ã

دارفور

بين واقع التنمية الحزين ومحاولات التسييس المغرضة

حسين إسماعيل، وانغ فو، جيا بنغ

السفير ليو قوي جين (الوسط) في حوار مع حسين إسماعيل ووانغ فو

دارفور الآن هي قضية العصر، فلا العراق ولا فلسطين ولا أفغانستان، ولا حتى تغير المناخ وهجوم الفيضانات والجفاف، تشغل صناع القرار وجماعات "حقوق الإنسان" وجماعات أي شيء آخر في الغرب، وقد اجتمع مجلس الأمن بشأنها مرارا، وأصدر آخر قراراته، رقم 1796، الذي ينص علي انتشار قوة مختلطة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور. الكل عيونهم مفتوحة وسلاحهم مشهر نحو الخرطوم، ومن يواليها. البعض اجتهد في تفسير المسألة بأن حكومات الغرب، وتحديدا واشنطن، تريد إلهاء الرأي العام عن فشلها في العراق وأفغانستان، والبعض قال إن جماعات حقوق الإنسان تشعر بوخز ضمير جراء فشلها في منع حرب العراق، وقد جاءت دارفور منقذا لها، تغطي بها على سوءاتها. وليست الصين بمنأى عن السهام المنطلقة من الغرب، برغم أن دارفور سودانية وليست صينية، كما قال ليو قوي جين، مبعوث الصين لقضية دارفور.

هناك أزمة حقيقية طاحنة في دارفور، هناك بشر يموتون جوعا وعطشا ومرضا، لا يمكن أن ينكر أحد هذا، ولكن هل دارفور قضية سياسية، أم معضلة تنمية، أم صراع عرقي، أم أنها كل هذا معا؟ لماذا تتخذ بكين موقفا، إن لم يكن مساندا تماما لموقف الحكومة السودانية، فهي على الأقل تتفهم موقف الخرطوم وتنسق معها؟ هل هي مصالح الصين الاقتصادية، وتحديدا النفط، أم أنها مسألة مبادئ تؤمن بها الصين في علاقاتها الدولية، هل يتعرض السودان لضغوط من الصين لقبول ما لا يريده؟

((الصين اليوم)) تفتح في هذا العدد ملف قضية دارفور، كما تراها بكين، من خلال مقابلة مع مبعوث الصين لقضية دارفور، وكما تنظر إليها الخرطوم، وفقا لرؤية يقدمها سفير السودان لدى الصين ميرغني محمد صالح، ثم وجهة نظر عربية، تطرحها مساعدة رئيس تحرير مجلة ((أكتوبر)) المصرية سوسن أبو حسين.

 

 

مبعوث الصين لدارفور السفير ليو قوي جين

نجوم المجتمع الغربي يلبسون رداء دارفور وقوى أمريكية تلعب بورقتها

 

منذ تعيينه مبعوثا خاصا لقضية دارفور، ذهب ليو قوي جين إلى السودان مرتين، تفقد خلالهما الأوضاع على أرض الواقع في ولايتي دارفور الشمالية والجنوبية، وحمل أوراقه إلى مقر الاتحاد الأفريقي ومقر جامعة الدول العربية، وحضر مؤتمرين دوليين حول دارفور. هذا إضافة إلى خبرته الواسعة بالشئون الأفريقية، حيث عمل في سفارات الصين بأربع دول أفريقية، كان آخرها سفير الصين لدى جنوب أفريقيا. في حوارنا معه، فتحنا كل الملفات، وكانت إجاباته مباشرة وصريحة، ربما أكثر مما توقعنا.

 

 

الصين اليوم:  كيف ترى الصين قضية دارفور؟

 

المبعوث: نحن نرى أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية لقضية دارفور، أولا، تصحر الأرض الذي بدأ في تسعينات القرن الماضي، حيث تحولت مساحة واسعة من المراعي إلى صحراء، مما اضطر بعض الرعاة في الشمال إلى الهجرة نحو الجنوب، الأمر الذي سبب نزاعا بينهم وبين المزارعين والرعاة في الجنوب؛ ثانيا، تدهور ظروف الحياة والفقر ونقص الموارد، لذلك تحدث نزاعات وصراعات بين القبائل للحصول على الموارد ؛ ثالثا، بعض العوامل ذات العلاقة بالدول المجاورة والدول الأجنبية. فنتيجة للحدود التي وضعها المستعمرون للدول الأفريقية، يعيش بعض أبناء قبيلة معينة في السودان مثلا، ويعيش بعضهم الآخر في تشاد أو في أفريقيا الوسطى أو ليبيا أو إرتريا. وهذا يجعل حركة الأفراد وتهريب السلاح عبر الحدود سهلة ويؤدي تنقل الأفراد إلى مشكلة كبيرة في إدارتهم والسيطرة عليهم. رابعا، إهمال تنمية دارفور منذ سنوات طويلة، وقد ظهر هذا التوجه خلال فترة حكم جعفر نميري، وقد نفذت الحكومة الحالية بعض الأعمال، لكنها غير كافية.

لهذه الأسباب نقول إن قضية دارفور ليست مجرد قتال بين قبائل، ولكن السبب المباشر لاندلاع هذه القضية في عام 2003، هو قيام منظمتين لغير العرب، اليوم من المنظمات السياسية، هما حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة، بشن هجوم على مراكز الشرطة الحكومية واحتلال البلدات والقرى التي تحت سيطرة الحكومة، مما جعل الجيش الحكومي يشن هجوما مضادا. وفي الوقت نفسه قتلت هاتان المنظمتان بعض زعماء القبائل العربية، فاتهمت بعض وسائل الإعلام الغربية حكومة السودان بأنها سلحت ودعمت قبائل الجنجويد لقتل السود، ولكنني أرى أن المشكلة ليست بهذا التبسيط. لا أدري ما إذا كانت الحكومة السودانية اتخذت إجراءات فعالة وكافية، لكنها ليست مجرد حادثة قتل أو قتل العرب للسود، لأن هناك قتالا بين العرب أنفسهم، وبين العرب والسود، فهي ظاهرة معقدة ناجمة عن أسباب عديدة. لذلك ترى الحكومة الصينية أنه لحل قضية دارفور يتعين التمسك بمبدأ الحل السياسي وليس بالقوة وبالضغط، وليس بالعقوبات.

المحور الجذري لحل هذه القضية هو التنمية والتعمير. دارفور بها أزمة إنسانية حيث هجر عدد كبير من الناس بيوتهم، وقد بدأ المجتمع الدولي  التحرك، وسوف نشارك المجتمع الدولي في اتخاذ مزيد من الأعمال، ونواصل تقديم المساعدات الإنسانية.

ونحن نلتزم بالمبادئ التالية لحل هذه القضية، أولا، التمسك باستراتيجية حفظ السلم من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي معا، حيث حقق هذا الأسلوب تقدما كبيرا. وفي نفس الوقت عدم إهمال عملية الحل السياسي. نلاحظ أن المجتمع الدولي يولي اهتماما كبيرا لقوات حفظ السلم المختلطة ، لكن اهتمامه بعملية الحل السياسي ليس كافيا. والعملية السياسية تعني إقناع الأطراف السياسية التي لم توقع بعد على اتفاق سلام دارفور DPA لتشكيل موقف موحد للتفاوض مع الحكومة. ثانيا، يتعين اتخاذ الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة قناة رئيسية لدفع العملية السياسية، وتدعو الحكومة الصينية إلى التأثير بصورة متوازنة، وليس الضغط على الحكومة السودانية وحدها، بل الضغط على العناصر المتمردة أيضا، فعلى المجتمع الدولي أن يقنعها بالجلوس إلى طاولة التفاوض، لأنه من المستحيل حفظ السلم في إقليم دارفور بسلاسة بدون تعاون ودعم الحكومة السودانية والأطراف ذات العلاقة. إلى جانب ذلك، ندعو إلى تحسين الوضع الأمني والإنساني في دارفور، حيث لا يرغب  نحو مليوني مهاجر العودة إلى بيوتهم، الأمر الذي يعتبر أحد الأسباب لعدم وصول مواد الإغاثة الإنسانية إلى كل لاجئ. في قضية دارفور تسعى الصين إلى التعاون، وليس المواجهة. الدول الغربية تريد الضغط على الحكومة السودانية والعقوبات، والصين ترى وجوب تقديم المزيد من فرص السلام واللجوء إلى الأسلوب الدبلوماسي، والحل السياسي.

 

الصين اليوم: ماذا عملت الحكومة الصينية لحل قضية دارفور؟

 

المبعوث: أولا وظفنا علاقاتنا الممتازة مع السودان للتأثير في حكومة السودان ابتداء من أعلى مسؤول به. خلال زيارته للسودان في فبراير هذا العام، تمنى الرئيس الصيني هو جين تاو على السودان معالجة هذه القضية بصورة مرنة، وبمزيد من الإجراءات لتحسين الوضع الإنساني والأمني في دارفور، وطالب أيضا بأن يعزز المجتمع الدولي قوته لدفع حل قضية دارفور. إلى جانب ذلك تم تعييني مبعوثا خاصا للشؤون الأفريقية ولقضية دارفور، وقد زرت السودان مرتين وزرت مقر الاتحاد الأفريقي ومقر جامعة الدول العربية، و زرت دارفور الشمالية والجنوبية، وحضرت مؤتمرين دوليين حول دارفور.

ودعونا النائب الأول لرئيس السودان ورئيس الحكومة الانتقالية لجنوب السودان، سيلفا كير، لزيارة الصين، لأننا نرغب في تقديم إسهام في تنمية جنوب السودان وإعادة إعماره، لأن ذلك له علاقة وثيقة  بحل قضية دارفور، فعدم تنفيذ اتفاق السلام في جنوب السودان كاملا، سيؤثر سلبيا على قضية دارفور.

ثانيا، قدمت الصين مساعدة إنسانية لدارفور قدرها 80 مليون يوان (الدولار الواحد يساوي 5ر7 يوانات حاليا)، حيث طلبنا من الحكومة السودانية أن تتشاور مع الحكومة الانتقالية بدارفور وتقدم لنا قائمة بالمواد التي تحتاجها، ثم قمنا بشحن هذه المواد إلى السودان، لتوزعها الحكومة الانتقالية بدارفور هناك. وشاركت الشركات الصينية في مشروع المياه في دارفور، وستقدم الشركات الصينية التي تقوم بالتعاون الاقتصادي في السودان نحو مليوني دولار أمريكي من المساعدات لدارفور. 

أما في مساعدات التنمية، فبمساعدة الصين للسودان في تنمية الزراعة، يمكن حل مشكلة الغذاء، وحل مشكلة الغذاء يعني إزالة أحد أسباب الحروب والاضطرابات. وسوف ترسل الصين خبراء في الزراعة لإقامة مراكز نموذجية للتكنولوجيا الزراعية في السودان. إلى جانب ذلك استثمرنا في بناء المرافق الأساسية التي تشمل الطرق العامة والمستشفيات والجسور، وستواصل الشركات الصينية إسهامها في هذا المجال.

تدعم الصين خطة أنان، لأننا نرى أنها محصلة اتفاق الأطراف المختلفة، كما أنها مشروع يتفق إلى حد كبير مع مصالح الشعب السوداني ومقبولة من المجتمع الدولي بصورة واسعة. وقد لعبت الصين دورا في إقناع الحكومة السودانية بقبول قوات حفظ السلم المختلطة ، وقد حظي عملنا بدعم واسع من المجتمع الدولي، بما فيه الدول الغربية.

بعض وسائل الإعلام ونجوم السينما يتلاعبون بقضية دارفور، ولا ننسى أن هناك من يكنون عداء تجاه الصين، وينظرون إلى هذه القضية بشكل مغرض، وبتأثير من أجهزة الإعلام، معظم عامة الناس لا يعرفون حقيقة القضية، ولكن الحكومات الغربية بما فيها الحكومة الأمريكية تتفهم أعمالنا وأثنت على جهودنا.

 

الصين اليوم: ما هي العلاقة بين قضية دارفور والتعاون الصيني السوداني في المجالات المختلفة؟

المبعوث:  تقصدون التعاون في قطاع البترول. التعاون بيننا والسودان في البترول يحقق المنفعة المتبادلة، وهو تعاون شفاف وليس احتكارا، فحصة الصين في شركة النيل للبترول 40%، وباقي الأسهم تملكها شركات هندية وماليزية وسودانية. لقد دخلت شركات البترول الغربية السودان قبل الشركات الصينية، ومن ذلك شركة توتال التي حصلت على حقوق التنقيب من الحكومة المركزية السودانية لكنها لم تبدأ العمل. إننا استثمرنا في قطاع البترول في السودان فحولناه من بلد مستورد للبترول إلى بلد مصدر له، و يمتلك صناعة بترول كاملة، وارتفع معدل نمو إجمالي إنتاجه الوطني إلى 9% سنويا رغم الاضطرابات. والشركات الصينية، إلى جانب دفع الضرائب والأسهم المستحقة لحكومة السودان، ساعدت السودان في بناء المدارس والطرق والمستشفيات، وتبرعت بأكثر من 30 مليون دولار أمريكي وأدت أعمالا طيبة أخرى. هناك من يتلاعب بقضية دارفور. وأقول إلى الذين يربطون قضية دارفور بالصين، عليكم أن تفهموا أن دارفور ليس صينية بل سودانية، والسودان في أفريقيا. إننا أكثر من يتمنى أن يرى السلام يعم السودان.

 

الصين اليوم: ماذا تقول لمن يتهمون الحكومة الصينية بأنها باعت أسلحة لحكومة السودان وأن الصين لم تضغط على الحكومة السودانية لحل قضية دارفور؟

المبعوث: أولا في لا يوجد أي ميثاق دولي أو قرار من الأمم المتحدة يمنع بيع الأسلحة لحكومة السودان، وقد بعنا قليلا من الأسلحة للسودان دون مخالفة لأي ميثاق أو معاهدة دولية؛ ثانيا، عندما تبيع الصين كمية محدودة من الأسلحة لدولة معينة تلتزم بمبادئها الأساسية في تصدير الأسلحة، وهي أن تكون حذرة وبكمية محدودة؛ ثالثا، أن تكون الإجراءات كاملة، يعني وجود شهادة المستخدم النهائي لضمان استخدام الأسلحة في الدفاع عن النفس المشروع. وقد ذكرت بعض وسائل الإعلام أن أسلحة صينية ظهرت في دارفور. هذه المسألة معقدة جدا، فقبل حكومة البشير، حتى قبل فترة نميري، شهد ذلك الإقليم، والحدود بين السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى نزاعات وحروبا، فانتشرت بعض الأسلحة خارج تلك المناطق. لذلك لا يمكنني أن أضمن مائة في المائة ألا توجد رصاصة واحدة أو بندقية واحدة صينية، سرقت أو نهبت، في إقليم دارفور، لكن لابد أن يقدم من يتهم الصين دليلا بكمية ما، معتمدا على الواقع، فليس من المعقول أن تُتهم الصين بأنها تخرب سلام دارفور اعتمادا على القيل والقال أو استنادا لحادثة فردية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn