ã

الصين شاب شعرها قبل الأوان!

ثقافة بر الوالدين وقضية رعاية المسنين

                       تشانغ شيويه ينغ

تشانغ جه فانغ البالغة من العمر مائة سنة، تقود الآخرين في غناء أغنية عيد ميلادها المئوي بدار هوايان للمسنين في مدينة تشونغتشيبنغ.

شركة شيتشنغ للتأمين تشجع الشباب على الاشتراك في التأمين على حياتهم في المستقبل

مسنتان تبحثان عن مسكن جديد

من النتائج التي أسفرت عنها سياسة "الطفل الواحد" التي تنتهجها الصين منذ نحو ثلاثين عاما أن شباب هذا البلد يواجه مزيدا من الضغوط لرعاية كبار السن، الذين يتزايد عددهم يوما بعد يوم؛ فالصين بها حاليا 150 مليونا تجاوزوا عتبة الخامسة والستين، أي 11% من سكان البلاد. وبعبارة أخرى، الصين بها حاليا شخص واحد تجاوز عمره الستين سنة بين كل عشرة أفراد من سكانها، وهكذا دخلت الصين ما يسمى "مجتمع الشيخوخة" قبل الأوان.

تقلق مشكلة رعاية المسنين الدول الكثيرة في العالم، وحلها أصعب في الصين النامية. حسب توقع خبراء السكان، اليوم يعيل 7-8 أيدي عاملة مسنا تجاوز عمره ستين، في عام 2040، سيعيل يدان عاملتان مسنا تجاوز عمره ستين.

وعلى الرغم من الزيادة المتواصلة في عدد المؤسسات والأجهزة المعنية برعاية المسنين، فإن التقاليد الصينية تجعل كثيرا من كبار السن يفضلون قضاء خريف العمر في "بيت العائلة" للاستمتاع بالسعادة الأسرية إلى جوار أبنائهم وأحفادهم، على الرغم من تحذير المتخصصين من أن العبء الواقع على الأطفال الوحيدين سيزداد، وضرورة الاعتماد على آليات اجتماعية، وعلى رأسها أجهزة رعاية المسنين، لحل مشكلة رعاية المسنين.

السيدة وي شو رن التي تقف على مسافة سنة واحدة من سن السبعين،  وتشكو من ألم مزمن في ساقها، تذهب بمفردها إلى المستشفى من أجل جلسة تدليك يوميا، فقد توفي قبل فترة بعلها الذي كان يدلك ساقها. السيدة وي شو رن التي تسكن في حي جينغان بمدينة شانغهاي، لها ابن مقيم في الولايات المتحدة، يريدها أن تعيش معه هناك، وقد سافرت فعلا وخاضت التجربة، ولكنها قررت العودة إلى الصين بعد أن واجهت عائق اللغة واكتشفت أن تكاليف العلاج في بلاد العم سام أعلى كثيرا من الصين.

 

الوحدة ظل دامس في حياة المسنين

في شانغهاي، وهي أول مدينة صينية دخلت مجتمع الشيخوخة، يعيش 830 ألف مسن، أي ثلث الذين تجاوزوا الستين عاما بها، منفصلين عن أبنائهم. وهذه النسبة مرشحة للارتفاع إلى 80% عام 2025.

عن أسباب تغير هيكل وتركيب الأسرة الصينية، يقول الخبير الاجتماعي تانغ تسان: "ظهور عدد كبير من الأسر التي يعيش فيها المسنون وحدهم يواكب ظهور الأسر النووية. ونتيجة لسياسة الطفل الواحد التي تنتهجها الصين منذ أواسط سبعينات القرن الماضي، وعملية التصنيع والتحول الحضري والتحديث التي بدأت بعد ذلك بات من خصائص تركيب الأسر في الحضر والريف أنها أسر صغيرة ونووية".

وتشير الإحصاءات إلى أن حياة المسن بمفرده تترك أثرا سلبيا على حياته وحالته النفسية، فأرقام مصلحة الإحصاء لمدينة شانغهاي في الفترة الأخيرة تقول إن نحو 7ر5% من المسنين يشعرون بالوحدة دائما، و7ر42%  يشعرون بالوحدة أحيانا، و35% منهم لا يتحدثون أو قليلا ما يتحدثون مع الآخرين.

الواقع أن المسنين في المدن الصينية يتمتعون حاليا بحياة أفضل من السابق كثيرا، فمن يتجاوز عمره السبعين يركب أتوبيسات النقل العام ويدخل الحدائق العامة والمتاحف مجانا، وتوجد مقاعد خاصة للمسنين في الأوتوبيسات وقاعات الانتظار بمحطات السكك الحديدية، وفي المستشفيات والمتاجر يكون للمسنين أولوية عند دفع الحساب. واستجابة لدعوة الحكومة، ومتطلبات السوق، بدأت الشركات تهتم بصحة المسنين، حيث يوجد كثير من الأطعمة لرعاية المسنين، وفي التجمعات السكنية أجهزة رياضية للمسنين، وظهرت جامعات ونواد للمسنين. لقد زاد عدد المئويين في الصين بصورة ملحوظة، إذ يوجد بها كثير من نواحي المعمرين وقرى المسنين الذين تجاوزت أعمارهم المائة سنة.

إذن لماذا لا يزال هذا العدد الكبير من المسنين يشعرون بالوحدة؟

المتخصصون يرون أن تغير تركيب الأسرة أضعف، بل قطع، وصال المشاعر والمسؤولية بين المسنين وأبنائهم، فيما يتعلق بالإعالة وفي الحياة اليومية، على عكس الأسرة التقليدية الممتدة في الصين. لقد أثرت أجهزة الإعلام والتسلية الحديثة في مضمون حياة الصينيين، فلم تكن الأسرة المصدر الرئيسي لسعادة الفرد، كما أن توفر الخدمات المنزلية خفف عبء الأعمال المنزلية عن أفراد الأسرة. جملة القول، أن حياة الأسرة تندمج في حياة المجتمع ككل يوما بعد يوم، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، يتراجع الوعي بالمسؤولية الأسرية التقليدية تدريجيا.

وحسب د. فنغ شياو تيان، عميد كلية العلوم الاجتماعية بجامعة نانجينغ، كانت نسبة المسنين فوق سن الستين الذين يقيمون وحدهم نحو 20%، وفقا لإحصاء قامت به الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية عام 1987.  الآن وصلت هذه النسبة 70%. كانت النسبة في الثمانينات على أساس أن متوسط عدد الأبناء 4 في كل أسرة، أما اليوم ففي كل أسرة طفل واحد.

 

أبناء يكدحون برا بالوالدين

رعاية المسنين مشكلة عالمية، لكنها أكثر بروزا في الصين لأنها تأخرت في اللحاق بالعولمة الاقتصادية. وإذا كانت الدول المتقدمة دخلت مرحلة الشيخوخة عندما بلغ متوسط دخل الفرد بها بين خمسة آلاف وعشرة آلاف دولار أمريكي، فإن الصين دخلت الشيخوخة عام 1999 وكان هذا المتوسط أقل من ألف دولار أمريكي. هذا يعني أن الصين أصبحت مسنة قبل أن تصبح دولة غنية، والمشكلة الناجمة عن ذلك مباشرة هي كيفية تدبير التمويل اللازم لإعالة المسنين، ومن يعيلهم؟ وتشير أحدث الأرقام إلى أنه بعد ثلاثين سنة، سيعيل كل فردين في سن العمل بالصين مسنا واحدا في المتوسط.

السيدة قوان شينغ تشن البالغة من العمر 46 سنة، تعمل مستشارة لشؤون العاملين. بعد عودتها من العمل إلى البيت عليها أن تعمل ممرضة لوالدتها البالغة من العمر 80 سنة، بعد أن سقطت على الأرض ست مرات خلال ستة شهور فقط، ودخولها المستشفى بالتهاب رئوي.

وعن هذا الوضع تقول إن أمها تتصل بها في وقت العمل يوميا تطلب منها العودة إلى البيت بسرعة، لأنها لا تكون مطمئنة وأنا بعيدة عنها. النتيجة أن هذه السيدة العاملة لا تستطيع التركيز في عملها. وقد ظهر وصف معبر لهذه الحالة: "الكفاح صباحا"، "التوتر ظهرا" و"الإرهاق ليلا"، أو "كفاح في عطلة نهاية الأسبوع"، و"الإرهاق في أول الأسبوع". بعض الشباب بلغوا الثلاثين والأربعين سنة ولم يتزوجوا من أجل رعاية الوالدين.

سعت السيدة قوان شينغ تشين إلى إرسال والدتها إلى دار للمسنين، غير أنها لم تجد حتى الآن دارا مناسبة من حيث السعر والخدمة، أما السبب الأهم فهو رفض شقيقتها فكرة دار المسنين من الأصل. قالت السيدة قوان شينغ تشين: "لا أدري ماذا سيفعل ابني عندما أصبح عجوزا، فهو الولد الوحيد لي".

على الرغم  من العدد الكبير لدور الرعاية الاجتماعية ودور ومساكن المسنين في أنحاء الصين، فإن عددها لا يزال ضئيلا مقارنة مع عدد السنين، كما أن مستواها يتباين من دار إلى أخرى.

ثقافة بر الوالدين التقليدية في الصين تجعل الأبناء لا يحبذون إرسال والديهم إلى دور المسنين. في الثقافة الغربية، يتحمل الوالدان واجب رعاية الأبناء، ولكن ليس هناك تأكيدا على أن يتحمل الأبناء مسؤولية رعاية والديهم المسنين؛ لكن الثقافة الصينية التقليدية تقضي بأن يرد الأبناء جميل والديهم ، ورعاية الوالدين المسنين من الواجبات التي لا يمكن التهرب منها. لذلك تنتشر في الصين فكرة "كثرة الأبناء تعني كثرة السعادة" و"نرعى الأبناء في الصغر ليرعونا في الكبر".

السيدة باي شيويه البالغة من العمر 30 عاما وتعمل في شركة أجنبية: تقول: "لاحظت فجأة أن سني تكبر وأن اهتمامي بوالدي ليس كافيا، ولهذا أتصل بهما كل مساء لأطمئن عليهما؛ ماذا أكلا في العشاء، كيف ضغط الدم لهما، متي يمكنهما أن ينتقلا للإقامة في بيتي دائما. سأقنعهما ليقيما معي، برا بهما، لن أرسلهما إلى دار للمسنين".

ويقول ليو قوه مين البالغ من العمر 26 سنة: "هما والداي، فمن الطبيعي أن أبقى إلى جوارهما لأبرهم، لذلك أحاول أن أجد وقتا لأرافق والدي بقدر المستطاع، وأحاول أيضا أن يفهم ابني احترام المسنين."

 

قلق في "السعادة الأسرية"

مفهوم "الأسرة الممتدة" التقليدي لا يزال قويا في عقل المسنين، فهم يريدون رؤية أبنائهم، متزوجين أو غير متزوجين، دائما ويسعدون بذلك.

وحسب أحدث استطلاع حول ظاهرة تولي الأجداد تربية الأحفاد، وجد أن 7ر45% من الأسر التي ينتمي الأب والأم فيها إلى جيل الطفل الوحيد يتولى الأجداد تربية الأحفاد، بينما هذه النسبة 1ر28% في الأسر التي لا ينتمي الأب والأم فيها إلى جيل الطفل الوحيد. وفي أكثر من نصف أسر الطفل الوحيد يعيش ثلاثة أجيال تحت سقف واحد، و"تحت سقف واحد" هنا لا يعني فقط أنهم يعيشون في بيت واحد، بل يعني أحيانا أن يختار المسنون بيوتا بجانب بيوت أبنائهم. وبهذا الأسلوب قليلا ما يحدث احتكاك بينهم وبين أبنائهم في الحياة اليومية، بينما يكون من السهل عليهم العناية ببعضهم البعض، حيث يأخذ الأب أو الأم الطفل صباحا إلى بيت والديه، وفي المساء يذهب إلى بيت الوالدين لتناول العشاء والعودة بطفله إلى بيته. وهناك من يتركون أطفالهم في بيوت والديهم على الدوام، ويعيش الزوج والزوجة في بيتهما بدون أطفال. هذه الظاهرة ملحوظة أكثر في رياض الأطفال، حيث يكون معظم أولياء أمور الأطفال الأجداد والجدات. وحسب دراسة ميدانية، يعتمد ثلثا الخمسين مليون أسرة في الحضر بالصين على الأجداد والجدات في تربية الأطفال.

ويقول مسئول بجمعية للمسنين إن عبء معظم الأسر لا يزال خفيفا في المجتمع الصيني الذي مازال في المرحلة الانتقالية من تعدد الأطفال إلى الطفل الواحد، وإن مشكلة رعاية المسنين تتجسد بصورة متمركزة في الأسر التي يعيش المسنون فيها وحدهم بدون أبنائهم وأسر المسن الواحد والأسر ذات الدخل المحدود. ولكن عندما يصل جيل الطفل الوحيد مرحلة الشيخوخة، بعد 27 سنة كما يتوقع البعض،، ستشهد الصين بداية أصعب فترة لرعاية المسنين.

 

 

 

لمعلوماتك

نظام ضمان رعاية المسنين في الصين

تأمين رعاية المسنين الأساسي- يسمى أيضا تأمين رعاية المسنين الأساسي للدولة، يطبق إجباريا، وهو نظام لرعاية المسنين يضمن تلبية المتطلبات الأساسية لحياة المتقاعدين. حيث تستقطع نسبة 8% من راتب الموظف لحاسب هذا التأمين، بينما تقدم وحدة عمله نسبة 20% حسب راتبه إلى حساب التدبير الاجتماعي الموحد. بعد 15 سنة من الاشتراك في هذا التامين يحق للموظف أن يحصل على معاش شهري. وحاليا هذا النوع من تأمين رعاية المسنين هو الأسلوب الرئيسي لمعظم العاملين في الحضر.

وفي نفس الوقت، تشجع الحكومة على رصد تمويل سنوي متخصص لرعاية الذين يحالون إلى التقاعد في الشركات، وتأمين رعاية المسنين بأسلوب الودائع المصرفية للعاملين. يقصد بالتمويل السنوي المتخصص لرعاية المتقاعدين في الشركات تأمين الشيخوخة المكمل الذي تشترك فيه الشركات والعاملون حسب رغبتهم إلى جانب تأمين رعاية المسنين الأساسي حسب القانون. حاليا يوجد هذا التأمين في عدد قليل من الشركات الكبيرة كجزء من آلية المكافأة الداخلية للعاملين. وقد ظهر توجه ازدياد عدد الشركات التي تشترك في هذا التأمين. حسب توقع البنك الدولي، من المحتمل أن يتجاوز إجمالي قيمة االتمويل السنوي المتخصص لرعاية المتقاعدين في الشركات تريليون يوان في عام 2010. ويقصد بتأمين رعاية المسنين بأسلوب الودائع المصرفية للعاملين كنوع مكمل لتأمين رعاية المسنين يشترك فيه العاملون ويختارون جهازا مسؤولا عنه حسب رغبتهم. يسجل هذا النوع من التأمين في حساب تأمين رعاية المسنين في البنك الذي يتعامل معه جهاز التأمين الاجتماعي المحلي للعاملين، وتحسب الفائدة حسب نسبة الفائدة التي لا تقل، أو تزيد عن فائدة ودائع السكان في نفس الفترة، لتشجيع العاملين على الاشتراك في هذا التأمين.

ونظرا لأن تأمين رعاية المسنين الأساسي يقدم الضمان الأساسي فقط، يلعب تأمين رعاية المسنين بأسلوب الودائع المصرفية للعاملين دورا كبيرا في رعاية المسنين. إلى نهاية عام 2006، بلغ إجمالي قيمة الودائع لسكان الصين 42ر16 تريليون يوان، وتجاوز عدد حسابات الودائع للأفراد في مختلف البنوك الكبيرة بالصين 300 مليون حساب.

 

 

  

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn