ã

منغوليا الداخلية

 

مروج تعبر من الماضي نحو المستقبل

تشانغ شيويه ينغ مراسلة ((الصين اليوم))

رعاة في زيارة إلى "أوباو" 

الشباب في مهرجان بالمروج المنغولية

مزرعة للبقر الحلوب في مروج هولنبير

مثل قطعة ماس ظلت مدفونة لسنوات طويلة، خرجت منغوليا الداخلية من عالم الصمت لتطل على العالم بوجه آخر أدهش الجميع، فالمنطقة التي تغطي مليونا ومائة وثمانين ألف كيلومتر مربع تبوأت المركز الأول في سرعة نمو الناتج المحلي بين المقاطعات والمناطق الذاتية الحكم الاثنتين والثلاثين ببر الصين الرئيسي خلال السنوات الخمس الماضية، وصعدت في عام 2000 من المركز الرابع والعشرين إلى المركز السابع عشر من حيث إجمالي الحجم الاقتصادي، متجاوزة سبع مقاطعات، وارتفع مستوى معيشة أبنائها بشكل لافت، ففي عام 2006 وصل عدد الذين يمتلكون سيارات خاصة من سكانها البالغ عددهم 23 مليونا، 360 ألفا، بزيادة قدرها 37% عن عام 2005.

 

تنمية اقتصادية سريعة

يحقق اقتصاد منغوليا الداخلية في المرحلة الحالية معدلات نمو عالية، فهي ثاني أكبر منتج للفحم بالصين بإنتاج سنوي يصل 300 مليون طن، يتم تحويل جزء منه إلى كهرباء تزود بها العاصمة الصينية بكين، التي تُضاء سبع لمبات من بين كل عشرة لمبات بها بكهرباء منقولة من منغوليا الداخلية. وتجاوزت قيمة إنتاج الحليب 40 مليار يوان (الدولار الأمريكي يساوي 5ر7 يوان) سنويا، ونصف الحليب الذي يشربه الصينيون يأتي منها. والبطاطس المنتج في منغ وولانتشابو بمنغوليا الداخلية تستخدمها مطاعم كينتاكي وماكدونالدز بالصين بينما تصدر مدينة بايانتشور 500 ألف طن من معجون الطماطم إلى إيطاليا؛ وتصدر شركة باوتو للحديد والصلب قضبان الأتربة النادرة إلى البرازيل؛ وفي عام 2006 كانت شركة ييلي وشركة منغنيو لمنتجات الألبان بمنغوليا الداخلية ضمن قائمة واحدة من المجلات الاقتصادية الصينية الرائدة، لأقوى الشركات التي تحقق زيادة في الإنتاج؛ أما شركة أردوس للكشمير فقد رفعت شعار "تدفئة كل العالم"، وتصدر منتجاتها إلى كندا. في مدينة مانتشولي الواقعة في أقصى شرقي منطقة منغوليا الداخلية على الحدود مع روسيا، بلغ إجمالي حجم  البضائع المصدرة والمستوردة عبرها 20 مليون طن سنويا، ويمر بمعابر تلك المدينة 6-7 آلاف من الروس يوميا.

معنى هذا أن مصدر قوة تنمية هذه المنطقة في السنوات الأخيرة هو الطاقة والموارد المعدنية والزراعة والرعي والتجارة الحدودية.

هذه الحيوية الاقتصادية بدأت تجذب أنظار المستثمرين، فقد استقبلت المنطقة في عام 2006 وحده استثمارات من داخل الصين وخارجها تعادل نصف حجم الاستثمار الذي دخلها  في السنوات الخمس السابقة.

د. تشو جيان، الحاصل على درجة الدكتوراه من الولايات المتحدة، يتولى منصب مدير شركة أوريغون لتكنولوجيات المواد المتخصصة في إنتاج مواد السليكون الأحادي البلور وبيعها في السوق الدولي. لقد نالت هذه الشركة الواقعة في منغوليا الداخلية البعيدة، سمعة طيبة وإقبالا كبيرا، وأقامت معها شركات أمريكية وألمانية ويابانية مشهورة علاقات تجارية وتعاونية مستقرة.

د. تشو جيان، ابن شانغهاي البالغ من العمر ثلاثين عاما، قال: "كنت أظن أنني سأذهب إلى عملي كل يوم راكب حصانا!". لا مقارنة بين ظروف المعيشة هنا وفي الولايات المتحدة أو شانغهاي، لكن الهواء هنا نقي، الصيف هنا منعش ومريح، الإنسان هنا بسيط ومتحمس. لقد اعتبرت هذا المكان بيتي."

اللون الأخضر، البيئة المحمية الخالية من التلوث، هي أكثر الكلمات التي تردد في منغوليا الداخلية في السنوات الأخيرة. قال يانغ جينغ، رئيس منطقة منغوليا الداخلية الذاتية الحكم: "نريد التنمية، لكن ليس على طريقة أن الجائع لا يختار طعامه، فنحن لا نقبل أن تنتقل إلينا قوى الإنتاج المتخلفة، ولا نقوم بالبناء المكرر المنخفض المستوى، نريد تنمية راشدة وعلمية، ونسلك طريقا جديدا للتصنيع."

تسمى مدينة باوتو بمدينة الصلب على المروج وعاصمة الأتربة النادرة، فهي مشهورة بالاقتصاد الصناعي. اختارتها مجلة ((فوربس)) عام 2006 واحدة من أكثر عشرين مدينة مناسبة لتنمية الصناعة في الصين.

تشانغ شو قوانغ، الباحث بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية قال: "التطور السريع الذي شهدته الشركات في باوتو في السنوات الأخيرة لم يتمثل في زيادة عددها وكمية منتجاتها فقط، بل في احتلال مجموعة من منتجاتها الجديدة المركز الأول في العالم أو في الصين." الدليل على ذلك أن الشاحنة الكهربائية بحمولة 360 طنا التي تستخدم في المناجم والتي تصنعها شركة بيفانغ المساهمة هي أكثر شاحنة حمولة في العالم؛ وبدأ مشروع للألمنيوم مقام بالتعاون بين شركة باوتو للألمنيوم وإحدى الشركات الفرنسية إنتاج 6000 طن سنويا من أفضل أنواع اللألمونيوم المحلل كهربائيا؛ والزجاج الدقيق البلوري الذي تنتجه شركة جينغنيو فريد من نوعه في الصين وذو حقوق ملكية صينية. وتنتج مجموعة من شركات الأتربة النادرة منتجات ذات قيمة مضافة عالية.

في شوارع باوتو ترى الساحات الخضراء منتشرة في كل مكان على نحو يذكرك بمدن جنوبي الصين ذات المياه الوافرة، برغم أن متوسط كمية المطر في هذه المدينة 300 مم سنويا فقط. حاليا تبلغ نسبة الغطاء النباتي في منغوليا الداخلية 34%من مساحتها، ويبلغ متوسط نصيب الفرد من الأرض الخضراء  10 أمتار مربعة. لذلك باوتو هي المدينة الوحيدة في شمالي الصين التي حصلت على "جائزة أفضل مكان لإقامة الإنسان" للأمم المتحدة.

 

حظر الرعي لتربية العشب

في بيته الجديد بناحية سانغقندالاي في منغ شيلينقوله قابلنا الراعي نا مو هاي البالغ من العمر 56 سنة، وهو يصنع ماكينات قطع الأعشاب في بيته. في يناير عام 2001 باع 130 رأسا من البقر وأكثر من 300 رأس من الغنم لينتقل من بيته في منطقة رعي تبعد 20 كم عن حاضرة الناحية إلى قرية جديدة للمهجرين. ترك الراعي بيته بعد أن تراجع إنتاج المراعي من العشب، من30 كجم أو يزيد، للمو الواحد (666,6 مترا مربعا) إلى 5-6 كغم فقط، حيث تدهور 90% من المروج هناك، و90% من أسر الرعاة تعيش تحت خط الفقر.

لقد أدى ارتفاع درجة حرارة الأرض مع انخفاض كمية المطر، إضافة إلى الرعي الجائر إلى تقليص الغطاء النباتي في مروج منغوليا الداخلية وارتفاع معدل تصحر الأرض. ولمواجهة هذا المشكلة، قررت المنطقة استعادة المروج التي تحولت في فترة سابقة إلى حقول زراعية  وحظر الرعي في بعض المروج، وتطبيق أسلوب الرعي الدوري والتهجير البيئي وغيرهما من الإجراءات للوقاية من التصحر.

وقال نا مو هاي: "إلى جانب تقديم معونة 5000 يوان لكل مهاجر، أقامت الحكومة لكل أسرة بيتا من الطوب مكونا من غرفتين وحظيرتين للمواشي، تشجيعا للرعاة على تربية المواشي في الحظائر. وقدمت الحكومة قرضا قدره 12000 يوان لكل بقرة ممتازة يشتريها الراعي. تربي أسرتي الآن أكثر من 20 رأسا من البقر الحلوب، دخل كل منها يعادل دخل 50 رأس غنم، وكمية الحليب تعادل حليب 15 رأسا من البقر العادي."

وحسب مدير مصلحة الغابات بالمنطقة، أسلوب التهجير البيئي يتميز بالاستثمار القليل والفعالية السريعة في حل مشكلة التدهور البيئي جذريا. فتهجير كل راع يخفف الضغط البيئي عن كيلومتر مربع من المروج؛ وزراعة مو واحد من أعشاب العلف ، تعاد 50-100 مو من أرض العشب المتدهورة. وخلال السنوات السابقة، نقل منغ شيلينقوله أكثر من خمسين ألف فلاح وراع إلى القطاع الصناعي وقطاع الخدمات في المدن والبلدات. بفضل التهجير، تحسنت بيئة مروج شيلينقوله، ثاني أكبر مرج بالصين، بصورة عامة، وارتفعت نسبة الغطاء النباتي به من 30% عام 1999 إلى 45% حاليا.

لا تزال أرض العشب السابقة لنا مو هاي، ومساحتها 850 مو، مملوكة له ولا يزال مسؤولا عن إدارتها، ولكن ليس بنفسه وإنما يؤجر لها من يديرها، بينما هو مشغول في بناء بيت جديد له بعد أن زاد دخله من ماكينات قطع العشب الجديدة التي يصنعها، وتلقى إقبالا كبيرا من أبناء القرى المجاورة.

 

الحفاظ على الثقافة التقليدية

مع تغير نمط الإنتاج وأسلوب الحياة، ثارت مخاوف من أن تتعرض الثقافة الرعوية التقليدية المنغولية لصدمات تؤدي إلى اختفائها.

يدرس وانغتشاو لومن-17 سنة- بالصف الثاني الثانوي في مدرسة تونغلياو الثانوية لأبناء قومية منغوليا. الفتى الذي يرتدي قميصا مكتوب عليه Tracy McGradyr وحذاء رياضيا من ماركة Nike، قال: "لا أزال أفضل الغناء باللغة المنغولية." إلى جانب التحدث بالمنغولية وكتابتها، يجيد المهارات الثلاث للرجل المنغولي: ركوب الخيل، رمي السهام، المصارعة.

يعيش في مدينة تونغلياو أكبر عدد من المنغول في منطقة منغوليا الذاتية الحكم لقومية منغوليا، أكثر من 3ر1 مليون، أي ثلث المغول في المنطقة، وربع عدد المغول في الصين. في مدرسة وانغتشاو لومن 47 فصلا، يدرس بها أكثر من 2750 طالبا، باللغة المنغولية.

يتمنى وانغتشاو لومن أن يدرس الطب في جامعة بالمناطق الصينية الداخلية لأن منغوليا الداخلية تحتاج إلى أطباء ممتازين، وهو يعتزم العودة إلى موطنه بعد تخرجه في الجامعة.

رغم أن منطقة منغوليا الداخلية تدفع بقوة التعليم بالصينية والمنغولية معا، وأدخلت مزيدا من القوة البشرية والمادية لجمع وترتيب التراث الثقافي المنغولي، فإن بعض خريجي الجامعات الذين درسوا باللغة المنغولية لا يجدون عملا، ولم تعد العادات والتقاليد والثقافة لقومية منغوليا تُرى إلا في متاحف التاريخ.

لم يعود وانغتشاو لومن يركب الخيل كثيرا، فالعديد من الرعاة تحول من حياة البدو الرحل إلى حياة الاستقرار، ففي أماكن كثيرة داخل منطقة منغوليا الداخلية انقرضت الخيول المنغولية التي رافقت جنكيز خان في مسيرته إلى أوروبا.

"لكن، الخيول المنغولية مازالت موجودة في لواء كهتسوهوتشي، وقطاع تربية الخيول بها مزدهر." وفقا لمسئول بمدينة تونغلياو المشهورة بالفرسان الشجعان والخيول النفيسة في التاريخ. حاليا يوجد أكثر من 60 ألفا من الخيل في هذا اللواء. القرويون فيه لا يزالون يتميزون بالشجاعة والإقدام مثل أجدادهم، هم وخيولهم يفوزون بالميداليات الذهبية والفضية دائما في مسابقات ومهرجانات الخيل.

برغم ضغوط العولمة الاقتصادية، لا يزال أبناء قومية منغوليا يفخرون بثقافتهم، ففي داخل منطقة منغوليا الداخلية الذاتية الحكم تسمع الألحان المنغولية التي تعزف على ربابة رأس الحصان المعروفة باسم ربابة ماتو، سواء داخل سيارة مرسيدس أو في مأدبة فاخرة.

 

 

لمعلوماتك

 زيارة "أوباو"

من عادات المغول القديمة تقديم الاحترام لإله الجبل الذي يسمونه "أوباو"، إذ يختار الرعاة موقعا هادئا داخل منطقة رعيهم ليجمعون الحصاة فيه، ويشكلون كومة مخروطية الشكل يسممونها "أوباو". يزورون أوباو في كافة المناسبات، وهي زيارات مهمة في حياة الرعاة المغول. إلى جانب ذلك، أوباو هو المكان الذي يلتقي عنده العشاق من الشباب للتعبير عن مشاعرهم، كما أن "اوباو" علامة طرق للرعاة.

 

حملة الحليب

مع ارتفاع القدرة الشرائية للصينيين وارتفاع وعيهم الصحي، تشهد الصين حملة للحليب في أرجائها، وهي حملة تشجعها الحكومة. ومع تواصل مسيرة الصين للحاق بالدول المتقدمة اقتصاديا، تبحث حكومتها عن السبل الكفيلة بتحسين صحة أبنائها ليكونوا مثل أبناء الدول المتقدمة. في السنتين الماضيتين، تنفذ حكومة الصين خطة لتقديم معونة مالية لتمكين كل التلاميذ في المدارس الابتدائية من شرب الحليب، وتبث الإذاعة والتلفزيون برامج توعية حول فوائد حليب البقر.

وصرح مصدر مسئول بوزارة الزراعة الصينية بأن هذه الخطة مهمة جدا بالنسبة للصينيين، حيث إن سبب الوفاة المبكرة لبعض الصينيين ليس المرض وإنما الافتقار إلى معرفة التركيب الغذائي الصحيح وكيفية تقوية أجسامهم بالرياضة البدنية. لذلك تسعى الحكومة لتشكيل عادات غذائية جيدة لدى المواطنين منذ صغرهم. وتشير الأرقام المعنية إلى أن متوسط استهلاك الفرد الصيني سنويا من حليب البقر أقل من 20 لترا، مقارنة مع مائة لتر للفرد في الولايات المتحدة.

وخلال حملة الحليب في الصين برزت شركتا ييلي ومنغنيو، وكلاهما من منطقة منغوليا الداخلية الذاتية الحكم، وتحتل منتجاتهما 55% من سوق منتجات الألبان في الصين، وأصبحتا صورتين جديدتين للمنطقة.

تعتمد شركة ييلي في ترويج منتجاتها على الدعاية بأن كل منتجاتها "خضراء طبيعية وخالية من التلوث، لا تحتوي على عناصر المضادات الحيوية ولا المبيدات الزراعية، وقد حصل إنتاجها من نوع من الحليب المناسب لمن لا يهضمون سكر اللبن على جائزة التزكية لأفضل حليب مبتكر جديد في أول مؤتمر عالمي لقطاع منتجات الألبان في لاهاي بهولندا.

    

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn