة هان الذي يخترق المروج، بني بالتراب المدكوك، وبني بعضه بخليط من الرمل والحجر والصلصال والقش. بعد أكثر من ألفي سنة، لا يزال عرض أطلاله 4-8 أمتار، وارتفاعه بين متر ونصف متر.

بنيت أسوار في عهد كل أباطرة أسرة تانغ، وبلغ عدد مرات البناء وعمليات الترميم الكبيرة 20 مرة. يمتد السور العظيم لأسرة مينغ من جبل هوشان بشرقي ليانينغ شرقا إلى بكين، شانشي، شنشي، نينغشيا حتى ثغر جيايويقوان بقانسو، بطول أكثر من ستة آلاف كم. معظم أجزاء السور العظيم التي نراها اليوم تنتمي لسور أسرة مينغ، تشمل باداليانغ وسيماتاي ببكين. السور العظيم لأسرة مينغ مبني رئيسيا بالطوب والصخور، فكان أكثر متانة في النظام الدفاعي.

 

  

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn