ã

الخزف الأزرق شاهد على الصداقة الصينية العربية

هاي جيون ليانغ

الخزف الأزرق، الذي اخترعه الصينيون وأبدعوا في صناعته، دُرة في تاريخ الخزف الصيني وكنز فني عالمي.

تصنع بطانة الخزف الأزرق بالصلصال الفخاري، وترسم عليها تصميمات زخرفية بالكوبالت، ثم تطلى بالمينا (الطلاء الزجاجي)، وأخيرا، تحرق البطانة في درجة حرارة 1300 درجة مئوية لتثبيت وتشكيل الخزف الأزرق، ولهذا فإن الخزف الأزرق يعتبر خلاصة الجمع ببن التراب والنار وبلورة لاجتهاد وحكمة الشعب الصيني.

ظهر الخزف الأزرق في فترة أسرة تانغ (618- 907م)، وتطور في فترة أسرة سونغ (960- 1279م)، ونضج في فترة أسرة يوان (1271- 1368م)، وحافظ على ازدهاره منذ أسرتي مينغ (1368- 1644م) وتشينغ (1644- 1911م) إلى الآن. إنه تجسيد للثقافة الصينية المشرقة وكنز فني لكل العالم.

يتميز الخزف الأزرق بألوانه المتناسقة وأناقته الواضحة وتصميماته الزخرفية تحت المينا المقاومة للتآكل، فيمكن حفظها لمدة طويلة. لكل هذا ظل الإقبال على الخزف الأزرق كبيرا وحرص على اقتنائه النبلاء وأصحاب الذوق الرفيع من مختلف دول العالم، حيث أضحى رمزا لنفوذهم ومكانتهم. وبسبب شغفهم بالخزف الصيني، كان النبلاء يطلبون من الحرفيين تقليده، ولكن، هؤلاء لم يجيدوا صنع الخزف المتين والجميل، فأصبح الخزف الصيني لغزا وسرا من أسرار الصين، وصار الخزف يسمى "China"، أي الصين، في كل العالم.

سجل اختراع الخزف الصيني صفحة مشرقة في تاريخ الحضارة الإنسانية، وإذا كانت قيمته لا تقدر بثمن إلا أن الأسعار التي تدفع في قطع الخزف الصيني مؤشر لقيمة هذا الكنز الفني. في نوفمبر عام 1997، باعت دار كريستي للمزادات بهونغ كونغ إناء "يويهو تشونبينغ" الخزفي من فترة حكم الإمبراطور هونغ وو (1368- 1398م) في أسرة مينغ، وهو إناء بطانة المينا له حمراء وعليه رسوم لزهور الفوانيا الشجرية، بمليونين وثمانمائة ألف دولار أمريكي، وقد قال بعض الخبراء وقتها إن هذا السعر مرتفع ولا مجال لارتفاع جديد في سعره، ولكن، في مايو عام 2006، بيع الإناء في دار كريستي بهونغ كونغ مرة أخرى بعشرة ملايين وستمائة ألف دولار أمريكي. وفي يوليو عام 2005، بيع إناء "قويقوتسي شياشان" الخزفي الأزرق من فترة أسرة يوان بثلاثين مليون وستمائة ألف دولار أمريكي بدار كريستي للمزادات بلندن.

الخزف الأزرق الصيني، الذي يحتل مكانة مهيمنة في السوق العالمية للخزف، له ارتباطات عديدة مع العرب، في المسيرة الطويلة لإتقان صنعه وتسويقه خارج الصين، وكان الخزف الأزرق شاهدا على الصداقة الصينية العربية.

كانت صبغة الخزف الأزرق تُنتج في بلاد العرب، وقد أثرت الألوان المختلفة لمواد الكوبالت في القيمة الجمالية والذوق الفني للخزف الأزرق. كانت صبغة الخزف الأزرق التي استخدمت في بداية فترة أسرة يوان هي "تو تشينغ"، وكلمة تشينغ تعني بالصينية الأزرق، أما في أواسط فترة أسرة يوان، فاستخدمت، خاصة في الأواني الخزفية للأسر الإمبراطورية التي تنتج بالقمائن الحكومية، صبغة زرقاء اسمها "السماري"، من منطقة سامراء ببلاد الرافدين. وتسجل وثيقة ((كويتيان وايشنغ)) من فترة أسرة مينغ أن صبغة "السماري" الزرقاء استخدمت في صنع الأواني الخزفية الزرقاء الخاصة للقصر الإمبراطوري منذ فترة حكم الإمبراطور يونغ له (1403- 1424م) حتى فترة حكم الإمبراطور شيوان ده (1425- 1435م). كما سميت صبغة "السماري" أيضا "هوي هوي تشينغ"، أي اللون الأزرق لقومية هوي في الصين، وقد ورد ذكرها باسم "سونيبوه تشينغ" في مقدمة وثيقة ((ينشي تشنغياو)) من فترة أسرة يوان. وبفضل سياسة الانفتاح على الخارج التي طبقتها حكومة أسرة يوان، حمل التجار العرب الأحجار الكريمة والعطور إلى الصين وعادوا إلى بلادهم بالحرير والخزف الصيني عبر طريق الحرير القديم. وفي تلك الأثناء لاحظوا أن صبغة "السماري" أجمل من الصبغة التي كانت مستخدمة في الصين، فنقلوها من بلاد الرافدين إلى الصين، ومن نتيجة ذلك أن صناعة الخزف الأزرق وصلت إلى قمة تطورها. وقد أثبتت اختبارات كيميائية أجريت داخل الصين وخارجها على الخزف الأزرق، أن صبغة "السماري" اشتملت على قليل من عنصر المنغنيز وكثير من عنصر الحديد، وعندما تسيل الصبغة في درجة الحرارة العالية، يطلى سطح بطانة الخزف بها فيصبح لونه أزرق قاتما، وتتلاشى الصبغة بشكل طبيعي، وتتبلور بقع سوداء لامعة على أجزاء السطح الكثيفة الصبغ، وتكون هذه الأجزاء مجسمة وغير مستوية. لذلك، وبفضل خصائصها الفريدة، استخدمت صبغة "السماري" في قمائن الخزف الحكومية على نطاق واسع في فترتي يوان ومينغ. وتجدر الإشارة إلى أن تشنغ خه، الذي قام بسبع رحلات بحرية إلى غربي الصين في الفترة بين عام 1405 وعام 1433، في فترة أسرة مينغ، عاد من بلاد العرب بكمية ضخمة من صبغة "السماري" التي استخدمت في صنع الخزف الأزرق على نطاق واسع في أواسط وأواخر فترة أسرة يوان وأوائل وأواسط فترة أسرة مينغ، مما فتح صفحة مشرقة في تاريخ الخزف الأزرق الصيني. ولكن، بحلول أواخر فترة أسرة مينغ، انقطعت إمدادات صبغة "السماري"، وتحديدا سنة 1470، فصارت الصبغة الزرقاء الصينية هي التي تستخدم في صنع الخزف الأزرق.

ومن ناحية أخرى، تضمنت التصميمات الزخرفية للخزف الأزرق أساليب زخرفية عربية، حيث ظهرت تصميمات زخرفية وحروف عربية وفارسية على سطح الخزف الأزرق. ومن ذلك إبريق خزفي أزرق بمقبض من فترة أسرة مينغ، موجود في معرض هونغشي الفني بتايبي، كتبت على فوهته عبارة بالفارسية تعني أن هذا الإبريق صنع لأمير فارسي 1035هـ (1625م). وفي معرض تيانمينلو بهونغ كونغ طاسة خزفية زرقاء من فترة حكم الإمبراطور يونغ له لأسرة مينغ، مكتوب على سطحها "الحمد لله". وفي أحد متاحف إيران إناء خزفي أزرق من فترة أسرة يوان مكتوب عليه بخط يد واحد من ملوك الفرس. إضافة إلى ذلك، يوجد في متحف العاصمة ببكين إناء "لينغتشي كايقوانغ" الخزفي الأزرق، مكتوب عليه عبارة "حلوى المؤمن". ومن المرجح أن الأواني الخزفية من هذا النوع، وهي كثيرة، صنعت للبيع في بلاد العرب. أما زخرفة الخزف الأزرق بالحروف العربية والفارسية، فبدأت في أواسط فترة أسرة يوان، واستمرت إلى أواخر فترة أسرة مينغ. ويوجد حاليا في متحف القصر الإمبراطوري ببكين أكثر من عشرين إناء خزفيا مزخرفا بالحروف العربية والفارسية من فترة حكم الإمبراطور تشنغ ده (1506- 1521م) لأسرة مينغ. ويوجد في متحف شانغهاي ومتحف القصر الإمبراطوري بتايبي والمتاحف باليابان ودول الشرق الأوسط كثير من الأواني الخزفية من هذا النوع، وهي دليل على التبادل الاقتصادي والثقافي الودي بين الصين والدول الإسلامية في فترتي يوان ومينغ.

تأثر تشكيل الخزف الأزرق بالأساليب العربية. ومن أجل الاستجابة لمطالب السوق العربية والتجار العرب، صنع عدد هائل من الأواني الخزفية في فترتي يوان ومينغ يتفق مع الذوق العربي. ويوجد حاليا في متحف التاريخ الصيني إبريق خزفي أزرق بمقبض، شكله البديع يختلف بوضوح عن تشكيل الخزف الصيني التقليدي، حيث يظهر فيه بجلاء التأثير الأجنبي. ويستخدم العرب الأباريق من هذا النوع لغسل الأيدي والأقدام أو سقي الزهور، ويسمي المسلمون الصينيون الأباريق من هذا النوع "إبريق تانغبينغ"، الذي ترى صوره على لوحات مطاعم ومتاجر الأطعمة الإسلامية. وتحفظ في متحف مقاطعة شانشي مبخرة خزفية زرقاء بثلاث قوائم، مزخرفة بحروف عربية، صنعت في داتونغ عام 1328. وهناك مبخرة خزفية زرقاء بثلاث قوائم أخرى، مزخرفة بحروف عربية، وتحفظ الآن في متحف القصر الإمبراطوري ببكين، وهما نموذجان للأواني الإسلامية. وفي متحف القصر الإمبراطوري ببكين إناء خزفي أزرق مزخرف بحروف عربية من فترة حكم الإمبراطور يونغ له لأسرة مينغ، صنع على غرار الأواني المعدنية الإسلامية. وفي متحف طوب قابي (Topkapi) بتركيا طاسة "تشنباو" من الخزف الأزرق، يرجع تاريخها إلى فترة أسرة يوان، قطرها 5ر40 سنتمترا، كما يوجد بمتاحف تركيا وإيران صواني خزفية زرقاء كبيرة يرجع تاريخها إلى فترة أسرة يوان، أكبرها صينية قطرها 57 سنتمترا. وهذه الأواني الخزفية الزرقاء الكبيرة لها علاقة بعادات الأكل للمسلمين بآسيا الوسطى والغربية. وحسب كتاب ((ينغتشو شنغلان)) الذي ألفه ما هوان في فترة أسرة مينغ، صنعت هذه الأواني خصيصا لتناول المنسف، الطعام المشهور عربيا.

كانت صادرات الخزف الأزرق الصيني تباع في بلاد العرب رئيسيا، ولكن في فترتي يوان ومينغ، كانت تصدر إلى كل العالم. وتوجد حاليا في العديد من المتاحف بالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ومصر واليابان أوان خزفية زرقاء صينية. ويبلغ عدد أواني الخزف الأزرق الموجودة حاليا في متاحف العالم أكثر من ثلاثمائة إناء من فترة أسرة يوان، منها أكثر من مائة في الصين، و80 إناء في متحف سراي طوب قابي بإسطنبول في تركيا، و37 إناء في متحف الآثار بطهران في إيران. ومعظم أواني الخزف الأزرق من فترة أسرة يوان المحفوظة في الصين صغيرة الحجم، أما الأواني البديعة الثمينة الكبيرة، فكانت تصدر إلى الشرق الأوسط وغربي آسيا والمناطق الساحلية بشرقي أفريقيا، وهذا دليل على ازدهار التبادل الاقتصادي والثقافي بين الصين وبلاد العرب في فترتي يوان ومينغ.

لكل ذلك، نستطيع أن نقول إن الخزف الأزرق الصيني، له روابط وثيقة مع العرب من حيث الصبغ والزخرفة والشكل والبيع والاقتناء. كما أن التبادل التجاري المزدهر بين الجانبين دفع تطور الخزف الأزرق الصيني بشكل بارز.

 

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn