ã

"الحرب اللينة" بين الولايات المتحدة وإيران

هوانغ تشينغ

قبل فترة ليست بعيدة، احتشدت حاملات الطائرات الأمريكية في الخليج مثيرة "عواصف شديدة وأمواجا عالية"، وقالت أجهزة الإعلام إن حربا قابلة للانفجار في أي لحظة بين إيران والولايات المتحدة. لقد مضت على ذلك عدة أشهر ولم تنشب الحرب، وتوارت تدريجيا التنبؤات بنشوب الحرب. وهنا نذكِّر بأن الحرب ما هي إلى استمرار للسياسة.

قبل فترة نشرت جريدة ((الأنباء)) الأسبوعية اللبنانية مقالا طرح وصفا جديدا للمواجهة الأمريكية الإيرانية، حيث تحدث عن دخول الولايات المتحدة وإيران مرحلة حرب باردة شاملة، بينما وصفت أجهزة الإعلام الإيرانية الاستراتيجية الأمريكية تجاه إيران بأنها "حرب لينة" هدفها الإطاحة بالنظام الإيراني الحالي. وفي ذات الوقت، حذر محللون أمريكيون من العواقب الوخيمة لتوجيه ضربة عسكرية أمريكية مباشرة لإيران، وصعوبة التنبؤ بنجاح أو فشل تلك الضربة. كل ذلك يعني أن الأمريكيين والإيرانيين  ينتهجون أسلوب حرب باردة بينهم، ليعيد كل منهما ترتيب أوراق قوته واتخاذ إجراءات غير معلنة، بهدف تحقيق وضع استراتيجي في صالحه.

وقد لجأت الولايات المتحدة مؤخرا إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات المضادة لإيران في الشرق الأوسط، ومن ذلك:

أولا، تعزيز دعمها لتقوية ما تسميه بـ"محور المعتدلين" في العالم العربي، حيث أقرت الإدارة الأمريكية خطة لصفقة أسلحة ضخمة لدول عربية لتحقيق توازن مع تنامي محور الهلال الشيعي.

ثانيا، زيادة الإجراءات العقابية لإيران، ومن ذلك الطلب إلى المجتمع الدولي بفرض عقوبات على الأجهزة المصرفية الإيرانية وقوات الحرس الثوري الإيراني.

ثالثا، شن حرب دعائية ونفسية ضد إيران، ودعم قوى المعارضة داخل إيران، وتنظيم نشاطات سرية معارضة لإيران والسيطرة على الوضع المصرفي الإيراني.

رابعا، القبض على ما تسميهم واشنطن "عملاء إيران" في العراق، ومحاولة تحجيم النفوذ الإيراني في العراق.

خامسا، الحفاظ على قوتها العسكرية في الخليج لتوجيه ضربة سريعة لإيران.

ويرى محللون أن الميزان الاستراتيجي في الشرق الأوسط يميل لصالح إيران حاليا، للأسباب التالية:

أولا، أن الولايات المتحدة قضت على قوات طالبان المسلحة في أفغانستان ونظام صدام حسين بالعراق، وهما من خصوم طهران.

ثانيا، فوز حركة حماس الفلسطينية المدعومة من إيران في الانتخابات الفلسطينية العام الماضي، وثبات حزب الله الموالي لإيران في لبنان أمام العدوان الإسرائيلي، وإظهاره قدرات قتالية كبيرة.

ثالثا، تنامي التعاون بين إيران وتركيا في مجال الطاقة وقمع الانفصاليين الأكراد، مما حسن الوضع الجيوسياسي لإيران.

رابعا، الانقسام في المعسكر المضاد لإيران حول مشكلة العراق والمشكلة النووية الإيرانية. والانخراط المتزايد للاتحاد الأوروبي والوكالة الدولية للطاقة الذرية في بذل الجهود لحل المشكلة النووية الإيرانية بالتفاوض، إضافة إلى دعوة  نخبة من المفكرين والسياسيين السابقين في بريطانيا وأستراليا إلى ضرورة إشراك إيران وسورية في حل مشكلة الشرق الأوسط.

بعد حرب العراق شهدت البيئة السياسية والجيوسياسية والاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط تغيرات هائلة. ولب المواجهة الأمريكية الإيرانية هو الصراع على من يقود دفة التغيرات في المنطقة. لكن الاستراتيجية التي انتهجتها واشنطن في العراق هي التي مهدت الطريق للقوى المناوئة للولايات المتحدة، وإن كانت واشنطن حاولت بكل جهودها كبحها، فإن التناقضات الداخلية في هذه الاستراتيجية واضحة، لذلك أصبحت في موقف سلبي. بالنسبة لإيران، فهي في وضع يتماشى مع التغيرات والتطورات، ومن ثم فإنها تمسك بزمام المبادرة. بالنسبة للولايات المتحدة، يبدو أن هدفها الاستراتيجي المتمثل في "محاولة تحقيق انتصار كبير" ليس واقعيا، فما ينبغي أن تفكر فيه هو "تقليل الخسائر والسيطرة على الأخطار والأزمات"، وهي فكرة طرحتها عقول أمريكية رصينة. أما بالنسبة لإيران، فإن جوهر حفاظها على المبادرة يتمثل في كيفية الاستفادة من تغيرات الوضع بذكاء، وعدم تجاوز الحد.

ستستمر المجابهة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإيران بأسلوب "الحرب اللينة"، والسبب هو أن "تطلعات" الدولتين بينهما تعارض هيكلي. ولكن هل ستتحول هذه الحرب اللينة إلى "حرب صلبة"؟ الإجابة على هذا السؤال تعتمد على مدى تمسك كل منها بمصالحه الاستراتيجية بصورة عاقلة.  وهل يمكن أن تخف حدة "الحرب اللينة"، ويظهر "انفراج استراتيجي"؟ هذا احتمال قائم، ويعتمد هذا الاحتمال على استعداد كل منهما لتعديل "تطلعاته" إلى مستوى يمكن أن يقبله الطرف الآخر. وقد يكون على الولايات المتحدة أن تتخلى أولا عن هدف تغيير النظام الإيراني، لأن ذلك يمس المصالح العليا للدولة الإيرانية.

 

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn