ã

شباب من أجل التغيير!

حسين إسماعيل

خريج جامعي ومحله "شوكولات المبتكرة" في مدينة شانغهاي

تقرير البنك الدولي عن التنمية في العالم لعام‏2007‏ الذي حمل عنوان " التنمية والجيل القادم"، يلقي الضوء علي أحوال شباب العالم من سن  ‏12‏ سنة إلى ‏42 سنة والتحديات والفرص التي تواجههم‏.‏ حسب التقرير، يشكل الشباب ‏50%‏ من إجمالي المتعطلين عن العمل علي مستوي العالم ونسبة البطالة بينهم تعادل ضعفي أو ثلاثة أضعاف النسبة بين الكبار، ويوجد  ‏130‏ مليون شاب في العالم بين سن 15 و45 سنة أميون، لا يعرفون القراءة أو الكتابة، إلى آخر البيانات الكثيرة المحبطة عن واقع الشباب في دول العالم الثالث. فما هو موقع شباب الصين على هذه الخريطة المخيفة؟

الشيء الذي يثير الدهشة هو أن الصين، ذات المليار وثلاثمائة وعشرين مليون نسمة، وهو رقم يعادل تقريبا عدد الشباب في كل الدول النامية، لا  تعاني من البطالة بنفس القدر الذي تعاني منه دول أفضل منها في الموارد الطبيعية وأقل منها سكانا بكثير. والمدهش أيضا أن الصين نجحت في تقليل نسبة الأمية، بمعنى القدرة على القراءة والكتابة، فوفقا لما ذكرته وكالة أنباء شينخوا في 21 فبراير هذا العام، وصلت نسبة محو الأمية وتعميم التعليم الإلزامي بين الشباب ومتوسطي العمر في الصين إلى 98%، في حين مازالت دول تتمتع بإمكانيات وقدرات أفضل من الصين، تكافح ضد الأمية دون أن تحقق نتائج ملحوظة. ما هو السر في ذلك، هل هو الإنسان الصيني أم سياسات الحكومة أم الاثنان معا؟ ماذا يميز الشاب الصيني عن نظيره في الدول النامية ومنها الدول العربية؟   

ربما يكون "الطموح" هو أفضل صفة لشباب الصين، ففي دراسة أجريت بالتعاون بين المركز الصيني لبحوث الشباب والنشء والمعهد الياباني لبحوث الشباب والنشء والأكاديمية تنمية الشباب بكوريا الجنوبية وشركة بحوث اجتماعية أمريكية غطت 7304 طلاب في المرحلة الثانوية من 156 مدرسة في الصين واليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة، احتل شباب الصين المقدمة في التطلع إلى النجاح، وجاء ترتيبهم الأخير في الرضا عن حياتهم بنسبة 48,8% مقارنة مع 71,7% للطلاب الأمريكيين و66,3% لليابانيين. وحسب الدراسة، يهتم الطلاب في تلك الدول الأربع بنتائج دراستهم ومستقبلهم، لكن الطلاب الصينيين يشعرون بضغط تنافس أشد من الآخرين، لذلك هم الأكثر اهتماما بالدراسة وأيضا بشئون بلدهم.

لا أذكر أنني صادفت أو عرفت شابا أو فتاة في الصين ولم يحدثني عن المستقبل، الكل غير قانع بما هو فيه ويريد حياة وعملا ودراسة ومستقبلا أفضل. شا شي، الفتاة التي درست اللغة العربية وعملت بالمكتب الإعلامي المصري ببكين براتب جيد ونالت تقدير رؤسائها، تركت العمل وافتتحت مكتبا صغيرا للشحن البحري والجوي، أصبح خلال أقل من عشر سنوات مجموعة شركات للتجارة تتولى الشابة الصينية رئاسة مجلس إدارتها. تشانغ وي وزوجته وانغ هوا، المتخصصان في البرمجيات، قررا التخلي عن وظيفتيهما التي تدر عليهما دخلا شهريا حوالي ألف دولار أمريكي، في وقت كان متوسط دخل الفرد السنوي في الصين ستمائة دولار أمريكي، وهاجرا إلى كندا عام 1999، وشقا طريقا جديدا، أملا في حياة أفضل. تشيان وي، التي أنهت دراسة القانون بالصين العام قبل الماضي رفضت التقدم لأي وظيفة وسافرت إلى الولايات المتحدة لتحصل على الماجستير. تانغ نينغ استقالت من الوظيفة الميري في مدينتها وجاءت إلى بكين، سعيا وراء فرصة أفضل.

وأتذكر أيضا أنني ذات مرة كنت أتحدث مع شاب خريج جديد في قسم الهندسة بإحدى جامعات بكين، فقال لي إن الحصول على عمل أصبح مهمة شاقة للشباب في الصين، وبخاصة في المدن الكبيرة مثل بكين وشانغهاي وقوانغتشو، فقد ألغت الحكومة منذ سنوات نظام تعيين الخريجين، الذين تتزايد أعدادهم عاما بعد عام. قلت للشاب الذي التقيت به في ملعب لكرة القدم بالجامعة المركزية للقوميات ببكين، السبب إذن هو الحكومة التي لا توفر العمل للشباب، فقال الفتى الصيني العادي الذي لا ينتسب للحزب الشيوعي ولا تربطه مصلحة مباشرة بحكومة البلاد: عدد سكان الصين كبير واقتصادنا مازال ضعيفا، ولا بد أن نلتمس العذر للحكومة وعلينا أن نجتهد أكثر نحن الشباب للنهوض بوطننا، وعلى كل منا أن يسعى بنفسه لمساعدة الوطن. انتهى كلام الشاب ولكن قائمة شباب القرن الجديد في الصين الذي لا يركض ركضا وراء الوظيفة الميري طويلة، وإذا واصلت سرد الأسماء لن تكفي صفحات وصفحات لقصص نجاح أبناء الجيل الذي ولد في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، الجيل الذي يمتلك الجرأة وروح المغامرة ولكنه أيضا مسلح بالمعرفة والطموح.

 ولعل ما حدث بمصعد أحد فنادق بكين مع جيري يانغ، مؤسس ياهوو YAHOO عام 2004  يبين مدى جرأة هذا الجيل من شباب الصين، فقد استوقفه شاب نحيل وسلمه ورقة بها مقترحات للعمل التجاري، ربما أراد الشاب الصيني أن تحظى بإعجاب جيري فيفتح له نافذة أمل وعمل جديدة. الذي حدث أن جيري يانغ لم يدقق في الورقة، وطلب من قاو ران أن يبعث له رسالة بالبريد الإلكتروني. بعد أقل من أسبوع كان قاو ران، ذو الخمسة والعشرين عاما آنذاك، في قطار أمضى به ليلة كاملة واقفا، من بكين إلى مدينة تشونغتشينغ، شمال شرقي الصين، ليقابل رجل الأعمال جيانغ شي بي، رئيس مجلس إدارة شركة مجموعة الشرق الأقصى، ويقنعه بمشروعه التجاري، وفي النهاية حصل منه على مليون يوان (120 ألف دولار أمريكي). تلك هي قصة أحد مؤسسي شبكة إنترنت ماي سي دوت كوم الصينية، الذي فشل مشروعه التجاري الأول، ولكنه رفض الاستسلام للفشل، وقدم له رجل الأعمال مليون يوان آخر. سر النجاح للمبتدئين في الأعمال التجارية كما يصفه ما يون، مؤسس ورئيس على بابا دوت كوم alibaba.com، أشهر موقع تسوق على الإنترنت، هو أن تفعل شيئا لا يجرؤ، أو لا يرغب، الفرد العادي أن يفعله.       

لا شك أن نمو الاقتصاد الصيني بمعدلات عالية وتوفير البيئة السياسية للقطاع الخاص يزكي طموح الشباب ويوفر حافزا لهم للتطلع إلى المستقبل. لقد أصدر مجلس الدولة (الحكومة) في العام قبل الماضي 36 إجراء لدعم نمو الاقتصاد الخاص، وكانت النتيجة أن عدد المشروعات الخاصة في الصين زاد خلال عام ونصف فقط مليونا. إنها حكومة تشجع الشباب ولا عجب أن وصل عدد المشروعات الخاصة في الصين ستة ملايين ومائة وثلاث وثلاثين ألفا، مقارنة مع أربعة عشر ألفا ومائتين فقط في ثمانينات القرن الماضي. اللافت أن 90% من أصحاب تلك المشروعات الخاصة تتراوح أعمارهم بين 33 و57 سنة، ويمثل الموظفون والمدراء والفنيون الذين تركوا وظائفهم الحكومية ثلثي أصحاب المشروعات الخاصة. طموح شباب الصين يرفع قدرات الاقتصاد الصيني حيث تصدر 56 ألف مؤسسة خاصة منتجاتها إلى خارج الصين وتحقق عائدا بالعملات الصعبة لبلادها وصل العام قبل الماضي 531,2 مليار دولار أمريكي، أي 78% من إجمالي عائد صادرات الصين، وتشغل تلك المؤسسات 25 مليون فرد. ولك أن تتخيل وضع البطالة في الصين إن لم تكن الشركات الخاصة موجودة بقوة.

المناخ العام في الصين يشجع الشباب ليس فقط على ممارسة العمل التجاري وإنما العمل الاجتماعي والسياسي، فهذا البلد يتجه بقوة إلى تولي الشباب دفة القيادة، على المستويين الوطني والمحلي. وقد حددت إدارة التنظيمات باللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني أن يكون من بين الأعضاء التسعة للجنة الدائمة للجنة الحزب في كل مقاطعة ثلاثة على الأقل تحت سن الخمسين وواحد على الأقل تحت سن 45 سنة. ويتزايد عدد مواليد ستينات القرن الماضي الذين يتقلدون مناصب سياسية رفيعة، ومن أبرز نماذجهم تشو تشيانغ، رئيس مقاطعة هونان، البالغ من العمر 46 عاما وهو حاصل على ماجستير في القانون، هو تشون هوا -44 سنة-  الأمين العام الأول لسكرتارية اللجنة المركزية لعصبة الشبيبة الشيوعية، وهو حاصل على ماجستير في الاقتصاد الدولي، سون تشنغ تساي- 45 سنة- وزير الزراعة، وهو حاصل على دكتوراه في الدراسات الزراعية. ويتميز جيل القيادة الجديد من الشباب بأن لهم خلفية أكاديمية علمية أفضل من الأجيال السابقة، ويمتلكون رؤية أوسع وخبرة أكبر في الإدارة الاجتماعية ولديهم أيضا الرغبة والقدرة على تحقيق أهدافهم التي تحقق الخير لوطنهم. كل هذا يحدث في بلد كانت ثقافته السياسية تقدر كبار السن، حيث لم يكن يفضل من قبل أن تشغل الوجوه الشابة المناصب القيادية في صناعة القرار اعتقادا بأنهم غير ناضجين بشكل كاف لصنع القرار.

إن هذا الجيل من الشباب، رجال الأعمال والسياسيين، هم ثمار سياسة الإصلاح والانفتاح، وهم أيضا المستفيدون المباشرون من تلك السياسة. ونجاح رجل الأعمال أو السياسي الشاب في الصين لا يتطلب بالضرورة أن يكون الشاب مقربا من فلان، أو أن تربطه صلات ومصالح بصانعي القرار وأصحاب السلطة، الشرط الوحيد للنجاح هو الكفاءة والقدرة، وإذا عززتها خلفية أسرية أو انتماءات سياسية تكون إضافة وليس الأصل.

إن شباب الصين يواجهون مشاكل لا حصر لها، ناجمة عن احتدام المنافسة في مجتمع النجاح فيه للأفضل، ونتيجة تغير نمط الحياة في الصين والضغوط التي تتزايد على الأجيال الجديدة، ولكن يظل الطموح أبرز سمة لهؤلاء الشباب. إنها دعوة مفتوحة للشباب العربي للتعلم من طموح الصينيين وسعيهم الدءوب للارتقاء بالنفس وبالوطن.                        

husseinismail@yahoo.com   

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn