ã

خبير الطاقة المسلم شي ون هوا

من أجل عالم مفعم بالنور والدفء

جيا بنغ ويانغ تشي بينغ

شي ون هوا

شي ون هوا في مكتبه

د. شي ون هوا مع كانديه يومكيلا (Kandeh Yumkella) مدير عام يونيدو

احتفلت مدينة لانتشو بشمال غربي الصين، في السادس والعشرين من مارس هذا العام بوضع حجر الأساس لمشروع المركز الدولي لتطوير تكنولوجيا الطاقة الشمسية لمنظمة التنمية الصناعية التابعة للأمم المتحدة (يونيدو)، الذي تم توقيع اتفاق إقامته بين يونيدو والحكومة الصينية، ليكون واحدا من عشرة مراكز ليونيدو في العالم، وهو المشروع الثاني لها في الصين. ولا شك أن أبناء لانتشو يفخرون بإقامة هذا المشروع في مدينتهم، كما أنه مفخرة لكل الصينيين، وخاصة المسلمين منهم، كون الذي ساهم في إقامة المشروع بلانتشو واستقدام التكنولوجيا والتجهيزات من الخارج له خبير طاقة صيني مسلم، يشغل منصب نائب رئيس أكاديمية مقاطعة قانسو للعلوم ورئيس معهد بحوث الطاقة الطبيعية بمقاطعة قانسو، البروفيسور شي ون هوا.

حلم الشباب

ولد شي ون هوا في إبريل عام 1954 بمحافظة تشانغجياتشوان الذاتية الحكم لقومية هوي بشمال مقاطعة قانسو التي يشكل المسلمون 75% من سكانها. في تشانغجياتشوان الفقيرة المتخلفة ذات الأرض الجرداء والجبال العالية التي تعزلها عن العالم الخارجي، كان الناس يتضورون بردا في الشتاء، فلا مصدر للطاقة لديهم. في هذه البيئة القاسية نشأ شي ون هوا، واجتهد في الدراسة، فكان يجتاز الجبال نهارا طلبا للعلم، ويقرأ كتبه على ضوء مصباح زيت ليلا. في قاعات الدرس بجامعة لانتشو، التي التحق بها، أدهشته مصابيح الفلورسنت الكهربائية بالضوء الصافي والقوى. وفي تلك اللحظة تحديدا اتخذ قراره وعقد عزمه أن يكرس نفسه لتطوير موارد الطاقة في محافظته، فاختار تخصصي الطاقة الطبيعية واللغة الإنجليزية. وعلى مدى ثلاثين سنة منذ تخرجه، لم يدخر جهدا لتطوير الطاقة الجديدة والمتجددة في مناطق المسلمين الصينيين، وهو جهد مكنه من شغل منصب رئيس المركز الدولي لتطوير تكنولوجيا الطاقة الشمسية التابع ليونيدو والعضو الصيني الأول في اللجنة الدولية للعلماء المسلمين، وعضو اللجنة الصينية للباحثين الإستراتيجيين لتعزيز التعاون بين الجنوب والجنوب الخ.

 

مسيرة استضافة المشروع

لم يكن طريق المشروع إلى لانتشو سهلا أو ممهدا، فقد اعتورته صعاب جمة. بدأت الفكرة عندما علم شي ون هوا، اعتزام المنظمة إقامة مركز دولي للطاقة الشمسية. كان يعلم أن الأمم المتحدة لم تقم منذ إنشائها أية منظمة متخصصة لها في دولة نامية، فهي غالبا تختار المدن المتقدمة، مثل نيويورك وجنيف وفيينا الخ، وهناك منافسة شرسة بين عدد كبير من دول العالم، ومنها المتقدمة، لاستضافة هذا المركز. الأكثر، أن الحكومة الصينية عبرت عن رغبتها في إقامة هذا المركز في بكين أو شانغهاى، حيث لا توجد في هاتين المدينتين أية منظمة متخصصة للأمم المتحدة. وفوق هذا وذاك، المشاكل في لانتشو لا حصر لها، فالظروف الطبيعية قاسية، وموقعها الجغرافي ليس فيه ميزة، ثم أنها فقيرة في رأس المال وفي الكفاءات البشرية.

 

على مدى ثماني سنوات سعى د. شي ون هوا داخل الصين وخارجها إلى ترويج فكرة إقامة المشروع في لانتشو، وكتب تقارير عديدة مدعمة بمبررات دامغة مقنعة، إلى يونيدو في محاولة لإقناع مسئولي المنظمة بجدارة لانتشو، بالمشروع. لم تثمر جهود السنوات الأولى عن شيء، فكان أن أطلق د. شي ون هوا تعبيره الموجز المعبر: "لا يمكن"؛ لا يمكن أن تقام كل المنظمات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة في المدن المشهورة الجميلة، ولا يمكن أن تحرم الدول المتوسطة التقدم والنامية من المنظمات الدولية. وعندما سأل شي ون هوا خبراء يونيدو عن سبب عدم إنشاء المنظمات الدولية إلا في المدن المشهورة والجميلة، عجزوا عن تقديم إجابة، وقال أحدهم: "لقد جرى العرف على هذا"، فرد د. شي "ولكن هذا ليس صوابا، فالكرة الأرضية ملك لكل الدول، ويحق لأي دولة أن تقام بها منظمات دولية."

بعد هذا الحوار بدأ بعض مسئولي يونيدو ينظرون بجدية في طلب لانتشو استضافة المركز، وفي نوفمبر عام 2004، قام المدير العام السابق ليونيدو بزيارة تفقدية إلى المدينة، ثم عقد اجتماعا خاصا في مدينة هانغتشو، شارك فيه خبراء من بريطانيا وألمانيا وفرنسا وكندا، طرحوا استفسارات عديدة، وأجاب عنها جميعا شي ون هوا بثقة عالية، قبل أن يلقي كلمة رائعة أدهشت الجميع، مؤكدا أن لانتشو تعاني من مشكلات الفقر وتلوث البيئة، وعليه فإن إتاحة الفرصة لها لاستضافة المركز، ستعزز تنميتها الاقتصادية والاجتماعية وستساعد في رفع مستوى معيشة أبنائها، فتكون بذلك قدوة للمدن في الدول النامية الأخرى.

 

دعا شي ون هوا كثيرين من رؤساء الدول والعلماء الأجانب لزيارة القاعدة التجريبية للتدفئة بالطاقة الشمسية في لانتشو المقامة على 80 ألف متر مربع وتعد أكبر قاعدة من نوعها في آسيا، حيث زارها رؤساء ثماني دول وعلماء وخبراء من أكثر من مائة دولة، وأثنوا جميعا عليها. وقد كتب رئيس بيرو السابق ألبرتو فوجيموري، في سجل الزيارات للقاعدة: " الجهود العظيمة التي تبذلونها هنا تستكشف مستقبلا واعدا للفقراء والدول الفقيرة في العالم لتحسين معيشتهم باستخدام الطاقة الشمسية، أقدر جهودكم وأهنئكم بالمنجزات التي حققتموها!" وكتب د. جورتش لوف، عالم هندسة الطاقة الشمسية الأمريكي: "أنا على يقين بأن القاعدة التي أنشأتموها ستلعب دورا هاما كمركز عالمي لتطوير الطاقة الشمسية."

وسعى د. شي ون هوا لترويج برنامجه بين المسئولين الصينيين من أجل حصول على دعمهم. كان بعض المسئولين لا يعرفون أحوال قانسو وليس لديهم خلفية عن تقدم مدينة لانتشو في هندسة وتكنولوجيا الطاقة الشمسية، لدرجة أن أحدهم قال:"لا يمكن وضع هذا المشروع في لانتشو، ماذا يوجد في هذه المدينة؟" كتب شي ون هوا تقارير كثيرة بالصينية والإنجليزية وقدمها إلى المسئولين الصينيين وحاول بكافة السبل أن يقنعهم بالدلائل الكافية والأرقام الواقعية. ذهب إلى بكين، وانتظر أمام مكاتب المسئولين من أجل مقابلتهم، كان الانتظار يطول به أحيانا إلى أكثر من ثلاث ساعات كل يوم، حتى صار معروفا لدى فراشي مكاتب كبار المسئولين. هذه الجهود لم تذهب سُدى، فبعد حصول لانتشو على حق إقامة المشروع، رصدت كل من وزارة التجارة ولجنة الدولة للتنمية والإصلاح ووزارة العلوم والتكنولوجيا ثمانية ملايين دولار أمريكي لبناء هذا المركز الدولي، وخصصت حكومة مقاطعة قانسو له نحو ثلاثة ملايين دولار أمريكي، بالإضافة إلى قطعة أرض كبيرة.

 

النجاح له أكثر من مغزى

لا غرو أن استضافة مدينة تقع في مقاطعة تصنف ضمن المقاطعات المتخلفة اقتصاديا على مستوى الصين لمركز الطاقة الشمسية لليونيدو، له مغزى هام، للأسباب التالية:

أولا، لأن إقامة مركز الطاقة الشمسية في مدينة لانتشو المعروفة بأنها شديدة التلوث على مستوى العالم، سيساعد في تنمية المدينة، مما يدفع بدوره تنمية المنطقة الغربية وتقليل التلوث وتعزيز التوازن الأيكولوجي وتعديل هيكل إمدادات الطاقة، والمساهمة في تعميم هندسة الطاقة الشمسية في العالم، وكل هذا يلعب دورا إيجابيا في تعزيز تنمية وسلام البشرية وتضييق الفجوة بين الدول المتقدمة والنامية.

ثانيا، لأن الصين تحتل صدارة الدول النامية في تكنولوجيا الطاقة الشمسية ومنتجاتها وتجهيزاتها، حيث بدأ معهد بحوث الطاقة الطبيعية بقانسو منذ أكثر من 30 عاما دراسة استخدام الطاقة الشمسية وتعميمها. وابتكر المعهد أكثر من 130 نوعا من التقنيات، وتدرب به أكثر من 650 تقنيا متخصصا ومسئولا في مجال الطاقة الشمسية من 95 دولة. وشيدت بمحافظة يوتشونغ التابعة لمدينة لانتشو القاعدة التجريبية للتدفئة بالطاقة الشمسية.

ثالثا، لأن هذا المشروع واحد من عدد قليل للغاية من مشروعات الأمم المتحدة التي تقع في الصين.

في كلمته بحفل وضع حجر أساس المشروع قال مدير عام يونيدو: "اليوم، يبدأ هذا المشروع رسميا، وهو رمز لبدء التعاون بين يونيدو والصين في تنمية الطاقة المتجددة." وبعد الحفل، قام بزيارة القاعدة التجريبية للتدفئة بالطاقة الشمسية بلانتشو، حيث أثنى على جهود وأداء العاملين بها وعلى رأسهم د. شي ون هوا، ودعا إلى تعميم الطاقة الشمسية في الدول الفقيرة حيث أن تكاليفها أقل وفعاليتها أعلى. وقال مسئول في يونيدو، اسمه ايفرت كوك (Evert Kok): "أنا على يقين بأن هذا المركز قادر على إرشاد ودعم الدول النامية الأخرى في استخدام طاقة الشمس ومواجهة تحديات الإصلاح التكنولوجي."

 

الإخلاص للدين والوطن

شي ون هوا مسلم مخلص لدينه، وقدم مساهمات عظيمة في تعميم تكنولوجيا الطاقة الشمسية في العالم الإسلامي. في السنوات الأخيرة، زار كثيرا من الدول العربية في الخليج وشمال إفريقيا مثل تونس وجيبوتي والإمارات والبحرين والسعودية، ولاحظ أن معظم الدول العربية تتمتع بطاقة شمسية قوية، غير أنها متخلفة عن الدول الغربية في العلوم التكنولوجيا، فهناك إمكانيات كبيرة لتنمية الطاقة الشمسية، لتحل محل الوقود الأحفوري في المستقبل، وهو يشعر بأن مهمة مساعدة المسلمين في استيعاب هذه التكنولوجيا تقع على عاتقه. أقام د. شي دورتين تدريبيتين لتكنولوجيا الطاقة الشمسية في تونس وأثيوبيا، لم يكن خلالهما يساهم في تعليم التكنولوجيا ونشر المعلومات فحسب، بل في تعزيز الصداقة بين مسلمي الصين والدول الإسلامية ووضع أساس التبادل والتعاون بينها في الطاقة الشمسية في المستقبل.

وكواحد من أبناء قومية هوي، يحب قوميته ووطنه ويدافع عن مصالحهما. وقد واجه شي ون هوا في بعض المناسبات والمؤتمرات الدولية أسئلة حادة، من قبيل هل تتعرض الأقليات القومية في الصين للاضطهاد؟ وهل لديهم حرية اعتقاد؟ يرى الدكتور شي أن هذه الاتهامات ليست صحيحة. بصفته تقني مسلم، يشعر بأن الحزب الشيوعي الصيني، خاصة بعد الثورة الثقافية (1966-1976م)، يعامل كافة الأقليات القومية معاملة عادلة متوازنة، بل يمنحهم في بعض المجالات تفضيلات خاصة، ومن ذلك تقليل الحد الأدنى لهم للقبول بالجامعات عن نظرائهم من قومية هان وتشجيع إعداد خبراء وعلماء من الأقليات القومية الخ، وأوضح شي في عدة مناسبات دولية أن حرية العقيدة الدينية في الصين مكفولة للجميع، ويكرر شي ون هوا دائما قوله: "أنا فخور بأنني مسلم، وبأنني من مواليد محافظة تشانغجياتشوان الفقيرة، وابن قومية هوي".

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn