ã

في هوانغجيانغ الجبلية

خشب وزيت وأفيون وذكريات!

ون شو

نهر يوانشوي، أحد روافد نهر اليانغتسي، يمر بمدينة هونغجيانغ

الشارع القديم في هوانغجيانغ

دار ينتسي، النمط المعماري الذي كان سائدا في هوانغجيانغ

إذا كان مرادف كلمة الجبال في الصين هو العزلة والفقر، فإن هوانغجيانغ تظل حالة فريدة في تاريخ الصين وحاضرها. هذه المدينة التي تحيط بها الجبال من كل جانب في غربي مقاطعة هونان، أضاء أهلها بيوتهم بالمصابيح الكهربائية في عام 1920 واستخدموا كاميرات التصوير الفوتوغرافي في عام 1925 ودخل الهاتف بيوتهم وشاهدوا الأفلام الصامتة عام 1931 وعاشوا حياة مترفة ليس أقل من المدن الكبيرة الثرية في ذلك الزمان، مثل شانغهاي ونانجينغ. قال واحد من أبناء منطقة هونغجيانغ، متذكرا الأيام الخوالي: "كنا نستخدم كل ما يستخدمه أبناء شانغهاي."

إنها مدينة صغيرة ولكن شهرتها شقت الآفاق قديما. قبل ثلاثة آلاف سنة أو ينيف، كانت ممرا تجاريا هاما بين الصين والمحيط الهندي وبحر العرب والبحر الأحمر والبحر المتوسط. ثم أصبحت حلقة هامة على طريق جنوب غربي الصين في فترة أسرة هان (206 ق.م- 220م) وأسرة تانغ (618-907م) وصارت من أعرق المدن التي نبتت فيها التجارة الرأسمالية الصينية، في فترتي مينغ (1368- 1644م) وشينغ (1644- 1911م).

هبة نهر يوانشوي

على ضفة يوانشوي، وهو أحد روافد نهر اليانغتسي، وقف روان مينغ يي ذو الستة وسبعين عاما، بجانب ميناء ليتوتسوي، الذي كان البوابة الذهبية لتجارة أبناء مدينة هونغجيانغ الثرية، وأشار إلى السفن قائلا: "كانت هذه المدينة تعج بقوارب الخيزران والسفن قبل 60 سنة".

حسب السجلات التاريخية، كان يوجد في هذه المدينة التي تقل مساحتها عن أربعة كيلومترات مربعة 48 ميناء. ونهر يوانشوي هو الطريق البحري لتبادل الموارد بين المدن الواقعة في وسط جنوبي الصين والمدن في جنوب غربي الصين أي مقاطعات سيتشوان وقويتشو ويوننان، فعبره كانت تنقل الأخشاب والعقاقير وزيت التونغ من جنوب غربي الصين إلى ووهان وشانغهاي وغيرهما، والأقمشة والأطعمة من ووهان وشانغهاي إلى جنوب غربي الصين، ومع هذه الحركة التجارية، صارت هوانغجيانغ مدينة تجارية مهمة، وصل عدد قاطنيها نحو ثمانية وثلاثين ألف نسمة من بينهم خمسة عشر ألف تاجر.

وانغ تيان ده، المتخصص في إصلاح السفن، بدأ العمل وهو في سن السابعة عشرة بترسانة لصناعة وإصلاح السفن بالمدينة. وبعد تقاعده بدأ يصلح القوارب على ضفة نهر يوانشوي. قال عن السفن في هوانغجيانغ: "كانت سفن هوانغجيانغ مشهورة بسبب حجمها، وكان يقال إنها أكبر السفن في نهر يوانشوى قبل عام 1949. كان ارتفاع السفينة أكثر من أربعة أو خمسة طوابق، وكان أسطول السفن في النهر يشبه قرية متحركة". وكان أبناء المدينة الذين يعملون في النقل المائي يتركون بيوتهم شهرا أو شهرين دائما، وتصحبهم في السفن الآلات الموسيقية والترفيهية والمشروبات والأطعمة اللذيذة، بل كانوا يزرعون الخضر وات ويربون الدواجن في سفنهم.

خشب وتونغ وأفيون

يتذكر يانغ بي تشنغ، الذي تجاوز عتبة السبعين عاما بقليل، أن أسرته الثرية التي كانت تعمل في تجارة الخشب، كانت تنقل البضائع إلى شانغهاي ونانجينغ مرة كل سنة. وفي موسم النقل كان الناس في القرية يعبرون النهر مستخدمين القارب الخيزراني، الذي كان الوسيلة الرئيسية لنقل البضائع.

لم تكن طموحات تجار هوانغجيانغ تقتصر على تجارة الخشب فحسب بل برعوا في توظيف الموارد الطبيعية أيضا والاستفادة من المواد الخام بأقل تكلفة ممكنة، ولعل صناعة زيت التونغ خير دليل على العقلية التجارية لهم.

ولمن لا يعرف، زيت التونغ الذي يستخرج من شجرة تحمل نفس الاسم، طلاء رائع يقي من التآكل والعثة وتطلى به الغرف الخشبية والسفن والآلات الزراعية، ويستخدم منذ زمن أسرتي مينغ وشينغ في السفن التي كانت ترسو في المواني بمقاطعات جيانغسو وتشجيانغ وفوجيان وقوانغدونغ بفضل جودته الممتازة وحجم إنتاجه الكبير. وقد راجت تجارة زيت التونغ في أسواق جنوب شرقي الصين وفي الخارج، وتصدر قائمة الصناعات الثلاث الكبرى في هونغجيانغ. ومع تقدم العصر وتحسن شبكات النقل البري وبالسكك الحديدية فقدت هونغجيانغ ميزتها الجغرافية وبدأ نجم تجارتها في الأفول.

التاريخ يسكن المدينة القديمة

ما زال عبق التاريخ يفوح في جوانب هوانغجيانغ، التي تحافظ على معالمها في فترة أسرتي مينغ وشينغ، فالمدينة بها حتى اليوم 17 مقر صحيفة و23 بنكا خاصا و34 مدرسة و48 مسرحا و50 بيت دعارة و60 دار أفيون و70 خمارة و80 نزلا وقرابة مائة مشغل وألف دكان و380 دار ينتسي.

لأنها مدينة تجارية، لم تكن البنايات في هوانغجيانغ تلتزم بتصميمات معينة، فقد كانت تولي اهتماما أكبر للمتطلبات التجارية والشعبية. وكانت البيوت التي تسمى ينتسي، هي النمط المعماري الأكثر شيوعا بها. ودار ينتسي، التي تشبه في تصميمها الدار الرباعية (سي خه يوان) في بكين، تبني بسفح الجبل وتجمع بين سمات بيوت جنوب مقاطعة آنهوي والبيوت المعلقة بمقاطعة هونان. ونظرا لمتانة بناء ينتسي، التي تشيد بالطوب والحجر والخشب دون استخدام مسمار واحد والتوظيف المثالي للمكان، ظلت باقية مئات السنين، ومازالت البنايات منها ذات الثلاثة طوابق التي استخدمت كمقار لشركات تجارية باقية إلى الآن، حيث الطابق الأول متجر كبير والطابق الثاني مخزن والثالث مكان الاستراحة.

مقرات الأندية هي أكثر بنايات هوانغجيانغ فخامة وروعة. أما بوابة قصر تايبينغ (نادي باوتشينغ) المزخرفة والمقطوعة من قطعة صخر كاملة فتأخذ بالألباب حقا. في أواخر فترة اسرة مينغ وأوائل فترة أسرة شينغ، كان التجار من خارج المدينة يقيمون الأندية لتوثيق الروابط مع أنباء مناطقهم، فاستقبلت هوانغجيانغ التجار والضيوف من أكثر من عشرين محافظة، وبلغ عدد الأندية بها نحو 130 في فترة جمهورية الصين (1912- 1949م)، ومن أفخمها نادي قويتشو الذي أقامه تجار الأفيون.

ليو هوي وو، الذي يناهز عمره الثمانين عاما، شاهد حي على نهوض وانحطاط مدينة هوانغجيانغ التجارية، فقد عمل في مختلف المجالات بها ولديه مخزون لا ينضب من الحكايات، فهو ابن ليو يونغ تاي، أثرى أثرياء المدينة في ذلك الزمان. كانت أسرة ليو تعمل في نقل الأفيون إلى السفن منذ الساعة السادسة صباحا حتى المساء، وبعد بيع الأفيون تحصل على صناديق من عملة دايانغ الفضية. ولكن حريقا كبيرا شب في دار ليو سنة 1934 أتى على كل ما بها، واختطفت إحدى العصابات ليو يونغ تاي، ودفعت الأسرة عشرة آلاف دايانغ فضي فدية له، كما واجه مكتب الصرافة للأسرة صعوبات كبيرة أدت في النهاية إلى ضعف أسرة ليو.

مع التغيرات التي شهدتها الأوضاع السياسية في الصين في أوائل القرن العشرين بدأ كساد تجارة أبناء هوانغجيانغ، الذين تميزوا بالاجتهاد، ولكنهم عاشوا حياة فاسدة وباذخة. لقد كانت بيوت الأفيون بهوانغجيانغ مشهورة في كل غربي مقاطعة هونان، وكان في المدينة شارع كامل للأفيون يرتاده أغنياء هوانغجيانغ. ويقال إن التاجر منهم كان يدفع ألفي دايانغ فضي لشراء أداة التدخين. وكانت دار ليو يونغ تاي للأفيون تتسع لأكثر من عشرة مدخنين، لا يدخنون فحسب بل يبيعون الأفيون أيضا. وجاء قرار الحكومة بحظر تجارة الأفيون ضربة قاصمة لهم.

واقع جديد

ربما لا يبقى لأبناء هوانغجيانغ غير الذكريات، ففي الألفي أسرة المقيمة بها، لا يوجد غير كبار السن والأطفال، حيث خرج معظم الشباب للعمل في المدن الأخرى.

دونغ هوانغ مي، التي يبلغ عمرها 59 عاما، كان أبوها مدير ميناء هوانغجيانغ، وزوجها، يانغ يون، كان أبوه تاجر خشب. الآن يعمل الزوجان في معبر تشوانيا بهوانغجيانغ بالاعتماد في قارب تابع لشركة النقل البحري مهمتها دفع القارب بالزانة والمجذاف بينما يتولى ابنهما الصغير يانغ مينغ يه توجيه القارب.

قالت دونغ، إن الفلاحين يعبرون نهر هوانغجيانغ لبيع الخضراوات في المدينة، والواحد منهم يدفع يوانا (الدولار الأمريكي يساوي 5ر7 يوان صيني تقريبا) ذهابا وإيابا.

وقد استثمر ابنهما الكبير 120 ألف يوان في سفينة بمساعدة والديه ويشغلها على خط بحري كان يستخدم قديما لنقل الأخشاب إلى مقاطعتي جيانغسو وتشجيانغ، حيث ينقل البضائع إلى مدينة شيانغتان.

الحياة على النهر مشحونة بالتوتر والخلافات والتشاجر كما أن النقل النهري يتراجع ولذلك يشجع دونغ أحفاده على الدراسة في الجامعة.

في دار أسرة قاو القديمة يوجد مكان يشبه الكُتاب، يدرس فيه أبناء الأسرة. صاحب الدار حاليا، جعل الدار فندقا، حيث يستقبل النزلاء في الطابقين الأول والثاني ويقيم هو في الطابق الثالث. يبلغ ارتفاع الغرفة في الطابق الأول أربعة أمتار وفيها نافذة صغيرة يدخل منها ضوء باهت، وفيها أثاث قديم عمره مائة سنة مرتب ومنظم.

وصاحب الدار يقوم بمهمة المرشد السياحي لنزلائه في جولات بالشوارع ويعرفهم بعادات وتقاليد المدينة.

 

نصائح

المواصلات

أولا: بالقطار أو الطائرة إلى مدينة هوايهوا بمقاطعة هونان ثم بالباص إلى هوانغجيانغ، علما بأن الباص يعمل من السادسة صباحا حتى السادسة مساء.

مناظر بالقرب من هوانغجيانغ
  1. 1.  بلدة تشيانتشنغ، منطقة ثقافية يرجع تاريخها إلى 2200 سنة. تبعد عن هونغجيانغ 20 كيلومترا شمالا، وتعتبر حديقة للمناظر الرائعة المتميزة بخصائص غربي هونان، كما تعد "متحف المباني القديمة بجنوب نهر اليانغتسي".
  2. 2.  يسمي الخبراء قرية قاويقو بمحافظة هويتونغ، التي تبعد عن مدينة هونغجيانغ 30 كيلومترا جنوبا، "القرية الأولى في المناظر الجميلة بجنوب نهر اليانعتسي" و"نموذج المباني الشعبية القديمة". ويمكن أن نواصل الرحلة عبر الطريق الحربي حتى نصل إلى محافظة قومية دونغ الذاتية الحكم، التي تضم عشر قرى لقوميتي دونغ ومياو، بجانب النهر وعلى سفح الجبل، وجسر فنغيوي بها يربط بين هذه القرية والمدن الأخرى.

موقع الإنترنت لمدينة هوانغجيانغ: http://www.hongjiang.org (فيه تعريف بمدينة هوانغجيانغ من حيث الأطعمة والإقامة والمواصلات)              

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn