ã

مسلمو قومية منغوليا في آلشا

إمام من قومية منغوليا يتلو القرآن الكريم

في مناسبة دينية لمسلمي قومية منغوليا

عيد الأضحى

مدينة بايانهوت هي عاصمة لواء آلشا الشمالي بمنطقة منغوليا الداخلية الذاتية الحكم. في هذه المدينة الجميلة التي ترتفع ألفي متر عن سطح البحر، وتحرسها من الشرق جبال خلان ومن الشمال صحراء أولانبوخه، يعيش مسلمون من قومية منغوليا، منهم عدد ليس قليلا من الرعاة يقطنون واحات تلك الصحراء. هؤلاء المسلمون يتمسكون بعادات وتقاليد قوميتهم في لباسهم وزينتهم وكلامهم، والشيء الوحيد الذي يميزهم عن اخوتهم من أبناء القومية المنغولية الذين يدينون باللامية هو أنهم يعتنقون الإسلام دينا، وكتابهم هو القرآن، ولذا يطلق عليهم "هوي هوي منغوليا" أو "هوي هوي ذوي غطاء الرأس"، تشبيها لهم بأبناء قومية هوي المسلمين. 

كيف أصبحوا مسلمين؟

حسب كتاب ((قومية منغوليا بلواء آلشا والإسلام)) الذي ألفه العالم المسلم آن منغ خه، ابن قومية منغوليا، يرجع تاريخ اعتناق أبناء قومية منغوليا الإسلام إلى زمن أسرة يوان (1271-1368 م)، فخلال نصف قرن، ابتداء من أوائل القرن الثالث عشر الميلادي، شن المنغول غزواتهم الغربية، في وسط وغربي آسيا، وعادوا بدفعة بعد دفعة من العرب والفرس وأبناء آسيا الوسطى إلى الصين، مما دفع انتشار وتطور الإسلام في الصين، خاصة في شمال غربي الصين. وفي سنة 1280 أثناء فترة حكم الإمبراطور يوان شي تسو، أعلن الملك المنغولي آ نان دا وجنوده الذين بلغ عددهم 150 ألف جندي اعتناق الإسلام دينا، وهكذا تشكلت بدايات الوجود الإسلامي في قومية منغوليا، وكان الملك آ نان دا يجيد اللغة العربية ويحفظ القرآن، وسعى خلال فترة حكمه التي دامت 28 عاما إلى نشر الإسلام بين جنوده، وأصدر أوامره بختان الذكور من الأطفال. ونتيجة لجهوده، دخل كثير من المنغول الإسلام حتى بعض الذين كانوا يعارضون الإسلام من قبل، الأمر الذي دفع انتشار التقويم العربي في الصين أيضا. بعد وفاته في عام 1397، ظل الإسلام منتشرا في المناطق التي كانت تابعة له، غير أنه بعد سقوط أسرة يوان وتأسيس أسرة مينغ (1368-1644م)، اندمج المسلمون من قومية منغوليا وأحفادهم في القوميات الأخرى التي تدين بالإسلام مثل قوميات هوي وباوآن ودونغشيانغ الخ.

في فترة أسرتي مينغ وتشينغ الإمبراطوريتين (1368- 1911م)، انتشر الإسلام بين أبناء قومية منغوليا تدريجيا، ففي أوائل أسرة تشينغ، كان آلشا تابعا لقبيلة خشوته في شينجيانغ وتشينغهاى، وقد وصل إليها المنغولي هولى، وهو من ذرية جنكيز خان، في عام 1686، يقود سبعة آلاف من الرعاة ينتمون لأربع قبائل، حيث أعلن الخضوع لأسرة تشينغ بعد أن تمرد عليها زعيم إحدى القبائل المنغولية، فأصبح هولى واليا على آلشا، وأمر الرعاة المنغول غير المسلمين باعتناق الإسلام وطلب من المسلمين من غير أبناء المنغول تغيير انتمائهم العرقي إلى قومية منغوليا والتخلي عن قومياتهم الأصلية، مثل ويغور وقازاق، وكان هؤلاء ينتمون إلى خمس عائلات لكن عددهم غير معروف. وفي عام 1714 استطاع حفيد هولى، بدعم من أسرة تشينغ، أن يهزم قبيلة قازاقية متمردة وعاد بمائتي أسير قازاقي إلى لواء آلشا، فأضافوا منبعا آخر لمسلمي قومية منغوليا، استوطنوا في لواء آلشا، وقد وصل عددهم 1500 شخص خلال مائتي سنة، وقد قيل إن أصول بعض المسلمين من قومية منغوليا ترجع إلى قومية قرغيز بشينجيانغ وقومية هوي بشنشي وقانسو وتشينغهاي ونينغشيا أيضا، وفي عام 1955 قررت الحكومة أنهم من قومية منغوليا.

وفقا لما يرويه بعض مسلمي آلشا، لم يستطع أسلافهم، في بداية هجرتهم إلى هذا المكان، التكيف مع عادات وتقاليد قومية منغوليا، مثل مناسبات الزفاف والجنازة، ولكنهم بمرور الوقت، وبتـأثير أبناء قومية منغوليا، صاروا يشبهون أبناء منغوليا في لباسهم وحليهم، بل وتحدثوا لغتهم، وإن كان هذا لا يمنع وجود بعض المفردات الإسلامية في لغتهم مثل ((السلام)) بالعربية و((الجد)) و((الوالد)) و((الأخت)) بالتركية، واستوعب مسلمو آلشا كثيرا من عادات وتقاليد أبناء قومية منغوليا وثقافتهم في الطعام، فصاروا يشربون الشاي بالحليب والجبن، ويأكلون لحوم الغنم والبقر ومنتجات الألبان والأرز الخ، ولكنهم يتمسكون بتعاليم الإسلام، فلا يشربون الخمر ولا يدخنون.

برغم تعدد أصول مسلمي منغوليا، فإنهم منذ نحو ثلاثمائة سنة، يتمسكون جيلا بعد جيل بالإسلام، ويلتزمون بأركانه الخمسة وبالشريعة الإسلامية، ويرجع ذلك إلى ثلاثة أسباب:

الأول، أن لواء آلشيا ينفذ منذ أكثر من مائتي سنة سياسات خاصة لإدارة هوية السكان، حيث تنص السياسات على أن كل من يقيم في آلشا، أيا كان مسقط رأسه وقوميته، فإن هويته تنتمي إلى لواء آلشا، ويخضع لقوانين آلشا وتقاليده وعاداته، وإلا عليه أن يواجه قيودا كثيرة في مجال السياسة والإنتاج والحياة اليومية، وهي قيود تجعل حياته بها أمرا شبه مستحيل؛

 الثاني، الزواج بين مسلمي آلشا في نطاق اللواء، وعدم الزواج مع غير المسلمين، ومن ثم فإن من أراد من غير المسلمين أن يتزوج من أبناء قومية منغوليا المسلمين أن يسلم أولا؛

 الثالث، احترام غير المسلمين بآلشا لعادات وتقاليد مسلمي منغوليا، بل أحيانا يدعو غير المسلمين أئمة منغوليين مسلمين لنحر الذبائح لهم من أجل تكثيف التبادل والعلاقات الودية مع المسلمين. 

مساجد قومية منغوليا والحياة الدينية

المسجد الذي ينطقه مسلمو قومية منغوليا "موهتشيده"، يلعب دورا لا غنى عنه في حياة مسلمي آلشا. في عيدي الأضحى والفطر ومناسبة المولد النبوي يتوافد المسلمون إلى المسجد، ومعهم الطحين والزيت والماعز الخ. الرجال يذبحون الماعز والنساء يصنعن من الطحين مأكولات خارج المسجد، وبعد تناول الطعام يتوضأ الرجال ويؤدون الصلاة ثم يتجهون إلى المقابر لزيارتها، وهم يحتفلون بذكرى الإسراء والمعراج في شهر رجب الهجري.

حسب مصلحة الشؤون الدينية والقومية بلواء آلشا، ينتمي مسلمو قومية منغوليا إلى مذهب الخُفية، ويبلغ عددهم ثلاثة آلاف، وتتجاوز مساحة لواء آلشا مائتي وتسعين ألف كيلومتر مربع. بسبب انخفاض الكثافة السكانية، تعيش أسر المسلمين في أماكن متباعدة، ولذا يكون من الصعب عليهم أداء الصلوات كلها في المسجد بسبب عدم وجود مساجد بالقرب من بيوتهم، وبسبب قسوة الظروف الطبيعية، ولهذا فهم يتخذون من خيمتهم "مسجدا صغيرا"، يصلون فيه باستثناء صلاة العيدين والمناسبات الأخرى، حيث يصلي أفراد الأسرة الصلوات اليومية وصلاة الجمعة في الخيمة إذا تجاوز عددهم أربعة أفراد.

بنى أول مسجد في منطقة آلشا في عام 1852، وكان عبارة عن مكان للصلاة وتلاوة القرآن فقط، غير أن وظائفه كانت محدودة لا تسد حاجات المسلمين، ولهذا طالب المسلمون الحكومة أن تبني مسجدا حقيقيا لهم، وقد قوبل طلبهم بالرفض حتى عام 1899، عندما أشرف إمام اسمه كبور على بناء مسجد من الطوب والخشب من أجل نشر العلوم الإسلامية، وتم إنجاز البناء عام 1890، وأطلق عليه اسم مسجد هاولباو أو المسجد الجنوبي، هو مكون من قاعة للصلاة مساحتها مائة متر مربع وثماني غرف للتدريس والسكن وميضأة. أعمدة قاعة الصلاة مزخرفة بأشكال الطيور والأزهار وطوب الجدار منقوش بزخارف مختلفة. وقد كان هذا المسجد أعلى مستوى لفن الرسم والنقش في ذلك الوقت، كما أنه نموذج لفن العمارة الإسلامي.

في عام 1920، بموافقة حكومة آلشا، بنى في مدينة بايانهوت مسجد آخر من الطوب والخشب، أطلق عليه مسجد بُوقت أو المسجد الشمالي، وهو أجمل من مسجد هاولباو، غير أنه هدم في فترة الثورة الثقافية (1966-1976م). وفي عام 1986، استجابة لمطالب المسلمين، خصصت الحكومة مبلغا من المال لإعادة بنائه، حيث شيدت قاعة للصلاة مساحتها 88 مترا مربعا، وسبع غرف للتدريس والنوم والمطبخ والميضأة، ولكن للأسف لم يستعد المسجد بهاءه الأصلي، برغم جهود الحكومة. اليوم، المسجدان هما أهم مراكز نشاطات المسلمين الهامة في آلشا، حيث يؤدي مسلمو قومية منغوليا فيهما صلاة الجمعة ويتلون القرآن ويدرسون العلوم الإسلامية، ويلقي أئمة قومية منغوليا فيها خطبهم.

وقد زاد عدد الأئمة وشيوخ المسجد (آهونغ) وطلبة المساجد(مانلا) في آلشا، حيث يوجد مانلا واحد في المتوسط لكل أسرة. وحسبما قال عجوز هنا، لم يكن الجيل الأول من العشرة أجيال للأئمة في آلشا منذ استيطان المسلمين بها، من المنغول، بل أئمة قدموا إليها من شينجيانغ ونينغشيا، بعد ذلك نشأت أجيال من الأئمة المنغول الذين ازداد عددهم. وأبرز الأئمة المنغول هو الإمام ووليجي الذي يتقن العربية والصينية والمنغولية وذو معرفة واسعة وأخلاق سامية، ويتمتع بشهرة عالية لدى مسلمي منغوليا. في ثلاثينات القرن الماضي، تغلب ووليجي على كثير من المصاعب وسافر إلى الحجاز لدراسة اللغة العربية والعلوم الإسلامية وأداء فريضة الحج، وقد أمضى سنة وأكثر في دراسة القرآن، فكان الإمام الوحيد الذي أدى فريضة الحج في تاريخ المسلمين المنغول، بالإضافة إلى ذلك نجح في إعداد كثير من المعلمين، وقد أصبح أولاده الأربعة أئمة، وبذلك قدم مساهمة بارزة للتعليم الإسلامي في تاريخ الصين. 

عادات وتقاليد مسلمي قومية منغوليا

يطلق مسلمو قومية منغوليا على العيد "دوبا"، وهم يحتفلون بكل المناسبات الإسلامية مثل شهر رمضان وعيدي الفطر والأضحى والمولد النبوي، كما أنهم يولون أهمية خاصة لزيارة القبور، في تقليد يشبه عيد تشينغمينغ لقومية هان. في ثاني يوم جمعة من الشهر القمري الخامس وفقا للتقويم الصيني، يجتمع المسلمون المنغول في مرج آرسو لزيارة قبور أقاربهم وأصدقائهم وترميمها. ويقال إن مرج آرسو كان في السابق سهلا فسيحا تنتشر فيه القبور مشتتة، وكانت كل أسرة تدعو إماما للإشراف على توزيع "الرحمة والنور" وتلاوة القرآن، ولكن الوقت لم يكن يكفي لأن يمر الأئمة على جميع القبور المتباعدة في المرج، فاتفق المسلمون على زيارة القبور معا في يوم جمعة، وبمرور الزمن أصبح هذا اليوم عيدا لهم، ازدادت أهميته وطقوسه في السنوات الأخيرة، حيث يذهب كل أفراد الأسرة إليه حاملين الخيام واللحوم والطحين، ويسلمونها لشخص مخصص لسلق اللحوم وإعداد الزلابية المسكرة بالزيت، ثم توزيعها على الجميع بعد أداء صلاة الجمعة. بعد تناول الطعام، يجلسون ويتحدثون في أجواء تعمها المحبة والود، وقد تقام بهذه المناسبة مسابقات في المصارعة وسباق الخيل والإبل إن كان الحصاد وافرا.

تختلف عادات وتقاليد حفل الزفاف لمسلمي منغوليا عن عادات أبناء قومية منغوليا غير المسلمين، فهي أقرب إلى عادات أبناء قومية هوي المسلمين، حيث يُدعى إمام أو شيخ إلى حفل الزفاف ليعقد القران بقراءة كلمة النكاح لكي يسمعها الله، فهم يعتقدون أن روحي العروسين لا يمكن أن تتحولا إلى روح واحدة إلا إذا قرأ الإمام كلمة النكاح. بعد القراءة، تقسم العروس شعرها الطويل إلى ضفيرتين، وتعلقهما فوق رأسها وتزينها بالحلي. ويشكل أقرباء العريس والعروس فريق استقبال للعروس وموكب الإبل والخيل، ويسيرون نحو بيت العريس يغنون، وبعد الوصول يقدم صاحب البيت لهم مأدبة فخمة.

ويتمسك مسلمو قومية منغوليا بأسلوب الدفن الإسلامي، فهم يحرمون دفن موتاهم بشكل عشوائي وحرق الجثة، بينما يحرق أبناء قومية منغوليا غير المسلمين جثث موتاهم كي تتحول إلى رماد وتندمج مع الطبيعة. مراسم الجنازة لمسلمي منغوليا تشبه جنازة أبناء هوي، فهي تشمل غسل الميت وتكفينه بكفن مكتوب عليه آيات من القرآن، والصلاة على الميت والدعاء له وتلاوة القرآن والدفن في التراب. ومن مبادئهم في الجنازة أن إكرام الميت دفنه، وأن يكون الدفن عميقا وبمراسم بسيطة، فلا ينبغي أن يتأخر الدفن عن 24 ساعة. يوجد حاليا في بايانهوت مقبرة عامة للمسلمين مساحتها 6،67 هكتارات، دفن فيها حتى الآن، وفقا لما جيان جيون، إمام مسجد باين، أكثر من 60 مسلما.

مثل معظم المسلمين الصينيين، يتبع المسلمون المنغول العادات والتقاليد والسلوكيات الإسلامية، فتحيتهم هي "السلام عليكم"، ويدعون الأئمة إلى بيوتهم لتلاوة القرآن. ولكن مسلمي قومية منغوليا يتبعون بعض تقاليد قوميتهم، مثل تقديم القرابين للنار الخ.

إن تأثير الإسلام الواضح في عادات وتقاليد مسلمي قومية منغوليا، الذين يحتفظون أيضا بثقافة وعادات قومية منغوليا، دليل على قدرة الإسلام على التكيف مع الثقافات المحلية، ودليل على الانسجام بين الإسلام كدين، وبين الثقافة المنغولية التقليدية.

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.