ã

رمضان كريم ولو في الصين

إسحاق جيا بنغ

صلاة في أول رمضان

أسرة يانغ في نيوجيه

 خطاب الوعظ في شهر رمضان

 

صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته

 

شهر رمضان الذي بدأ في الثالث عشر من الشهر الماضي سيكون الثاني عشر من أكتوبر هو المتمم له، حسب الجمعية الإسلامية الصينية، التي تحدد بداية ونهاية شهر الصيام بالاعتماد على الحسابات الفلكية والتقويم القمري الصيني والتقويم الإسلامي، وتخطر جميع المساجد الأربعة والثلاثين ألفا في أنحاء الصين ببداية ونهاية الشهر ليستعد العشرون مليون وثلاثمائة ألف مسلم صيني لإحياء الشهر الكريم.

قد لا تشعر بأي أجواء دينية في طرقات وشوارع بكين خلال رمضان، ولكن في المناطق التي بها تجمعات للمسلمين، تشعر بأجواء رمضانية قوية في الشوارع والمساجد التي ترتدي حلة بهية احتفاء بالشهر المبارك. ويعتبر المائتان وخمسون ألف مسلم في بكين شهر رمضان أسعد وأكرم شهر طوال السنة، ويحرص معظمهم على صيامه، ويقضون الشهر في جو هادي وسعيد ومتناغم.

 

الصيام ماديا وروحيا

قبل فجر أول يوم من رمضان قصد الحاج داود تشاو يونغ تشينغ، إمام مسجد آندينغمن بوسط بكين، إلى المسجد، حيث أَم عشرات من المسلمين في صلاة الفجر، بعد أن تناولوا سحورهم معا في المسجد، وكان طعاما بسيطا من الكعك والحلويات التقليدية والشاي الأخضر.

بعد الإفطار، يتوافد المسلمون معتمرين قبعات بيضاء إلى أقرب مسجد من بيوتهم، لأداء صلاة التراويح، وتبادل التحية والتهنئة والدعاء بقضاء رمضان بسلامة. وتقيم بعض المساجد مآدب إفطار للمسلمين في كل أيام رمضان، ويكون وقت الإفطار لقاء وتسلية للمسلمين بعد نهاية يوم الصيام.

وعن صلاة التراويح قال الحاج تشاو: "نصلي التراويح عشرين ركعة، وبين كل ركعتين نردد دعاء (يا مقلب القلوب والأبصار ويا خالق الليل والنهار) ثلاث مرات، وبين كل أربع ركعات نحمد الله- تعالى- قائلين (سبحان ذي الملك والكبرياء والجبروت؛ سبحان الملك الحي الذي لا يموت، سبوح قدوس رب الملائكة والروح) ثلاث مرات أيضا. وأما آيات القرآن الكريم التي نقرأها في صلاة التراويح، فتبدأ من سورة الفيل حتى سورة الناس مرتين، وبعد ثماني عشرة ركعة نقول: (لا إله إلا الله الملك الحق المبين، محمد رسول لله السيد الصادق الأمين)، وبعد عشرين ركعة نقول: (اللهم إنا نسألك الجنة، ونعوذ بك من النار، يا مجيد، يا أرحم الراحمين)، وبعد ذلك نصلي صلاة الوتر جماعة ونقرأ الذكر ونتوجه بالدعاء إلى الله تعالي في النهاية."

وقال الشيخ هلال الدين تشن قوانغ يوان، إمام مسجد دونغسي ببكين ورئيس الجمعية الإسلامية الصينية: "صيام المسلمين الصينيين في شهر رمضان ليس امتناعا عن الشرب والأكل فحسب، بل عن كل سلوك مشين، فالصيام، كما نفهمه، ليس ماديا بقدر ما هو روحي!"

وتنظم المساجد نشاطات دينية أخرى مثل تلاوة القرآن الكريم قبل صلاة التراويح، وأحيانا يأتي لهم أحد القراء العرب لتلاوة القرآن الكريم. وفي ليلة القدر يتجمع المسلمون في المساجد للاحتفال بليلة القدر المباركة.

الشيخ لي تشي هوي، نائب رئيس الجمعية الإسلامية بحي شيوانوو في بكين، تجده دائما مشغولا في النهار في اجتماعات كثيرة واستقبال الزوار من المواطنين، إضافة إلى الأعمال اليومية للجمعية. رغم أعماله الكثيرة وعمره المتقدم، ما زال متمسكا بالصوم، قال: "منذ عام 1984 حتى اليوم، أصوم شهر رمضان، فوق ذلك، أصوم شهرين تطوعا. أعتقد أنه لا تناقض بين العمل والصيام. عندما يحين وقت الصلاة، أذهب إلى المسجد وأصلي وأرجع، وكل هذا يستغرق نصف ساعة، وإذا كنت مشغولا في عملي ولا أستطيع أداء الصلاة في وقتها، أؤديها لاحقا في المساء بعد أن أرجع إلى بيتي. وزملائي غير المسلمين، من قومية هان، يحترمون عقيدتي كثيرا ويقدمون لي التسهيلات في كل النواحي، فهم لا يشربون ولا يأكلون أمامي نهارا، ويحثونني على ترك عملي لهم عندما أذهب إلى المسجد للصلاة."

والحقيقة أن غير المسلمين في الصين يحترمون عادات المسلمين كثيرا. هانغ أن ليانغ، عجوز مسلم عمره 91 عاما، يعيش طوال حياته في شارع بايتشيفانغ، قال متأثرا: "بفضل استقرار المجتمع الصيني والتضامن بين مختلف القوميات والتطور الاقتصادي السريع، يقضي المسلمون الصينيون شهر رمضان في سعادة ومودة، حيث يعد المسلمون أطعمتهم الرمضانية ويقدمونها إلى جيرانهم غير المسلمين من قومية هان، بينما يقدم أبناء قومية هان الأطعمة الإسلامية المتنوعة والهدايا الأخرى للمسلمين في العيد".

وعن ذلك قال الشيخ هلال الدين، إنه مع زيادة قوة الصين وارتفاع مستوى معيشة الشعب، يمكن للمسلمين الصينيين أن يعيشوا في راحة وطمأنينة وأن يتمتعوا بحرية العقيدة.

 

 

 رمضان الآن غير رمضان زمان

شارع نيوجيه هو أكبر تجمع للمسلمين ببكين، حيث يقطن هذا الشارع اثنا عشر ألف مسلم. وفي شهر رمضان يصلي أكثر من ألف مسلم في مسجد نيوجيه، أكبر مساجد بكين. وفي عيد الفطر العام الماضي، بلغ عدد الذين أدوا صلاة العيد به أكثر من أربعة آلاف مسلم افترشوا ساحة المسجد والشارع الذي أمامه، ومن حولهم حشود من الناس بلغ عددهم ثلاثين ألفا، يراقبون هذا المشهد الجليل.

زرنا بيت يانغ تشي بين، وهو عجوز من قومية هوي ومن سكان نيوجيه الأصليين. الجد يانغ وزوجته تجاوزا السبعين من العمر ولهما ثلاث بنات، أصغرهن تجاوزت الخمسين، وللأسرة حفيدان وحفيدة أيضا، كل أفراد الأسرة مخلصين لدينهم ويصومون شهر رمضان. وهم راضون عن حياتهم ويقضون شهر رمضان في سعادة، ولكن ذكريات الأيام الصعبة الماضية مازالت ماثلة في أذهانهم.

الشيخ يانغ تشي بين، قال إن مسلمي نيوجيه كانوا يعانون في سبعينات القرن الماضي من مشكلة ضيق مساكنهم، فأسرته المكونة من خمسة أفراد كانت تعيش في غرفة قديمة مساحتها 13 مترا مربعا، خالية تماما من أي قطعة أثاث غير السرير. في شهر رمضان، كانوا يتخذون من السرير مائدة للطعام يتناولون إفطارهم عليه. ظل هذا الوضع حتى التسعينات، حيث أنجز مشروع إزالة البنايات القديمة وتوسيع الشارع. في عام 1999 انتقلت أسرة الشيخ يانغ، وغيرها، إلى بيوت جديدة في عمارة ترتفع عشرين طابقا، وتزوجت البنات وكونت كل منهن أسرتها الصغيرة، واشترت كل واحدة شقة مساحتها 80 مترا مربعا. زادت المساحة السكنية وارتفع مستوى المعيشة، لكن عادات الأسرة في شهر رمضان لم تتغير، فالكل يأتي إلي بيت الجد يانغ للاستمتاع بسعادة الصيام وتناول الإفطار معا.

تحسنت الأحوال المعيشية للمسلمين بشارع نيوجيه كثيرا، ولعل الدموع التي ترقرقت في عيني السيدة ما بن، زوجة الجد يانغ تشي بين، عندما تذكرت حياة أمها الفقيرة في سنوات ما قبل خمسينات القرن الماضي خير تعبير عن التحول الهائل في حياة هؤلاء الناس. قالت الجدة ما بن: "كانت حياة المسلمين بشارع نيوجيه صعبة، وكان الاحتفال بشهر رمضان وعيد الفطر حلما بعيد المنال. وكنت في ذلك الوقت (قبل الخمسينات) أعمل في مصنع خياطة مملوك للرأسماليين. كان راتبي بضعة يوانات في الشهر، كنت أعيل بهما أسرتي، ولم يكن لأمي مصدر دخل فكانت تعتمد عليَ، ولكنها كانت تخجل أن تطلب مالا، فكانت تأتي إلى بيتي يوم تسلمي راتبي، وتؤكد أنها جاءت لمساعدتي في رعاية أطفالي، وليس طلبا للمال..." بكت ما بن حزنا لأن أمها لم تعش يوما سعيدا، وبكت سعادة لأن أولادها وأحفادها يعيشون حياة هانئة. واصلت حديثها: "اليوم، أصبحت حياتنا ميسورة، أستلم كل شهر معاش التقاعد، وبناتي يقدمن لي مبلغا من المال، لم نعد نواجه أزمة مالية في شهر رمضان".

ابنتهما الكبرى يانغ شياو يوه، 53 عاما، التي تعمل مديرة تسويق بشركة إيلي للحليب، قالت: "للأسف الشديد، لا أصوم شهر رمضان لأن لدي أعمال كثيرة جدا ولا أستطيع أن أجد وقتا للصلاة، وتعويضا عن ذلك أتصدق بمبلغ من المال للمسجد، كفارة. وبصفتي مديرة في شركة، لا أجد في الغالب وقتا كافيا حتى للطبخ. من قبل، كنت أقلق كلما يقترب موعد الإفطار ولا أدري ما إذا كنت سأجد المأكولات الرمضانية مثل سانتسي (شرائح عجين مقلية بالزيت) وماهوا (الزلابية)، حيث كانت تنفد من دكاكين شارع نيوجيه بسرعة، لأنها كانت تُصنع يدويا والمعروض منها قليل، أما اليوم، مع تطور قطاع المأكولات والمطاعم الإسلامية، تُصنع الأطعمة الإسلامية بكافة أنواعها وأشكالها آليا، لذا، صار من السهل على المسلمين أن يشتروا أطعمة الإفطار خارج البيت في شهر رمضان."

وقد حمل رمضان هذا العام خيرا كثيرا للثلاثة أحفاد في أسرة يانغ. الحفيد الكبير دو يانغ،26 عاما، ابن الابنة الكبرى، وهو ممرض في مستشفى فوواي لأمراض القلب والأوعية الدموية، اشترى سيارة جديدة وقد قال: "أحب السيارات منذ طفولتي، في رمضان حققت حلمي بعد أن حصلت على قرض من البنك. لم يصدق جداي ووالداي أنني اشتريت سيارة، فقط كان من الصعب عليهما في السابق شراء حتى دراجة بثلاث عجلات. في عطلة نهاية كل أسبوع في شهر رمضان، آخذهم جميعا بسيارتي إلى ضواحي بكين للسياحة والصيد، ونتناول الإفطار هناك". أما الحفيد الثاني، ما مينغ، 22 عاما، ابن البنت الثانية، الذي تخرج في الجامعة، فقد وجد عملا في شركة قريبة من بيته. والحفيدة الصغرى، ما ينغ، 18 عاما، تسلمت إخطار القبول بجامعة ليانخه ببكين، وقالت متأثرة: "ذلك بفضل جهودي وسياسة الصين التفضيلية للأقليات القومية في القبول بالجامعات. وجائزة أسرتي لي بمناسبة نجاحي، رحلة لنا جميعا إلى مدينة تشينهوانغداو الساحلية للسياحة بعد عيد الفطر."

هذه أسرة عادية مثل آلاف الأسر المسلمة ببكين وبالصين.

 

حرية دينية

منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، يتمتع المسلمون بحرية عقيدة كاملة، فالحكومة تحترم عاداتهم الدينية، والقانون والدستور يحمي عقيدتهم. وضعت الصين منذ عام 1978 سلسلة من السياسات الصحيحة للتعامل مع الأقليات القومية، ومن ذلك منح أبناء القوميات المسلمة إجازة لمدة يوم واحد خلال شهر رمضان. ويقوم كثير من قادة الدولة بزيارة مساجد بكين في شهر رمضان لتهنئة المسلمين ومشاركتهم في احتفالاتهم. ولا ينسى أبناء نيوجيه الزيارات التي قام بها رئيس اللجنة الوطنية للمؤتمر الاستشاري السياسي السيد جيا تشينغ لين لهم في أيام الأعياد في السنوات الأخيرة، والتي بلغ عددها ثلاث عشرة زيارة.

قال الشيخ هلال الدين تشن قوانغ يوان: "تعمل الحكومة الصينية على تقديم مختلف المساعدات مثل تحسين ظروف المساجد والاستعداد للنشاطات الاحتفالية في شهر رمضان للتسهيل على المسلمين، فالحكومة مثلا تقوم بإعادة تنظيم حركة المرور في شارعي نيوجيه ودونغسي في الأعياد حيث يتم تحويل مسارات خطوط الأتوبيسات العامة التي تمر بالمساجد إلى طرق أخرى لتخفيف الزحام، ويزور الكوادر وقادة الشرطة بيوت المسلمين دائما لاستطلاع أحوال حياتهم، وإذا تصادف أن كان من في البيت يصلي، يتوقف الزائر وينتظر عند الباب حتى يفرغوا من صلاتهم.

حسب لجنة الشؤون القومية ببكين، يوجد في المدينة حاليا 766 محلا خاصا للأطعمة الإسلامية و1222 منفذا في حوالي مائتي سوبر ماركت لبيع اللحوم الحلال التي تخضع لفحص صحي صارم من أجل ضمن سلامة أغذية المسلمين.

 

 

رمضان في شمال غربي الصين

يانغ تشي بينغ

المعلمات جين ياو شيان وليو بينغ وما تشوانغ قوي مع أبناء القرى

الأستاذ ما شي توه في يبدع لوحة خط

حل مشكلة المياه للمسلمين

مقارنة مع حواضر الصين الكبرى، تكون مظاهر الاحتفال والاحتفاء بشهر رمضان أكثر في شمال غربي البلاد، حيث يعيش عدد كبير من المسلمين. ((الصين اليوم)) اقتربت من أبناء الشمال الغربي في أيام الشهر الكريم، وسجلت قصصا مؤثرة وأعمالا تفيض خيرا وودا ورحمة.

 

إنما المسلمون أخوة

جين ياو شيان وليو بينغ وما تشوانغ قوي وما تشونغ مي، أربع معلمات في مدرسة لانتشو الثانوية للغة العربية، يدرس على أيديهن ستون طالبا وطالبة في أربعة صفوف، اللغة العربية، إضافة إلى مادتي القرآن والحديث. تنهض السيدات الأربع مبكرا في أيام شهر رمضان، ويوقظن أزواجهن وكل أفراد الأسرة كي يؤدوا صلاة الفجر جماعة. في شمال غربي الصين، يكون طعام السحور غالبا مأكولات مصنوعة من القمح إضافة إلى لحم الغنم والشاي الأخضر الخ، بعد تناول السحور، يقرءون الدعاء ويبدءون صوم يومهم.

شهر رمضان هذا العام له مغزى خاص بالنسبة للمعلمات الأربع، حيث قررن، بمناسبة رمضان، تقديم مساعدات لبعض القرى الفقيرة في محافظة قوانغخه بمقاطعة قانسو التي تعرضت لفيضان شديد. قدمت المعلمات تبرعا من أموالهن وقمن بحملة لحث طلاب المدرسة والمعارف لجمع التبرعات للقرى المنكوبة. وقد استجاب الطلاب لدعوتهن، فأخرجوا ما في جيوبهم، ووصلت تبرعات المدرسة ثمانية آلاف يوان، اشترين بها أدوات دراسية وكتبا في العلوم الإسلامية، وتبرع أزواجهن بمبلغ يكفي لشراء مائة ملبس جديد ومائة سجادة صلاة، كما تبرع بعض الطلاب بمفروشات وملابس مستعملة لأبناء تلك القرى الفقيرة.

في آخر يوم من شهر أغسطس توجهت جين ياو وليو بينغ وما تشوانغ قوي ومعهن أكثر من عشرة من طلابهن إلى المنطقة الجبلية بمحافظة قوانغخه التي تبعد 80 كيلومترا عن مدينة لانتشو، ومعهم 120 حقيبة بها أكثر من ثمانمائة ملبس ومائة قطعة من القماش الجديد ومائة مجموعة من الكتب الإسلامية، لزيارة 118 أسرة في ثلاث قرى وتقديم تلك المعونات لهم. استقبلهم أبناء القرى ببهجة وسرور وشعروا بأن المسلمين أخوة قولا وفعلا.

في مسجد محافظة قوانغخه، قامت معلمات وطلاب مدرسة لانتشو بتوزيع المعونات على أهل القرية، وشجعوهم على العمل مذكرين إياهم بأن الإسلام يحث على العلم، فقد قال الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم: اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد. وقالوا لهم: على جميع أبناء القرية المسلمين أن يتغلبوا على الظروف الطبيعية القاسية، ويثبتوا عقيدتهم ويجتهدوا في دراسة العلوم الإسلامية، من أجل رفع قوتهم والتخلص من الفقر."

 

قرية متناغمة

ما تشيوان تساي، مسلم من قومية هوي، عمره 45 عاما، صاحب شركة منسوجات في محافظة قوانغخه الذاتية الحكم لقوية هوي بمقاطعة قانسو. عندما علم أن بعض القرويين ببلدته ما زالوا يعيشون تحت خط الفقر، دعا جميع المسلمين في المحافظة إلى تنظيم حملة لمساعدة الفقراء قبيل شهر رمضان، وجمع بالتعاون مع أربعة من أصحاب الشركات الأخرى أكثر من عشرة آلاف دولار أمريكي، اشتروا بها ألف كيس من الطحين و3200 كيلوجرام من الزيت، ووزعوها على أربعمائة أسرة فقيرة في المحافظة. قالت واحدة من أهل القرية: "حصلت أسرتنا على كيسين من الطحين وخمسة كيلوجرامات من الزيت. لقد جاءت هذه المعونة في وقتها، فشهر رمضان على الأبواب، فبهذه المساعدة نستطيع أن نقضيه دون أن نشعر بالجوع والبرد."

بسبب الفقر، لم تستطع لجنة إدارة القرية أن تنفذ مشروع توصيل ماء الحنفية إلى البيوت حتى اليوم. وتعاني القرية من القحط، فيموت الزرع عطشا ويجد المسلمون صعوبة في الوضوء. من أجل حل مشكلة المياه، طلب ما تشيوان تساي، من رئيسة التحرير لجريدة ((أخبار المسلمين))، صفية يانغ تشي بينغ، أن تنشر تحقيقا عن هذه المشكلة وأن تبعث برسائل إلى الأجهزة القيادية على اختلاف مستوياتها، لنقل الصورة إلى الجهات المختلفة. وبالفعل لم يمض وقت طويل على هذه الجهود حتى قام مسئولون من الحكومة بزيارة ميدانية إلى هذه القرى، وتخصيص مائة ألف دولار أمريكي لمشروع المياه، الذي يجري حاليا العمل به. قال ما تشيوان تساي متأثرا: " نحن مسلمي محافظة قوانغخه نشكر الحكومة على إنشاء هذا المشروع، الذي يعتبر من إجراءات الحكومة لبناء المجتمع المتناغم. إن فكرة بناء المجتمع المتناغم تتفق مع مبدأ الدين الإسلامي، فالإسلام يدعو إلى التضامن بين المسلمين وإلى الحب، وأن يساعد الغني الفقير، والصحيح المريض. لقد أصبحت دولتنا بمختلف قومياتها مجتمعا يفيض بالدفء والحب، وهذا هو المجتمع المتناغم".

 

عمل الخير

ما شي تو، الذي تجاوز عمره الأربعين، يعمل رئيس تحرير مجلة إسلامية بمقاطعة قانسو، وهو خطاط مشهور باللغة العربية بين مسلمي شمال غربي الصين. تعلم منذ طفولته في مسجد بمحافظة دونغهواي الذاتية الحكم لقومية دونغشيانغ في مقاطعة قانسو، حيث درس اللغة العربية والقرآن والحديث وغيرها من العلوم الإسلامية. وبعد إتمام دراسته المسجدية أصبح إماما (آهونغ) لأحد المساجد ومعلما في مدرسة للغة العربية. في شبابه، عندما كانت الصين في بدايات تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح وإقامة اقتصاد السوق، شرع يزاول التجارة في البلدات والمدن القريبة من قريته كلما سنحت له الظروف. المبدأ الذي يلتزم به في ممارسة تجارته هو ما يحدده القرآن في آية من سورة الجمعة: " ‏فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله‏ كثيرا لعلكم تفلحون". اليوم، بعد جهود سنوات عديدة، أصبح ما شي تو صاحب شركتين وخمسة مواقع إنترنت ومجلة إسلامية.

يرجع ما شي تو فضل نجاحه في ممارسة التجارة إلى نعمة الله، لذا، في شهر رمضان كل عام، يصوم هو وزوجته وابنته، حيث ينهضون من النوم قبل الفجر، ثم يتناولون السحور، ويقرءون سورة من القرآن، ثم يؤدون صلاة الفجر. يشرع في كتابة أعمال الخط والرسم، وبعد إنجاز العمل يتبرع به إلى المساجد والعلماء المسلمين الآخرين وهواة الخط العربي والمحتاجين الخ.

السيد ما له معرفة واسعة بالإسلام وشريعته، كما أنه يتمسك بالسلوك الفاضل، لذا، يتمتع بشهرة عالية وعلاقة طيبة مع الناس. كلما حل شهر رمضان، يرتب زيارات لخبراء الإنشاءات وأصحاب الشركات للذهاب إلى القرى النائية لمساعدة الفقراء. قال: "كلما أدعو أصحاب الشركات إلى العمل الخيري والإحسان، يستجيب لي المئات، لأنهم يعلمون أن الصدقة في شهر رمضان أجرها معظَم. فوق ذلك، نحرص على سرية الأعمال الخيرية، فلا نعلن عنها كثيرا، لهذا، يعرف المسلمون فقط أن أصحاب شركات أخرجوا الزكاة، لكنهم لا يعرفون كم أخرجوا".

 

يتركز أبناء القوميات المسلمة من الويغور وهوي والقازاق في منطقة شينجيانغ الويغورية الذاتية الحكم ومنطقة نينغشيا الذاتية الحكم لقومية هوي، وهما أكبر منطقتين بشمال غربي الصين من حيث كثافة المسلمين. في الساعة الرابعة وخمسين دقيقة فجر يوم 13 للشهر الماضي، بدأ شهر رمضان هناك. قبيل حلول رمضان، كان الإمام باو جين قوي، مدير مكتب إدارة مسجد نانقوان بمدينة ينتشوان بمنطقة نينغشيا غارقا حتى أذنيه في العمل استعدادا لصلاة أول رمضان، وفي تجهيز طعام الإفطار. قال الإمام باو: "كل عام قبيل رمضان، يقدم مسئولو قسم الشؤون الدينية التابع للحكومة لنا هدايا تشمل الفواكه والشاي والكعك، ويأتون لزيارة المسلمين في المسجد، ويساعدوننا في تنظيم النشاطات الدينية في شهر رمضان." وقال نائب رئيس الجمعية الإسلامية بشينجيانغ إن أئمة جميع المساجد بكل مدن شينجيانغ يغتنمون فرصة وقت الإفطار في رمضان للتعريف بالقرآن والأحاديث النبوية المتعلقة بالصوم وفضائل ومزايا الصوم. وفي معهد شينجيانغ للعلوم الإسلامية يتناول الإفطار 160 طالبا و15 معلما مسلما معا، وسوف تقام بالمعهد مسابقة في تلاوة القرآن الكريم في الحادي عشر من أكتوبر قبيل نهاية شهر رمضان.

 

لمعلوماتك:

مسلمو الصين في رمضان والعيد

الاحتفال بعبد الفطر

مسلمات في إعداد أطعمة عيد الفطر

زكاة الفطر

 

يحرص المسلمون الصينيون على صيام شهر رمضان، إيمانا منهم بأن الصوم يعلمهم الصبر والأمانة والحلم والإحسان وقوة الإرادة ومقاومة شهوات النفس. وهم، في عاداتهم وتقاليدهم، مثل غيرهم من المسلمين في أرض الله الواسعة، ولكنهم أيضا لهم بعض الممارسات المتفردة في صومهم واحتفالهم بعيد الفطر.

 

الصيام

يترقب مسلمو الصين ظهور هلال رمضان بالصعود إلى مكان مرتفع، قمة جبل أو بناية عالية أو مئذنة، بعد غروب شمس آخر يوم في شهر شعبان. ومثل غيرهم من المسلمين، يمتنعون عن الطعام والشراب من الفجر إلى الغروب، ويعفى من الصيام الطفل الولد الذي لم يصل عمره اثنى عشر عاما والبنت التي لم تصل التاسعة والمريض والمسافر والضعيف والمرأة الحامل وفي فترة الطمث وكل من يضره الصيام. في فجر كل يوم يرفع المؤذنون الآذان في المساجد بغربي الصين، لحث المسلمين على النهوض من نومهم والوضوء وبدء الصيام، فإذا غربت الشمس ذهب الرجال إلى المساجد لأداء صلاتي المغرب والعشاء، وحيث يتناولون إفطارهم هناك، أما النساء فيرسلن الأطفال بالأطعمة إلى المساجد، وبعد أن يسمعن صوت الآذان، يشرعن في الإفطار ببيوتهن.

في ليلة القدر، من عادة المسلمين الصينيين أن يستقبلوا أقرباءهم، حيث يمضون تلك الليلة معا حول المائدة، يتسامرون، ولا ينامون إلا بعد السحور. وانطلاقا من إيمانهم بأن "ليلة القدر خير من ألف شهر" يتسابقون في فعل الخير في تلك الليلة، بإطعام الفقير وعابر السبيل والجار، ويزينون بيوتهم وشوارعهم بالفوانيس والأعلام الملونة، كما أنهم يتبادلون الهدايا أيضا بهذه المناسبة.

وتحرص كل أسرة مسلمة على إخراج زكاة رمضان قبل صلاة عيد الفطر، ذلك أن صيام الفرد يكون معلقا بين الأرض والسماء حتى يخرج زكاة رمضان.

 

عيد الفطر

بعد صيام شهر، يترقب المسلمون الصينيون هلال عيد الفطر، ويستقبلونه بفرحة عارمة، ويحرص الذين يعملون بعيدا عن أسرهم على العودة إلى الأهل قبيل العيد.

وعيد الفطر ثلاثة أيام، تبدأ من فجر اليوم الأول، حيث تستعد كل أسرة بأن ينظف الرجال البيت وفنائه وتعد النساء الأطعمة. يرتدي كل أفراد الأسرة ملابس جديدة ويتوضئون. في الساعة الثامنة صباحا، يتجه الرجال ومع كل منهم سجادة صلاة إلى أكبر مسجد في مكان إقامتهم. وتقام صلاة العيد أحيانا في الخلاء إن لم تكن مساحة المسجد تستوعب المصلين، ففي مدينة لانتشو بقانسو، مثلا، يجتمع المسلمون الذين يتجاوز عددهم عشرين ألفا في ضاحية المدينة لصلاة العيد، وفي مدينة شينينغ بمقاطعة تشينغهاى، يجتمع أكثر من مائة ألف مسلم في مسجد دونغقوان والشارع الذي أمامه، لصلاة العيد.

ويحرص كل مسلمي الصين على صلاة عيد الفطر أكثر من حرصهم صلاة الجمعة، فلا شئ يمنعهم من أداء الصلاة. وقد سجل مشهد الصلاة مراسل الصين المشهور فان تشانغ جيانغ في كتابه ((أركان شمال غربي الصين)) قائلا: "رأيتُ لأول مرة كيف يحتفل أبناء قومية هوي بعيدهم، مما ترك في ذهني انطباعا عميقا. في الساعة العاشرة صباحا، احتشد مسلمو مدينة شينينغ في ساحة واسعة، لا أحد يقودهم أو يوجههم، لكنهم، كبارا وصغارا، حافظوا على انتظام الصفوف، كأن هناك قوة عظيمة تربط بين قلوبهم. كانت الريح الشمالية الباردة القوية تهب عاصفة، وكنت أشعر بالبرد برغم ملابسي الثقيلة، بينما كان المسلمون ساجدون على الأرض، لا يهتز لهم رمش، فتعجبت من إرادتهم القوية. هذا المشهد العظيم يجسد التضامن والحب الأخوي بين المسلمين الصينيين، ففي كل النشاطات الدينية، يتوحد فكر وعمل ملايين المسلمين. في ذلك اليوم القارس البرد استغرق نقل الأجهزة الكهربائية إلى هذه الساحة ساعتين، ومن شدة البرد انصرف غير المسلمين الذين تجمعوا لمشاهدة ما يفعله المسلمون، لكن لا أحد من المسلمين تحرك بعيدا عن المكان".

بعد صلاة الفطر، يصافح جميع المسلمين الإمام، يتبادلون التحية مع بعضهم البعض. بعد ذلك يتقدمهم الإمام لزيارة المقابر، ويقدمون مساعدات للضعفاء والمحتاجين، لذا، يسمى عيد الفطر في الصين "عيد مساعدة الفقراء" أيضا.

في عيد الفطر، تجهز كل أسرة أطعمة تقليدية مثل فطائر سانتسي المقلية، وزلابية يوشيانغ ولفائف الربيع المحشوة باللحم والخضر، بالإضافة إلى اللحوم، ويقدمونها إلى الأصدقاء والأقرباء ويتبادلون التحية معهم. يختار كثير من الشباب عيد الفطر يوما لزفافهم، مما يضيف إلى العيد بهجة وفرحة.

مع التطور الاجتماعي، تضاف إلى عيد الفطر في الصين عادات جديدة، فبالإضافة إلى النشاطات الدينية، تقام نشاطات ترفيهية وثقافية أيضا، مثلا في مدينة آنشان بمقاطعة لياونينغ، يرقص الشباب في العيد رقصة الأسد ويمشون على الطوالات؛ بينما في مدينة تسانغتشو بمقاطعة خبي، يقدم المسلمون عروض الووشو؛ أما في مناطق شمال غربي الصين، فيقيم الشباب سباقات المصارعة وسباقات اختبار قوة الرسغ، بينما يزور المسلمون في المدن الحدائق العامة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn