كان حلمي، وأنا طفل صغير في المرحلة الابتدائية، أن أكون عالما أخترع جهازا قادرا على نقل الإنسان من مكان إلى مكان آخر في طرفة عين. في المرحلة الثانوية، تقزم الحلم وصرت أريد فقط أن ألتحق بالجامعة التي أريدها. وبعد أن تخرجت في الجامعة بات كل حلمي أن أجد وظيفة أعيش منها!
ما أحزنه تغيير! ما الذي يجعل أحلامنا تتضاءل كلما كبر عمرنا سنة بعد أخرى؟ ما الذي يجعل أحلامنا المشرقة تبهت؟ وما الذي يجعلها سرابا في صحراء؟ ما الذي يجعلنا نغير أحلامنا، برغم أننا قد نحققها يوما ما؟ إنه الواقع.
أعتقد أن الواقع، الذي يعوقنا عن تحقيق أحلامنا الجميلة ويخنق خيالاتنا في المهد، ليس شيئا يستحيل تغييره. لقد ظل التحليق في الفضاء حلما للإنسان منذ آلاف السنين. في القرن الثامن عشر، كان تحليق الإنسان في الفضاء واقعا لا يمكن تغييره، إلى أن جاء الأخوان الأمريكيان رايت يلبر وأورفيل اخترعا أول طائرة شراعية في العالم، وحققا حلم طفولتهما. إنه درس بأن ليس كل واقع حالي يبقى حقيقة إلى الأبد، وبعض من هذا الواقع أحلام لم نحققها بعد. مسيرة اكتشاف البشرية للعالم المجهول تثبت المثل العربي القديم: "الصبر مفتاح الفرج". لذلك، الإيمان بأن"الواقع ليس حقيقة إلى الأبد"، يزودنا بأجنحة سحرية تطير بنا إلى أحلامنا.
ثمة حكمة تقول: "المستقبل حرب بين الحلم والواقع." إذا انتصر الواقع فعلى البشرية أن تقنع بما أنجزته ولا تقدم للمجتمع. سيبقى السرطان والإيدز وغيرها من الأمراض الخطيرة التي لا علاج لها إلى الأبد، إذا قبلنا الواقع. وستظل الدول المتخلفة تعيش في فقر وجوع، إذا طالما نقر بأن الفقر والجوع مصير البشر. ولن تحل النزاعات والصراعات بين الدول، ارتضينا بالخلاف والتعصب بين الثقافات المختلفة.
ولكن الحلم ينبت من الواقع. إذا لم يكن أسمى من الواقع. إذا كان جل هم الإنسان هو السعي إلى الراحة المادية دون السعي للراحة الروحية، فما الفرق بين الإنسان والحيوان؟ هناك علاقة اعتماد ودعم متبادل بين الحلم والواقع. وعندما تفقد البشرية أحلامها، فإن ذلك يكون وقت انهيار الواقع ذاته.
إنني أحلم بالتعايش السلمي بين مختلف الثقافات والشعوب، باختفاء الحروب والفوضى، بالسعادة لكل شخص في العالم. أحلم بأن تتحول كل هذه الأحلام إلى واقع ملموس. لا تتردد، لنعمل معا من أجل تحقيق حلم البشرية المشترك!