قهسانغ تشوهما، ذات العشرين ربيعا، التي تدرس بمعهد للمعلمين في منطقة التبت الذاتية الحكم، نموذج لجيل جديد من أبناء القومية التبتية، جيل يجني ثمار التنمية التي تحققها الصين منذ نحو ثلاثين عاما.

التقيت قهسانغ تشوهما في بيت جدها الواقع في منطقة آوانغدوندان التابعة لحي تشنغقوان بمدينة لاسا، حاضرة التبت. قالت الشابة إن أفراد أسرتها، وعددهم عشرون، يلتقون في عطلة نهاية كل أسبوع دائما في بيت الجد المكون من ثلاث غرف وصالة مساحتها ثلاثين مترا مربعا. وجدران الصالة مزخرفة من أعلى بتصميمات مستديرة لمشاهد لعب الأطفال، وسقفها مزدان بلمبات لبنية اللون الجميلة، بينما أرضها مفروشة بالسجاد التبتي الأزرق ذي الزهور البيضاء. فيها كافة الأجهزة الكهربائية المنزلية، مثل التلفزيون وجهاز دي في دي الخ. جدران وأرضية المطبخ كلها سيراميك، به أجهزة مثل البوتاجاز وشفاط الهواء والثلاجة وخلاط الخ. أما الحمام، فكله بالسيراميك أيضا، وسقفه المعلق مزخرف بزهور خضراء صغيرة، وبه تواليت إفرنجي وحوض استحمام وكافة مستلزمات التنظيف. قالت قهسانغ تشوهما إن الشقة الجديدة تقدم أكثر راحة لأفراد أسرتها.

يحب جد وجدة قهسانغ تشوهما، برغم عمرهما الذي تجاوز السبعين سنة، إعداد شاي الزبد وطعام تسانبا التبتي الخاص عادة، ويتلوان الأسفار البوذية ويقومان بنزهات قصيرة ويقيمان حفلات أسرية. الزوجان العجوزان، اللذان يحرصان على ارتداء العباءة التبتية، كانا يزرعان شعير الهضاب في حقل مجاور للبيت في الماضي. أما الآن، فيشعر الزوجان بالرضا التام عن حياتهما حاليا. ويعيشان مع الأسرة في هذا البيت الجديد عيشة سعيدة، وهو ضمن مشروع "آن جيوى"، الذي تنفذه حكومة منطقة التبت، لبناء مناطق سكانية ذي بيئة أفضل ومواصلات جيدة للفلاحين والرعاة التبتيين.

قالت قهسانغ تشوهما إنها تفضل العباءة التبتية، التي لابد أن ترتديها في عيد رأس السنة التبتية. مضيفة بأنها تحب تسانبا وشاي الزبد وأطعمة مقاطعة سيتشوان. وأوضحت الشابة التي استقبلتنا في ملابس عادية، أن تغير عادات وتقاليد أبناء التبت ووصول السكة الحديدية إلى لاسا، كلها مؤشرات للتقدم والحداثة في منطقة التبت.

تتكئ قرية قابا، التي تقع على مسافة عشرة كيلومترات من لاسا، على جبال ممتدة وتواجه نهر لاسا. بنيت فيها بعض الديار المبنية بالأسلوب التبتي. أما طرق المؤدية إلى القرية فما زالت على قيد البناء. هنا التقيت عددا من أطفال القرية، أحدهم اسمه بيانبا تسانغجيويه، وآخر اسمه دانتشي تسيرن وثالث يدعى ييشي تشوهما، وكلهم تلاميذ في المرحلة الابتدائية. أشرقت عيون هؤلاء الصغار عندما عرفوا أنني قادم من بكين، وقال أصغرهم دانتشي تسيرن، إن حلمه هو أن يزور بكين بالقطار بعد أن يكبر.

دخلت بيت سيدة تدعى تسانغجيويه تشوهما، المبني بالأسلوب التبتي التقليدي، فوجدته مزودا بكافة الأجهزة الكهربائية المنزلية، مثل التلفزيون وأجهزة الصوتيات والمرئيات الأخرى. قالت تسانغجيويه تشوهما، إن الدخل السنوي الصافي لأسرتها كان خمسة آلاف يوان في الماضي. أما الآن، فأسرتها تؤجر قطعة أرض تمتلكها، ومساحتها 11 مو (الهكتار يساوي 15 مو)، بمبلغ 12 ألف يوان سنويا، بالإضافة إلى ذلك، يحصل زوجها على راتب شهري قدره 800 يوان مع عمله في خدمات النقل. وقالت السيدة التبتية إن مستوى حياتها أفضل كثيرا من السابق، مشيرة إلى أن ابنتها دهجي يانغتسونغ سوف تؤدي امتحان القبول للجامعات للسنة الدراسية الحالية، وهي طالبة ممتازة في الدراسة وعلى ثقة بالنجاح والالتحاق بإحدى جامعات بكين.

وقالت سيدة تدعى تشيونغ دا، إن أسرتها المكونة من ثمانية أفراد، منهم أبوها وأمها وزوجها وأخوها وأختها وأولادها، كانوا يعيشون متكدسين في ثلاث غرف بسيطة متداعية مبنية من الطوب اللبن. كانت حرارة الغرف شديدة في الصيف وبردها قارس في الشتاء. وكانوا يأتون بالماء من نهر يبعد عنهم أكثر من كيلومتر. أما الآن، وبفضل مساعدة الحكومة، تركت هذه الأسرة بيتها المتهالك وانتقلت إلى بناية جديدة على الطراز التبتي، التي تضم طابقين بالطوب الحجري، ومزودة بكافة الأجهزة الكهربائية المنزلية وماء الحنفية والكهرباء، حتى بها حظيرة لتربية المواشي.

قال لنا مختار القرية إن حياة الأسر الثلاث والعشرين الأخرى في القرية تغيرت في السنوات الأخيرة مثل أسرتي تسانغجيويه تشوهما وتشيونغ دا، بفضل مشروع "آن جيوى" السكني الذي تنفذه الحكومة المحلية، وقد تحسن مستوى معيشة سكان القرية كثيرا.

بدأت منطقة التبت الذاتية الحكم تنفيذ مشروع "آن جيوى"، الموجه للفلاحين والرعاة التبتيين منذ بداية عام 2006، بالهدف الرئيسي إعادة توطين الفلاحين والرعاة، ودعم الفقراء، وترميم البيوت الريفية القديمة. الأمر الذي يهاجر نحو مائتين وتسع عشرة ألف وثمانمائة عائلة، التي تشكل 80% من الفلاحين والرعاة من ديارهم القديمة في منطقة التبت، إلى بيوت جديدة مريحة في فترة خمس سنوات. في العام الماضي، تم نقل 47 ألف أسرة، تضم أكثر من 250 ألف فرد، إلى بيوت جديدة حسب المشروع. إضافة إلى حصول كل أسرة على إعانة مالية تتراوح قيمتها بين 10 آلاف و25 ألف يوان لتشطيب وفرش، وهو مبلغ يعادل دخل الأسرة العادية في التبت لعدة سنوات، لبناء بيوتهم الجديدة. حتى عام 2006، بلغ حجم الاستثمارات في تنفيذ هذا المشروع 38ر28 مليار يوان، قدمتها الحكومات على مختلف المستويات في منطقة التبت. وأثناء تنفيذ المشروع، أقامت الحكومة المحلية عددا من المشروعات المكملة مثل بناء الطرق وتوفير الكهرباء والمياه وشبكة الاتصالات، ومن ذلك شق الطرق في 12 ناحية و123 قرية، ويستخدم الكهرباء حاليا 210 آلاف نسمة ومياه الحنفية 320 ألفا، بينما تغطي خدمة الاتصالات التلفونية 406ر1 آلاف قرية.

أما عن المستقبل، فقالت تسانغجيويه تشوهما إنها، مثل معظم أبناء منطقة التبت، تتطلع إلى حياة أجمل وأكثر حداثة.