يقع المسجد
الكبير في
شيآن في زقاق
شارع هواتشيوي
بشمالي برج
الحرس بمدينة
شيآن، ويعتبر
أحد المساجد
الكبيرة الأربعة
في الصين. إنه
مجموعة من
البنايات
القديمة التي
تندمج فيها
الثقافة الإسلامية
والصينية.
لحجمه الكبير
تم تسميته
المسجد الكبير،
وبسبب وقوعها
في مقابلة
ثاني أكبر
مسجد بشيآن
هو مسجد هواجيو
شرقا، أطلق
عليه الناس
اسم آخر "مسجد
الشرق".
يقال إن المسجد الكبير بني في فترة أسرة تانغ (618-907 م)، حسب النصب الحجري في داخل المسجد، بني في عام 762 ميلادي أي السنة الأولى لفترة حكم الإمبراطور لي لونغ جي (685-762 م)، لذا يرجع تاريخه أكثر من ألف ومائتي سنة. في أوائل فترة أسرة تانغ، كانت شيآن عاصمة الصين، دخل الإسلام هذه المدينة مع دخول التجار العرب لها من خلال طريق الحرير، كانوا يمارسون التجارة في سوقين الغربية والشرقية واستقروا. شهد الإسلام في شيآن تطورا كبيرا مع استقرار المسلمين أكثر وتكاثر، لا سيما في فترة حكم الإمبراطور لي يو(762-779م)، ابن الإمبراطور لي لونغ جي، حيث رأس قائد من قومية هوي مائتي جندي مسلمين الذين ساعدوا الحكومة في قمع فتنة آنشي، للدخول إلى شيآن واستقروا، من أجل القيام بالنشاطات الدينية والتعبير عن إخلاصهم للدين الإسلامي أنشئوا مسجدا صغيرا وهو اللبنة الأولى للمسجد الكبير في شيآن، ثم بعد ذلك تم توسيعه وإعادة بناءه وترميمه عدة مرات في عهود أسر سونغ ويوان ومنيغ وتشينغ الأمبراطورية بالتتابع، من الرغم أنه لم يحافظ على مظهره الأصلي لعهد أسرة تانغ، إنه يحافظ على حجمه ومظهره في فترة حكم الإمبراطور يونغ له (1402-1424 م) لأسرة مينغ. حاليا مساحته الأرضية 15 ألف متر مربع ومساحة بناءه ستة آلاف متر مرتعا، يعتبر نادرا في الصين نظرا لحجمه الكبير.
يبدو المسجد الكبير في شيآن شبيها بالدار الرباعية الصينية القديمة، حيث توضع جواسيق وبروج وعمارات وقاعات على ترتيب منظم، وفي داخل البنايات تجد عوارض منقوشة وعمود مرسومة، المنظر يوحي بالهدوء والروعة. فإنه أحد الأماكن التاريخية المحمية الهامة على مستوى الدولة، ومن أهم المواقع التاريخية والسياحية العشرة لمدينة شيآن.
يتكون المسجد من أربع دور رباعية متراصة، تتوزع فيها اثنتي وسبعون غرفة من المباني الرئيسية والإضافية توزيعا متناسقا، مما يشكل مجموعة كاملة من البنايات. وللدار الأولي حاجزان جانبان، وراءهما بوابة تذكارية زخرفية من الخشب، توضع في قمتها قراميد مطلية بالطلاء الزجاجي الملون، لها تاريخ أكثر من 360 سنة، قيل إن بناءها من أجل إحياء الذكر للعشرة قواد من قومية هوي الذين كانوا يشاركون جو يوان تشانغ، أول إمبراطوري لأسرة مينغ، في مكافحة ضد حكم أسرة يوان بشجاعة بالغة، ونجحوا في إبادة حكم أسرة يوان وتأسيس أسرة مينغ. إلى الداخل من البوابة يقوم عامود خشبي منقوش جيدا، وهو يواجه ممرا مؤديا إلى الدار الثانية.
في مدخل الدار الثانية قوس بوابة تذكاري من الحجر، وهو يواجه ممرا مؤديا إلى الدار الثانية، هو كبير وذو أربعة عمود حجرية. ينتصب في جانبيه نصبان مقصوران لاستيعاب العمود الحجرية، كتب مي في، الخطاط المشهور في فترة أسرة سونغ، على النصب الأيمن باللغة الصينية "بين السماء والأرض دين"، وكتب دونغ تسي تشانغ، الخطاط المشهور في فترة أسرة مينغ على النصب الأيسر "المسجد الكبير"، إن خطهما قوي وبالتحرر والانطلاق، يعتبر من أعمال الخطوط الصينية النادرة.
أما الدار الثالثة فهي مظللة بأشجار الصنوبر والسرو المخضوضرة ومزدانة بالأزهار الزاهية الألوان. تقع في وسطها قاعة الصلاة تسمى قاعة لي شيو، أقدم قاعات المسجد. ينصب في وسط القاعة نصب صخري يدعى يوبي، يرجع تاريخ هذا النصب إلى فترة حكم الإمبراطور يونغتشنغ (1722-1735 م) لأسرة تشينغ، من ذلك إن الكتابات المنقوشة على النصب الصخري يعود إلى سنة 1745 تزود للمسلمين بمعلومات التقويم الهجري وطريق تحديد بداية شهر رمضان. يقع وراءها برج شينغشين، بمعنى محاسبة النفس، هيكله ثابت وبديع ودقيق، ذو ثلاثة طوابق وثمانية أركان ويرتفع خمسة عشر مترا على الأرض، وهو أعلى بناء للمسجد. قبل صلاة كل يوم يرفع المؤذن الآذان في قمته. بجانبيه غرفتان شمالية وجنوبية، تستخدم كغرفة التدريس للعلوم الإسلامية، تحتفظ في الغرفتين نسخة نادرة بخط اليد من القرآن الكريم يرجع تاريخها إلى فترة أسرة تشينغ(1616م-1911م) ورسم ملون قديم لمكة المكرمة. تقع قاعة الميضأة في الجانب الشرقي لقاعة الصلاة.
يقع في الدار الرابعة، جوسق العنقاء، ذو هيكل مسدس وأفاريز مرتفعة، وهو بناء فريد شبه نصب وشبه عمارة، تعلق على سقف مدخله لوحة نقشت فيها كلمة "الإخلاص" بخط يد الإمبراطور تشو يون ون (1399م - ؟) لأسرة مينغ. على جانبيه جناحان متوازيان متلاصقان مع البناء الرئيسي، يشبه الجوسق عنقاء ينشر جناحيه وينطلق عاليا، لذلك تم تسميه جوسق العنقاء.
تحيط بجوسق العنقاء سلسلة من أعمدة الدرابزون الزخرفية من الطوب. وبجانبي الممر الذي يتصل بالجوسق بحيرتان صغيرتان ذاتا مياه بلون الأخضر، تسمان ببحيرة التفاح الشرقي. يؤدي الممر إلى رصيف المسجد، هو واسع وله سلم حجري من خمس درجات، بنيت قاعة الصلاة فوق الرصيف، مساحتها ألف وثلاثمائة متر مربعا. أنها قاعة واسعة مضاءة ذات شكل ثابت وبنيت في سقفها الخارجي قراميد مطلية بالطلاء الزجاجي الملون تظهر فخاره وجماله، تتلاصق طوب جدران القاعة تلاصقا جيدا تجسد دقة بناءه. عرض القاعة يعادل عرض سبع غرف وطولها يعادل طول تسع غرف وتتسع لألف مصل. قمة القاعة مطلية بالذهب الأصلي، وتعلق على السقف الأمامي للقاعة لوحة تذكارية أهداها الإمبراطور تشو لي من أسرة مينغ لإمام المسجد، إمام عربي اسمه سيد حمد الدين، وترمز هذه اللوحة إلى حراسة قاعة الصلاة. ويُزخرف سقف القاعة الداخلي بستمائة رسم ملون، رُسم كل منها بالاهتمام البالغ في تشكيل الرسم واستخدام اللون، مع ذلك، تجسد الفنون الصينية المسجدية الخاصة. تعلق في عوارض القاعة ودعاماتها لافتاتٌ كبيرة منقوشة عليها آيات من القرآن الكريم، الثلاثون لافتة منها باللغة العربية والثلاثون لافتة منها باللغة الصينية. وهو نسخة نادرة من القرآن المنقوشة بحجم ضخم في العالم. وإنها منظر فريد يثير لإعجاب المسلمين.
تتجلى روعة هذا المسجد في الترتيب المتناسق والمنسجم لمبانيه وكثرة أنصابه الحجرية والهدوء الذي يرين عليه، كما تتجلى في دقة النقوش الزخرفية على أبواب مبانيه الخشبية وجمال مختلف أشكال الثريات المتدلية من سقف قاعة الصلاة.
هناك حكاية حول المسجد الكبير في شيآن تقول إن الإمبراطور تشو دي أمر البحار الصيني العظيم تشينغ خه برأس فريق بحري ضخم لزيارة البلدان التي تقع على سواحل المحيط الهندي، حيث كان يتجاوز عدد الفريق عشرين ألف بحار، غير أن تشينغ خه افتقر إلى مترجم يستوعب اللغة العربية، لذا، سفر من العاصمة نانجينغ إلى المسجد الكبير في مدينة شيآن بقطع ألف كيلومتر، لكي يجد كفئا اللغة العربية. بعد اختبار دقيق، قرر تشينغ خه أن يعين إمام المسجد، هاسان، مترجما عاما للفريق المبعوث. هاسان رجل ذكي ورزين، لم يؤدي مهمته بشكل رائع فحسب، بل دبر لتشينغ خه خطة ساعدته في حل كثير من المشكلات. بعد عودتهم للصين، طلب تشينغ خه من الإمبراطور تشو دي أن يكافأ هاسان لمساهمته الكبيرة، لكن هاسان رفض مكافأة لنفسه، وطلب من الإمبراطور أن يخصص مبلغا لإعادة بناء وترميم المسجد الكبير، وافق الإمبراطور طلبه، وأمر تشينغ خه بتنفيذ هذا المشروع، صمم تشينغ خه مخطط البناء بنفسه، ووظف عاملين ماهرين ومبدعين في البناء، بعد جهودهم المشتركة، ظهر المسجد بوجه جديد تماما.
بعد مرور ألف ومائتي سنة، اجتاز المسجد الكبير في شيآن تقلبات أوضاع السلالة الملكية، حاملا آمال أبناء المسلمين ونيتهم وإخلاصهم للدين، اليوم ما زال مكانا يقيم فيه المسلمون المحليون صلاتهم ويسبحون الله ويسلمون على رسوله تسليما.