ã

في اليوبيل الذهبي لإذاعة الصين الدولية

لا ننسى من حفر البئر، عندما نشرب الماء

سليم ليو يوان بي

أسرة القسم العربي بإذاعة الصين الدولية في الستينات

العاملون بالقسم العربي بإذاعة الصين الدولية

في احتفال إذاعة الصين الدولية بيوبيلها الذهبي

 

بعد مرور خمسين عاما على انطلاق القسم العربي لإذاعة الصين الدولية الذي بدأ في الثالث من نوفمبر عام 1957، أستذكر، بعد عشر سنين من تقاعدي عن العمل به، السنوات التي كرستها لهذا القسم لخدمة المستمعين العرب، وأتذكر كل الذين ساهموا في تمهيد الطريق لإذاعة الصين، وفي مقدمتهم رئيس مجلس الدولة الراحل شو ان لاي.

شهد الوطن العربي خلال خمسينات القرن الماضي حركة تحرر وطني واسعة النطاق، حظيت بدعم وتأييد الشعب الصيني. وبعد تحررها، اعترفت مصر وسورية واليمن وغيرها من الدول العربية على التوالي بجمهورية الصين الشعبية. في تلك الأثناء،أعرب كثير من الأصدقاء العرب الزائرين للصين وكذلك المستمعين العرب للإذاعة الصينية عن رغبتهم في أن تبث إذاعة الصين برامجها باللغة العربية، ولكن عدد الذين يعرفون العربية في الصين، آنذاك، كان قليلا للغاية، وكان لابد من الاستعانة ببعض الخبراء العرب لأداء هذه المهمة.

كان تشو ان لاي يدرك هذه الصعوبة، ولهذا لم يدخر وسعا، رغم مشاغلة الجمة، لحل هذه المشكلة. وفي سبتمبر عام 1956 اجتمع مع وفد عربي رفيع المستوى حيث تحدث عن اعتزام الصين بث برامج إذاعية باللغة العربية لتعريف المستمعين العرب بأحوال الصين وتطوراتها ومواقفها من قضايا العالم عامة والدول العربية خاصة. وعبر عن أمله في دعوة عدد من الخبراء العرب إلى الصين للمساعدة في هذا العمل. وبالفعل، وصل بكين، في سبتمبر عام 1957، ثلاثة متخصصين عرب، وفور وصولهم شاركوا زملائهم الصينيين بالقسم العربي لإذاعة الصين في الأعمال التحضيرية استعدادا للبث الرسمي للبرامج العربية..

أربعة أساتذة ومساهمات جليلة

أذكر هنا أربعة من الأساتذة الصينيين الذين عملوا مع القسم العربي في مختلف مراحله،  ففي أصعب وقت مر به القسم، وكان ذلك في شهر أكتوبر عام 1960 جاء الأستاذ محمد مكين ما جيان، أستاذ اللغة العربية بجامعة بكين، لمساعدتنا في المترجمة والإذاعة. والأستاذ مكين مؤسس قسم اللغة العربية بكلية اللغات والآداب الشرقية في جامعة بكين وصاحب الترجمة الصينية لمعاني ((القرآن الكريم)) التي أصدرها وطبعها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة. كان مكين يترجم التعليقات والمقالات ويذيع بعضها. وأذكر أنه نصحنا بقراءة القصص والأعمال الأدبية العربية. ونظرا لاعتلال صحته، عمل معنا لمدة أسبوعين ثم حل محله الأستاذ رضوان ليو رين ريوي. كان الأستاذ رضوان ليو يعمل معنا نصف يوم صباحا أو مساء. وإلى جانب الترجمة كان ينقح ترجماتنا كما نقل إلينا خبراته الغنية في الترجمة، موضحا أن ترجمة العبارات الصينية إلى اللغة العربية ليست بسهلة ويجب ألا تكون ترجمة حرفية بل متفقة مع الأسلوب العربي وترتيب الجمل العربية. وبفضل مساعدة وتشجيع الأستاذ رضوان ليو بدأت أنا الجلوس أما الميكروفون ، فجريت أولا تقديم الأخبار المحلية الصينية ثم أذعت الأخبار الدولية. كنت قبل الدخول إلى الأستوديو أقرأ التقارير الإخبارية أمام الأستاذ رضوان ليو ليصوب أخطائي في الإلقاء واللهجة والتعبير.

الأستاذان الآخران هما عبد الله ما جي قاو وسليمان تشانغ بينغ دو، وهما زميلا الأستاذين مكين ورضوان، وتخرجوا في جامعة الأزهر في ثلاثينيات القرن الماضي. في نهاية عام 1960 انضم إلى القسم العربي الأستاذ عبد الله ما، وكان عمره قد جاوز الخمسين سنة. وبفضل تمكنه من قواعد العربية وتواضع أخلاقه وطيبته ساهم مساهمة كبيرة في تنقيح الترجمات وتصحيح أخطاء إلقاء المذيعين الشباب. كان عبد الله ما مجدا مخلصا في عمله، فمن أجل تحقيق الترجمة الصائبة لمعنى كلمة صينية واحدة إلى اللغة العربية كان يقلب صفحات العديد من القواميس العربية ويراجع القواميس الإنجليزية العربية، كما كان يسجل بدفتره الخاص التعبيرات العربية الجميلة. كان قليل الكلام مجدا في العمل يعامل الآخرين بلطف وكان شديد الاهتمام بالشباب وحياتهم.

وفي مرحلة حاسمة لأعمال القسم العربي انتقل إليه الأستاذ سليمان تشانغ من وكالة أنباء شينخوا، فلم يكن العمل الإعلامي غريبا عليه، فنهض بمهمة ترجمة التقارير الإخبارية والمقالات وتعليم المذيعين الإلقاء، بل كان يلقي على الشباب دروسا بالعربية، فشرح لنا كتاب ((أيام)) لطه حسين وقصصا عربية أخرى، وكان العاملون بالقسم العربي لوكالة أنباء شينخوا يحضرون دروسه في الإذاعة.

مساهمات عربية لا يمحوها الدهر

في مستهل أكتوبر عام 1960 غادر القسم العربي بإذاعة الصين جميع الخبراء العرب لأسباب أيديولوجية، إلا الخبير الفلسطيني عبد اللطيف أبو حجلة. وفي منتصف العلم التالي سافر أبو حجلة إلى موسكو وعمل هناك. وفي خريف عام 1962 أرسل من موسكو إلي كتابا بالغة العربية بعنوان ((حياة ماو تسي تونغ))، وصورة شخصية له كتب عليها من الخلف: "إلى الأخ العزيز سليم، ذكرى لقاء جميل وصداقة وطيدة. إلى اللقاء يا سليم في الوطن العربي". وبعد أعوام عاد أبو حجلة إلى فلسطين وعمل في الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية وبعد مدة عين مديرا عاما للدائرة. وفي مايو عام 1987 زار السيد عبد اللطيف أبو حجلة بكين حيث التقى بأصدقائه في القسم العربي للإذاعة وقابله أيضا مدير إذاعة الصين الدولية تشانغ جين هوا، حيث أثنى على مساهماته لإذاعة الصين الدولية. وقال عبد اللطيف إنه مشتاق إلى زملائه في القسم العربي ويستمع دائما إلى برامجنا العربية، في تلميح إلى رغبته مواصلة العمل في القسم إذا سنحت الفرصة. وفي عام 1962 لم يكن في القسم العربي أي خبير عربي، فجاء إلينا في تلك الفترة الحرجة خبير سوداني اسمه أحمد محمد خير، كان يعمل في المجلس الشعبي الصيني للدفاع عن السلام العالمي بصفته نصيرا للسلام. وكان يعمل معنا نصف سوم أو عدة ساعات كل يوم لانشغاله في أعمال المجلس. ومن أجل رفع مستوى العاملين بالقسم العربي في الترجمة والإلقاء، كان يستضيفنا في بيته ليعلمنا الإلقاء والترجمة نصف يوم في الأسبوع. كان مستوى أحمد محمد خير في الإلقاء عاليا، وكان يأتي أحيانا إلى غرفة التسجيل حيث يصحح بكل صبر أخطاءنا في القراءة كما يثني بابتسامة عريضة على كل تقدم يحققه العاملون بالقسم، وقد تعاون خير مع القسم العري للإذاعة ثلاث سنوات.

وفي ثمانينات القرن الماضي سافر السيد أحمد محمد خير إلى أستراليا وبعث في إبريل عام 1986 إلي رسالة تحدث فيها عن أحوال معيشته هناك والقضية التي كرس لها كل حياته. كما عبر عن اشتياقه إلى أصدقائه القدامى القسم العربي لإذاعة الصين. وذكرني في الرسالة بأول يوم دخلت فيه الأستوديو قائلا: "بالطبع لا أنسى أول يوم دخل فيه سليم الأستوديو عندما كان يتصبب عرقا من الخوف، لأنني كنت فاقدا صوتي بسبب البرد وكان سليم هو الوحيد الذي يمكن أن يحتل مكاني في الأستوديو ومرت التجربة بنجاح. واستمرت حتى اليوم".

ثماني ساعات بالعربية

تماشيا مع تطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط ازدادت فترة بث البرامج العربية بشكل مستمر. وفي البداية كانت مدة البرامج العربية نصف ساعة مرتين كل يوم ووصلت حاليا ثماني ساعات. وابتداء من الثامن من غسطس عام 2006 بدأت إذاعة الصين الدولية بث قناة الأولمبياد عبر الموجه المتوسطة، لنقل أخبار ومعلومات دورة بكين الأولمبية بمختلف اللغات ومنها اللغة العربية، وتبث البرامج العربية يوميا من الساعة الواحدة وحتى الساعة الثالثة ظهرا حسب توقيت بكين على نطاق عاصمة الصين.

ومنذ أول مايو عام 2002 ظهر الموقع العربي لإذاعة الصين الدولية على شبكة الإنترنت ويشمل أبواب الأخبار والاقتصاد والتجارة والمنوعات والسياحة والثقافة وعالم المسلمين. ويتصفحه عدد متزايد من القراء ة المستمعين الصينيين والعرب وغيرهم من الأجانب كل يوم كما يمكن الاستماع إلى البرامج العربية لإذاعة الصين الدولية عبر هذا الموقع. ومع مرور الزمن تحولت وتنوعت أشكال ومضامين البرامج العربية لإذاعة الصين الدولية وتزايد عدد المترجمين والمذيعين والمراسلين بشكل مستمر، من عدة أشخاص في البداية إلى سبعة وعشرين شخصا حاليا.

تتطور الإذاعة العربية في الصين بسرعة لا مثيل لها، وعندما نشرب الماء لا يمكن أن ننسى من حفروا لنا البئر، والذين فتحوا طريق الإذاعة وسجلوا الصفحة الأولى في تاريخها.      

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn