ã

من يوميات سفير الصين السابق لدى العراق

أربعمائة يوم تحت النار

يان جيون يان، مراسل صحيفة ((هوانتشيو)) الصينية

لي هوا شين

 

بعد خروجه مباشرة من مطار بغداد الدولي رأى لي هوا شين، لافتة مكتوب عليها "منطقة عسكرية". ارتدى الرجل الذي وصل العراق سفيرا لبلاده سترة واقية من الرصاص، وصعد سيارة ضد الرصاص قطعت به الطريق من المطار إلى وسط بغداد، المعروف باسم طريق الموت. كانت السيارة تتلوى في الشوارع والأزقة ويتعاظم معها الشعور بالانقباض والتوتر اللذين أثارهما الجو الخانق في العاصمة العراقية التي لم يرها السفير في زمن السلم. مشهد الوصول سيظل حيا في ذاكرة سفير الصين السابق لدى العراق لي هوا شين طول عمره، يضاف إليها أربعمائة يوم وليلة، ما بين نوفمبر 2005 حتى فبراير 2007، أمضاها في العراق. كانت فترة مشحونة بالمخاطر والمشقات.

في عامي 2004 و2005، اختطف أكثر من عشرة مواطنين صينيين في العراق على التوالي، وشارك لي هوا شين، الذي كان يشغل منصب نائب مدير إدارة غربي آسيا وشمالي أفريقيا بالخارجية الصينية حينذاك، في أعمال الإنقاذ من موقعه في بكين. وفي نهاية عام 2005، وطأت قدمه أرض العراق.

دبلوماسي في قلب الأحداث

شهد لي هوا شين خلال فترة عمله بالعراق إعادة إعمار العراق في المجالات السياسية والديمقراطية والمعيشية.

في فبراير عام 2006، تم تفجير ضريح الإمامين علي الهادي وابنه حسن العسكري للشيعة، مما أثار نزاعا طائفيا هائلا في العراق. في الوقت ذاته، تفاقم الوضع الأمني، وتجاوز متوسط عدد القتلى ثلاثة آلاف فرد شهريا، ونزح مئات الآلاف من العراقيين، وبلغ عدد القتلى من المدنيين أكثر من ستمائة ألف فرد بسبب العنف منذ نشوب الحرب على العراق.

وخلال تلك الفترة شن الإرهابيون هجمات وقاموا بعمليات اختطاف واغتيال للأجانب بشكل عام، والدبلوماسيين بشكل خاص، فكان ذلك تهديدا حقيقيا بالموت للدبلوماسيين المقيمين في العراق.

على الرغم من الوضع المضطرب، باشرت سفارة الصين لدى العراق العديد من الأعمال بصورة منتظمة ومنظمة. وقد تعرض السفير لي هوا شين نفسه لتهديد القنابل خلال زياراته لأماكن مختلفة في العراق. وفي عام 2006، زار السفير لي الرئيس جلال الطالباني ورئيس الوزراء نوري المالكي ووزير الخارجية هوشيار زيباري وغيرهم من المسئولين بالدوائر الحكومية المعنية مرات، كما التقى مع بعض قادة الطوائف والأحزاب وكبار الشخصيات والأصدقاء العراقيين لإطلاعهم على سياسات الصين ومواقف الحكومة الصينية من مختلف القضايا، وذلك من أجل بحث سبل تعزيز العلاقات الصينية العراقية وتقديم صداقة الشعب الصيني وتمنياته الطيبة لهم. ومن خلال هذه التعاملات، شعر السفير لي بصداقة العراقيين للصينيين وتقديرهم للسياسات الصينية ذات الصلة وآمالهم لتعزيز العلاقات الودية والتعاون الوثيق بين البلدين.

بالإضافة إلى ذلك، اغتنمت سفارة الصين لدى العراق التغيرات التي شهدتها الساحة العراقية للحفاظ على اتصالات سلسة وفعالة مع حكومة العراق، ودفعت التبادل والتعاون في كافة المجالات على أساس الصداقة الطويلة المدى بين شعبي البلدين، مما أرسى أساسا ثابتا لآفاق واعدة للعلاقات الصينية العراقية.

وفي عام 2006، وقع السفير لي ووزير المالية العراقي اتفاق تعاون تقدم الصين بمقتضاه مساعدات تقنية للجمارك العراقية. إضافة إلى ذلك، دربت الصين مجموعة من الموظفين الحكوميين العراقيين المتخصصين في إدارة الشئون الاقتصادية والنفطية بدعم وتنسيق من سفارة الصين لدى العراق، وبلغ عدد الطلاب العراقيين الذين وفدوا للدراسة بالصين أربعين طالبا. وقام وزيرا الثقافة والنفط العراقيان ورئيس هيئة مكافحة الفساد العراقية وغيرهم من كبار المسئولين العراقيين بزيارة الصين، كما شارك وفد من الحكومة العراقية في الدورة الثانية للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي في بكين. وحسب إحصاء غير شامل، زاد حجم التجارة الصينية العراقية بنسبة 20% عام 2006، وبلغ عدد العراقيين من شتى الأوساط الذين زاروا الصين عدة آلاف.

 

رصاص في مسكن السفير

قبل سفره إلى بغداد، كان السفير لي هوا شين يعرف عن العراق الكثير، ولكن ما رآه في العراق على أرض الواقع فاق خياله.

لم تكن لافتة "منطقة عسكرية" التي وضعتها القوات الأمريكية خارج مطار بغداد، ولا السترة الواقية من الرصاص والسيارة المضادة للرصاص والمرور بطريق الموت هي كل ما أقلق الرجل، ولكن ما أقلقه حقا هو تعرض مسكنه صباح يوم 29 نوفمبر عام 2006، لرصاصة عشوائية قطرها 7ر12 ملم من رشاش ثقيل اخترقت زجاج شرفة وظهر أريكة سمكها حوالي 15 سنتيمترا وأحدثت ثقبا عمقه سنتيمتران في جدار الغرفة. كان السفير لي يعمل في غرفة مجاورة عندما أصابت الرصاصة مسكنه. وفي اليوم السابق، كان يعقد اجتماع عمل لأعضاء السفارة في ذات الغرفة التي تعرضت للطلقة النارية وكان أحدهم يجلس على الأريكة التي اخترقتها الرصاصة.

في بداية ديسمبر من ذات العام، تعرضت شرفات ثلاث غرف يقيم بها موظفون بالسفارة لرصاصات طائشة أيضا، ومن حسن حظهم أن أحدا منهم لم يصب. كانت أجهزة الإعلام الصينية تتابع ما تعرض له مسكن السفير وأعضاء السفارة. وقد سأله صحفيون ما إذا كان ركب الزجاج المضاد للرصاص في مسكنه بعد الحادث فأجاب بأن ظروف الفندق الذي تقع به السفارة الصينية لا تسمح بذلك، وأنه ليس أمامهم إلا اليقظة والانتباه لسلامتهم، إضافة إلى إجراءات حراسة محدودة.

 

معرض لأولمبياد بكين في بغداد

أقامت سفارة الصين لدى العراق معرض صور بعنوان أولمبياد بكين 2008 بقاعة في الفندق الذي تقع به السفارة، وهي نفس القاعة التي عرضت بها من قبل صور أطلال الفندق بعد تعرضه لقصف القنابل، مما شكل صورة صارخة للتناقض بين أجواء الحرب وروح السلام الأولمبية.

الضغط النفسي الذي يتحمله موظفو السفارة ثقيل للغاية؛ فأصوات الانفجارات والرصاص وتحليق الطائرات الأمريكية فوق الفندق كل يوم وهجمات قذائف الهاون المتكررة التي يشنها المسلحون على المنطقة الخضراء تجعل حياتهم قاسية، فالفندق الذي تقع به السفارة يبعد أقل من كيلومتر عن المنطقة الخضراء، التي بها سفارتا الولايات المتحدة وبريطانيا، ومن ثم فإن احتمالات الإصابة غير المتعمدة جد مرتفعة بسبب سوء دقة الأسلحة، وقد سقطت القذائف مرات عديدة في ساحة الفندق، الذي يجاور أيضا قسم شرطة ومعسكرا صغيرا يتعرضان من حين لآخر لهجمات من جهات غير معروفة.

 

السفير يقود عملية تخفيف الضغوط

سفارة الصين لدى العراق في حالة طوارئ مستمرة، وكل موظف بها مطالب باتخاذ كافة إجراءات السلامة، وتقوم السفارة بتحديد التحركات وتعزيز الحراسة لمواجهة الأخطار.

في الوقت ذاته، على موظفي السفارة التغلب على الصعوبات النفسية والبدنية التي يواجهونها، فتلوث جو وماء وتربة العراق جد شديد، ولذا يشعر كثير من الموظفين بضيق التنفس والصداع والأرق والحساسية الجلدية والطفح الجلدي، ومع ذلك، يحاولون الحفاظ على تفاؤلهم ويضعون مصالح الصين الدبلوماسية على قمة أولوياتهم. ومن جانبه حاول السفير لي خلق ظروف نفسية مساعدة من خلال تنظيم نشاطات رياضية وثقافية وترفيهية لأعضاء السفارة، وفي الأعياد، وجهت السفارة الدعوة لكل الصينيين المقيمين في العراق إلى السفارة للاحتفال معا.

 

دفء في العراق

تتسلم سفارة الصين لدى العراق بين حين وآخر رسائل من الدوائر الحكومية المعنية ووسائل الإعلام والأفراد من الصين، تحمل تحيات وتمنيات صادقة لأعضاء السفارة فتكون حافزا لهم على الاجتهاد في العمل. وبمناسبة حلول عام 2007، أرسل وزير الخارجية الصيني السابق لي تشاو شينغ رسالة تهنئة إلى السفارة وأرسلت وزارة الخارجية الصينية إلى كل موظفي السفارة، بطاقات تهنئة موقعة من أهاليهم في الصين. هذه البطاقات يعلقها الآن كل موظف على سريره في غرفهم الصغيرة المفعمة برعاية الأهل والوطن.

في الثاني عشر من ديسمبر عام 2006، وقع انفجار في ميدان الطيران الذي يبعد سبعمائة متر فقط عن الفندق الذي تقع به السفارة الصينية. بلغ عدد ضحايا هذا الانفجار قرابة ثلاثمائة فرد ما بين قتيل وجريح. وقد هز الانفجار نوافذ الفندق بقوة وغطت سحب الدخان سماء المكان، وقد سجل موظف بالسفارة هذا المشهد المرعب بكاميرا فيديو.

في مساء ذلك اليوم، وصل منتخب العراق لكرة القدم نهائي دورة الألعاب الآسيوية بالدوحة، وأطلق العراقيون من شتى الأحياء ببغداد النار إلى السماء احتفالا بالفوز، فقد نالوا سعادة نادرة وقصيرة.

وتعليقا على هذا قال السفير لي هوا شين إن العراقيين شهدوا الحزن والفرح في يوم واحد، وعبرت أصوات الرصاص عن نوعين مختلفين من المشاعر، ونأمل أن تستمر السعادة في العراق أكثر، فالعراقيون يستحقون أن يتمتعوا بالسلام والأمن، وأتمنى أن يتحقق السلام في أسرع وقت ممكن.

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.