أخيرا تحقق الحلم وانتقل ليو مينغ هوا، وهو في السادسة والعشرين من عمره، إلى شقة فسيحة يدخلها الضوء. كان ليو مينغ هوا يقيم مع والديه في دار من الطوب اللبن في قرية جبلية بمحافظة تسوتشيوان قبل أن ينتقل إلى حي المهاجرين بذات المحافظة بفضل سياسة تهجير القرويين ودمج الأرياف التي تنتهجها حكومة محافظة تسوتشيوان بمقاطعة شانشي، تلك المحافظة الفقيرة التي كانت قاعدة ثورية للحزب الشيوعي.

 

المخرج الوحيد

      عن سياسة التهجير، التي توصف بأنها المخرج الوحيد، قال ليو مينغ هوا: "الحياة في القرى الجبلية شاقة صعبة، ونحن الشباب نذهب إلى المدن لكي نعمل ونكسب مالا نشتري به شققا هناك. الدخل من الزراعة قليل ولا يكفي إعالة الأسرة". وعن سبب فقر محافظة تسوتشيوان قال أمين لجنة الحزب في المحافظة: "الفقر في المحافظة سببه موقعها الجغرافي في منطقة جبلية نائية معزولة عن العالم الخارجي، تفتقر إلى المواصلات. ولهذا كان الحل الوحيد هو انتهاج سياسة تهجير القرويين ودمج الأرياف".

      وقد أثبتت الحقائق أن هذه السياسة ليست الحل الأوحد فقط، بل هي الحل الأكثر نجاحا، وخير دليل على ذلك التحسن الذي شهدته قرية لاوجينغ (البئر القديمة).  

      أخذت هذه القرية اسمها من المائة والخمسين بئرا جافة التي حفرها أهلها القرويون جيلا بعد جيل، مع ذلك ظل وضع القحط والعطش فيها على حاله ولم يتحسن إلا بعد انتهاج سياسة تهجير القرويين ودمج الأرياف، حيث بدأت القرى استقبال البث التلفزيوني وشبكة الاتصالات وبنيت فيها الطرق.

في محافظة تسوتشيوان، قرى كثيرة مثل لاوجينغ، تعانى مما كانت تعاني منه قرية البئر القديمة من مشكلات أبرزها المواصلات والماء والكهرباء والبث التلفزيوني والافتقار إلى المستشفيات والمدارس، ولم يكن من مخرج سوى تهجير القرويين ودمج الأرياف.

أما عن واقع تطبيق هذه السياسة، فإن الأرقام التالية تقدم صورة واضحة لما أنجز حتى الآن. حسب إحصاء محافظة تسوتشيوان التي يبلغ عدد سكانها 160ألف نسمة، بلغ عدد المهجرين 12800 نسمة يشكلون 3780 أسرة منذ عام 2001، وفي الفترة من سنة 2001 إلى سنة 2006، تم تهجير 19 قرية إدارية و109 قرى طبيعية بشكل كامل، عدد سكان كل منها أقل من مائة نسمة. وأنشئت 12 قرية جديدة و27 حيا جديدا للمهجرين.

وقد أدرجت حكومة تسوتشيوان في خطتها المسماة "التهجير لمكافحة الفقر" هدفا للتحول الحضري عنوانه "تأسيس مدينة واحدة و34 قرية مركزية"، حيث حددت 34 قرية إدارية كقرى مركزية، بشرط أن تتوفر في هذه القرى عدة شروط منها كثافة السكان العالية، البنية الأساسية الجيدة، الموقع الجغرافي المميز، الانتشار السكاني المركز، وتوفر إمكانات النمو الكبيرة. وحددت حكومة تسوتشيوان القرى المركزية وحاضرة المحافظة مستوطنات رئيسية للمهجرين، ووضعت هذه المهمة على قمة أولويات عملها في القرى الفقيرة التي يقل عدد سكانها عن 300 نسمة، حيث  تقدم الخدمات العامة للقرويين خاصة في مجالات التربية والتعليم، والثقافة، والصحة وغيرها وتعمل على رفع مستوى معيشتهم.

 

بيئة جيدة للحياة وللعمل

لم يكن تنفيذ خطة التهجير يستلزم موافقة القرويين أنفسهم فحسب، بل أيضا يحتاج إلى توفر تكاليف تنفيذ عملية التهجير. وعلى هذا أصدرت حكومة تسوتشيوان سلسلة من اللوائح التي نصت على حماية الحقوق الأصلية للمهجرين في استخدام الأرض الزراعية والغابة السابقة، إعفاءهم من رسوم بطاقة الإقامة وقيمة باستخدام الأرض لبناء البيت ورسوم الدراسة والانتقال إلى المدارس لأبنائهم. وفي مجال المساعدة المالية، تقدم الحكومة معونات مالية للقرى المدرجة في خطة التهجير على مستوى المقاطعة والمدينة.

استفاد المهجرون من هذه الإجراءات كثيرا، وعن ذلك قال ليو مينغ هوا: " تبلغ مساحة شقتي الجديدة 109 أمتار مربعة، لكن سعرها 780 يوانا فقط للمتر المربع (الدولار الأمريكي يساوي 7.5 يوان)، وهو سعر رخيص مقارنة مع حاضرة المحافظة، حيث يصل سعر المتر المربع في الشقة أكثر من ألف يوان. كما أننا بعد دفع المقدم يمكن أن نسدد الباقي، وهو 80 ألف يوان، على خمسة أقساط. ومازال لدي بعض الأطيان الزراعية في قريتي القديمة، يقوم والداي بزراعتها. وبعد أن يتطور اقتصاد المزارع، نأمل أن نستثمر فيه بأرضنا مقابل الأسهم". تزوج ليو مينغ هوا قبل فترة، وزوجته تعمل معلمة في مدرسة البلدة. أما هو فيرغب في ترك العمل بالمدينة الكبيرة التي يعمل بها، والبحث عن عمل في البلدة التي يسكن فيها. قال: "البلدة بدأت تتطور وتكثر بها فرص العمل، ولهذا لا حاجة للخروج إلى المدينة من أجل العمل".

 

قرى خالية واقتصاد جديد 

وتعكف حكومة تسوتشيوان حاليا على دراسة كيفية الاستفادة من القرى الخالية التي تركها المهجرون وتبلغ مساحتها 9150 مو (الهكتار يساوي 15 مو)، مع الاستعانة بالتجارب السابقة لاقتصاد المزارع. يقصد باقتصاد المزارع أن يعتمد المهجرون على الأرض الموات ويحاولون إيجار مستثمرين لاستغلال هذه الأراضي بطريقة حجمية بشرائها أو استئجارها. وقد جاءت ردود الشركات إيجابية كما توقعت الحكومة.